آفاق المستقبل

تصحيح مفاهيم وتكوين رؤى

سورة الكهف: أسرار المستقبل في خبايا الماضي – الجزء الأول

surat alkahfi

سورة الكهف… هي سورة ندب الرسول المصطفى عليه السلام لقراءتها كل جمعة[1]، وهي يوم عيد أسبوعي للمسلمين، فيها خلق آدم وفيها أخرج من الجنة وفيها تاب الله عليه وفيها تقوم الساعة[2]، فهي إذن يوم البداية والنهاية, وثبت في الصحيح أن مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ.[3] وفي رواية لسلم: مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ.[4]

فسورة الكهف تتناسب مع حديث بداية العالم ونهايته، وحديث فتن الساعة والعصمة منها. وإعادة قراءتها كل أسبوع توحي بعظم مكنوناتها التي تستحق أن يُفرَد لها نظر دوري يستخرج عطاءها المتجدد. وكل من واظب على قراءتها وتدبرها كل جمعة وجد فيها معينا لا ينضب وفائدة جديدة لا تنتهي.

قد يستحيل على الإنسان أن يستقصي تلك الفوائد التي يمكن أن يجنيها القارئ المتأمل لها، فهي تتدفق وتتكاثر بلا توقف، ولكننا هنا أردنا أن نخصص فوائدَ غايةً في الأهمية قد تكون خافية عن كثيرين مع خطورتها وعدم غنى البشر عنها، وهي أسرار تكنها سورة الكهف فيما يتعلق بالمستقبل…

تتكلم سورة الكهف عن الماضي والحاضر والمستقبل، وبدأ قصصها بقصة ضاربة في عمق الماضي وهي بعيدة عن أضواء التاريخ لولا تسليط القرآن الضوء عليها لما حضرت هذه القصة في وعي الناس، وهي قصة أصحاب الكهف، وتختم قصصها بقصة زعيم تاريخي عظيم لم يعط حجمه الصحيح في سطور التاريخ ولم يستخرج ثمار عمله العظيمة إلا القرآن.

إن أسرار المستقبل لها مفاتيحها كامنة في خبايا الماضي، ولا نقول لأن الأحداث تتكرر أو أن التاريخ يعيد نفسه كما هو، فإنه كلام غير دقيق، ولكن نقول إن سنة الله ثابتة، وطبائع البشر تتشابه، وفطرة الله لا تتغير، ومعايير ابتلاء الناس في الماضي هي نفسها في الحاضر والمستقبل. قد تختلف الأشخاص والأماكن والأزمان، ولكن أنماط تشكُّل التاريخ غايةٌ في التشابه والتناظر، وثوابت النجاة من الفتن الحالكة باقية ثابتة واضحة لمن عرفها.

وموضوعنا هنا ليس تنبؤات المهرطقين ولا خيالات الحالمين، لكنه يقوم على ثلاثة ركائز: تصورات وتوقعات وتطلعات. أما التصورات فهي تقوم على شرح السنن الإلهية التي لا تتغير ولا تتبدل، فهي التي تحكم سير الأحداث في الماضي وتعيد تشكيلها في الحاضر والمستقبل. وأما التوقعات فهي مبنية على فهم السنن مربوطة بفقه الأحداث لتشكل رسم معالم وملامح المستقبل. وأما التطلعات فهي منبثقة عن القيم التي غرزتها الآيات القرآنية وبينتها الحكمة النبوية وأكدتها أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين، لتكون حافزة على صنع واقع مشرق، دافعة إلى التغيير نحو ما يرضي الله من الأحوال والأعمال.

المنهجية الهادية

بما أن المستقبل غيب عن مدركات الإنسان، وادعاء علم الغيب ضرب من الشرك والخرافة والهرطقة، فإن نمط الحديث فيه لا يسوغ فيه الجزم المبني على التخمين ولا فيه التفصيل المغرق في الظنون والخيالات، ولكن يبقى للعلم أضواؤه على مجال تصورات المستقبل، ويمكن لمعطيات النقل والعقل أن يرسم خارطة الطريق ومعالم الدرب.

وأول ما يحدد المنهجية السليمة في الحديث المستقبلي هو الاعتماد على علم اليقين والابتعاد عن الظن والتخمين. وعلم اليقين يشمل محكمات القرآن وثوابت السنن، هذا في علم النقل، أما من معطيات العقل فإن المنطق الصريح والاستنباط السليم الذي ينأى عن التكلف، والمبني على دقة الملاحظة وسلامة الفهم واتقاد الفطنة ووفرة المعلومات، فهو الكاشف لمستورات الحقائق.

وحاجتنا إلى الأحاديث الضعيفة أو الأخبار الغريبة ليست ماسة ولا ضرورية، وقد تكون مضللة هي الأخرى وتبعدنا عن الحقيقة أكثر من أن تساعدنا في التعرف عليها. وهذا ثاني محدداتنا في معالجة هذا الموضوع.

ولا يمنع أن يعضد القطعي بالظني، فالظني مفيد إذا كان تابعا للقطعي موافقا له، وإنما يكون ضارا إذا كان مستقلا لا زمام له ولا خطام.

والمحدد الثالث هو التركيز على الأمور المفيدة وتجنب الانشغال بالتفاصيل غير المفيدة. فإن كثيرا من السجال العلمي ما لا يستحق أن يوقف عليه كثيرا، فإن للمفيد ما يكفي لشغل الأوقات.

***

ومن اللطائف الجميلة لهذه السورة أن وجدنا هذه المنهجية لائحة في ثناياها بل في مقدمتها. فسورة الكهف تبدأ بترسيخ منهجية المعرفة وخاصة في مجال العقائد الذي هو محور كل موضوعات القرآن، وقررت أن مجال المعرفة الأساسية لا بد لها من سند علمي معتمد، قال تعالى مفندا مقولة المشركين ومبينا سبب بطلانها: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبً}ا[5]   فهَذِهِ الْآيَةُ –كما يقول المفسرون- تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ بَاطِلٌ، وهو مبدأ تظافرت الآيات القرآنية على تقريره كقوله تعالى: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[6] وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ.[7]

وفي موضوعنا فإن هذا المبدأ الكلي الذي يستند إليه القرآن ويدعو الناس للاحتكام إليه هو ما يلزمنا بالتقيد به، فنحن لا نقول شيئا إلا ما نعرفه فعلاً من خلال الطرق العلمية التي يعرفها العلماء. والعلم – كما قال ابن تيمية رحمه الله – إما نقل مصدق عن معصوم، وإما قول عليه دليل معلوم، وما سوى هذا فإما مزيف مردود، وإما موقوف لا يعلم أنه بهرج ولا منقود.”[8]

وهذا المبدأ تكرر تقريره في سورة الكهف على لسان أصحاب الكهف في معرض استنكارهم للمعتقدات السائدة آنذاك فقالوا: { هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[9] والسلطان في اصطلاح القرآن يعني دائما الحجة العلمية التي تستحق الاستناد إليها. فهذا بالنسبة إلى المحدد الأول والثاني لمنهجيتنا.

أما المحدد الثالث وهو التركيز على الأمور المفيدة وعدم الانشغال بالتفاصيل غير المفيدة، فهو مبدأ قررته هذه السورة أيضا لما ذكرت أقاويل الناس حول أصحاب الكهف واختلافهم في عددهم، قال تعالى: { سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا}[10]

فالقرآن لم يحسم الخلاف فيه لقلة الفائدة المترتبة عليه، وإن كان بعض المفسرين رأوا أن القرآن أشار إلى رجاحة القول بأن عددهم سبعة لأنه لا يصف هذا القول بأنه رجم بالغيب بخلاف القولين الآخرين، ولكن أسلوب القرآن واضح في عدم الحسم ولا الجزم في المسألة، وأرشد المؤمنين إلى تسليم ذلك إلى علم الله { قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا}، وهذا منحى تربوي بليغ في كثير من المسائل الخلافية، فليس كل خلاف يجب البتّ فيه وشغل الناس به، فإن كثيرا من المسائل مهما توصل فيها إلى النتيجة فإنها لا ينبني عليها كبير فائدة تستحق الوقوف عليها.

وهذا الأسلوب كثير جدا في القرآن، فإنه أبهم كثيرا من تفاصيل القصص من أسماء الأشخاص وأزمان الأحداث وأماكنها، لأن المقصود من القصص القرآنية ليس سردا تاريخيا ولا استعراضا فنيا، فإن القرآن كتاب تربوي في المرتبة الأولى، وكل ما سوى المقصد التربوي فأمر ثانوي يمكن التغاضي عنه.

اللوحة قبل الرسم

صدّرت سورة الكهف قبل قصة أصحاب الكهف بتقرير مبادئ ووضع معايير يهتدي بها الإنسان في مواجهة فتن مزلزلة عبر أزمنة مختلفة, وبعد الحديث عن القضايا العقدية التي تمحور عليها القرآن أساسا، أوضح القرآن ما الغرض المقصود من خلق العالم؟ وما معنى كل جرى على وجه الأرض من أحداث؟ فقال تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[11] إنها مسرح الابتلاء والاختبار، وليس محط الراحة والاتكال، إنها معبر وليست بمقر، إن معيار النجاح والتفاوت هو حسن الأعمال في ميزان الله وليس كثرة الأموال في ميزان الناس.

فرغم أن سورة الكهف احتوت على خمس قصص تاريخية مثيرة، إلا أنها لا تباشر في سردها رأسا قبل تقرير المبادئ التي هي المعاني المقصودة والفوائد المحصودة من خلال الغوص في دراسة هذه القصص. فالسورة في مجملها تهدف في بناء العقيدة وتصحيح منهج النظر والفكر وبناء القيم على أساس العقيدة الصحيحة.

وماذا يعني هذا كله في نظرنا للمستقبل؟

إنه منحى عميق في النظر ومدرك دقيق في بناء الرؤية، لأن الثوابت الإيمانية الإسلامية لا تخطئ ولا تضلل، إنها هي التي تبصِّر المؤمن بمواضع الخطر وتقوده إلى مواقع الظفر. هي معالم الطريق وخارطة المسار.

أن تعرف أن الله وحده هو الخالق لا شريك له، وأنه هو المتحكم في كل الأحداث وعلى كل الأشخاص، وأن الأمر كله بيد الله، وكل ما قدره الله سابقا وما حصل حاضرا وما سيحصل مستقبلا كل هذا بأمر الله الحكيم القدير، والرب المتصف بالرحمة والعدل هو الذي يحدد مسار الأمور، فهذه المعارف والمعلومات غاية في الأهمية في فهم التاريخ ووعي الواقع وتصور المستقبل.

إن المستقبل هو الجزء المتبقي من الحياة، ورؤيتنا له جزء من رؤيتنا للحياة، إذا لم نعرف معنى للحياة لم ندرك الهدف في المستقبل، وأهم ما نكسبه من دروس سورة الكهف هو تحديد موقفنا من الحياة، هل نضيع كما يضيع الناس في حياتهم، فنغتر بالمظاهر المادية كما اغتروا، أم نبصر المعنى الصحيح لحياتنا الدنيوية؟

إن الخطأ المعرفي في هذه النقطة خطأ قاتل، لا مجال فيه للمجازفة.

في أعماق التاريخ أنوار كافشة

اهتمت الكتابات التاريخية عادة بتسجيل حياة الملوك والزعماء وحروبهم وأمجادهم، أما بسطاء الناس بله المضطهدين منهم فحظهم الإهمال في الغالب، وهذا هو معيار أكثر البشر، فإن القوة المادية هي التي ترفع الناس أو تخفضهم في رأي عديمي البصيرة, لكن القرآن الكريم له مذهب آخر في رسم معالم التاريخ وفي تقييم أدوار الناس فيه. وهو مذهب متعين لمن أراد أن يأخذ من التاريخ ما يفيد دنياه وآخرته.

إن في سورة الكهف خمس قصص مختلفة، مختلفة في الأشخاص والأزمان والأماكن والأحداث، لكنها متفقة في المعايير متحدة في المآل.

هي خمس قصص تاريخية واقعية: الأولى قصة أصحاب الكهف، قصة شباب في وضع مضطهد مستضعف في ظل حكم ظالم وضلال سائد …

ثم الثانية قصة الصاحبَيْن، الأول ثريٌ صاحب الجنتين الخصبتين الغناءتين والآخر فقير ثابت الإيمان قوي الشخصية، بينهما حوار شيق يشير إلى المواجهة بين القيم المادية المتكبرة والقيم الإيمانية المنتصرة …

ثم الثالثة إشارة سريعة إلى قصة آدم مع الملائكة وإبليس، إشارة خاطفة إلى المواجهة القديمة بين الإيمان والكفر، بين الطاعة والمعصية، بين التواضع والتكبر …

ثم الرابعة قصة موسى مع الخضر، قصة نبي تعلم من نبي، قصة الاجتهاد والتواضع في طلب العلم، قصة اختلاف المقاربة في معالجة القضايا، قصة احترام وجهة نظر أخرى، قصة المقارنة بين الرؤية المبدئية العامة وبين الرؤية المفصّلة الخاصة …

ثم الخامسة قصة ذي القرنين، قصة صاحب السلطة العظيمة، قصة العدالة السياسية والقضائية، قصة القدرة الفائقة في اجتياح الأرض، قصة الحكمة في معالجة مختلف القضايا في مختلف الشعوب… قصة الرؤية المستقبلية البعيدة المدى تنطلق من أعماق التاريخ وتصل إلى آفاق المستقبل البعيدة تمتد لآلاف السنين…

هذه خمس قصص مختلفة، كلها مواجهة بين وضعين مختلفين، تختلف في الشخوص وتتحد في القيم والمعايير، كلها عن الفتن باختلاف مجالاتها، وكلها عن النجاة منها بتنوع طرقها: فتنة العقيدة، فتنة الشباب، فتنة المال، فتنة النفس، فتنة العلم، فتنة السلطة… النجاة بالعزلة، النجاة بإفصاح الموقف والنصيحة، النجاة بالانصياع والطاعة، النجاة بالعلم والصبر فيه، بالنجاة بالعدل والسياسة الحكيمة…

ما يمكن قياسها – أي قياس الحاضر على الماضي أو المستقبل على الماضي والحاضر- هنا أمور كثيرة، وهي طريقة من طرائق رسم المستقبل، أن تدرك الأنماط المتكررة التي سيعود تشكّلها في المستقبل.

وما لا يمكن قياسها أيضا كثير، أي أن مسار التاريخ يشهد تغيرا مطردا، لا يشكل التاريخ حركة دائرية مفرغة، والتاريخ ليس كله إعادة الأحداث، كما أن العجلة لا تشكل فقط حركة دائرية، بل تشكل حركة خطية تتقدم أو تتأخر، وحركة متموجة ترتفع أو تنخفض، تستقيم أو تنحرف، وهكذا. فهناك فروق فردية على مستوى الأشخاص والأزمان والأماكن، مع وجود القواسم المشتركة بين بني البشر في كل الأزمان والأوقات نضيف بعدا آخر في الفروق الفردية لنتوصل إلى رؤية دقيقة في الأمور.

فالتنوع والتشابه حاضران معا في هذه السورة، وكلاهما يشكلان وعيا أعمق في فهم الأمور، ويصوران رؤية أفضل للمستقبل.

والملاحظ أن كل القصص الواردة في سورة الكهف لم ترد في غيرها من سور القرآن، باستثناء قصة آدم التي لم ترد فيها أصلا إلا بصورة خاطفة في آية واحدة، أما بقية القصص فكلها تنفرد بها هذه السورة، وكلها جمعتها صفة مشتركة، هي نهاية غير مألوفة وختام غير متوقع، مع أنها كلها لا تخرج عن سنة الله الثابتة التي لا تتبدل أبدا، إلا أن أحداثها مليئة بالمفاجآت. وهذه الخاصية مهمة في الدراسات المستقبلية التي كثيرا ما تتعامل مع قضايا تتسم بالغموض والبعد عن الحتمية، والتي تنفتح دائما على كثرة الاحتمالات. وهي جزء من طبيعة الاختبار وما سماه القرآن “فتنة”، فهي دائما ليست على ما تشتهيه الأنفس أو تعتاده الناس.

 

قصة أصحاب الكهف

مزايا فريدة

إن قصة تحدي العقيدة هي أكثر قصص القرآن، إن لم يكن كلها فجلها، بدءا من قصة موسى مع فرعون وهي أكثرها تكرارا، ثم قصة إبراهيم مع قومه وقصص الأنبياء مع أقوامهم، وقصة صاحب ياسين وقصة أصحاب الأخدود…

وقائع ابتلاء المؤمنين في دينهم كثيرة، فما السر في اختيار قصة أصحاب الكهف بالذات؟

إن لقصة أصحاب الكهف مزايا كثيرة لا تجتمع بهذا الشكل العجيب إلا فيها، أولاها أنها قصة شباب، وهم رجال المستقبل، ومرحلة الشباب مرحلة تشكّل الهوية، وهي مرحلة حرجة، هي بداية عصر جديد، والرهان على الشباب هو رهان على المستقبل، وقصة التغيير تبدأ دائما من الشباب.

وللقصص الشبابية اليوم عمق آخر أبعد تأثيرا وأكثر استراتيجية، من اطلع على بروتوكولات حكماء صهيون، سواء نكون من المصدقين أو المشككين لمضمونها، رأى أن البعد الاستراتيجي للتأثير في الشباب أمر لا يستهان به، والوقائع على الأرض تشير بوضوح خطورة تأثير الشباب على الواقع في كل الأصعدة، لقد أنفقت أموال طائلة وبذلت جهود جبارة لإفساد الشباب، فالإتيان بقصة الشباب خطورة استراتيجية لتشكيل المستقبل. وإصلاح الواقع وبناء المستقبل أبطاله شباب دائما، ولا يعني ذلك التغاضي عن دور الشيوخ فإن عطاءهم لا يقدر عليه جل الشباب ولهم من تراكم الخبرات والمعارف ما ليس للشباب، مع أن الشيوخ كانوا شبانا أيضا، لكننا نتكلم عن الدور القادم الذي لا يمكن ملؤه إلا بالطاقة الشابة.

والميزة الثانية لهذه القصة أن لها مفارقات إيجابية عجبية: إنها تحكي حالة ضعف تتحدى المستحيل، حالة عزم تكسر المألوف، حالة إصرار تغير الواقع، حالة ثبات تصنع المستقبل. تبدأ بالضعف وتنتهي بالقوة، تبدأ بالغربة وتنتهي بالظهور، تبدأ بالعزلة تنتهي بالحضور. عاشوا أمام خيارات شبه معدومة فوجدوا آفاقا غير محدودة. لم يجدوا ملجأ إلا إلى الله فأعطاهم مرتعا لا يعرف حده إلا الله…

إنها رغم غرابتها قصة واقعية معروفة لدى أهل الكتاب، إنها ليست من نسج الخيال، لكنها أغرب من الخيال، إنها تبعث الأمل لواقعيتها، رغم أنها غريبة لاستحالتها في مألوف الناس لكنها قريبة في مقدور الله. لم توح القصة بالإقدام على المستحيل، لأن العزلة كانت هي الخيار الممكن الأقرب والأسلم رغم صعوبتها وقساوتها، أوحت القصة إلى أن بعض الممكنات قد تؤدي إلى بعض المستحيلات بحكم العادة، والممكنات في تصور البشر محدودة دائما وهي تتوسع تخرق مساحات جديدة مع حدوث أمور جديدة غير متوقعة. مع أن الإقدام على المستحيل أمر ممنوع شرعا وعقلا، ولكن اختيار الممكن الغريب قد يغير المعادلات القديمة

من المؤكد أن هؤلاء الفتية لم يتوقعوا هذا المصير الغريب، ولكن استسلامهم لله ولجوءهم إليه ورباطة جأشهم فيه صنع واقعا جديدا وفتح منطقا جديدا…

والميزة الثالثة لهذه القصة أنها ليست قصة أنبياء، إنهم بشر كالبشر تماما، كل ما فعلوه يمكن لغيرهم أن يفعلوه بصورة أو بأخرى، فلم يستخدموا إلا الممكنات البشرية التي تتسنى لهم ولغيرهم، قد تزيدها العناية الإلهية وتنقلها إلى حالة أخرى أو لا تنقلها، لكنها لا تترك عذرا لمعتذر، من لم يمكنه العزلة إلى الكهف يجد معزلا آخر إذا استدعى الأمر، غير أن العزلة في الأصل هي الخيار الأخير ولا يلجأ إليها إلا في حالة الضعف القصوى وهي نادرة جدا، ويظهر للشباب اليوم إمكانيات أكبر وخيارات أوسع وتحديات أقل خطورة من تلك التي واجهها أصحاب الكهف.[12]

ونحن اليوم نعيش عصر تفجر المعلومات والانفتاح المعرفي فأمامنا خيارات غير محدودة ويبقى لصاحب الهمة أن يختار أفضلها وأنسبها إلي وضعه وأكثرها نفعا وأقواها تأثيرا، قد يعيش بعض الشباب اليوم تحت قهر مستبد لا يسمح ببنت الشفه أن تتحرك، لكنه وضع هش لا يبقى طويلا، سيكسره الزمن الذي بلغ من جماح الناس إلى الانفتاح والحرية حدا لا يمكن التنازل فيه، وإنما التحدي في هذا الزمن تحدي الاختيار لا تحدي الإجبار، هو شر إذا جنح أكثر الناس إلى اختيار سيء، وخير إذا وُفّقوا لاختيار طيب…

الميزة الرابعة: قصر الفعل مع طول الأثر. فترة الشباب فترة قصيرة، لكنها تحدد المصير، وموقف هؤلاء وفعالهم ترك آثارا طويلة الأمد بشكل مباشر أو غير مباشر. فرب فعلة صغيرة تنتج آثارا كبيرة.

الميزة الخامسة إنها قصة انتصار بمفهوم مختلف، ليس انتصار قهر وغلبة كما يفضّله الدهماء، ولكنه انتصار بقاء وثبات واستمرار، وفيها تنويع في المواجهة، بدؤوا بالمواجهة المباشرة {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}[13] لكنها قوبلت بالرفض والتهديد، فاختاروا العزلة {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا}[14] وهو اختيار رافقته العناية الإلهية فصارت كما صارت…

الشباب وتحدي العقيدة

وهذه ليست قصة حب رومنسي، أو بطولة رياضية ولا رحلة مغامرة بلا معنى… هذه قصة إيمان الشباب وهم يتحدون واقعهم يتحدون الكبراء والأمراء، يتحدون ما يعتقده الناس مستحيلا…

مقابل ماذا؟

مقابل الإيمان بالله الواحد الأحد… قتل كثيرون بسببه… عذب كثيرون أمامهم على أثره… لكنهم اختاروا الإيمان بدل الكفر، والاستقلال الواعي بدل التبعية العمياء، والثبات بدل التذبذب، والمضي بدل النكوص…

هؤلاء هم الشباب الذين سجلهم التاريخ… ليسوا كثرة… هناك أغلبية ساحقة لم يوجّهوا تيارا، بل استسلموا له… لم يواجهوا باطلا، بل سلموا له… لم يصنعوا تغييرا، بل خافوا منه…

لم نتكلم عن شباب مغامرين يحبون أي تحدٍ حتى في أتفه الأمور… بل نتحدث عن شباب يعرفون خطورة ما يفعلون، ويدركون مآل ما يقدمون عليه… لم يزعزعوا استقرارا لقلة علمهم أو شدة تهورهم أو فرط حماستهم… لكنهم اختاروا الطريق بناء على علم رصين وفكر متأنٍ. قال تعالى: { إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[15]  إنهم لم يقدِموا على هذا الخيار الصعب إلا بعد التوجه إلى الله وطلب الهداية والإرشاد من المولى عز وجل. لم يكونوا متهورين ولا خانعين، لم يتورطوا في دفع ظلم بظلم آخر أعظم، كما فعله بعض الشباب المتطرفين اليوم، ولم يستسلموا للوضع الخاطئ كما راق لآخرين، بل اختاروا الخيار الأصلح لهم والأبقى أثرا والأحمد عقبى.

فقد هداهم الله إلى تسجيل الموقف المطلوب دون تردد، وأقاموا على الناس الحجة، وأبانوا لهم المحجة، قال تعالى: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا  ﯳ  هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﰈ}[16]

لجؤوا إلى الكهف ليحفظوا به إيمانهم، ويجمتمعوا بإخوانهم المؤمنين ليتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر…

{ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [17]

إن نماذج المواجهة العنيفة كثيرة، ومثلها المواجهة العلمية والخطابية والأدبية، ولكن أن ينيم الله عباده ثلاثمائة سنة ثم أيقظهم على عالم جديد متغير، فهذا نوع من المقاومة غريب! هربوا من ظلم المشركين وناموا ثم استيقظوا بعد أمد بعيد على حاكم مؤمن ومجتمع مؤمن… فهناك أحداث لم يشهدوها وتغييرات لم يباشروها، لكنهم شركاء في التغيير وأبطال في الحدث… لأنهم وإن تركوا المكان واعتزلوا الناس فقد تركوا أثرا بليغا لمن بعدهم، وموقفا لا ينساه من خلفهم، وسنة الله جارية بأن العاقبة للمتقين، وأن دين الله ظاهر وأن جند الله غالب، وأن الله يستخلف المؤمنين، وأن الأرض يرثها عباده الصالحون…

لا دوام للظلم ولا ثبات للباطل.

هي آثار تراكمية تتفاعل وفق قوانين الله الثابتة لتنتج انتشار الإيمان وظهور الدين…

هي حتمية تاريخية أعلنها القرآن وأهملها الإنسان، كتب الإنسان تاريخه، فسجل الإنجازات المادية، وأثبت أبطاله الظاهرين، ولكن كثيرا ما أهمل ما هو أهم من ذلك كله… أن يكتب معانى تلك الأحداث، وأن يسجل أدوار المؤمنين بإيمانهم في رسم مسارات التاريخ…

ثبات المبادئ ومرونة المسالك وانسياب المسار

كانت المواجهة بين قيم الشرك وقيم التوحيد محتومة، بين قوة الظلم القائمة التي لا تقبل المزاحمة ولا المنافسة وبين قوة الحق التي لا تقبل التساوم ولا التنازل. قد يلجأ هؤلاء الشباب إلى خيار الصدام الذي تدفعه الحماسة البالغة، ولكن حماسة هؤلاء كانت تلفها الحكمة الهادية والعقلانية الواعية، فاختاروا الثبات بلا صدام، والمضي بلا تهور.

{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا}[18]

إذا بذل الإنسان أقصى ما يستطيع في سبيل إرضاء ربه وكان صادقا في توكله على الله، أكمل الله له ما تنقصه القدرة البشرية. على الإنسان أن يخطط لمستقبله، فيمضي متوكلا على الله، فإذا بالتدبير الإلهي يأتي بما لم يخطر على بال.

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا.”[19]

وقد بلغ من خلوص تسليمهم لله وصدق توجههم إليه أن استجاب الله لهم بتدبيره الباهر وترتيبه العجيب…

{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [20] لم يؤذهم البرد فإن الشمس تدفئهم، ولم يزعجهم الحر لأن الظل لا يفارقهم، ولو قصدوا تصميم الكهف وفق احتياجهم لما قدروا ولكنه تقدير العزيز الحكيم…

نيام كأيقاظ… يتحركون في نومهم يمينا وشمالا… محميّون ترعاهم عناية الله، ليؤدوا رسالتهم بعد ثلاث مائة سنة…

{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}[21]

معانٍ جليلة في ثنايا الأحداث

إن ما يحمله التاريخ من المعاني أضعاف أضعاف ما يحكيه من الأحداث… إن الحدث يوزن بميزان ما يحمله من معنى، إيماني أو خُلقي أو علمي، وما الأحداث إلا صور لمعان وقيم شكلت تصرفات قام بها أشخاص. فما أكده القرآن وركز عليه هو المعاني والقيم التي انبثقت منها تلك الأحداث وقام عليها هؤلاء الأشخاص. وهذا الذي نراه بوضوح في سورة الكهف، خمس قصص مهّدها بتعاليم إيمانية وأخلاقية، وعقّبها أيضا بتوصيات إيمانية وأخلاقية وعلمية.

وهذه المعاني والدروس كثيرة جدا يطول ذكرها وإنما نشير هنا إشارات سريعة ومختصرة تثبت الواعي وتنبه الغافل.

المعنى الأول هو درس الاعتصام بالله والنجاة من الفتن، واللجوء إليه وحده، والتوكل عليه والاستهداء به، والفرار إليه لهجران المنكر، وإيثار الخالق على الخلق، قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: “وفي هذه القصة دليل على أن من فر بدينه من الفتن سلمه الله منها، وأن من حرص على العافية عافاه الله، ومن أوى إلى الله آواه الله، وجعله هداية لغيره، ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب ﭽ وما عند الله خير للأبرار ﭼ[22].”[23]

والمعنى الثاني هو تثبيت الإيمان بالبعث روحا وجسدا في قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ}[24]

ثم أعقب الله هذه القصة بآيات بينات تحمل معاني منبثقة من هذه القصة نابعة من وحي هذا الحدث…

 قال تعالى بعد القصة مباشرة: { قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}[25] فيها معنى التسليم لعلم الله الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة، وهذا جذر عميق في التعامل مع الغيبيات التي تضيع فيها العقول بالخيالات والتخمينات والخرافات، غرابة هذا الحدث لا يعني كثيرا بقدر ما تشير إلى قدرة الله المطلق وعلم الله الواسع.

ثم قول الله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا}[26] فيه معنى اتباع هدي الله وتلاوة كتابه، ففيه ثوابت علمية وعملية تهدي الطريق وتكشف المستور.

وقول الله تعالى بعده: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[27] يحث على التمسك بالجماعة المؤمنة الملتزمة بشرع الله والصبر معهم، وعدم الالتفات إلى أناس غافلين أتباع الهوى، وهو معنى ظاهر في تمسك أصحاب الكهف بعضهم ببعض، إذ جمعهم همّ واحد، وفكر واحد، وإرادة واحدة. وأعرضوا عن قومهم الذين أعمى الله بصائرهم واتبعوا أهواءهم. وهذه إحدى طرق النجاة من الفتن في الماضي والحاضر والمستقبل. قال تعالى: { وَالْعَصْرِ ﭒ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﭗ  إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِﭡ}.[28] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.[29]

وبعده قول الله عز وجل: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[30] يغرز فيه معنى ثبات الموقف على الحق وحرية الاختيار، إن آفاق المستقبل مفتوحة للواثق بوعد الله الحق، القائم على دينه الحق، المنطلق لصنع القادم المشرق، المتقي اقترافَ الخطإ الموبق. الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مصدره من الخالق عز وجل، لم يجبر الله الناس على اعتناق شيء من ذلك. الأمر متروك للاختيار، الإنسان حر في ذلك، الحرية مسؤولية، وليست حقا سائبا كما يعتقده أصحاب الفلسفة الإنسانية الغربية، الإنسان حر في اختيار دينه وطريقه إلى الجنة أو النار، لكن من اختار الضلالة فهو يتحمل العاقبة، ومن اختار الهدى فهو يستحق التكريم. هي حرية مسؤولة لا حرية سائبة.

وقوله تعالى: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﮒ  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﮟ(30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﯞ}[31] فيه وضوح الرؤية في مصائر المؤمنين والكافرين، وإيراد هذه الحقيقة بعد قصة أصحاب الكهف تنبيه بأن انتصار وظهور المؤمنين مقابل اندحار وزوال الظالمين في هذه الدنيا ليس هذه هي نهاية القصة، بل نتيجة الأحداث النهائية هي ذلك النعيم الأبدي الذي يتمتع به المؤمنون والشقاء الدائم الذي لقيه الظالمون.

بين القدر الإلهي والحرية الإنسانية

هنا تبرز قضية عقدية طال الجدل فيها، وهي إشكالية فكرية طالما أعاقت كثيرا من الناس عن المضي في صناعة مستقبله واختيار طريقه. وهي قضية الإيمان بالقضاء والقدر مقابل الإيمان بحرية الإنسان وقدرته واختياره. هل الإنسان مسيَّر بقدر سابق ليس له إرادة حقيقية وفعل حر؟ أم أنه مخيَّر حر يختار أفعاله وأحواله كما يشاء؟

إن كتب العقائد وعلم الكلام مزحومة بمباحث هذا الموضوع، ولكننا لا نحتاج إلى الخروج بعيدا، ونحن في رحاب البيان القرآني الذي يتضاءل أمامه كل بيان.

ومعلوم أن الناس في هذا الباب انقسموا إلى ثلاث فرق، فرقة القدرية التي تنفي القدَر عن أفعال البشر وتثبت حريته المطلقة عن قدر الله ومشيئته، وفرقة الجبرية التي تثبت القدَر وتنفي عن الإنسان حريته الحقيقية وقدرته على الاختيار. وكل من هذتين الفرقتين تتمسك بحقيقة مثبتتة في العقل وفي النقل على السواء، وتنفي حقيقة أخرى ثابتة أيضا في العقل وفي النقل. ومن اهتدى بكامل دلالات الوحي وكل ما أفاده العقل ودلته الفطرة يقدر على جمع الحقائق في بناء واحد، ويستطيع أن يرسم صورة المسألة بكامل جوانبه دون إلغاء جانب على حساب آخر. وهي عقيدة أهل السنة الذين ينظرون إلى الأدلة بمجموعها ويركِّبونها تركيبا موحدا متكاملا كمنظومة كاملة تأخذ كل حلقة بحجز الأخرى. وهو ركن ركين من أركان الإيمان الذي لا يكتمل إيمان المؤمن إلا به، كما في حديث جبريل المعروف أن الإيمان هو أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. [32]

فالقدَر حق، وحرية الإنسان حق… وكلتا الحقيقتين حاضرة بوضوح في سورة الكهف.

فقول الله عز وجل { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[33] صريح في إثبات حرية الإنسان في اختياراته، والمعتزلة نفاة القدر يستدلون بهذه الآية على مذهبهم، وهذه الآية بيان لحقيقة مهمة متعلقة في مسؤولية الإنسان وتحمله لنتاج قراراته، ولكنها ليست كل الحقيقة، والخطأ المنهجي الذي أدى بهم إلى عدم إيمانهم بالقضاء والقدر هو أنهم جعلوا هذه الحقيقة في معارضة حقيقة أخرى أكبر منها وأعلى مستوى منها، وهي حقيقة أن كل شيء بقدر، وأن علم الله سابق، وأن الله قد كتب مقادير الخلق قبل خلقه بخمسين ألف سنة.[34]

ليست حرية الإنسان حقيقة منافية لقدر الله في الخلق، وليس قدر الله في الخلق أيضا حقيقة مناقضة لحرية الإنسان، فكلتاهما حقيقتان ثابتتان، ولكن منهجية التصور لدى البعض فيها خلل. فإنه لا يلزم أن يكون الإنسان حرا أن يكون خارجا طليقا عن مشيئة الله وقدره وعلمه السابق، فحرية الإنسان هي جزء من قدر الله، لأن قدر الله حقيقة عليا متعلقة بذات الله وصفاته وكماله، فهي أوسع شمولا من مسألة حرية الإنسان. فالإنسان حر، له مشيئة حرة، فبذلك يتحمل المسؤولية ويستحق الجزاء، فليس هو مضطرا على أفعاله، ولا هو –كما يقول بعض المتكلمين-  مضطر في صورة مختار، وإلا فالإنسان لا يحاسب على شيء لا يختاره ولا يقصده. كما في الحديث: “إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.”[35]

وإثبات اختيار الإنسان ومشيئته لا ينفي قدر الله ومشيئته العليا سبحانه وتعالى، فقد قال جل في علاه: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[36] فقد شاء الله أن يكون للإنسان قدر كبير من الحرية وحظ وافر في اختيار أفعاله بما يؤهله لتحمل المسؤولية ودخول الاختبار واستحقاق الجزاء على ذلك. ولكن الإنسان أقل من أن يخرج من نطاق قدر الله وعلمه الشامل وقضائه السابق.

ومن الخطإ أيضا تصور أن قدر الله نوع من الإجبار، وهذه معادلة يدركها من أدرك البون الشاسع بين ما نسب إلى الله وما نسب إلى الخلق، ويقع في الخطإ كل من حاول فهم الموضوع بقياس ما عند الخالق على ما عند الخلق. فما عند الله نسلّم له بالتحميد والتبجيل والتعظيم، فكل ما قضى الله عدل، وكل ما حكم الله رحمة ومصلحة، ولكن قصور الإنسان يحول دون استيعاب ذلك كله، والسعيد من رزق الرضى بقضاء الله، والشقي من حرم فهمَ هذه الحقيقة وتسليمَها.

وحقيقة قضاء الله وقدره وعلمه الشامل وحكمته البالغة أثبتتها سورة الكهف في قوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}[37] فالهداية بيد الله أولا وآخرا، والإضلال كذلك، على أن الإنسان يختار ما يريد إما الكفر وإما الإيمان، فمن اختار الإيمان فقد هداه الله ووفّقه، ومن اختار الكفر فقد تركه الله إلى نفسه وهواه وشيطانه، وهو يتحمل مغبة اختياره كاملا، وليس معنى إضلال الله للعبد هو إجباره على اختيار الكفر، بل الإنسان حر في اختياره للكفر، ولكن لما لم يوفق الله له إلى اختيار الإيمان، فكانت النتيجة ضياعه وشروده عن صراطه المستقيم، والله منه بريء، والعياذ بالله.

إنما الحقائق بسياقها

وينبغي التنبيه هنا أن الحقائق لا تكون إلا بانتظامها في سياقها الصحيح، وإن أية حقيقة علمية صحيحة إنما تكون صحيحة حقا إذا وضعت في موضعها الصحيح. فقد تكون هناك حقيقتان صحيحتان كلٌ في سياقها المنفصل عن الآخر، إذا ضرب أحدهما بالآخر خارج سياقهما الأصلي يكون هناك تناقض عقلي، لا يقدر العقل على قبولهما معا، إلا إذا رفض أحدهما مقابل الآخر. وهذا التناقض ليس مبطلا لكلتا الحقيقتين بمجرد تناقضهما في مخيلة أحد، لأن كلتيهما أُخرجت من السياق الذي هو منشأهما الأصلي، وركِّبا تركيبا غير ملائم لنسقهما الطبيعي.

مثال ذلك حجة الكفار في امتناعهم عن الإنفاق، كما قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[38] فالحقيقة التي استند إليها الكفار صحيحة، وهي أن حظ الفقراء بيد الله، إن شاء رزقهم وإن شاء منعهم، لكن وضع هذه الحقيقة في سياق نفي واجب الإنفاق للفقراء تركيب خاطئ، لأن الله لما فاوت الأرزاق على الناس أراد بذلك ابتلاءهم واختبارهم به لا تسليمهم به. قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[39]

وهكذا فإن العقل يمكن أن يظلم الحقيقة ويضيّعها بهذه الطريقة. فمراعاة سياق الحقائق أمر ضروري لمعرفة صحتها. وليس معنى ذلك أنه يجب فصل الحقائق بعضها عن بعض، بل ترابط الحقائق وتكاملها دليل صحتها وتقوية لحقيتها، ولكن الخطورة تكمن في نقل الحقائق المجردة عن”بيئتها” المحيطة بها.

فمن هذا الباب وأمثاله شدد الرسول صلى الله عليه وسلم في استنكار من يعارض الآيات القرآنية بالأُخر ليضرب بعضها ببعص، حتى لا تتكون من ذلك صورة مشوشة عن الحقيقة القرآنية التي تنتظم فيها كل دقائقها قبل جلائلها.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِي الْقَدَرِ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْنَتَيْهِ الرُّمَّانُ، فَقَالَ: أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ؟! أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ؟! إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ! عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَتَنَازَعُوا فِيهِ.[40]

فكل الحقائق الشرعية والدلائل القرآنية لا بد أن تتعاضد وتترابط إذا وُضعت في سياقها الصحيح وفُهمت كوحدات متكاملة يصدق بعضها بعضا . فالجريمة العلمية الكبرى أن نتعامل مع الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية بأسلوب المجادلة والمعارضة فتتضارب الحقائق في مخيّلة ضعاف العقول .

وهذا من أسرار البيان القرآني الذي لا يوجد في غيره، فقد حاول المتكلمون تقرير العقائد بأسلوبهم الفلسفي ونهجهم المنطقي، ولكن مهما تكلفوا في المسألة لم يصلوا إلى الوضوح والجلاء القرآني. وبخاصة في قضايا العقائد، فإن العقل المجرد يبقى قاصرا عن رسم الصورة الكاملة لها. ومن لم ينفعه بيان القرآن قد يجد ما يتوهمه دليلا على مذهبه مع أنه في الحقيقة هروب عن الحقيقة وغطاء عن المكاشفة والموضوعية، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}[41]

العقيدة العملية في سورة الكهف

لا ينتهج القرآن في تقرير العقائد نهج الفلاسفة الذين تهمهم القضايا العقلية الكلية التي كثيرا ما تغرق في التنظير بعيدة عن واقع الناس وحياتهم، بل القرآن يهدف إلى دلالة الإنسان إلى الطريق القويم الذي يوصله إلى خيري الدنيا والآخرة. فالنظر المفيد الذي أرشدنا القرآن إليه هو النظر الموصل إلى العمل الصالح، كما أن الإيمان في الإسلام ليس له وزن بلا عمل.

إن المعتقدات لا تناقش هنا باعتبارها مقولات فكرية مطروحة فقط، بل يبني القرآن على العقيدة الصحيحة سلوكيات قويمة، إن العقيدة إذا نوقشت بالجدل البيزنطي الذي ساد عند أهل الكلام صارت عبءا على النفس، تنتج إشكالات تحجب الإنسان عن الإبصار الكامل وتثقله عن الانطلاق الحر الذي أراد الله للإنسان أن يكون.

وهذا الذي نهجه الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا، فإنه – عليه الصلاة والسلام- لا يدع للحقائق أن تتعارض في ذهن الصحابة فتمنعهم عن العمل، بل أوضح المسألة بصورة مختصرة توضح القضية وتدفع إلى الانطلاق مباشرة إلى ميدان العمل، ثبت في الصحيحين عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ،

فَقَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلِمَ نَعْمَلُ؟ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟

قَالَ: لَا! اعْمَلُوا! فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.

ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﮫ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﮮ  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﮱ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ﯗ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﯚ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﯝ}[42].[43]

فقول الله في هذه السورة { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[44]  يعتبر عنوانا بارزا للانطلاق من نقاش عقدي مجرد إلى تحديد الموقف العملي الذي قاده اختياره الحر. هو يبين إمكانية الإنسان لاتخاذ القرار وتحمل المسؤولية، وأما جانب الإيمان بقضاء الله وقدره فيأتي في سياق آخر يتطلبه بيان الموضوع.

وبيان القرآن عن قضاء الله وقدره دائما يأتي ضمن سياق محدد، إما لبيان علم الله الشامل كقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[45]  وأو بيان عدل الله المطلق كقوله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر  ﰋ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[46] أو من أجل تهذيب النفوس وتأديبها لتعود إلى حالة اعتدالها كما في قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ   ﯦ  لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﯷ  }[47]

وهذا المنحى تجده في كل القرآن، ولسورة الكهف – إضافة إلى ذلك – منحى خاص ولون متميز في معالجاتها، فإن لسورة الكهف منحى مستقبليا خاصا لا يتمثل في غيرها، إن سورة الكهف وإن قررت حرية الإنسان في الاختيار، فإنها تنبهه إلى أن أفعال البشر في المستقبل تخضع لمؤثرات كثيرة لا يعلمها إلا الله، قد يريد الإنسان فعل شيء في المستقبل، ولكن الواقع لا يتشكل بإرادة الإنسان وحده، فهناك أمور خارج إرادة الإنسان، فهنا علّم القرآن الإنسان أن يربط الأمور دائما بمشيئة الله تعالى فإنه بيده الأمر كله، قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ﮡ  إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ﯕ  }[48]

فالقرآن لا يعلمنا الاستسلام السلبي للقدر، ولكنه يعلمنا الاستعداد للاحتمالات القادمة غير المتوقعة، فإن المفاجأة ليست مؤلمة إذا سلّم الإنسان أمره إلى الله جل جلاله، وانقاد لأمره وشرعه، فإنه رب حكيم كريم. وحتى في الأمور التي وثقنا تماما بقدرتنا على إنجازها فالقرآن يعلمنا ألا ننسى الله وإرادته النافذة وقدره الناجز.

سلوك الخلف … نزول من القمة

ما أكثر تلكم القمم التاريخية التي رفعت البشرية إلى معالي القيم الإنسانية! إلا أن طبيعة القمم تبقى عالية لا يقدر على دركها الكثيرون، ولا يصل لبابها إلا الأقلون، كانت القضية التي قام عليها وضحى من أجلها هؤلاء الشباب، هي قضايا إيمانية أساسية، قضية التوحيد، الإيمان بالله وحده وعدم الشرك به، ورفض تأليه المخلوق، ورفض الظلم الذي مورس على المؤمنين… هذه هي الأمور التي تمسك بها ودافع عنها هؤلاء شباب الكهف.

وبعد قرون مضت انتشر الدين وانتصر، وأصبح الناس يعيشون على الإيمان بالله دون خوف، وأصبح حاكم البلد مؤمنا، ولكن مع هذا الخير العميم الذي عاشه الجيل اللاحق، دبّ فيه خلاف عقدي خطير…

اختلفوا في البعث، هل يبعث الناس يوم القيامة أرواحا وأجسادا أم تبعث الأرواح وتفنى الأجساد؟ فجعل الله قصة أصحاب الكهف آية لهم…

قال ابن كثير رحمه الله: ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ حَصَلَ لِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ شَكٌّ فِي الْبَعْثِ وَفِي أَمْرِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ قَدْ قَالُوا: تُبْعَثُ الْأَرْوَاحُ وَلَا تُبْعَثُ الْأَجْسَادُ. فَبَعَثَ اللَّهُ أَهْلَ الْكَهْفِ حُجَّةً وَدَلَالَةً وَآيَةً عَلَى ذَلِكَ.

وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَحَدُهُمُ الْخُرُوجَ لِيَذْهَبَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فِي شِرَاءِ شَيْءٍ لَهُمْ لِيَأْكُلُوهُ، تَنَكَّرَ وَخَرَجَ يَمْشِي فِي غَيْرِ الْجَادَّةِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَدِينَةِ، وَذَكَرُوا أَنَّ اسْمَهَا دِقْسُوسُ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِهَا، وَكَانَ النَّاسُ قَدْ تَبَدَّلُوا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَأُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ، وَتَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

أَمَّا الدّيارُ فَإنَّها كَديارهِم … وَأرَى رجالَ الحَي غَيْرَ رجَاله …

فَجَعَلَ لَا يَرَى شَيْئًا مِنْ مَعَالِمِ الْبَلَدِ الَّتِي يَعْرِفُهَا، وَلَا يَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهَا، لَا خَوَاصِّهَا وَلَا عَوَامِّهَا، فَجَعَلَ يَتَحَيَّرُ فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ: لَعَلَّ بِي جُنُونًا أَوْ مَسًّا، أَوْ أَنَا حَالِمٌ، وَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا بِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّ عَهْدِي بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ عَشِيَّةَ أَمْسٍ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ تَعْجِيلَ الْخُرُوجِ مِنْ هَاهُنَا لَأَوْلَى لِي. ثُمَّ عَمَدَ إِلَى رَجُلٍ مِمَّنْ يَبِيعُ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ مَا مَعَهُ مِنَ النَّفَقَةِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِهَا طَعَامًا. فَلَمَّا رَآهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنْكَرَهَا وَأَنْكَرَ ضَرْبها، فَدَفَعَهَا إِلَى جَارِهِ، وَجَعَلُوا يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ وَيَقُولُونَ: لَعَلَّ هَذَا قَدْ وَجَدَ كَنْزًا. فَسَأَلُوهُ عَنْ أَمْرِهِ، وَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذِهِ النَّفَقَةُ؟ لَعَلَّهُ وَجَدَهَا مِنْ كَنْزٍ. وَمَنْ أَنْتَ؟ فَجَعَلَ يَقُولُ: أَنَا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَعَهْدِي بِهَا عَشِيَّةَ أَمْسٍ وَفِيهَا دَقْيَانُوسُ. فَنَسَبُوهُ إِلَى الْجُنُونِ، فَحَمَلُوهُ إِلَى وَلِيِّ أَمْرِهِمْ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنِهِ وَعَنْ أَمْرِهِ حَتَّى أَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِهِ، وَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي حَالِهِ، وَمَا هُوَ فِيهِ. فَلَمَّا أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ قَامُوا مَعَهُ إِلَى الْكَهْفِ مُتَوَلّى الْبَلَدِ وَأَهْلُهَا، حَتَّى انْتَهَى بِهِمْ إِلَى الْكَهْفِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أَتَقَدَّمَكُمْ في الدخول لأعلم أصحابي، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ ذَهَبَ فِيهِ، وَأَخْفَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ خَبَرَهُ وَيُقَالُ: بَلْ دَخَلُوا عَلَيْهِمْ، وَرَأَوْهُمْ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ الْمَلِكُ وَاعْتَنَقَهُمْ، وَكَانَ مُسْلِمًا فِيمَا قِيلَ، وَاسْمُهُ تِيدُوسِيسُ فَفَرِحُوا بِهِ وَآنَسُوهُ بِالْكَلَامِ، ثُمَّ وَدَّعُوهُ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَعَادُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَتَوَفَّاهُمُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ.[49]

{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ}[50]

انفتاح باب الشرك بعد انتصار التوحيد

حسم الخلاف بمجيء أصحاب الكهف، فقد رأوا قدرة الله التي لا تحدها حدود… ولكن نشأت خلافات أخرى بسببهم أيضا…

اختلفوا في بناء بنيان تذكاري يخلد ذكراهم، {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}[51]

والناس في الاحتفاء بالأحداث المهمة والأشخاص المهمين لهم مذاهب وطرائق. وقد كان دأب كثير منهم إذا أرادوا تخليد ذكر أسلافهم الأماجد أنهم شيدوا بناء تذكاريا كالتمثال وغيره. وقد تراءى للناس الذين شاهدوا عجائب شباب الكهف أن يبنوا بنيانا يخلد ذكر هؤلاء الأبطال، فصار اختيار أصحاب النفوذ فيهم أن يبنوا في ذلك المكان مسجدا.

وهذا الاختيار أقل ضررا وأخف خطأ من بناء التماثيل التي اعتادت الأمم على بنائها في تذكار الأسلاف، أورد ابن جرير عن محمد بن قيس في تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[52]   قال: كانوا قومًا صالحين من بنى آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صوّرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوّروهم، فلما ماتوا، وجاء آخرون دبّ إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر فعبدوهم.[53]

فهذا أمر متكرر في تاريخ البشر، ولكن هل اختيار بناء المسجد بدل التمثال محمود أم مذموم؟

تردد ابن كثير في المسألة، قال في تفسيره: “وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ هُمْ أَصْحَابُ الْكَلِمَةِ وَالنُّفُوذِ. وَلَكِنْ هَلْ هُمْ مَحْمُودُونَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.”[54]

ثم أورد أدلة من السنة تذم بناء المساجد على آثار الأنبياء والصالحين، ولم يذكر دليلا على خلافه. قال:  لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ.” يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا.[55]

وَقَدْ روينَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ قَبْرَ دَانْيَالَ فِي زَمَانِهِ بِالْعِرَاقِ، أَمَرَ أَنْ يُخْفَى عَنِ النَّاسِ، وَأَنْ تُدْفَنَ تِلْكَ الرُّقْعَةُ الَّتِي وَجَدُوهَا عِنْدَهُ، فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَلَاحِمِ وَغَيْرِهَا.[56]

ولذلك لم يتردد فقهاء المفسرين في تحريم ذلك، قال القرطبي: فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها، إلى غير ذلك مما تضمّنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز؛ لما روى أبو داود والترمذيّ عن ابن عباس قال: « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج » قال الترمذيّ: وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن.[57]

وروى الصحيحان عن عائشة : « أن أم حبيبة وأمّ سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنّ أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوّروا فيه تلك الصور أولئك شرارُ الخلق عند الله تعالى يوم القيامة » لفظ مسلم.[58] قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتّخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد.

وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنويّ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تصلّوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها » لفظ مسلم.[59] أي لا تتخذوها قبلة فتصلّوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام.

فحذّر النبيّ صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، وسَدَّ الذرائع المؤدّية إلى ذلك فقال: « اشتدّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ».[60]

وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: « لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طَفِق يطرح خَميصة له على وجهه فإذا اغتمّ بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » يحذّر ما صنعوا[61] .اهـ[62]

قال ابن عاشور: وَاتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ، وَالصَّلَاةُ فِيهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إِلَى عِبَادَةِ صَاحِبِ الْقَبْرِ أَوْ شَبِيهٌ بِفِعْلِ مَنْ يَعْبُدُونَ صَالِحِي مِلَّتِهِمْ. وَإِنَّمَا كَانَتِ الذَّرِيعَةُ مَخْصُوصَةً بِالْأَمْوَاتِ لِأَنَّ مَا يَعْرِضُ لِأَصْحَابِهِمْ مِنَ الْأَسَفِ عَلَى فُقْدَانِهِمْ يَبْعَثُهُمْ عَلَى الْإِفْرَاطِ فِيمَا يَحْسَبُونَ أَنَّهُ إِكْرَامٌ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، ثُمَّ يُتَنَاسَى الْأَمْرُ وَيَظُنُّ النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ لِخَاصِّيَّةٍ فِي ذَلِكَ الْمَيِّتِ. وَكَانَ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ سُنَّةً لِأَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ شَرْعًا لَهُمْ فَقَدْ نَسَخَهُ الْإِسْلَامُ، وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً مِنْهُمْ فِي دِينِهِمْ فَأَجْدَرُ.[63]

وممن أنكر على تردد ابن كثير رحمه الله فيه العلامة جمال الدين القاسمي، قال: “وعجيب من تردده في كونهم غير محمودين، مع إيراده الحديث الصحيح بعده، المسجل بلعن فاعل ذلك. وهو أعظم ما عنون به على الغضب الإلهي والمقت الرباني. والسبب في ذلك أن البناء على قبر النبيّ والوليّ مدعاة للإقبال عليه والتضرع إليه. ففيه فتح لباب الشرك وتوسل إليه بأقرب وسيلة. وهل أصل عبادة الأصنام إلا ذلك؟”[64]

قال الشيخ أحمد بن مصطفى المراغي بعد إيراده أحاديث النهي عن بناء المساجد على القبور: “فليعتبر المسلمون اليوم بهذه الأخبار التي لا مرية فى صحتها، وليقلعوا عما هم عليه من اتخاذ المساجد فى أضرحة الأولياء والصالحين والتبرك بها، والتمسح بأعتابها، وليعلموا أن هذه وثنية مقنّعة، وعود إلى عبادة الأوثان والأصنام على صور مختلفة، والعبرة بالجوهر واللب، لا بالعرض الظاهر، فذلك إشراك بالله فى ربوبيته وعبادته، وقد حاربه الدين أشد المحاربة، ونعى على المشركين ما كانوا يفعلون.”[65]

وهكذا دأب الأمم، سعى الأسلاف لانتصار العقيدة ثم جاء أخلافهم ينحدرون عن تلك القمة، ويضيعون الطريق، يمجّدون أسلافهم في الظاهر، ويخالفونهم في المعنى، ظاهرة متكررة: إيمان في الشكل وشرك في المضمون {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[66]

لذلك لا ينبغي أن نتفاجأ بواقع الأمة اليوم من انتشار الشركيات أو نحتار، فهي ظاهرة متكررة عند أمم سابقة وأجيال لاحقة، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ».[67]

إذا ابتعد المبنى عن المعنى

كانوا يريدون خيرا فيما اعتقدوا لكنهم فتحوا بابا عظيما للانتكاس..!!

وهناك قانون أوسع شمولا من تكرار ظهور الشرك بعد انتصار التوحيد، وهي ظاهرة تضخم الشكل على حساب المضمون، ظاهرة بقاء المبني وذهاب المعنى. ومن عجائب تصرفات البشر أن يسهل عليهم العناية بالمباني المكلِفة ويصعب عليهم رعاية المعاني السهلة، فإن بناء المباني يكلف أموالا وأوقاتا وأتعابا، أما رعاية المعاني فلا يحتاج إلا إلى عقل واعٍ وقلب حاضر. نسأل الله السلامة والعافية…

وازدهار حضارة الإنسان دائما يبدأ بإدراك المعاني السامية والقيم العالية وتبنّيها والدفاع عنها. فهي تُلهم الناس وتدفعهم وتفتح لهم آفاق صناعات جديدة ونشوء أفكار نيرة وإيجاد واقع جديد. فتأتي الإنجازات المادية منطلقة من تلك المعاني الكبيرة التي فتحت العقول وشجعت النفوس. لكن الذي بقى عند الجيل اللاحق في الغالب هو تلك الآثار المادية، أما القيم والمعاني المؤسِّسة لتلك الإنجازات لم يحافظ عليها إلا قلة من العقلاء والحكماء.

فالعصر الذهبي لكل أمة دائما كان انطلاقه ثراء المعاني وانتصار القيم، والعصر المتخلف تكون سمته العكوف على الأشكال والمباني على حساب المضامين والمعاني. فمسيرة التدين تحتاج إلى التجديد دائما. يبدأ بقلة واعية شُجاعة تنصر الحق الغائب ثم تتوسع دائرة التأثير، ليظهر الحق، ثم يأتي خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، تهمهم المظاهر ويهملون الجواهر، فينتكس الناس، وهكذا دواليك… فالتاريخ قمم ومنحدرات، من أراد الهداية والفلاح فليقصد القمم العالية، ومن أراد الراحة والحياة السهلة يتبع المنحدرات النازلة

الخلاف العقيم

اشتغل الناس بعد مشاهدة عجائب قدرة الله في أصحاب الكهف بقضية ليس تحتها طائل، فقد اختلفوا في عدد هؤلاء الشباب وهيئاتهم، فصار هذا الموضوع حديث الناس، فمن جعله حديثا جانبيا لا يتأثر به سلبا، ومن اتخذه شغله الشاغل فقد أضاع وقته بما لا يعود عليه بفائدة، قال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا}[68]

وهذا شأن البطالين الذي انشعلوا بأمور تافهة لا تنفعهم دنيا ولا أخرى، يتناقشون في مسائل لا يقصدون منها غير الكلام لا ينوون فعل شيء وراءه ولا يبنون أي شيء عليه. وهو شبه أسئلة بني إسرائيل عن صفات البقرة التي أمروا بذبحها، وإن كانت هنا أقل خطرا لأنها ليست في معارضة الواجب مثل الذي أمر به بنو إسرائيل، ولكنها مع ذلك نوع من العزوف عن الاهتمام بالقضايا الهامة، فذلك صرف الله رسوله والمؤمنين عن الوقوف طويلا على هذه المسألة قال تعالى: { قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا}[69]

وقد عقد الإمام الشاطبي بابا خاصا للتنبيه على هذه المسألة، قال رحمه الله تعالى: كل مسألة لا ينبني عليها عمل؛ فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي.[70]

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه صارما في مواجهة هذه الظاهرة، أخرج الدارمي في سننه عنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ صبيغاً الْعِرَاقِىَّ جَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْقُرْآنِ فِى أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَدِمَ مِصْرَ ، فَبَعَثَ بِهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ بِالْكِتَابِ فَقَرَأَهُ فَقَالَ : أَيْنَ الرَّجُلُ؟ قَالَ : فِى الرَّحْلِ. قَالَ عُمَرُ : أَبْصِرْ أَيَكُونُ ذَهَبَ فَتُصِيبَكَ مِنِّى بِهِ الْعُقُوبَةُ الْمُوجِعَةُ. فَأَتَاهُ بِهِ فَقَالَ عُمَرُ : تَسْأَلُ مُحْدَثَةً. فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى رَطَائِبَ مِنْ جَرِيدٍ فَضَرَبَهُ بِهَا حَتَّى تَرَكَ ظَهْرَهُ دَبِرَةً ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرَأَ ، ثُمَّ عَادَ لَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرَأَ ، فَدَعَا بِهِ لِيَعُودَ لَهُ ، قَالَ فَقَالَ صَبِيغٌ : إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِى فَاقْتُلْنِى قَتْلاً جَمِيلاً ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُدَاوِيَنِى فَقَدْ وَاللَّهِ بَرَأْتُ. فَأَذِنَ لَهُ إِلَى أَرْضِهِ وَكَتَبَ إِلَى أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ : أَنْ لاَ يُجَالِسَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ ، فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ : أَنْ قَدْ حَسُنَتْ هَيْئَتُهُ. فَكَتَبَ عُمَرُ أَنِ ائْذَنْ لِلنَّاسِ بِمُجَالَسَتِهِ.[71]

وسأل ابن الكواء علي بن أبي طالب عن {والذاريات ذروا، فالحاملات وقرا … }[72] إلخ؛ فقال له علي: “ويلك، سل تفقها ولا تسأل تعنتا!” ثم أجابه؛ فقال له ابن الكواء: أفرأيت السواد الذي في القمر؟ فقال: “أعمى سأل عن عمياء”.[73]

لذلك حذر الرسول صلى الله عليه المسلمين عن الإكثار في المسائل في مثل هذه الأمور قال عليه الصلاة والسلام: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ»[74]

ما أكثر تأثير هذا السلوك على مسيرة الأمم! ما ضاعت أمة إلا بكثرة خلافاتها، وانشغالها بأمور لا تفيدها، وما نجحت أمة إلا بالتغاضي عن الخلافات الجانبية والتركيز على أهم الأمور التي تدفعهم إلى التقدم الحضاري. وإذا أردت أن تعرف مستقبل أمة ما فانظر إلى المسائل التي تشغلهم، فهي تحدد مصيرهم.

يتبع….

_______________________________________________

[1] أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين » وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[2] أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» (صحيح مسلم: 2/282 رقم: 854)

[3] رواه مسلم في صحيحه (1/555 رقم: 809)

[4] وهي رواية شعبة عن قنادة

[5] سورة الكهف: ٥

[6] سورة الإسراء: ٣٦

[7] انظر التفسير الكبير: 20/339

[8] مقدمة في أصول التفسير ص7

[9] سورة الكهف: ١٥

[10] سورة الكهف: ٢٢

[11] سورة الكهف: ٧ – ٨

[12] يميل كثير من الوعاظ والكتاب والخطباء إلى تهويل خطورة تحديات العصر مما جعل الناس يميلون إلى اليأس والإحباط والسلبية، ولا أرى أن هذا الاتجاه يصلح لتربية الناس عليه ودعوتهم إليه، بل نغرز في أنسفهم الثقة والأمل، اقتداء بسير السابقين وارتواء بروح الشجاعة والإقدام.

[13] سورة الكهف: ١٤

[14] سورة الكهف: ١٦

[15] سورة الكهف: ١٠

[16] سورة الكهف: ١٤ – ١٥

[17] سورة الكهف: ٢٥

[18] سورة الكهف: ١٦

[19] أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد وابن حبان، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[20] سورة الكهف: ١٧

[21] سورة الكهف: ١٨

[22] آل عمران: 197

[23] تيسير الكريم الرحمن ص473

[24] سورة الكهف: ٢١

[25] سورة الكهف: ٢٦

[26] سورة الكهف: ٢٧

[27] سورة الكهف: ٢٨

[28] سورة العصر: ١ – ٣

[29] سورة التوبة: ١١٩

[30] سورة الكهف: ٢٩

[31] سورة الكهف: 29 – ٣١

[32]  أخرجه مسلم (1/37 رقم 8)

[33] سورة الكهف: ٢٩

[34] أخرج مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.” رواه مسلم (4/2044 رقم 2653).

[35] أخرجه ابن ماجه ابن حبان في صحيحه والترمذي وقال صحيح على شرط الشيخين، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن مصفى وثقه أبو حاتم وغيره وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/ 123 / 82)

[36] سورة الإنسان: ٣٠

[37] سورة الكهف: ١٧

[38] سورة يس: ٤٧

[39] سورة الزخرف: ٣٢

[40] أخرجه الترمذي 8/16 رقم 2059، وأبو يعلى الموصلي في مسنده 12/298 رقم 5910، وحسنه الألباني (صحيح وضعيف سنن الترمذي 5/133 رقم 2133)

[41] سورة الكهف: ٥٤

[42] سورة الليل: ٥ – ١٠

[43]  أخرجه البخاري (4/1891 رقم 4666، 6/2745 رقم 7113) ومسلم (4/2040 رقم 2647) واللفظ له

[44] سورة الكهف: ٢٩

[45] سورة الأنعام: ٥٩

[46] سورة القمر: ٤٨ – ٤٩

[47] سورة الحديد: ٢٢ – ٢٣

[48] سورة الكهف: ٢٣ – ٢٤

[49] تفسير ابن كثير: 5/146-147، انظر جامع البيان: 15/216، والدر المنثور: 5/367، وانظر الروايات الواردة فيها في جامع البيان: 15/217-222

[50] سورة الكهف: ٢١

[51] سورة الكهف: ٢١

[52] سورة نوح: ٢٣

[53] تفسير الطبري 23/639

[54] تفسير ابن كثير/5/147

[55] أخرجه البخاري (1/95 رقم: 435، 2/88 رقم: 1330، 4/169 رقم: 3453) ومسلم (1/376 رقم: 529، 1/377 رقم: 530، 1/377 رقم: 532، 3/127 رقم: 827)

[56] تفسير ابن كثير/5/147

[57] أخرجه الطيالسى (ص 357 ، رقم 2733) ، وأحمد (1/337 ، رقم 3118) ، وأبو داود (3/218 ، رقم 3236) ، والترمذى (2/136 ، رقم 320) ، وقال : حسن . والنسائى (4/94 ، رقم 2043) ، والحاكم (1/530 ، رقم 1384) ، وقال : أبو صالح هذا ليس بالسمان المحتج به إنما هو باذان ولم يحتج به الشيخان لكنه حديث متداول فيما بين الأئمة ، والبيهقى (4/78 ، رقم 6998). (انظر جامع الأحاديث: 17/386 رقم: 18424)

[58] أخرجه البخاري (1/93 رقم: 427، 1/94 رقم: 434، 5/50 رقم: 3873) ومسلم (1/375 رقم: 528، 3/122 رقم: 822)

[59] أخرجه مسلم (2/668 رقم: 972، 5/95 رقم: 1614) والنسائي (3/214 رقم: 752) وأحمد (35/76 رقم: 16583)

[60] أخرجه مالك في الموطأ (2/41 رقم: 376)

[61] أخرجه البخاري (1/95 رقم: 3453) ومسلم (1/376 رقم: 529)

[62] الجامع لأحكام القرآن 13/242-243

[63] التحرير والتنوير: 15/290

[64] محاسن التأويل: 7/16

[65] تفسير المراغي: 15/134

[66] سورة يوسف: ١٠٦

[67] أخرجه البخاري (4/169 رقم: 3456) ومسلم (4/2054 رقم: 2669)

[68] سورة الكهف: ٢٢

[69] سورة الكهف: ٢٢

[70] الموافقات: 1/43

[71] سنن الدارمي (1/169 رقم: 150) وأخرجه ابن أبي شيبة في “المصنف” “11/ 426″، والخلال -كما قال أبو يعلى في “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” “ق 122-123”- وابن بطة في “الإبانة” “رقم 329، 330، 332، 333، 789″، وابن عساكر في “تاريخه” “ترجمة صبيغ”، وهو صحيح.

[72] سورة الذاريات: 1-2

[73] أخرجه عبد الرزاق في “التفسير” “2/ 241″، وابن جرير في “التفسير” “26/ 115-117″، والحاكم في “المستدرك” “2/ 466-467″، والفريابي وسعيد بن منصور والحارث بن أبي أسامة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في “المصاحف” -كما في “الدر المنثور” “6/ 111”- وابن عبد البر في “الجامع” “1/ 464/ رقم 726-ط الجديدة”، وابن بطة في “الإبانة” “رقم 334″، والآجري في “أخلاق العلماء” “ص126-ط المغرب” من طرق عن علي -رضي الله عنه- وبعضها إسناده صحيح.

وانظر: “مسند الشاشي” “2/ 96/ رقم 620″، و”الاعتصام” للمصنف “1/ 65-66″؛ فقد أطال في ذكر الروايات التي فيها إنكار علي -رضي الله عنه- على هذا المبتدع.

[74] أخرجه مسلم (4/1830 رقم: 1337)

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

معلومات

This entry was posted on 15 ماي 2015 by in مقالات.

الابحار

%d مدونون معجبون بهذه: