آفاق المستقبل

تصحيح مفاهيم وتكوين رؤى

الفراسة

firasatمن الوسائل المساعدة في استشراف المستقبل هي الفراسة.

قال ابن الأثير: أن الفراسة تقال بمعنيين: (أحدهما) ما يوقعه الله تعالى في قلوب أولياءه يعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس. (والثاني): نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق فتعرف به أحوال الناس.[1]

فالفراسة نوعان فراسة تعتمد على نوع من الكرامات وكشف إلهي والظن والحدس وأخرى تقوم على الدلائل والتجارب وملاحظة الخلق والأخلاق.

وأما ابن القيم فيقسم الفراسة إلى ثلاثة أنواع: فراسة إيمانية وفراسة الرياضة، والفراسة الخلقية.[2] وهذا التقسيم يفصل بين الفراسة المبنية على الكشف والكرامات التي تنتج عن حالة إيمانية عالية وبين الفراسة التي تبنى على الحدس والظن المكتسب من الرياضات النفسية مثل الجوع والسهر والخلوة. وهذان النوعان جعلهما ابن الأثير نوعا واحدا، كأنه يبني تقسيمه على ظهور سبب الفراسة وخفائه. فالنوع الأول عند ابن الأثير هو الفراسة المبنية على أسباب خفية، والنوع الثاني الفراسة المبنية على أسباب ظاهرة. بينما بيبني ابن القيم تقسيمه على الطريق التي تحصل بها الفراسة، فيرى هناك ثلاث طرق؛ طريق إيمانية، وطريق الرياضة، وطريق الملاحظة.

والنوعان اللذان ذكرهما ابن القيم لا علاقة لهما بإيمان أو كفر ولا سند له على صلاح أو فساد. ويمكن الحصول عليهما إما بالتمرين والرياضة القلبية وإما بالدراية والتعلم والملاحظة. وقد يلتبس هذان الأخيران على الجهال يظنون أنهما نوع من أنواع الكرامات وليس منها في شيء.[3]

قال القرطبي: “وزعمت الصوفية أنها كرامة.” ثم أورد قولا آخر وقال: “بل هي استدلال بالعلامات. ومن العلامات ما يبدو ظاهرا لكل أحد وبأول نظرة. ومنها ما يخفى، فلا يبدو لكل أحد، ولا يدرك ببادىء النظر.”[4]

               

حكم الفراسة في الشرع

بناء على ما سبق، فالكلام على حكمها الشرعي ينقسم إلى قسمين، حكم في الفراسة الباطنة أي ما يستند إلى أمور باطنة خفية، وآخر في الفراسة الظاهرة وهي ما يستند إلى أشياء ظاهرة ملحوظة.

 

1- الفراسة الباطنة

فأما حكم الفراسة التي تحصل بسبب خفي كالكشف وغيره فالكلام فيه مثل الكلام في سائر أنواع الكشوف مثل الإلهام والخواطر والرؤيا المنامية. والناس فيها بين الغالي فيه والجافي عنه. والصواب في هذا وسط بين طرفي الإفراط والتفريط. فلا ننفيه نفيا كليا ولا نعتمد عليها اعتمادا مطلقا بدون عرضها على حكم الكتاب والسنة.

“لا نزاع أن الإيمان والعبادة والتقوى، ومجاهدة النفس لها أثرها في تنوير العقل، وهداية القلب، والتوفيق إلى إصابة الحق في الأقوال، والسداد في الأعمال، والخروج من مضايق الاشتباه إلى باحات الوضوح، ومن اضطراب الشك إلى ثبات اليقين.”[5]

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[6]

وقال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}.[7]

وكما في ورد في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه”.[8]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “القلب المعمور بالتقوى إذا رجح بمجرد رأيه فهو ترجيح شرعى. قال: فمتى ما وقع عنده، وحصل فى قلبه ما بطن معه، أن هذا الأمر أو هذا الكلام أرضى لله ورسوله كان هذا ترجيحا بدليل شرعي. والذين أنكروا كون الالهام ليس طريقا إلى الحقائق مطلقا أخطأوا. فإذا اجتهد العبد فى طاعة الله وتقواه كان ترجيحه لما رجح أقوى من أدلة كثيرة ضعيفة. فإلهام مثل هذا دليل فى حقه. وهو أقوى من كثير من الأقيسة الضعيفة والموهومة، والظواهر والاستصحابات الكثيرة، التى يحتج بها كثير من الخائضين فى المذاهب والخلاف وأصول الفقه.

وحديث مكحول المرفوع: “ما أخلص عبد العبادة له تعالى أربعين يوما إلا أجرى الله الحكمة على قلبه، وأنطق بها لسانه.” وفى رواية: “إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.”[9]

وقال أبو سليمان الداراني: “إن القلوب إذا اجتمعت على التقوى جالت في الملكوت ورجعت إلى أصحابها بطُرَف الفوائد من غير أن يؤدى إليها عالم علما.”[10]

وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: “الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء.”[11] ومن معه نور وبرهان وضياء، كيف لا يعرف حقائق الأشياء من فحوى كلام أصحابها؟ ولا سيما الأحاديث النبوية فإنه يعرف ذلك معرفة تامة، لأنه قاصد العمل بها. فتتساعد فى حقه هذه الأشياء، مع الامتثال ومحبة الله ورسوله، حتى إن المحب يعرف من فحوى كلام محبوبه مراده منه تلويحا لا تصريحا.

والعين تعـرف من عيني محدثــهـا            إن كان من حزبها أو من أعاديها

إنارة العقل مكسوف بطوع هوى            وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا

وفي الحديث الصحيح: “لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشي بها.”[12]

ومن كان توفيق الله له كذلك، فكيف لا يكون ذا بصيرة نافذة ونفس فعالة؟ وإذا كان الإثم والبر فى صدور الخلق له تردد وجولان، فكيف حال من الله سمعه وبصره وهو فى قلبه؟ وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: “الإثم حوّاز القلوب.”[13] وقد قدمنا أن الكذب ريبة، والصدق طمأنينة. فالحديث الصدق تطمئن إليه النفس ويطمئن إليه القلب.

وأيضا فإن الله فطر عباده على الحق، فإذا لم تستحل الفطرة، شاهدت الأشياء على ما هي عليه، فأنكرت منكرها وعرفت معروفها. قال عمر رضي الله عنه: الحق أبلج لا يخفى على فطن.

فإذا كانت الفطرة مستقيمة على الحقيقة، منورة بنور القرآن، تجلت لها الأشياء على ما هي عليه فى تلك المزايا، وانتفت عنها ظلمات الجهالات. فرأت الأمور عيانا مع غيبها عن غيرها.

وفى السنن والمسند وغيره عن النواس بن سمعان عن النبى قال: “ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتى الصراط سوران، وفى السورين أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وداع يدعو على رأس الصراط، وداع يدعو من فوق الصراط، والصراط المستقيم هو الاسلام، والستور المرخاة حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، فإذا أراد العبد أن يفتح بابا من تلك الأبواب ناداه المنادي: “يا عبد الله، لا تفتحه, فإنك إن فتحته تلجه.” والداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعى فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مؤمن.”[14]

فقد بين فى هذا الحديث العظيم الذي من عرفه انتفع به انتفاعا بالغا – إن ساعده التوفيق- واستغنى به عن علوم كثيرة، أن فى قلب كل مؤمن واعظ. والوعظ هو الأمر والنهي والترغيب والترهيب.

وإذا كان القلب معمورا بالتقوى انجلت له الأمور، وانكشفت. بخلاف القلب الخراب المظلم.

قال حذيفة بن اليمان: إن في قلب المؤمن سراجا يزهر.[15]

وفى الحديث الصحيح: إن الدجال مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن قارىء وغير قارئ.[16]

فدل على أن المؤمن يتبين له ما لا يتبين لغيره، ولا سيما فى الفتن. وينكشف له حال الكذاب الوضاع على الله ورسوله. فإن الدجال أكذب خلق الله، مع أن الله يجري على يديه أمورا هائلة، ومخاريق مزلزلة. حتى إن من رآه افتتن به. فيكشفها الله للمؤمن حتى يعتقد كذبها وبطلانها.

وكلما قوي الإيمان فى القلب، قوي انكشاف الأمور له، وعرف حقائقها من بواطلها. وكلما ضعف الايمان، ضعف الكشف. وذلك مثل السراج القوي والسراج الضعيف فى البيت المظلم.

ولهذا قال بعض السلف في قوله (نُورٌ عَلَى نُورٍ)[17]، قال: هو المؤمن ينطق بالحكمة المطابقة للحق، وإن لم يسمع فيها بالأثر، فاذا سمع فيها بالأثر كان نورا على نور.

فالإيمان الذي في قلب المؤمن يطابق نور القرآن. فالإلهام القلبى تارة يكون من جنس القول والعلم، والظن أن هذا القول كذب، وأن هذا العمل باطل، وهذا أرجح من هذا، أو هذا أصوب.

وفي الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “قد كان فى الأمم قبلكم محدثون فان يكن فى أمتى منهم أحد فعمر.”[18]

والمحدث هو الملهم المخاطب فى سره. وما قال عمر لشئ: “إنى لأظنه كذا وكذا”، إلا كان كما ظنه. وكانوا يرون أن السكينة تنطق على قلبه ولسانه.

وأيضا فإذا كانت الأمور الكونية قد تنكشف للعبد المؤمن لقوة إيمانه يقينا وظنا، فالأمور الدينية كشفها له أيسر بطريق الأولى. فإنه إلى كشفها أحوج.

فالمؤمن تقع فى قلبه أدلة على الأشياء لا يمكنه التعبير عنها فى الغالب. فإن كل أحد لا يمكنه إبانة المعانى القائمة بقلبه. فإذا تكلم الكاذب بين يدي الصادق، عرف كذبه من فحوى كلامه، فتدخل عليه نخوة الحياء الإيمانى، فتمنعه البيان. ولكن هو فى نفسه قد أخذ حذره منه. وربما لوح أو صرح به خوفا من الله وشفقة على خلق الله، ليحذروا من روايته أو العمل به.

وكثير من أهل الايمان والكشف يلقي الله في قلبه أن هذا الطعام حرام، وأن هذا الرجل كافر، أو فاسق أو ديوث أو لوطي أو خمار أو مغن أو كاذب من غير دليل ظاهر. بل بما يلقي الله فى قلبه. وكذلك بالعكس يلقي فى قلبه محبة لشخص، وأنه من أولياء الله، وأن هذا الرجل صالح، وهذا الطعام حلال، وهذا القول صدق. فهذا وأمثاله لا يجوز أن يستبعد في حق أولياء الله المؤمنين المتقين. وقصة الخضر مع موسى هي من هذا الباب. وإن الخضر علم هذه الأحوال المعينة بما أطلعه الله عليه. وهذا باب واسع يطول بسطه، قد نبهنا فيه على نكت شريفة تطلعك على ما وراءها.[19]

·       الحدود الشرعية ضابطة

وهذا الإقرار من الشرع بقبول واعتبار المكاشفات مشروط بشرط عدم مخالفته حكما شرعيا وعدم مصادمته لقاعدة دينية ثابتة، كما تقدم في حكم الرؤيا المنامية، فإن حكم هذا حكم ذاك سواء بسواء.

قال الشاطبي: “وعلى هذا لو حصلت له مكاشفة بأن هذا الماء مغصوب أو نجس، أو أن الشاهد كاذب، أو أن المال لزيد وقد تحصل بالحجة لعمرو، أو ما أشبه ذلك، فلا يصح له العمل على وفق ذلك. ما يتعين سبب ظاهر. فلا يجوز له الانتقال إلى التيمم، ولا ترك قبول الشاهد، ولا الشاهدة بالمال لزيد على حال. فإن الظواهر قد تعين فيها بجكم الشريعة أمر آخر. فلا يتركها اعتمادا على مجرد المكاشفة أو الفراسة. كما لا يعتمد فيها على الرؤيا النومية. ولو جاز ذلك لجاز نقض الأحكام بها، وإن ترتبت في الظاهر موجباتها. وهذا غير صحيح بحال، فكذا ما نحن فيه.

وقد جاء في الصحيح: “إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأحكم له على نحو ما أسمع منه.”[20] الحديث. قيد الحكم بمقتضى ما يسمع، وترك ما وراء ذلك. وقد كان كثير من الأحكام التي تجري على يديه يطلع على أصلها وما فيها من حق أو باطل. ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يحكم إلا على وفق ما سمع، لا على وفق ما علم.”[21]

“وقد كان يعلم من دخائل المنافقين وبواطن كفرهم ما يعلم، ولكنه لم يعاملهم وفقا لما كشف الله له من بواطنهم. بل عاملهم حسب ظواهرهم، وأجرى عليهم أحكام الإسلام، ومنحهم حقوق المسلمين في الحياة وبعد الممات. وبهذا رد على من أراد من الصحابة أن يعاملهم معاملة الكفار المجاهرين، فقال: “أخشى أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه.”[22] وهكذا أمرنا أن نحكم بالظواهر، والله يتولى السرائر، ولم نؤمر أن نشق عن قلوب الناس.”[23]

·       شبهات مردودة

ذكر بعض الصوفية أمورا يستدلون بها على حجية الإلهام[24] في إثبات الأحكام الشرعية نجملها على ما يلي:

  • قول الله تعالى: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)[25]، فبين أن النفوس ملهمة.
  • وقوله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)[26]، فيؤخذ منه مثل ذلك للآدمي بطريق الأولى.
  • حديث: “اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله.”
  • قول النبي صلى الله عليه وسلم لوابصة رضي الله عنه: “استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك.” فجعل شهادة قلبه حجة مقدمة على الفتوى.
  • حديث: “قد كان فيمن قبلكم من الأمم محدَّثون.”
  • القياس على الرؤيا الصادقة، وخاصة رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أخذ بعضهم من حديث “إن الشيطان لا يتمثل بي”، أن من تمثلت صورته صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصورت له في عالم سره أنه يخاطبه ويكلمه، فإن ذلك حقا.
  • قصة العبد الصالح الذي ذكر في القرآن في سورة الكهف المعروف باسم الخضر مع كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام حيث أمر الله موسى باتباع الخضر وقد خالف تصرفات الخضر ما يظهر لموسى من حكم الشرع أول وهلة.

ردود على تلك الشبهات

ولا حجة في شيء مما استند إليه هؤلاء،

  • فأما آية (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) فلها معنيان:

الأول: أن الاستعداد للتقوى والفجور أمر ركزه الله تعالى في الفطرة، فالإنسان قد خلق مزودا باستعدادات متساوية للخير والشر، والهدى والضلال، بحكم ازدواج طبيعته وخلقه من طين الأرض ونفخة الروح.

الثاني: أن معنى ألهمها فبين لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير أو شر أو طاعة أو معصية، بحيث تميز رشدها من ضلالها  كما جاء ذلك من مفسري السلف[27]، والآية على ذلك نظير قوله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[28]، وقوله: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)[29]. على أن الإلهام في الآية إلهام عام لكل نفس، والإلهام الذي يتحدثون إلهام خاص بأرباب القلوب، كما يقولون، فلا دليل في الآية، ولا شبه دليل.

وأما آية (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) فإن الله يلهم كل كائن حي ما تقوم به حياته، وما يهتدي  به إلى بقائه وحياته, كما قال تعالى: (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[30]. فهذا الإيحاء عام لكل الخلق فلا تدل الآية على على ذلك الإلهام الخاص ببعض الناس.

(3) وأما حديث “اتقوا فراسة المؤمن”، فهو لم يصل إلى درجة الصحة التي يحتج بها، فقد اختلف في صحته وضعفه،[31] إلا أن الأدلة الأخرى شهدت بثبوت الفراسة الصادقة فلا خلاف في ثبوتها ولكن الكلام في جعلها حجة شرعية تثبت بها الأحكام وتقرر بها الحقوق وتشغل بها الذمة أو تبرأ وتهرق بها الدماء أو تحقن. وأيضا فإن الفراسة قد تشتبه لا تستطيع أن تميز بين ما كان من الله أو غيره، فيبقى ظنا محتملا.

قال ابن حجر: “وأما الفراسة فنسلمها لكن لا تجعل شهادة القلب حجة، لأنا لا نتحقق كونها من الله أو من غيره.”[32]

·       حديث “استفت قلبك”

(4) وأما حديث وابصة[33]: “استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك،”[34] فالاستدلال به على أن فتوى القلب مقدمة على فتوى المفتي بحكم الشرع فمردود لوجوه:

أولا: أن الحديث لم يجئ بلفظ عام بحيث تؤخذ منه قاعدة عامة، بل جاء في واقعة معينة وشخص معين.

ثانيا: على فرض العموم فموضع هذا فيما لا نص فيه أو –كما قال الشوكاني[35]– في الواقعة التي تتعارض فيها الأدلة. قال تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ)[36]، وقال سبحانه: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[37]، فكيف يوجب الله تعالى سؤالهم ثم نترك أجوبتهم وفتاواهم إلى فتاوى قلوبنا؟

وقال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)[38] ولم يقل: ردوه إلى خواطركم وأحاديث قلوبكم.

