فإن من واجب البشرية على هذا الدين الخالد أن تستمر حركة الحياة مستهديةً بوحي هذا النور الرباني. وإن كون هذه الشريعة المحمدية –على صاحبها الصلاة والسلام- نزلت وشهدت تمثلها الحضاري في الأحقاب الخالية من التاريخ لن يكون أبدا أمارة محدوديتها في البعد الزماني المعيَّن, ومن ناحية أخرى فإن الرسالة المحمدية لم تدعُ البشرية أبدا إلى وقف حركة التاريخ والتقدم البشري على القوالب الجاهزة والأنماط الجامدة اقتصارا على التأسي القاصر.
يجب على الأمة الإسلامية عامة أن تترجم هدي الإسلام إلى صور حية، قوية الحركة، شديدة التأثير بالغة الإقناع. وإن الدعوة إلى مواكبة العصر في تطبيق الهدي الإسلامي هي أقل ما تسمح به براءة ذمة المسلمين في واجبهم تجاه هذا الدين، والتنادي للعودة إلى الوراء وإيقاف العمل الإسلامي على مجرد قوالب قديمة من التدين يعتبر جناية على هذا الدين واغتيالا لخصائصه الحيوية.
إلا أن هذا الدين لا يطالب أهله بمواكبة العصر فحسب، بل المطلوب وكما يليق بعظمة هذا الدين هو مسابقة العصر وقيادة المسيرة الإنسانية في المرحلة القادمة. لذلك يجب ألا تقتصر بحوث العلماء وطلاب العلم على الإجابة على المسائل الطارئة والنوازل الحاصلة، لكنها لا بد أن تتجاوز كثيرا من الحواجز الزمانية والحدود المكانية لكي تفتح للناس آفاق المستقبل و ترسم لهم معالم التقدم المطلوب إسلاميا وإنسانيا في المرحلة القادمة لهذا المسرح الحياتي.
وليس بعزيز على هذا الشرع الرباني أن يدل البشرية إلى آفاق واسعة من التطلعات المستقبلية. بل الأمر أفرض من ذلك، فإن التقصير في وضع الخطط لرسم مستقبل الإسلام يعتبر ثغرة مكشوفة يحاسب عليها أعيان هذه الأمة.
إن سد هذه الثغرة في مجال البحث يعتبر من أفرض فروض الكفاية وقد شهد فيها قصورا وتقصيرا كبيرين، حيث إن أنظار معظم الباحثين اتجهت إلى كنوز الماضي من التراث الإسلامي، ونِعمَ التراث، لكن ستبقى تلك الدراسات والكتابات حبرا على ورق إن لم نعززها بنوع آخر من الدراسات يكمِّل الحلقة بدراسة الواقع ورسم التصورات المستقبلية.
وعملية مواكبة العصر لن تكون خطوة لبناء المستقبل الإسلامي المتفوق الرائد إذا كان الاهتمام مقتصرا على مسايرة حركة الحياة الواقعية دون التطلع لخلق أفكار رائدة سباقة تسبق العصر وتفوق المألوف. وستبقى الخطوات المتخذة تجاه الواقع ردود أفعال حائرة، ما لم يكن للمسلمين رؤية مستقبلية ممنهجة أصيلة.
وأهم من ذلك كله فإن صياغة الرؤية المستقبلية الإسلامية هي أكبر من أن تكون إبراز فكر أو إثبات نظرية، لأن مقاصد الشرع العامة تتعلق بها مصالح البشرية جمعاء. والإعلان السماوي بأن الإسلام رحمة للعالمين إيذان أيضا للأمة بأن تكون الصور التطبيقية للإسلام تغطي مصالح البشرية جمعاء عبر العصور دون استثناء ولا تمييز.
ولما كان من الثابت إسلاميا أن انحطاط المسلمين يشكل خسارة جسيمة للعالم بشكل كبير، فإن تحقيق التقدم من قبل المسلمين أنفسهم قد بات مهمة جليلة، فلن تبرأ ذمة المسلمين حتى يحققوها ماثلة ملموسة في حياة الناس. وهذا التقدم لن ينبت إلا من بذرة مقاصد الشرع الإسلامي الأصيل.
من منطق المصارعة إلى نهج المسارعة
نعم قد عاش في هذا الزمن أناس بعقول القرون السابقة لا يعون ما حولهم من التغيرات ولا يفقهون ما لأمر الدين من لزوم مواكبة العصر، فهؤلاء ما زالوا يحتاجون إلى إفاقة سريعة من سراب أحلام الماضي. إن الماضي المجيد لأفضلُ زادٍ لخوض معركة البناء المستقبلي، لكننا لن نتقدم إذا كانت الوجوه ملتفّة إلى الوراء. يجب أن نضع موروثاتنا التاريخية في وضع يتجاوب مع كل عوامل العصر ليَنتج عنه واقع جديد وفقا لتطلعاتنا وبناءً على رؤيتنا.
يجب أن تنتهي مرحلة الانبهار بالحضارة الحديثة، ويفترض أن تتم عملية مواكبة العصر بسلاسة. إن البقاء على منطق مسايرة الواقع سيُبقي الأمة في موقع الأذيال وسنبقى نحن المسلمين عيالا على إنجازات الآخرين.
لقد استمرأ الناس لهجة التشكي على الوضع واعتادت الأسماع على سبِّ الظروف، وقد كان من الحزم أن نشعل الشمع بدل أن نلعن الظلام.
ضرورة التهيئة لمرحلة جديدة
قضايا ملحة في ميدان المقاصد
1- من الدوران على الذات إلى الانفتاح للعطاء
كانت صياغة الإمام الشاطبي رحمه الله للمقاصد أن تعتبر الضرورات الخمس هي محور مقاصد الشريعة وتكون الحاجيات حامية لهذه الضرورات حافظة لها وكذلك التكميليات للحاجيات. وهذه الصياغة مع أنها صحيحة في حد ذاتها إلا أننا لا ينبغي أن نجمد عليها لأنها توحي بحركة الدوران على الذات، كأن الشرع كله جعل لخدمة الذات. وهذا إيحاء قوي مع أنها ليست حتمية ولا مصيبة إذ يمكن تصور المقاصد كحركة انفتاحية توسعية تنموية تهدف وتتحرك نحو عطاء حضاري متجدد. وهذا التصوير الجديد للمقاصد يَعتبر الضروريات الأساسات الضرورية للبقاء من أجل البناء عليها وليس الغاية الأساسية.
ثم ينطلق هذا التصور إلى الحاجيات باعتبارها قواعد انطلاق العطاء. وتكون التكميليات هي مميزات التفوق التي يفرضها ميدان التميز الحضاري. وبهذا التصور ندفع بالمسلمين إلى الخروج من قوقعة المصالح الذاتية إلى القيام بالدور الحضاري الإنساني المطلوب.
إن طبيعة العصر الحديث ووضعية ثقافة الناس تستوجب مخاطبة وكتابة من النوع الجديد الذي يتلاءم مع دواعي التقدم وطموحات الرقي الإنساني الحديث. وقد يكون اختلاف أساليب القرآن بين القرآن المكي والقرآن المدني خير دليل على حتمية المرونة والتنوع السلس في الخطاب الشرعي.
قد يكون الشيء صحيحا في ذاته صوابا في حقيقته، لكنه لن يشهد قبولا أو يغيِّر واقعا إذا لم يكن مقنعا لعامة الناس بشكل كاف. وإن ما أبرزه علماء المسلمين من مقاصد حسنة للشريعة الإسلامية يشكل إنجازا عظيما في تقديم حقيقة مهمة في هذه الشريعة، ولكن ما توصل إليه عصرنا الحديث من تصورات لدواعي التقدم وأشكال التطور يستوجب على دعاة الشريعة الإسلامية أن يقدموا تصورات تجاري بل وتفوق تلك التصورات بشكل أكثر إقناعا وأكثر تحقيقا للمصلحة.
قد تكون صياغة (حفظ الضرورات الخمس) مقنعة زمن الإمام الغزالي وما بعده قبل حدوث الثورة الصناعية في عالم الغرب، لكنه لم يلبِّ دواعي التقدم ولم يكتسح كل مجالات الرقي البشري في عصرنا الحاضر. فضلا على أن النصوص قد دلت وحثَّت المسلمين على ما هو أبعد من (الحفظ) الذي يعني مجرد إبقاء الحال كما هو. مع أن الإمام الشاطبي رحمه الله يتكلم عن الحفظ من جانبي (الوجود) و(العدم) ولا يكتفي بما ذكره الغزالي، ولكن يبقى التعبير بالحفظ تعبيرا قاصرا عن تطلعات الشرع الذي يأمر بالزيادة والتنمية والتوسع في كل مجالات الخير. وعبارة ابن تيمية قد تكون أقرب إلى المطلوب وقد قرر في مواضع كثيرة أن مقصد الشريعة دائما: “تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها.” فهي أبعد من عملية الحفظ ولكنها تحصيل وتنمية لجميع أنواع المصالح.
ومحاولة الإمام الغزالي في حصر مصالح العباد على (الضرورات الخمس) لم يكن خطوة نهائية، فقد جاء من بعده بزيادة (العِرض) على تلك الخمس باعتباره مغايرا عن (النسل). ثم توقف عقل الأمة قرونا عن التفكير في الزيادة على ذلك حتى جاء العلامة ابن عاشور بمقاصد السماحة والفطرة والحرية. وزاد الدكتور جمال الدين عطية خطوات أبعد من ذلك حيث دعا إلى توسيع المقاصد في المجالات الأربعة وهي الفرد والأسرة والأمة والإنسانية. وهي نقلة فكرية مباركة تتطلب مزيدا من التأصيل ثم التفصيل ثم التفعيل.
وحتى ترتيب المقاصد إلى ضروريات وحاجيات وتحسينيات يحتاج إلى نوع من التطوير والتفصيل خاصة بعد أن تقدم العالم الأمريكي أبراهام ماسلو في منتصف القرن الماضي بنظريته عن هيكلية الحاجات الإنسانية (hierarchy of human needs). فإنه جاء بتصور أكثر تفصيلا وأحسن ترتيبه فيه.
فقد اعتبر أن أكثر حاجات الإنسان إلحاحا هو (1) الحاجات الفيسيولوجية كالمأكل والمشرب والملبس ثم (2) الحاجة إلى الشعور بالأمن ثم الحاجات النفسية من الرغبة في التملك والحب ثم (3) الحاجة إلى تقدير الناس والسمعة الطيبة ثم (4)التطلع إلى المعرفة والفهم ثم (5)الحاجة إلى الجماليات ثم (6) الرغبة في تحقيق الذات ثم (7) أعلى الحاجات في نظره هي الحاجة الروحية وهي الرغبة في تواصل الروح مع قوى ما رواء المادة والكون (transcendence needs)، وإن كان العالم الغربي ما زال يتخبط في ماهية هذه القوى التي تسعد الروح. وهذه الحاجة هي في نظر الإسلام غاية الوجود وهي عبادة الله ومحبته والاستسلام له، وهذا ما ركز عليه كثيرا شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من المواضع وتبعه على هذا النفَس تلميذه ابن القيم.
إن البحوث التقليدية عن مقاصد الشريعة لا تكاد تخرج عن مباحث علم الفقه وأصوله وهما مجالان واسعان، ولكن دلالات النصوص وروح الشريعة أوسع وأبعد من انحصارها في مجالات الأحكام العملية الجزئية كما هو معتاد لدى الدارسين. وما مقاصد الشريعة إلا تعبير بشري لمرادات الخالق سبحانه من خلال وحيه وشرعه، وهي حقيقة أوسع من الأحكام العملية. إذ المقاصد تربط بين الأعمال الظاهرة والأحوال الباطنة، وتضم مع تفصيل الحلال والحرام توجيه النفس إلى مراقي الروح في مراتب الإيمان.
إن القرآن الكريم قد وصف العمل الذي لا يقصد منه هدف محدد عبثا، والشرع الحكيم منـزه عن كل صور العبث، وبناء على ذلك فإن مباحث المقاصد تشمل كل جزئيات الدين، بما في ذلك مجال التعبديات المحضة. وإبراز الهدف والمقصود من العبادة هو أجلّ موضوع على الإطلاق. مثل تصريح الشارع بأن المقصود من الصلاة هو الذكر ولكن كتب الفقه المتداولة لم تهتم بهذا المقصود كما ينبغي. وكذلك غرض التقوى من الصوم. قد يكون علم التصوف يعالج مثل هذه المقاصد إلا أن الفصام بين الفقه الظاهر وعلم التصوف والسلوك والتزكية قد أحدث خللا كبيرا في واقع المسلمين. وهو موضوع واسع عريض يمكن لمقاصد الشرع أن يسهم في رأب هذا الصدع الخطير.
وموضوع المقاصد يشمل أيضا المعتقدات إذ الإيمان من العبادة المأمور بتحقيق أهدافها أيضا، فكل شيء لا يحقق هدفا ولا يثمر نفعا فليس بمأمور ولا مطلوب، وعليه فعلم المقاصد يحكم على كثير من المباحث الكلامية التي لا ينبني عليها عمل ولا تأتي بثمرة مفيدة بالعبث والبطلان. فقد ضاعت جهود وأهدرت أوقات لمعالجة قضايا كلامية شغلت الناس ولم تأت بطائل، فعلى علم المقاصد أن يتدخل في هذا الهراء والعبث المريع. ويوجه علم المقاصد مباحث علم العقيدة إلى هدف الخلق ومقصود الرسالة فيخرج الدارس لعلم العقيدة المشبع بروح المقاصد بزاد إيماني قوي وتصورات عقدية مثمرة لا تشغله حيرة الفلافسة ولا يجهده تناقض المتكلمين.
وأبعد من ذلك كله أن يتدخل علم المقاصد في كل ما يحرك النفوس ويؤثر في العقول. إن دور الشرع إذا أريد به هداية شاملة للناس كافة، ينبغي أيضا أن يجهر بحقيقة كبرى وهي أن الخلق كله خُلِق لهدف أراده الخالق. فمن دور البحث المقاصدي أن يبرز تفاصيل هذه الحقيقة فيدخل في مجالات شتى يبين مقاصد الشارع فيها، ويسبق العقول بتطلعات سامية أرادها الشارع واستحسنتها العقول. إن الشرع الحكيم كله رحمة وعدل وكل أوامره مصلحة ونفع وفضل.
إن التفرقة الحادة بين دار الإسلام ودار الحرب تصور قديم في زمن لا تتداخل فيه العلاقات الدولية ولا ينفتح فيه التواصل الإنساني الثقافي، وتنزبل هذا التصور حرفيا على الوضع الحالي نوع من غياب الفقه الحضاري المستوحى من مقاصد الشريعة. وهذا الغياب يؤدي إلى كثير من الاضطرابات السياسية والاجتماعية حيث تكون الأحكام الجزئية تقضي على التصورات الكلية، فينعدم التناسق الحياتي بين أفراد الأمة ويستحيل معه التعايش السلمي في ظل الأخوة الإنسانية. لذلك استحسن الفخر الرازي تقسيم القفال الشاسي دول العالم إلى دار الإسلام ودار الدعوة باعتبار الدول غير الإسلامية مجالا للدعوة إلى الإسلام وليست أهدافا لشن حروب أبدية. ومسائل فقهية في باب الجهاد تعتبر من أهم القضايا التي تتطلب البيان المقاصدي لتجنيب الناس مغبة الفهم المغلوط لأحكام الشريعة.
أجمع العلماء على أن المقاصد الشرعية تنصب كلها في مصالح العباد في الدنيا والآخرة، إلا أننا نحتاج إلى بيان ارتباط هذه المصالح بالمقصد الذي ذكره القرآن صراحة من خلق العباد في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) وهو أهم المقاصد وأعظمها.
وقد جاء الدكتور طه جابر العلواني بتصور جدير بإلقاء الضوء عليه حيث صور أن المقاصد الكبرى والأدوار الأساسية التي يطلب تحقيقها تتمثل في ثلاثة دوائر مهمة وهي: التوحيد والتزكية والعمران.
وهذا التصوير يلم شمل اختلاف العبارات في اتجاهات المقاصد إذ إن مصالح العباد من الضروريات إلى الكماليات لا يقصد منها غير عمارة الأرض التي تخدم مقصدها الأصلي وهو توحيد العبادة للخالق سبحانه، وهو أصل كل المقاصد حسب ما ذكره القرآن الكريم.
ولا تتم صور العبادة إلا بتزكية الأنفس من أدران الشرك والآفات النفسية العائقة عن البناء السليم كالشره والغش والحقد والكسل والعجز إلخ. فمقصد العبادة يفرض على العباد أن يزكُّوا أنفسهم من طبائع النفس الأمارة بالسوء. وطهارة النفس هي أهم رأس مال في عملية العمران. وكل عمران لم يتأسس على طهارة النفس لا ينتج سوى أشكال الظلم والفساد، وكل بناء أُسِّس لغير قصد العبادة فهباء منثور عند العزيز الغفور.
وبناء على هذا التصور تنطلق عملية البناء المقاصدي إلى ترتيب أولوياتها، وقد ضاعت جهود وتاهت عقول في سبيل تطبيق الشريعة مع غياب إدارك هذا التصور، فالمطالبة بالحكم الإسلامي تكون مشوبة بالأهواء وحب التسلط وإقصاء الآخر واللهث وراء الدنيا إذا لم يجتهد أنصار الشريعة بتزكية النفوس. وعملية التزكية والعكوف على الأوراد والرقائق الإيمانية تكون مضيعة للوقت ما لم تتحرر النفوس من أدران الشرك الظاهرة والباطنة، ولم تدفع الناس إلى عمارة الكون بفعل الخيرات. ودعوة الناس إلى التوحيد تكون مبتورة إذا لم تتبعها تربية الأنفس على الأخلاق الفاضلة والأحوال الزاكية. وهي ستكون دعوة هزيلة إذا خلت من دعم العمران الذي يُسنِدها بمقومات الاستقرار والاستمرار والاقتدار.
إن الوسائـل تأخذ حكم المقاصد، وكل شيء إذا لم يكن مقصودا لهدف سام يبقى عبثا وضياعا، فمبحث المقاصد سيد كل المباحث. واستجابةً لحرمة دلالة المقاصد يجب أن نضع لكل المباحث موضعها من تحقيق المقاصد، وكل ما يشذ عن بناء المقاصد فهو جهد مهدر وعمل ضائع شارد.
وبناء على الإدراك بمكانة المقاصد وسعة مجالات تطبيقها يطلب من الباحثين أن تمتد بحوثهم إلى تفصيلات عملية لمقاصد الشرع تقرب إلى ميدان التطبيق، وكلما اقترب البحث إلى الميادين العملية أكثر كان استمتاع الناس بثمرات هذا الدين أكبر. وهذا هو الدور المطلوب لأنصار الشريعة وحاملي لواء هذا الدين.
إن الفقه في الدين له دور رئيس في تدبير أحوال الأمة. فعلم الفقه يحدد تحركات الأمة بالجملة. وهذا الدور الحيوي في العصر الراهن قد تقلص بسبب حصر بحوث الفقه على تكرار المسائل المطروحة وإذا تقدمت فلم تتجاوز أن تجيب عن الأمور الحاصلة والأحداث النازلة، أما أن يعطي الفقه أفكارا جديدة أو يحثُّ على صور الابتكار فهذا يحتاج إلى طرق أبواب المقاصد بقوة لهذا الغرض الكبير.
بل الأمر أشد خطورة لدى الذين يتعاملون مع السنة بالعقلية المأزومة التي تستوحش من كل جديد وتستنكر كل غريب. وتحوَّل التزام السنة النبوية لدى البعض إلى سجن للأفكار بل وحرب على كل أنواع الابتكار. وقد كان التحذير النبوي من البدعة في الدين صيانة الدين عن الزيادة المنكرة وهي مجال محدد، فحوَّل بعض الناس هذه الأحاديث إلى سيوف مشهورة أمام كل عقل متفتح وضد كل نتاج فكر مبتكر.
إن دور علم المقاصد في هذا المجال أن يفتح هذا الباب المقفل، ويأتي إلى الناس بتطلعات إنسانية جديدة، ويحث العالم على عبادة الخالق بعمارة الأرض وبناء الصرح الحضاري المنشود. وبذرة هذا المجال لن تنبت في غير أرض مقاصد الشرع.
7- التطرف الديني وغياب فقه المقاصد
إن هؤلاء أُتوا من قبل عدم استيعابهم لمقاصد كلية لهذا الدين، قد يكونون أحرص الناس على تطيبق جزئيات الدين من اتباع السنة والاعتناء بمظاهر توحيد العبادة، إلا أن عقولهم لم تستوعب مقاصد كلية مستنبطة من النصوص، لم يفقهوا أن للدين رسالة إنسانية تشمل كل البشر بل وكل الكائنات، لم يفهموا أن الرحمة والرأفة هي أهم خصائص هدي محمد عليه الصلاة والسلام. إن دور فقه المقاصد الشرعية ضروري في ظل هذه الفتن المحيرة، وحتمي لفك هذه العقد المضللة.
8- غياب المعاني في معترك الشكليات
وليس المذهب الظاهري هو المتفرد بهذه النزعة الشكلية، فإن هذه النزعة موجودة عند كل من لم يعرف مقاصد الشريعة ولم يهضمها. ويكاد يكون اعتياديا أن يكون الإنسان شكلي الوجهة لأن معرفة المعاني وإدراك الحِكَم هي من خصائص العقلاء الحكماء، ويجب على من ينهل من معين الفقه أن يرتقي إلى مرتبة من الحكمة والفهم الراقي. ومعرفة لب الشرائع ومعنى الشعائر هي صميم الفقه الحقيقي.
كلمة رائعة فيه إصلاح كبير و تصحيح و إرشاد لطاهر و قلب المسلم الصادق في توجهه
لك الشكر أخي العزيز و أتمني أن ينفع الله بك أمة محمد
والسلام عليكم و رحمة الله و ركاته
أخوكم / حسن الدفراوي
جزاك الله خيرا على هذا التقدير تمنياتكم الطيبة نسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لخدمة دينه ونصرة كلمته