ثالثا: أن المفتي يبني فتواه على ظاهر الحال كما يعرضه له السائل، قد يكون هناك أمور خفية لا يطلع عليها، ولعله لو اطلع عليها لغير فتواه. والمستفتي هو الذي يعرفها، لذلك تظل نفسه قلقة غير مطمئنة بما ألقي إليه من فتوى. ففتوى المفتي هنا مثل قضاء القاضي، الذي يحكم بالظاهر، ويقضي على نحو ما يسمع، ولكنه لا يجعل الحرام حلالا لمن استقضاه إذا كان ألحن بحجته من خصمه صاحب الحق.

قال ابن رجب: “فدل حديث وابصة وما في معناه على الرجوع إلى القلوب عند الاشتباه مما سكن إليه القلب وانشرح إليه الصدر. فهو البر والحلال، وما كان خلاف ذلك فهو الإثم والحرام.

وقوله في حديث النواس بن سمعان “الإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس,” إشارة إلى أن الإثم ما أثر في الصدر حرجا وضيقا وقلقا واضطرابا، فلم ينشرح له الصدر. ومع هذا فهو عند الناس مستنكر بحيث ينكرونه عند اطلاعهم عليه، وهذا أعلى مراتب معرفة الإثم عند الاشتباه. وهو ما استنكر الناس فاعله وغير فاعله. ومن هذا المعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: “ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المومنون قبيحا فهو عند الله قبيح.”[39]

وقوله في حديث وابصة وأبي ثعلبة: “وإن أفتاك المفتون،” يعني أن ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم، وإن أفتاه غيره بأنه ليس بإثم. فهذه مرتبة ثانية. وهو أن يكون الشيء مستنكرا عند فاعله دون غيره. وقد جعله أيضا إثما. وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره للإيمان، وكان المفتي يفتي له بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي. فأما ما كان مع المفتي به دليل شرعي، فالواجب على المفتى الرجوع إليه، وإن لم ينشرح له صدره. وهذا كالرخصة الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة في السفر ونحو ذلك، مما لا ينشرح به صدور كثير من الجهال فهذا لا عبرة به.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يأمر أصحابه بما لا تنشرح به صدور بعضهم، فيمتنعون من قوله، فيغضب من ذلك، كما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة فكرهه من كرهه منهم. وكما أمرهم بنحر هديهم والتحلل من عمرة الحديبية، فكرهوه وكرهوا مفاوضته لقريش على أن يرجع من عامه، وعلى أن من أتاه منهم يرده إليهم.

وفي الجملة فما ورد النص به فليس للمؤمن إلا طاعة الله ورسوله. كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)[40]، وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا. فإن ما شرعه الله ورسوله يجب الإيمان والرضا به والتسليم له. كما قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[41].

وأما ما ليس فيه نص من الله ولا رسوله، ولا عمن يقتدي بقوله من الصحابة وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيء وحك في صدره بشبهة موجودة، ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة، إلا من يخبر عن رأيه، وهو ممن لا يوثق بعلمه وبدينه، بل هو معروف باتباع الهوى، فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره. وإن أفتاه هؤلاء المفتون.[42]

والخلاصة: أن استفتاء القلب إنما يطلب حيث لا يوجد مفت ثقة يستند إلى دليل شرعي معتبر يثق المسلم بعلمه ودينه معا، وفي مسألة تتعارض فيها الأدلة.

ولكن أي قلب يعتمد عليه في الفتوى؟ قال الغزالي –فيما نقل عنه الشوكاني[43]: “… ثم لا نقول على كل قلب، فرب قلب موسوس ينفي كل شيء، ورب متساهل يطير إلى كل شيء، فلا اعتبار بهذين القلبين، وإنما الاعتبار بقلب العالم الموفق لدقائق الأحوال، فهو المحك الذي يمتحن به حقائق الأمور، وما أعز هذا القلب”.[44]

·       حديث “لقد كان فيمن قبلكم محدثون”

(5) وأما حديث: “لقد كان فيمن قبلكم محدثون, فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر بن الخطاب”[45]، فالحديث صحيح متفق عليه، ولكن لا دليل فيه على دعواهم. فليس في الحديث دليل على أن المحدث أو الملهم يعمل بحديث قلبه في مواجهة شرع ربه، ولو فعل لكان محدثا من الشيطان لا من الرحمن.

قال ابن تيمية فيما نقله عنه ابن القيم رحمهما الله جميعا: “وأما ما يقوله كثير من أصحاب الخيالات والجهالات: “حدثني قلبي عن ربي”، فصحيح أن قلبه حدثه، ولكن عمن؟ عن شيطانه أو عن ربه؟ فإذا قال: “حدثني قلبي عن ربي” كان مسندا الحديث إلى من لم يعلم أنه حدثه به. وذلك كذب.

قال ومحدث الأمة –يعني عمر بن الخطاب- لم يكن يقول ذلك ولا تفوه به يوما من الدهر. وقد أعاذه الله من أن يقول ذلك. بل كتب كاتبه يوما: “هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.” فقال: لا! امحه، واكتب: “هذا ما رأى عمر بن الخطاب، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمن عمر، والله ورسوله منه برىء.”

وقال في الكلالة: “أقول فيها برأييى فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان.”

فهذا قول المحدث بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم. وأنت ترى الإتحادي والحلولي والإباحي الشطاح والسماعي مجاهر بالقحة والفرية يقول: “حدثني قلبي عن ربي.” فانظر إلى ما بين القائلين والمرتبتين والقولين والحالين. وأعط كل ذي حق حقه. ولا تجعل الزغل والخالص شيئا واحدا.”[46]

قال ابن القيم: “وهؤلاء الجهال يرى أحدهم أدنى شيء فيحكم هواجسه وخواطره على الكتاب والسنة، ولا يلتفت إليهما، ويقول: “حدثني قلبي عن ربي، ونحن أخذنا عن الحي الذي لا يموت، وأنتم أخذتم عن الوسائط، ونحن أخذنا بالحقائق، وأنتم اتبعتم الرسوم.” وأمثال ذلك من الكلام الذي هو كفر وإلحاد. وغاية صاحبه أن يكون جاهلا يعذر بجهله.

حتى قيل لبعض هؤلاء: “ألا تذهب فتسمع الحديث من عبدالرزاق؟” فقال: “ما يصنع بالسماع من عبدالرزاق من يسمع من الملك الخلاق؟” وهذا غاية الجهل. فإن الذي سمع من الملك الخلاق موسى بن عمران كليم الرحمن. وأما هذا وأمثاله فلم يحصل لهم السماع من بعض ورثة الرسول. وهو يدعي أنه يسمع الخطاب من مرسله، فيستغني به عن ظاهر العلم. ولعل الذي يخاطبهم هو الشيطان أو نفسه الجاهلة أو هما مجتمعين ومنفردين.

ومن ظن أنه يستغني عما جاء به الرسول بما يلقى في قلبه من الخواطر والهواجس، فهو من أعظم الناس كفرا. وكذلك إن ظن أنه يكتفي بهذا تارة وبهذا تارة. فما يلقي في القلوب لا عبرة به ولا التفات إليه، إن لم يعرض على ما جاء به الرسول، ويشهد له بالموافقة. وإلا فهو من إلقاء النفس والشيطان.

وقد سئل عبدالله بن مسعود عن مسألة المفوضة شهرا فقال بعد الشهر: “أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله برىء منه ورسوله.”

وكتب كاتب لعمر رضي الله عنه بين يديه: “هذا ما أرى الله عمر.” فقال: لا, امحه، واكتب: “هذا ما رأى عمر.”

وقال عمر رضي الله عنه أيضا: “أيها الناس اتهموا الرأى على الدين، فلقد رأيتني يوم أبي جندل، ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله عليه السلام لرددته.”

واتهام الصحابة لآرائهم كثير مشهور. وهم أبر الأمة قلوبا، وأعمقها علما, وأبعدها من الشيطان. فكانوا أتبع الأمة للسنة، وأشدهم اتهاما لآرائهم. وهؤلاء ضد ذلك.

وأهل الاستقامة منهم سلكوا على الجادة، ولم يلتفتوا إلى شيء من الخواطر والهواجس والإلهامات، حتى يقوم عليها شاهدان. قال الجنيد: قال أبو سليمان الداراني: “ربما يقع في قلبي النكتة، من نكت القوم أياما، فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين من الكتاب والسنة.”

وقال أبو يزيد[47]: “لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يتربع في الهواء، فلا تغتروا به، حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود.”

  وقال أيضا: من ترك قراءة القرآن ولزوم الجماعات وحضور الجنائز وعيادة المرضى، وادعى بهذا الشأن فهو مدع.

وقال سري السقطي[48]: من ادعى باطن علم ينقضه ظاهر حكم فهو غالط.

وقال الجنيد: مذهبنا هذا مقيد بالأصول بالكتاب والسنة فمن لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ويتفقه لا يقتدى به.

وقال أبو بكر الدقاق[49]: من ضيع حدود الأمر والنهي في الظاهر، حرم مشاهدة القلب في الباطن.

وقال أبو الحسين النوري[50]: من رأيته يدعي مع الله حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي، فلا تقربه، ومن رأيته يدعي حالة لا يشهد لها حفظ ظاهره، فاتهمه على دينه.

وقال الجريري[51]: أمرنا هذا كله مجموع على فصل واحد: أن تلزم قلبك المراقبة، ويكون العلم على ظاهرك قائما.

وقال أبو حفص[52]: من لم يزن أحواله وأفعاله بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا تعدوه في ديوان الرجال.

وما أحسن ما قال أبو أحمد الشيرازي[53]: كان الصوفية يسخرون من الشيطان، والآن الشيطان يسخر منهم.

ونظير هذا ما قاله بعض أهل العلم: كان الشيطان فيما مضى يهب من الناس، واليوم الرجل الذي يهب من الشيطان.”اهـ.[54]

وقال أيضا: “أما حصوله –أي الإلهام- بواسطة سمع فليس ذلك إلهاما، بل هو من قبيل الخطاب. وهذا يستحيل حصوله لغير الأنبياء. وهو الذي خص به موسى، إذ كان المخاطب هو الحق عز وجل.

وأما ما يقع لكثير من أرباب الرياضات من سماع، فهو من أحد وجوه ثلاثة لا رابع لها: (أعلاها) أن يخاطبه الملك خطابا جزئيا. فإن هذا يقع لغير الأنبياء. فقد كانت الملائكة تخاطب عمران بن حصين بالسلام، فلما اكتوى تركت خطابه، فلما ترك الكي عاد إليه خطاب ملكي. وهو نوعان:

(أحدها) خطاب يسمعه بأذنه وهو نادر بالنسبة إلى عموم المؤمنين.

(والثاني) خطاب يلقى في قلبه يخاطب به الملك روحه. كما في الحديث المشهور: “إن للملك لمة بقلب ابن آدم، وللشيطان لمة، فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالوعد، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالوعد.” ثم قرأ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً).[55]

وقال تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا)[56]. قيل في تفسيرها: قووا قلوبهم، وبشروهم بالنصر. وقيل: احضروا معهم القتال. والقولان حق. فإنهم حضروا معهم القتال، وثبتوا قلوبهم.

ومن هذا الخطاب واعظ الله عز وجل في قلوب عباده المؤمنين. كما في جامع الترمذي ومسند أحمد من حديث النواس بن سمعان عن النبي: “إن الله تعالى ضرب مثلا صراطا مستقيما، وعلى كنفتي الصراط سوران، لهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وداع يدعو على رأس الصراط، وداع يدعو فوق الصراط، فالصراط المستقيم الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، فلا يقع أحد في حد من حدود الله حتى يكشف الستر، والداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مؤمن.” فهذا الواعظ في قلوب المؤمنين هو الإلهام الإلهي بواسطة الملائكة.

وأما وقوعه بغير واسطة فمما لم يتبين بعد. والجزم فيه بنفي أو إثبات موقوف على الدليل. والله أعلم.

النوع الثاني من الخطاب المسموع: خطاب الهواتف من الجان. وقد يكون المخاطب جنيا مؤمنا صالحا، وقد يكون شيطانا. وهذا أيضا نوعان:

(أحدهما) أن يخاطبه خطابا يسمعه بأذنه.

(والثاني) أن يلقى في قلبه وعده ما يلم به. ومنه وعده وتمنيته حين يعد الإنسى ويمنيه ويأمره وينهاه. كما قال تعالى: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً)[57]. وقال: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ)[58]. وللقلب من هذا الخطاب نصيب، وللأذن أيضا منه نصيب، والعصمة منتفية إلا عن الرسل ومجموع الأمة.

فمن أين للمخاطب أن هذا الخطاب رحماني أو ملكي؟ بأي برهان أو بأي دليل؟ والشيطان يقذف في النفس وحيه، ويلقى في السمع خطابه، فيقول المغرور المخدوع: “قيل لي، وخوطبت.” صدقت، لكن الشأن في القائل لك، والمخاطب.

وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لغيلان بن سلمة[59] وهو من الصحابة لما طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه: “إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك،” فمن يأمن القراء بعدك يا شهر؟

قال: “النوع الثالث: خطاب حالي تكون بدايته من النفس، وعوده إليها. فيتوهمه من خارج. وإنما هو من نفسه منها بدا وإليها يعود.

وهذا كثيرا ما يعرض للسالك. فيغلط فيه، ويعتقد أنه خطاب من الله، كلمه به منه إليه. وسبب غلطه: أن اللطيفة المدركة من الإنسان إذا صفت بالرياضة، وانقطعت علقها عن الشواغل الكثيفة، صار الحكم لها، بحكم إستيلاء الروح والقلب على البدن. ومصير الحكم لهما، فتنصرف عناية النفس والقلب إلى تجريد المعاني التي هي متصلة بهما، وتشتد عناية الروح بها، وتصير في محل تلك العلائق والشواغل، فتملأ القلب، فتصرف تلك المعاني إلى المنطق والخطاب القلبي الروحي بحكم العادة، ويتفق تجرد الروح، فتتشكل تلك المعاني للقوة السامعة بشكل الأصوات المسموعة، وللقوة الباصرة بشكل الأشخاص المرئية. فيرى صورها. ويسمع الخطاب. وكله في نفسه، ليس في الخارج منه شيء. ويحلف أنه رأى وسمع. وصدق. لكن رأى وسمع في الخارج أو في نفسه؟ ويتفق ضعف التمييز وقلة العلم واستيلاء تلك المعاني على الروح وتجردها عن الشواغل.

فهذه الوجوه الثلاثة هي وجوه الخطاب. ومن سمع نفسه غيرها فإنما هو غرور وخدع وتلبيس. وهذا الموضع مقطع القول. وهو من أجل المواضع لمن حققه وفهمه. والله الموفق للصواب.[60]

وابن تيمية رحمه الله له وقفة أخرى من هذا الحديث أبعد من ذلك، قال: “فهذا الحديث يدل على أن أول المحدثين من هذه الأمة عمر. وأبو بكر أفضل منه، إذ هو الصديق. فالمحدث وإن كان يلهم ويحدث من جهة الله تعالى، فعليه أن يعرض ذلك على الكتاب والسنة. فإنه ليس بمعصوم. كما قال أبو الحسن الشاذلي[61]: قد ضمنت لنا العصمة فيما جاء به الكتاب والسنة، ولم تضمن لنا العصمة فى الكشوف والإلهام.

ولهذا كان عمر بن الخطاب وقافا عند كتاب الله، وكان أبو بكر الصديق يبين له أشياء تخالف ما يقع له. كما بين له يوم الحديبية، ويوم موت النبى، ويوم قتال مانعى الزكاة، وغير ذلك. وكان عمر بن الخطاب يشاور الصحابة، فتارة يرجع اليهم، وتارة يرجعون إليه. وربما قال القول فترد عليه امرأة من المسلمين قوله، وتبين له الحق، فيرجع إليها ويدع قوله. كما في قدر الصداق. وربما يرى رأيا، فيذكر له حديثا عن النبى فيعمل به، ويدع رأيه. وكان يأخذ بعض السنة عمن هو دونه فى قضايا متعددة. وكان يقول القول فيقال له: أصبت؟ فيقول: والله، ما يدرى عمر أصاب الحق أم أخطأه؟

فإذا كان هذا إمام المحدثين، فكل ذى قلب يحدثه قلبه عن ربه إلى يوم القيامة هو دون عمر. فليس فيهم معصوم، بل الخطأ يجوز عليهم كلهم. وإن كان طائفة تدعى أن الولى محفوظ، وهو نظير ما يثبت للأنبياء من العصمة. والحكيم الترمذى قد أشار إلى هذا. فهذا باطل مخالف للسنة والاجماع.

ولهذا اتفق المسلمون على أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن كانوا متفاضلين فى الهدى والنور والإصابة.

ولهذا كان الصديق أفضل من المحدث، لأن الصديق يأخذ من مشكاة النبوة، فلا يأخذ إلا شيئا معصوما محفوظا. وأما المحدث فيقع له صواب وخطأ. والكتاب والسنة تميز صوابه من خطئه. وبهذا صار جميع الأولياء مفتقرين إلى الكتاب والسنة لا بد لهم أن يزنوا جميع أمورهم بآثار الرسول، فما وافق آثار الرسول فهو الحق، وما خالف ذلك فهو باطل، وإن كانوا مجتهدين فيه. والله تعالى يثيبهم على اجتهادهم، ويغفر لهم خطأهم.”[62]

قال ابن القيم: “وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله يقول: جزم بأنهم كائنون في الأمم قبلنا، وعلق وجودهم في هذه الأمة بـ”إن” الشرطية مع أنها أفضل الأمم، لاحتياج الأمم قبلنا إليهم، واستغناء هذه الأمة عنهم، بكمال نبيها ورسالته. فلم يحوج الله الأمة بعده إلى محدث ولا ملهم ولا صاحب كشف ولا منام. فهذا التعليق لكمال الأمة واستغنائها لا لنقصها. والمحدث هو الذي يحدث في سره وقلبه بالشيء فيكون كما يحدث به.

قال شيخنا: والصديق أكمل من المحدث لأنه استغنى بكمال صديقيته ومتابعته عن التحديث والإلهام والكشف. فإنه قد سلم قلبه كله وسره وظاهره وباطنه للرسول، فاستغنى به عما منه.

قال: وكان هذا المحدث يعرض ما يحدث به على ما جاء به الرسول فإن وافقه قبله وإلا رده، فعلم أن مرتبة الصديقية فوق مرتبة التحديث.”[63]

قياس الإلهام على الرؤيا الصادقة

(6) أما قياس الإلهام والكشف على الرؤيا الصادقة خصوصا رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتمثل به الشيطان، فهو قياس لم يستوف شرائطه، لأن المقيس عليه هو أيضا محل الخلاف. وقد تقدم أن الرؤيا المنامية ليست من الأدلة الشرعية وإن كانت صالحة لتبشير المؤمنين بأمور سارة أو تحذيرهم من أمور سيئة.

وحتى رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لا يجوز أن تكون مصدرا لحكم شرعي لم يثبت بالقرآن والسنة. لأن النائم ليس من أهل التحمل للرواية لعدم ضبطه وحفظه.[64]

وقال الشوكاني: “ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم قد كمله الله عزوجل. قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)[65] ولم يأتنا دليل يدل على أن رؤيته في النوم بعد موته صلى الله عليه وسلم إذا قال فيها بقول، أو فعل فيها فعلا يكون دليلا وحجة. بل قد قبضه الله إليه بعد أن كمل لهذه الأمة ما شرعه لها على لسانه، ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة في أمر دينها. وقد انقطعت البعثة لتبليغ الشرائع وتبيينها بالموت وإن كان رسولا حيا وميتا. وبهذا تعلم أن لو قدرنا ضبط النائم لم يكن ما رآه من قوله صلى الله عليه وسلم أو فعله حجة عليه ولا على غيره من الأمة.”[66]

 

قصة الخضر مع موسى

(7) وأما الاستدلال بقصة الخضر مع موسى فلسنا ملزمين بها إذ ليس في شرعنا الحكم بغير بينة. والعلماء في مسألة شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا على قولين، قول أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا. وعلى هذا القول فليس في القصة أدنى حجة. وقول ثان أن شرع من قبلنا شرع لنا إلا ما نسخه شرعنا.[67] فإن هذه الشريعة تنسخ كل ما سبقها من الشرائع. فلسنا ملزمين بما فعله  الخضر، ولا موسى يجب عليه اتباع الخضر. ولا الخضر ملزم باتباع موسى. فلكل شرعه الذي ألزمه الله به.

قال ابن تيمية: “ومما يبين الغلط الذى وقع لهم فى الاحتجاج بقصة موسى والخضر على مخالفة الشريعة، أن موسى عليه السلام لم يكن مبعوثا إلى الخضر. ولا أوجب الله على الخضر متابعته وطاعته. بل قد ثبت فى الصحيحين أن الخضر قال له: “يا موسى إنى على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه.”[68] وذلك أن دعوة موسى كانت خاصة.

وقد ثبت فى الصحاح من غير وجه عن النبى أنه قال فيما فضله الله به على الأنبياء قال: “كان النبى يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة.”[69]

فدعوة محمد صلى الله وسلم شاملة لجميع العباد ليس لأحد الخروج عن متابعته وطاعته، ولا الاستغناء عن رسالته. كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة موسى وطاعته مستغنيا عنه بما علمه الله. وليس لأحد ممن أدركه الإسلام أن يقول لمحمد: “إنى على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه.” ومن سوغ هذا أو اعتقد أن أحدا من الخلق -الزهاد والعباد أو غيرهم- له الخروج عن دعوة محمد ومتابعته فهو كافر باتفاق المسلمين. ودلائل هذا من الكتاب والسنة أكثر من أن تذكر هنا.”[70]

هذا كله على اعتبار أن فيه دلالة مخالفة الباطن للظاهر. وقد تخرج المسألة تخريجا يوافق مع ظاهر الشريعة. قال ابن تيمية: “وقصة الخضر ليس فيها خروج عن الشريعة. ولهذا لما بين الخضر لموسى الأسباب التى فعل لأجلها ما فعل، وافقه موسى. ولم يختلفا حينئذ. ولو كان ما فعله الخضر مخالفا لشريعة موسى لما وافقه.

ومثل هذا وأمثاله يقع للمؤمنين بأن يختص أحد الشخصين بالعلم بسبب يبيح له الفعل فى الشريعة والآخر لا يعلم ذلك السبب. وإن كان قد يكون أفضل من الأول. مثل شخصين دخلا إلى بيت شخص وكان أحدهما يعلم طيب نفسه بالتصرف فى منزله إما بإذن لفظى أو غيره. فيتصرف، وذلك مباح فى الشريعة. والآخر الذى لم يعلم هذا السبب، لا يتصرف. وخرق السفينة كان من هذا الباب. فإن الخضر كان يعلم أن أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا. وكان من المصلحة التى يختارها أصحاب السفينة إذا علموا ذلك لئلا يأخذها خير من انتزاعها منهم.

ونظير هذا حديث الشاة التى أصابها الموت فذبحتها امرأة بدون إذن أهلها فسألوا النبى عنها فأذن لهم فى أكلها. ولم يلزم التى ذبحت بضمان ما نقصت بالذبح. لأنه كان مأذونا فيه عرفا. والإذن العرفى كالاذن اللفظي. ولهذا بايع النبي عن عثمان فى غيبته بدون استئذانه لفظا.

ولهذا لما دعاه أبو طلحة ونفرا قليلا إلى بيته، قام بجميع أهل المسجد لما علم من طيب نفس أبى طلحة. وذلك لما يجعله الله من البركة.

وكذلك حديث جابر وقد ثبت أن لحاما دعاه، فأستأذنه فى شخص يستتبعه، لأنه لم يكن يعلم من طيب نفس اللحم ما علمه من طيب نفس أبى طلحة وجابر وغيرهما.

وكذلك قتل الغلام كان من باب دفع الصائل على أبوابه، لعلمه بأنه كان يفتنهما عن دينهما. وقتل الصبيان يجوز إذا قاتلوا المسلمين. بل يجوز قتلهم لدفع الصول على الأموال.

فلهذا ثبت فى صحيح البخارى أن نجدة الحرورى[71] لما سأل ابن عباس عن قتل الغلمان قال: إن كنت تعلم منهم ما علمه الخضر من الغلام فاقتلهم، وإلا فلا تقتلهم.

وكذلك فى الصحيحين أن عمر لما استأذن النبى فى قتل ابن صياد، وكان مراهقا، لما ظنه الدجال فقال: “إن يكنه، فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك فى قتله.”[72] فلم يقل إن يكنه فلا خير لك فى قتله، بل قال فلن تسلط عليه.

وذلك يدل على أنه لو أمكن إعدامه قبل بلوغه لقطع فساده، لم يكن ذلك محذورا. وإلا ما كان التعليل بالصغر كافيا. فإن الأعم إذا كان مستقلا بالحكم كان الأخص عديم التأثير. كما قال فى الهرة: إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات.[73]

وأما بناء الجدار فإنما فيه ترك أخذ الجعل مع جوعهم. وقد بين الخضر أن أهله فيهم من الشيم وصلاح الوالد ما يستحقون به التبرع. وإن كان جائعا.”[74]

***

وخلاصة القول أن الفراسة إنما تعتبر إذا لم تخالف الشريعة المحمدية -على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم. كما قال الشاطبي رحمه الله: “إن الشريعة كما أنها عامة في جميع المكلفين وجارية على مختلفات أحوالهم فهي عامة أيضا بالنسبة إلى عالم الغيب وعالم الشهادة من جهة كل مكلف. فإليها نرد كل ما جاءنا من جهة الباطن، كما نرد إليها كل ما في الظاهر.”[75]

وهذا الكلام كله في الفراسة التي تستند إلى أمور خفية إيمانية كانت أوغيرها. بل ما كان عن مجرد حدس وقوة نفسية لا تصدر عن قلب مؤمن تقي أولى بعرضها على الشريعة وبتمحيصها بمنظارها.

2- الفراسة الظاهرة

وأما الفراسة التي تعتمد على دلالات ظاهرة وأمارات محسوسة فالأمر فيها أوسع. حيث يجوِّز كثير من العلماء الحكم بها في مسائل القضاء. ولكن في تسميتها بالفراسة نزاع. فقد سئل ابن عقيل عن الحاكم أو الوالي يحكم بالفراسة والقرائن التي يظهر له فيها الحق، والاستدلال بالأمارات، ولا يقف مع مجرد ظواهر البينات والأحوال. فقال: “ليس ذلك حكما بالفراسة، بل حكم بالأمارات. وإذا تأملتم الشرع وجدتموه يجوز التعويل على ذلك.”[76]

فابن عقيل رحمه الله جوز الاعتماد عليها في إثبات الأحكام إلا أنه لم يعتبرها فراسة. كأنه رحمه الله حصر الفراسة فيما يستند إلى أمور باطنة خفية فقط. وقد سبق أن الفراسة تشمل هذا وهذا. لذلك لم ير ابن القيم غضاضة في تسمية ذلك فراسة. قال: “ولا محذور في تسميته فراسة، فهي فراسة صادقة وقد مدح الله سبحانه الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه فقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)[77] وهم المتفرسون.”[78]

وذهب بعض المالكية منهم ابن العربي إلى أن الفراسة بأي حال من الأحوال لا تثبت حكما شرعيا، ولكنه رحمه الله لم ينكر أن الفراسة طريق من طرق الإدراك. قال أبو بكر بن العربي: “إذا ثبت أن التوسم والتفرس من مدارك المعاني، فإن ذلك لا يترتب عليه حكم، ولا يؤخذ به موسوم ولا مفترس. وقد كان قاضي القضاة الشامي المالكي ببغداد أيام كوني بالشام يحكم بالفراسة في الأحكام جريا على طريق إياس بن معاوية[79] أيام كان قاضيا. وكان شيخنا فخر الإسلام أبو بكر الشاشي صنف جزءا في الرد عليه. كتبه لي بخطه وأعطانيه. وذلك صحيح. فإن مدارك الأحكام معلومة شرعا، مدركة قطعا. وليست الفراسة منها.”[80]

فهذه ثلاثة أقوال: قول باعتمادها في إثبات الحقوق، وقول بعدم اعتبارها من الفراسة ولكن بقبولها في إثبات حكم قضائي، وقول بعدم اعتمادها في الأحكام القضائية مع الإقرار بصحة اعتمادها كوسيلة من وسائل الإدراك.

 

المطلب الثاني: الفرق بين الفراسة الباطنة والفراسة الظاهرة

إن الفرق الأساسي الذي يجعل حكم الفراسة الباطنة يختلف عن الفراسة الظاهرة في القضاء بها، أن الفراسة الباطنة مجرد قناعة داخلية لا يمكن –في الغالب- الإفصاح عن سببها، وإن كانت قد تكون من الفيوضات الإلهية الشريفة التي لا غبار في صحتها في نفس الأمر. أما الفراسة الظاهرة يمكن توضيحها والإفصاح عن مبرراتها. والشريعة مبنية على الحكم بالظواهر، وتكل السرائر إلى رب الضمائر.

وليتضح ذلك أكثر، أضرب نماذج من النوعين، ليتبين الفرق.

نماذج من الفراسة الباطنة

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة،

قال: والله يا بنية، ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك، ولا أعز علي فقرا بعدي منك، وإني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله.

قالت عائشة: فقلت يا أبت والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء، فمن الأخرى؟

فقال أبو بكر: ذو بطن بنت خارجة أراها جارية.[81] فكان كما قال رضي الله عنه.

روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومر به سواد بن قارب ولم يكن يعرفه، فقال: لقد أخطأ ظني أن هذا كاهن أو كان يعرف الكهانة في الجاهلية.

فلما جلس بين يديه، قال له ذلك عمر فقال: سبحان الله يا أمير المؤمنين، ما استقبلت أحدا من جلسائك بمثل ما استقبلتني به.

فقال له عمر رضي الله عنه: ما كنا عليه في الجاهلية أعظم من ذلك، ولكن أخبرني عما سألتك عنه.

فقال: صدقت يا أمير المؤمنين، كنت كاهنا في الجاهلية.

ثم ذكر القصة.[82]

وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: دخلت على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكنت رأيت امرأة في الطريق، تأملت محاسنها، فقال عثمان رضي الله عنه: يدخل علي أحدكم وأثر الزنا ظاهر في عينيه!؟ فقلت: أوحي بعد رسول الله؟ فقال: لا، ولكن تبصرة وبرهان وفراسة صادقة.[83]

نماذج من الفراسة الظاهرة

ذكر ابن القيم في الطرق الحكمية قصصا كثيرة في فراسة الخلفاء والقضاة، نذكر بعضا منها:

ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتته امرأة. فشكرت عنده زوجها. وقالت: هو من خير أهل الدنيا، يقوم الليل حتى الصباح، ويصوم النهار حتى يمسي.

ثم أدركها الحياء. فقال: جزاك الله خيرا، فقد أحسنت الثناء.

فلما ولت. قال كعب بن سور[84]: يا أمير المؤمنين، لقد أبلغت في الشكوى إليك.

فقال: وما اشتكت؟

قال: زوجها.

قال: علي بهما.

فقال لكعب: اقض بينهما.

قال: أقضي وأنت شاهد؟

قال: إنك قد فطنت إلى ما لم أفطن له.

قال: إن الله تعالى يقول: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ)[85]، صم ثلاثة أيام، وأفطر عندها يوما، وقم ثلاث ليال، وبت عندها ليلة.

فقال عمر: هذا أعجب إلي من الأول.

فبعثه قاضيا لأهل البصرة. فكان يقع له في الحكومة من الفراسة أمور عجيبة.[86]

قال الشعبي[87]: شهدت شريحا. وجاءته امرأة تخاصم رجلا. فأرسلت عينيها وبكت. فقلت: يا أبا أمية، ما أظن هذه البائسة إلا مظلومة.

فقال: يا شعبي، إن إخوة يوسف (جَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ)[88].[89]

وتقدم إلى إياس بن معاوية أربع نسوة، فقال إياس: أما إحداهن فحامل، والأخرى مرضع، والأخرى ثيب، والأخرى بكر، فنظروا فوجدوا الأمر كما قال.

قالوا: وكيف عرفت؟

فقال: أما الحامل، فكانت تكلمني وترفع ثوبها عن بطنها، فعرفت أنها حامل، وأما المرضع فكانت تضرب ثدييها فعرفت أنها مرضع، وأما الثيب فكانت تكلمني وعينها في عيني، فعرفت أنها ثيب، وأما البكر فكانت تكلمني وعينها في الأرض، فعرفت أنها بكر.[90]

وجاء رجلان إلى إياس بن معاوية يختصمان في قطيفتين، إحداهما حمراء، والأخرى خضراء، فقال أحدهما: دخلت الحوض لأغتسل، ووضعت قطيفتي، ثم جاء هذا فوضع قطيفته تحت قطيفتي، ثم دخل فاغتسل فخرج قبلي، وأخذ قطيفتي فمضى بها، ثم خرجت فتبعته، فزعم أنها قطيفته.

فقال: ألك بينة؟

قال: لا.

قال: ائتوني بمشط فأتى بمشط، فسرح رأس هذا ورأس هذا، فخرج من رأس أحدهما صوف أحمر، ومن رأس الآخر صوف أخضر، فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصوف الأحمر، وبالخضراء للذي خرج من رأسه الصوف الأخضر.

واختصم إليه رجلان، فقال أحدهما: إنه باعني جارية رعناء. فقال إياس: وما عسى أن تكون هذه الرعونة؟

قال: شبه الجنون.

فقال إياس: يا جارية أتذكرين متى ولدت؟

قالت: نعم.

قال: فأي رجليك أطول؟

قالت: هذه.

فقال إياس: ردها فإنها مجنونة.

وقال نعيم بن حماد[91] عن إبراهيم بن مرزوق البصري[92]: كنا عند إياس بن معاوية قبل أن يستقضى، وكنا نكتب عنه الفراسة كما نكتب عن المحدث الحديث. إذ جاء رجل، فجلس على دكان مرتفع بالمربد. فجعل يترصد الطريق. فبينما هو كذلك. إذ نزل فاستقبل رجلا فنظر في وجهه. ثم رجع إلى موضعه.

فقال إياس: قولوا في هذا الرجل.

قالوا: ما نقول؟ رجل طالب حاجة.

فقال: هو معلم صبيان قد أبق له غلام أعور.

فقام إليه بعضنا، فسأله عن حاجته، فقال: هو غلام لي آبق.

قالوا: وما صفته؟

قال: كذا وكذا وإحدى عينيه ذاهبة.

قلنا: وما صنعتك؟

قال: أعلم الصبيان.

قلنا لإياس: كيف علمت ذلك؟

قال: رأيته جاء، فجعل يطلب موضعا يجلس فيه، فنظر إلى أرفع شيء يقدر عليه، فجلس عليه. فنظرت في قدره، فإذا ليس قدره قدر الملوك. فنظرت فيمن اعتاد في جلوسه جلوس الملوك، فلم أجدهم إلا المعلمين. فعلمت أنه معلم صبيان.

فقلنا: كيف علمت أنه أبق له غلام؟

قال: إني رأيته يترصد الطريق، ينظر في وجوه الناس.

قلنا: كيف علمت أنه أعور؟

قال: بينما هو كذلك، إذ نزل فاستقبل رجلا قد ذهبت إحدى عينيه، فعلمت أنه شبهه بغلامه.

ونظر إياس بن معاوية إلى رجل، فقال: هذا غريب، وهو من أهل واسط، وهو معلم، وهو يطلب عبدا له أبق. فوجدوا الأمر كما قال. فسألوه، فقال: رأيته يمشي ويلتفت، فعلمت أنه غريب، ورأيته وعلى ثوبه حمرة تربة واسط، فعلمت أنه من أهلها، ورأيته يمر بالصبيان، فيسلم عليهم، ولا يسلم على الرجال، فعلمت أنه معلم، ورأيته إذا مر بذي هيئة لم يلتفت إليه، وإذا مر بذي أسمال تأمله، فعلمت أنه يطلب آبقا.

ومر إياس بن معاوية، فسمع قراءة من علية. فقال: هذه قراءة امرأة حامل بغلام.

فسئل: كيف عرفت ذلك؟

فقال: سمعت بصوتها ونفسها مخالطة، فعلمت أنها حامل، وسمعت صحلا، فعلمت أن الحمل غلام.

ومر بعد ذلك بكتاب فيه صبيان، فنظر إلى صبي منهم. فقال: هذا ابن تلك المرأة. فكان كما قال.

وقال رجل لإياس بن معاوية: علمني القضاء.

فقال: إن القضاء لا يعلم، إنما القضاء فهم، ولكن قل: علمني من العلم.

وهذا هو سر المسألة، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ . فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً)[93] فخص سليمان بفهم القضية وعمهما بالعلم.[94]

من “استشراف المستقبل في القرآن والسنة” ص321-346

[1]  النهاية في غريب الحديث والأثر(2/354)

[2]  انظر مدارج السالكين (2/483-488)

[3]  انظر مدارج السالكين (1/485-488)

[4]  الجامع لأحكام القرآن (10/43)

[5]  موقف الإسلام ص30

[6]  سورة الأنفال:29

[7]  سورة التغابن: من الآية11

[8]  أخرجه البخاري (5/2384 رقم 6137)

[9]  أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/80 رقم 34344)

[10]  ذكره أبو نعيم في ترجمة أحمد بن أبي الحواري (10/14)

[11]  جزء من حديث أخرجه مسلم (1/203 رقم 223)

[12]  تقدم تخريجه قريبا

[13]  أخرجه الطبراني في الكبير (9/149 رقم 8748،8749) قال الهيثمي: رواه الطبراني كله بأسانيد رجالها ثقات(مجمع الزوائد 1/176) وحواز من حاز يحوز أي يجمع القلوب ويغلب عليها (النهاية 1/450)

[14]  أخرجه أحمد (4/182،183) والترمذي (5/144 رقم 2859) والنسائي في الكبرى (6/361 رقم 11233) والحاكم (1/144 رقم 245)

[15]  رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/168 رقم 30404، 7/481 رقم 37395)

[16]  أخرجه البخاري عن ابن عباس (2/563 رقم 1480) وأنس (6/2695 رقم 6973) وأخرجه مسلم مبهما عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (4/2245 رقم 169) وعن أنس (4/2248 رقم 2933) وعن حذيفة (4/2249 رقم 2934)

[17]  سورة النور: من الآية35

[18]  أخرجه مسلم (4/1864 رقم 2398)

[19]  مجموع الفتاوى (20/42-47)

[20]  أخرجه البخاري (2/952 رقم 2534) ومسلم (3/1337 رقم 1713)

[21]  الموافقات (2/266-268)

[22]  أخرجه البخاري (4/1861 رقم 4622، 4/1863 رقم 4624) ومسلم (4/1998 رقم 2584)

[23]  موقف الإسلام ص38-39

[24]  انظر إرشاد الفحول (2/1016)، البحر المحيط (6/103-106)، مدارج السالكين (1/45-61)، شرح الكوكب المنير (1/329-372)، فواتح الرحموت (2/371-372)، فتح الباري (12/388)

[25]  سورة الشمس:8

[26]  سورة النحل: من الآية68

[27]  انظر تفسير الطبري (30/210) وروح المعاني (30/143)

[28]  سورة البلد:10

[29]  سورة الانسان:3

[30]  سورة طـه: من الآية50

[31]  فقد رواه الترمذي (5/298 رقم 3127) واستغربه وعلله البخاري في التاريخ الكبير (7/354 رقم 1529) وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي أمامة (3/312 رقم 3254) وأبي سعيد (8/23 رقم 7843) قال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن (مجمع الزوائد 10/268) وحكم السخاوي على الكل بالضعف (فيض القدير: 1/144) ووافقه الألباني في ضعيف الجامع الصغير.

[32]  فتح الباري (12/388)

[33]  وابصة بن معبد بن عتبة بن الحارث بن مالك بن الحارث بن قيس بن كعب بن سعيد بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي وقال أبو حاتم هو وابصة بن عبيدة ومعبد لقب أبو سالم ويقال أبو الشعثاء يقال أبو سعيد وفد على النبي سنة تسع (الإصابة 6/590)

[34]  أخرجه أحمد (4/228) والدارمي (2/320 رقم 2533) حسنه الهيثمي في الترغيب والترهيب (2/351) والنووي في رياض الصالحين وفي الأربعين حديث رقم 27، وكذلك الألباني في صحيح الجامع.

[35]  انظر إرشاد الفحول (2/1019)

[36]  سورة الأعراف: 3

[37]  سورة الانبياء: 7

[38]  سورة النساء: 59

[39]  أخرجه الحاكم (3/83 رقم 4465) وصححه والهيثمي في مجمع الزوائد (1/177) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون. روي مرفوعا وموقوفا ولم يصح إلا موقوفا على ابن مسعود (انظر كشف الخفا 2/245، نصب الراية 4/133، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/187)

[40]  سورة الأحزاب: من الآية36

[41]  سورة النساء: 65

[42]  جامع العلوم والحكم ص254-256

[43]  العلامة محمد بن علي بن عبد الله الشوكاني، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن من أهل صتعاء ولد بهجرة شوكان (من بلاد خولان باليمن) سنة 1173هـ الموافق 1760م ولي قضاءها سنة 1229هـ وتوفي سنة 1250هـ الموافق 1834م (الأعلام 6/97)

[44]  إرشاد الفحول (2/1019)

[45]  أخرجه البخاري (3/1279 رقم 3282، 3/1349 رقم 3486) ومسلم (4/1864 رقم 2398)

[46]  مدارج السالكين (1/40)

[47] أبو يزيد البسطامي أبو يزيد طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامي أحد الزهاد اخو الزاهدين ادم وعلي وكان جدهم شروسان مجوسيا فأسلم وله هكذا نكت مليحة وجاء عنه اشياء مشكلة لا مساغ لها الشان في ثبوتها عنه أو انه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو فيطوي ولا يحتج بها اذ ظاهرها إلحاد. توفي أبو يزيد ببسطام سنة احدى وستين ومئتين عن ثلاث وسبعين سنة (سير أعلام النبلاء 13/86)

[48] السري بن المغلس  السقطي الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو الحسن البغدادي. ولد في حدود الستين ومئة   وحدث عن الفضيل بن عياض وهشيم بن بشير وأبي بكر بن عياش وعلي بن غراب ويزيد بن هارون وغيرهم بأحاديث قليلة واشتغل بالعبادة وصحب معروفا الكرخي وهو أجل أصحابه. توفي في شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين ومئتين وقيل توفي سنة إحد وخمسين وقيل سنة سبع وخمسين (سير أعلام النبلاء 12/185)

[49]  الإمام الحافظ القدوة مفيد بغداد أبو بكر محمد ابن أحمد بن عبد الباقي بن منصور البغدادي  الدقاق وكان فاضلا حسن القراءة للحديث ورعا ثبتا زاهدا ثقة قائما باللغة علامة في الأدب قدوة في الحديث خير موجود وكان لا يحفظ إنما يعول على الكتب روى اليسير مات في ثاني ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمائة (طبقات الحفاظ 1/448)

[50]  أبو الحسين النوري  أحمد بن محمد وقيل محمد ابن محمد وأحمد أصح بغدادي المنشأ والمولد خراساني الأصل يعرف بابن البغوي. وكان من أجل مشايخ القوم وعلمائهم لم يكن في وقته أحسن طريقة منه ولا ألطف كلاما   صحب سريا السقطي ومحمد بن علي القصاب ورأى أحمد بن أبي الحواري توفي سنة خمس وتسعين (طبقات الصوفية 1/35)

[51]  أبو محمد الجريري اسمه أحمد بن محمد بن الحسين وكنية والده  أبو الحسين. وكان من كبار أصحاب الجنيد وصحب أيضا سهل بن عبد الله التستري وهو من علماء مشايخ القوم أقعد بعد الجنيد في مجلسه لتمام حاله وصحة علمه مات سنة إحدى عشرة وثلاثمائة (طبقات الصوفية 1/203)

[52]  أبو حفص النيسابوري عمرو بن سلم ويقال عمرو بن سلمة وهو الأصح إن شاء الله, وكان أحد الأئمة والسادة انتمى إليه شاه بن شجاع الكرماني وأبو عثمان سعيد بن إسماعيل   توفي سنة سبعين ومائتين ويقال سنة سبع وستين والله أعلم (طبقات الصوفية 1/103-104)

[53]  أبو أحمد القاسم بن عبد الواحد الشيرازي  توفي يوم الثلاثاء العاشر من ربيع الأول سنة 421هـ حدّث بيسير كتب أبوه وأهل بيته الكثير (وفيات المصريين 1/65)

[54]  إغاثة اللهفان (1/123-125)

[55]  سورة البقرة: 268

[56]  سورة الأنفال: من الآية12

[57] سورة النساء:120

[58] سورة البقرة: 268

[59] غيلان بن سلمة الثقفي أسلم يوم الفتح وتحته عشر نسوة فأمره النبي أن يختار منهن أربعا مات في آخر خلافة عمر بن الخطاب (مشاهير علماء الأمصار 1/35)

[60] مدارج السالكين (1/45-48)

[61] أبو الحسن علي بن محمد بن علي المالكي الشاذلي شيخ الطائفة الشاذلية المتوفى سنة 930 (كشف الظنون 2/1927، ناريخ الخلفاء 1/477)

[62]  مجموع الفتاوى (2/226-227)

[63]  مدارج السالكين (1/39-40)

[64]  انظر إرشاد الفحول (2/1020)

[65]  سورة المائدة: من الآية3

[66] إرشاد الفحول (2/1020-1021)

[67] انظر إرشاد الفحول (2/982-985)، والبحر المحيط (6/41-45)، الإحكام لابن حزم (722-723)، المستصفى (1/248260)، المحصول (3/265-275)، الإحكام للآمدي (4/140-148)، شرح الكوكب المنير (4/412-417).

[68] أخرجه البخاري (1/57 رقم 122)

[69] أخرجه البخاري (1/128 رقم 328، 1/168 رقم 427) ومسلم (1/370 رقم 521) وابن حبان (14/308 رقم 6398)

[70] مجموع الفتاوى (11/325)

[71]  نجدة  بن عامر الحروري  من رؤوس الخوارج زائغ عن الحق ذكر في الضعفاء للجوزجاني (ميزان الاعتدال 7/11)

[72]  أخرجه البخاري (1/454 رقم 1289، 3/1112 رقم 2890) ومسلم (4/2244 رقم 2930)

[73]  أخرجه ابن خزيمة (1/55 رقم 104) وابن حبان (4/115 رقم 1299) والترمذي (1/154 رقم 92) والنسائي في الصغرى (1/140 رقم 184)

[74]  مجموع الفتاوى (11/425-429)

[75]  الموافقات (2/187)

[76]  الطرق الحكمية ص9، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1423هـ-2002م

[77]  سورة الحجر: 75

[78]  الطرق الحكمية ص17

[79]  قاضي البرة أبو واثلة إياس بن معاوية بن قرة المزني الليثي يضرب بذكائه وفطنته المثل كان صاحب فراسة قيل لأبيه معاوية كيف ابنك لك قال كفاني أمر دنياي وفرغني لآخر وعنه قال رأيت في المنام كأني وأبي على فرسين معا فلم أسبقه ولم يسبقني وعاش أبي ستا وتسعين سنة وها أنا فيها فلما كان آخر لياليه قال الليلة استكملت عمري ونام فأصبح ميتا رحمه الله تعالى وذلك سنة 122هـ (شذرات الذهب 1/160)

[80]  الجامع لأحاكم القرآن (10/42-45)

[81]  أخرجه مالك في الموطأ (2/752 رقم 1438) والبيهقي في السنن الكبرى (6/257 رقم 12267) وعبد الرزاق في المصنف (9/101)

[82]  جزء من حديث طويل أخرجه الحاكم في المستدرك (3/703-704)

[83]  مدارج السالكين (2/484-486)

[84]  كعب بن سور بن بكر من الأزد.  بعثه عمر بن الخطاب  كعب بن سور على قضاء البصرة. أخذ المصحف يوم وقعة الجمل فنشره ومشى بين الصفين يدعوهم إلى ما فيه فجاءه سهم غرب فقتله وكان معروفا بالخير والصلاح وليس له حديث (الطبقات الكبرى 7/91)

[85]  سورة النساء: 3

[86]  الطرق الحكمية ص36

[87]  عامر بن شراحيل الشعبي الكوفي. ولد لست سنين مضت من خلافة عمر علي المشهور وأدرك خمسمائة من الصحابة وقال ما كتبت سوداء في بيضاء قط ولا حدثني رجل بحديث فأحببت أن يعيده علي ولا حدثني رجل بحديث إلا حفظته   وقال أبو مخلد ما رأيت أفقه من الشعبي وقال عبد الملك بن عمير. مر ابن عمر على الشعبي وهو يحدث بالمغازي فقال لقد شهدت القوم فلهو أحفظ لها وأعلم بها، مات سنة ثلاث ومائة أو أربع أو سبع أو عشر (طبقات الحفاظ 1/30)

[88]  سورة يوسف:16

[89]  الطرق الحكمية ص37

[90]  المصدر السابق

[91]  نعيم بن حماد أبو عبد الله الفارض الأعور منهم من وثقه والأكثر منهم ضعفه قال في المغني: نعيم بن حماد أحد الأئمة وثقه أحمد بن حنبل وغيره وابن معين في رواية وقال في رواية أخرى يشبه له فيروى مالا أصل له وقال النسائي ليس بثقة وقال الدارقطني كثير الوهم وقال أبو حاتم محله الصدق وقال العباس بن مصعب وضع كتيبا في الرد على أبي حنيفة قال الأزدي كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات مزورة في ثلب أبي حنيفة كلها كذب وكان من أعلم الناس بالفرائض انتهى ملخصا. توفي سنة 228 (شذرات الذهب 1/66-67)

[92] إبراهيم بن مرزوق بن دينار الحافظ الحجة أبو إسحاق البصري نزيل مصر مات في جمادى الاخرة سنة سبعين ومتعين سكن مصر (سير أعلام النبلاء 12/354-355)

[93]  سورة الانبياء: 78-79

[94]  الطرق الحكمية ص47-49 بتصرف يسير

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

معلومات

This entry was posted on 21 مارس 2018 by in مقالات.

الابحار

%d مدونون معجبون بهذه: