آفاق المستقبل

تصحيح مفاهيم وتكوين رؤى

مقاصد الشريعة في القرآن والسنة وعند سلف الأمة

إن علم مقاصد الشريعة ضاربة أصوله في نصوص القرآن والسنة، عميقة جذوره في وعي المسلمين الأوائل، خاصة في القرون المفضلة الأولى. وإن الآيات القرآنية حافلة ببيان الحِكَم التشريعية، والأحاديث النبوية زاخرة بتبيين المصالح المترتبة على أوامر الشرع وإرشاداته. وكان الصحابة رضي الله عنهم يدركون مقصد ما أمروا به ومغزى ما نهوا عنه، وعرفوا أنهم لم يؤمروا إلا بما فيه خير ونفع، ولم ينهوا إلا عما فيه ضرر وشر. واستمر هذا الوعي جيلا بعد جيل إلى أن مالت عقول المسلمين إلى التقليد، واسترخت عن طلب التحقيق وإمعان التدقيق، واكتفى أكثرهم بالنظر السطحي في ظواهر الأدلة عن التفكير العميق في إدراك المقاصد وفهم العلة.

المبحث الأول: مقاصد الشريعة على لسان القرآن

إن أول ومضة لهذا العلم الجلل تنطلق من كتاب الله الحكيم، فهو كتاب يخاطب العقول بالإقناع، ويحرك النفوس بالتحفيز، لم يكن القرآن كتاب قانون جامد يكتفي بإصدار الإلزامات دون بيان السبب وإظهار المغزى. لكنه كتاب تربية وهداية يتفاعل مع العقل يقنع ويحاور، فكانت دلالة محاسن الأمور وتحذير مواقع الشرور مبثوثة في تعابيره، وبيان المنافع من المضار حاضرا في كل تقاريره.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “والقرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مملوءان من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح… ولو كان هذا في القرآن والسنة نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها،  ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة”.[1]

وحسبنا في هذا المقام أن نشير إلى أمثلة من الآيات التي تدل على روح المقاصد في القرآن الحكيم، فنذكر نتفا منها في المطلب الآتي:

المطلب الأول: نماذج من الآيات الدالة على مقاصد الإسلام العامة

الآية الأولى: قول الله تعالى: ﭽ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَﭼ[2]

تقف بنا هذه الآية العظيمة على حقيقة شرعية أساسية، جاءت بأسلوب مؤكد أن هذه الرسالة المحمدية إنما جيء بها لبثِّ الرحمة على العالمين. فالشريعة المحمدية رسالة الرحمة جملة وتفصيلا.

فهذا الدين رحمة للناس كافة، مؤمنهم وكافرهم فقد ألغى الله سبحانه وتعالى عقوبة الاستئصال عن تاريخ البشرية بعد أن أرسل الله محمدا على وجه الأرض. روى الطبري[3] وغيره عن ابن عباس[4] في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} قال: من آمن بالله واليوم الآخر، كُتِبَ له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عُوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف.[5]

ففي صحيح مسلم[6] عن أبي هريرة[7] قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: “إني لم أبعَثْ لَعَّانًا، وإنما بُعثْتُ رحمة”.[8]

وفي الحديث الآخر: “إنما أنا رحمة مهداة”.[9]

قال الألوسي في بيان هذه الآية: “ووجه ذلك عليه أنه عليه الصلاة والسلام أرسل بما هو سبب لسعادة الدارين ومصحلة النشأتين، إلا أن الكافر فوَّت على نفسه الانتفاع بذلك وأعرض لفساد استعداده عما هنالك، فلا يضر ذلك في كونه صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة بالنسبة إليه أيضاً كما لا يضر في كون العين العذبة مثلاً نافعة عدم انتفاع الكسلان بها لكسله وهذا ظاهر خلافاً لمن ناقش فيه.”[10]

ثم ذكر الألوسي رحمه الله من العلماء من رجح شمول الرحمة لجميع الناس، فذكر من الشافعية البارزي[11] وتقي الدين السبكي[12] والجلال المحلي[13]، ومن الحنابلة ابن تيمية وابن حامد[14] وابن مفلح[15] في كتاب الفروع، ومن المالكية عبد الحق –يعني ابن عطية صاحب المحرر الوجيز في التفسير. وقد سبقهم في ذلك الطبري إذ قال: “وأولى القولين في ذلك بالصواب. القول الذي رُوي عن ابن عباس ، وهو أن الله أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم ، مؤمنهم وكافرهم . فأما مؤمنهم فإن الله هداه به ، وأدخله بالإيمان به ، وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة. وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله.”[16]

ويرى بعض العلماء أن الرحمة هنا خاصة بالمؤمنين، أما الكفار فليس لهم نصيب من هذه الرحمة، وهو قول ضعيف كما قال الألوسي في تفنيد هذا القول: “ولا أرى له منشأ سوى قلة الاطلاع على الحق الحقيق بالاتباع، وأنت متى أخذت العناية بيدك بعد الاطلاع عليه سهل عليك رده، ولم يهولك هزله وجده.”[17]

إن سمة الرحمة لهذه الرسالة تتمثل في شيئين: في شخص الرسول محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وفي شريعته التي تتميز بالتيسير والرفق بالمكلفين وتحقيق المصلحة للعالمين.

وقد استنتج ابن عاشور رحمه الله من هذه الحقيقة الشرعية رؤية تاريخية ثاقبة، إذ قال رحمه الله: “وحكمة تمييز شريعة الإسلام بهذه المزية أن أحوال النفوس البشرية مضت عليها عصور وأطوار تهيأت بتطوراتها لأن تُساس بالرحمة وأن تدفع عنها المشقة إلا بمقادير ضرورية لا تُقام المصالح بدونها، فما في الشرائع السالفة من اختلاط الرحمة بالشدة وما في شريعة الإسلام من تمحّض الرحمة لم يجر في زمن من الأزمان إلا على مقتضى الحكمة، ولكن الله أسعد هذه الشريعة والذي جاء بها والأمة المتبعة لها بمصادفتها للزمن والطور الذي اقتضت حكمة الله في سياسة البشر أن يكون التشريع لهم تشريع رحمة إلى انقضاء العالم.”[18]

وبهذه العبارة كشف شيخ الزيتونة رحمه الله حقيقة مهمة في تاريخ الرسل والأنبياء وتسلسل النبوات والرسالات، وهي أن إرسال الرسل إلى الناس عبر تاريخ الإنسانية المديد لم يكن مجرد تكرار دون إضافة وبناء جديد. فكما أن أحوال الناس تطوَّرت فإن الرسالات والشرائع تُتابع وتُجاري أحوال الناس، بل وتقود مسيرة التقدم وسياسة المصالح العامة -مثل ما قام به نبي الله يوسف عليه السلام بعد تقلّده منصب أمانة خزانة الدولة المصرية آنذاك- وتُقدِّم للناس نماذج رائعة من بدائع الصناعات -كما فعل نبي الله داود وابنه سليمان عليهما السلام. وإن هذه الأمة الخاتمة التي سمعت وشهدت واستفادت من تجارب الأمم السابقة مهيأة لأن تتلقى الرسالة الخاتمة التي تكمل نمو العقل البشري ونضوج رقيه الحضاري. وهذه حقيقة تاريخية دينية خطيرة ينبغي الوقوف عليها كثيرا لتصحيح جملة من المفاهيم المغلوطة تجاه طبيعة هذا الدين. وسيأتي تفصيل هذه الحقيقة في الباب القادم عن القضايا المستقبلية والمفاهيم القائمة عليها بإذن الله.

الآية الثانية: الإسلام ومحاربة الفساد

قال تعالى: ﭽوَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَﭼ[19]

عبرت هذه الآية عن مبدإ كلي في الشريعة الإسلامية: أن الفساد بكل أشكاله وألوانه مرفوض، وهو جانب مقابل لمبدإ جلب المنافع. فإن الإسلام يمنع كل صور الفساد، وأن السعي لإفساد العالم منافٍ للحكمة والغاية من خلق الله للكون.

قال تعالى: حكاية عن نبي الله شعيب: { إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ }[20]   وقال: { وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}[21] وقال حكاية عن نبيه صالح: ﭽفَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَﭼ[22] وقال مخاطبا هذه الأمة {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }[23] وقال مبينا مآل الصالحين الذين يصلحون ولا يفسدون: { تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }[24].

قال ابن عاشور: “والفساد ضد الصلاح، ومعنى الفساد: إتلاف ما هو نافع للناس نفعاً محضاً أو راجحاً.”[25] وقال إنه إنما كان الفساد غير محبوب عند الله لأن في الفساد تعطيلا لما خلقه الله في هذا العالم لحكمة صلاح الناس، فإن الحكيم لا يحب تعطيل ما تقتضيه الحكمة.[26]

ومحاربة الفساد في الإسلام فوق أنها ضد المصلحة المنشودة، فإن لها بعدا إيمانيا وروحيا، لأن الله الذي يقصد المؤمن إرضاءه صرح بكرهه تعالى للفساد، فالمؤمن ليس فقط يرفض الفساد ويسعى لإزالته، فإنه أيضا يبغضه ويعاديه.

الآية الثالثة: الحياة الطيبة

قال تعالى: ﭽ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَﭼ[27]

هذه الآية تخبرنا بأن للعمل الصالح نتيجة في حياة الإنسان طيبة، فصلاح الدين مرتبط بصلاح الدنيا مثمر له، قال ابن كثير[28]: هذا وعد من الله لمن عمل صالحا وهو العمل المتابع لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، من ذكر أو أنثى من بني آدم وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وأن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله، بأن يحييه حياة طيبة في الدنيا، أن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة.[29]

قال الفخر الرازي[30]: “إن عيش المؤمن في الدنيا أطيب من عيش الكافر من وجوه:

أحدها: أنه لما عرف أن رزقه إنما حصل بتدبير الله وعرف أن ربه محسن كريم، كان راضيا بكل ما قضاه وقدره، أما الجاهل فلا يعرف هذه الأصول فكان أبدا في الحزن والشقاء.

ثانيها: أن قلب المؤمن منشرح بنور معرفة الله، والقلب إذا كان مملوءا من هذه المعارف لم يتسع للأحزان الواقعة بسبب أحوال الدنيا.

ثالثها: أن المؤمن عارف بأن خيرات الحياة الجسمانية خسيسة، فلا يعظم فرحه بوجدانها وغمه بفقدانها.

رابعها: أن المؤمن يعلم أن خيرات الدنيا سريعة التقلب، فلولا تغيرها وانقلابها لم تصل من غيره إليه، بخلاف الجاهل، فإنه يكون غافلا عن هذه المعارف فيطبع قلبه عليها ويعانقها معانقة العاشق لمعشوقه، فعند موته وزواله يحترق قلبه، ويعظم البلاء عنده.”[31]

قال ابن القيم: “قد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته، فقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) الآية، وقد فسرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضا، والزرق الحسن، وغير ذلك.

والصواب: أنها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان، ومعرفة الله ومحبته، والإنابة، والتوكل عليه. فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه، إلا نعيم الجنة. كما كان بعض العارفين يقول: “إنه لتمر بي أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب.”

وقال غيره: إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا.

وقال غيره: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من سعادة لجالدونا عليها بالسيوف.

وهذه الحياة الطيبة تكون في الدور الثلاث، والمعيشة الضنك أيضا في الدور الثلاث: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار. فالأبرار في نعيم هنا وهناك. والفجار في جحيم هنا وهناك. قال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ )[32].”اهـ[33]

لذلك قال ابن تيمية رحمه الله: “إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة.”[34]

وهذه الفوائد كلها تضاف إلى نتائج تطبيق شرع الله الموافق لحاجات البشر وفطرتهم، وقد تعست البشرية بعد ما جربت نظما غربية وشرقية أعقبت أزمات بعد أزمات، وانتظر الخبراء حضور ما تميز به النظام الإسلامي، ليحل الاعتدال الإسلامي محل الجشع الاقتصادي البشري. وتفصيل هذا الباب في غير هذا المقام.

وقال الألوسي أن قوله تعالى {فلنحيينه حياة طيبة} إشارة إلى درء المفاسد، وقوله سبحانه : {وَلنَجْزيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إشارة إلى جلب المصالح.[35] فتكون نتيجة العمل الصالح وفرة المصالح وانتفاء المفاسد.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي[36] رحمه الله: “…أن القرآن العظيم دل على أن العمل الصالح هو ما استكمل ثلاثة أمور :

الأول: موافقته لما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم . لأن الله يقول : { وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا }[37]

الثاني: أن يكون خالصاً لله تعالى. لأن الله جل وعلا يقول : { وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين }[38]، { قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ }[39].

الثالث: أن يكون مبنياً على أساس العقيدة الصحيحة . لأن الله يقول : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } فقيَّد ذلك بالإيمان ، ومفهوم مخالفته أنه لو كان غير مؤمن لما قبل منه ذلك العمل الصالح. وقد أوضح جل وعلا هذا المفهوم في آيات كثيرة ، كقوله في عمل غير المؤمن : { وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً }[40]، وقوله : { أولئك الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }[41]، وقوله : { أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ }[42]الآية، وقوله : { أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ }[43]، إلى غير ذلك من الآيات. اهـ[44]

ثم قال رحمه الله في فصل الخلاف الدائر بين العلماء هل المراد بالحياة الطيبة هي في الدنيا أم في الآخرة: فقال رحمه الله: “وفي الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بالحياة الطيبة في الآية : حياته في الدنيا حياة طيبة. وتلك القرينة هي أننا لو قدرنا أن المراد بالحياة الطيبة حياته في الجنة في قوله : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } صار قوله : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } تكراراً معه. لأن تلك الحياة الطيبة هي أجر عملهم. بخلاف ما لو قدرنا أنها في الحياة الدنيا. فإنه يصير المعنى : فلنحيينه في الدنيا حياة طيبة ، ولنجزينه في الآخرة بأحسن ما كان يعمل وهو واضح .”[45] ثم استدل رحمه الله بقواعد بلاغية وأصولية بأرجحية إرادة التأسيس وقصد التقرير على قصد التأكيد ومجرد التكرير في مثل هذا السياق من البيان.[46]

وقد روي عن ابن عباس قوله: “إن للحسنة لنورا في القلب وضياء في الوجه وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق، وإِنّ للسيئة لظلمة في القلب وسوادا في الوجه ووهنا في البدن وضيقا في الرّزق وبغضة في قلوب الخلق.”[47]

ولكن هنا ينبغي التنبيه، أن السعادة الحقيقية هي سعادة الروح وطمأنينة النفس، وأن الحياة الدنيا مهما تكن طيبة فإنها لن تصفو من منغِّص، لأمرين:

أولا: أن الذنوب التي ارتكبها المؤمن قد تأتي نتائجها  معجلة في الدنيا، لقوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}[48] قال أبو بكر[49] رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}[50]؟ فكل سوء عملنا جُزِينا به!

فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:  غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللَّأْوَاء[51]؟

قال: بلى.

قال: فهو ما تجزون به.[52]

ولا أحد يسلم من الذنوب غير الأنبياء، فحصول المنغصات في حياة المؤمن واردة لتكفِّر عنه السيئات وتطهره من الذنوب.

والثاني: لأنها دار قُصد منها ابتلاء، فتأتي المصائب للمؤمنين ابتلاء واختبارا لإيمانهم ورفعا لدرجات الصابرين منهم. قال تعالى: ﭽ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينﭼ[53] ويكون أصلب الناس إيمانا أشدهم ابتلاء. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: “الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة.”[54]

ولكن هذا كله لا ينفي حلاوة الحياة الإيمانية وطيبتها لأن الحكم للغالب. والحياة الطيبة ليست حياة استرخاء وترهّل، لكنها حياة جدّ وإنجاز وجهاد، لقد كانت حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم معظمها معاناة في إحقاق الحق وإبلاغ الرسالة السامية. والنفوس العظيمة لا تستلذ إلا بمعالي الأمور ولا ترتاح إلا مع مهمات القضايا، وما أطيب حياة من حقق خيرا تلو خير، وبث نفعا بعد نفع، واستسهل الكربات في سبيل القربات. {وللآخرة خير لك من الأولى}.

الآية الرابعة: صلاح الدنيا بصلاح الدين

قال تعالى: ﭽ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَﭼ[55]

تقرر هذه الآية أن للإيمان والتقوى آثارهما الاجتماعية كما أن لها آثارهما الفردية. وهذه سنة من سنن الله في المجتمعات، كقوله تعالى {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[56] أي: ما آمنت قرية بتمامها إلا قوم يونس، فإنهم آمنوا، وذلك بعد ما عاينوا العذاب، كما قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }.[57]

وهنا حقيقة اجتماعية مهمة، أن الحالة الاجتماعية هي التي أثمرت النتائج العامة التي تشمل الجميع. والعبرة في هذه المسألة بالغالب. إذا كان الغالب في المجتمع هو الصلاح والتقوى كانت الحياة الاجتماعية مشمولة بالبركة والخير، وإذا كان الفساد والظلم والمعصية هي الحالة السائدة حلت التعاسة والضنك في حياة المجتمع العامة. كما بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم حين سئل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث.[58] يعني أن الحالة الغالبة هي التي تتحكم بمصير المجتمع. لم يكن وجود أفراد صالحين في الناس مفيدا إذا طغى الخبث والظلم والفساد في حياة الناس.

ويؤكد هذا المعنى قول الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).[59]

قال ابن كثير: “يحذر تعالى عباده المؤمنين (فتنة) أي اختبارا ومحنة يعم بها المسيء وغيره، لا يخص بها أهل المعاصي، ولا من باشر الذنب، بل يعمها حيث لم تدفع وترفع.

وقال في رواية لعلي بن أبي طلحة[60] عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب. وهذا تفسير حسن جدا”. [61]

إن إصلاح المجتمع واجب كل الأفراد، فيجب على كل فرد من أفراد المجتمع أن يحافظ على مقومات المجمتع وأن يصونها عما يؤدي إلى هلاكها. لقد مثّل الرسول صلى الله وسلم المجمتع مثل السفينة، فأي فرد يتسبب في خرق السفينة فسيغرق الجميع، إذا لم يمنع من ذلك.

عن النعمان بن بشير[62] رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا.”[63]

لخطورة هذا الأمر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكد هذا المعنى وكرَّره في الناس:

عن أم المؤمنين عائشة[64] رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء، فتوضأ وما كلم أحدا، ثم خرج، فلصقت بالحجرة أسمع ما يقول، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: “يا أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم.” فما زاد عليهن حتى نزل.[65]

عن جرير بن عبد الله[66] رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ قَوْمٍ يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي وَفِيهِمْ رَجُلٌ أَعَزُّ مِنْهُمْ وَأَمْنَعُ لَا يُغَيِّرُونَ إِلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِقَابٍ.”[67]

ومن أخص ما يذكر ها هنا ما رواه الإمام أحمد[68] في المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة.[69]

ويعضد هذا الحديث ما رواه الإمام مالك[70] في الموطإ أن عمر بن عبد العزيز[71] يقول: كان يقال: إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة ولكن إذا عمل المنكر جهارا كلهم.[72]

وكذلك حديث ابن عمر[73] يؤكد أنه إذا أصبح الفساد ظاهرة عامة نزلت عقوبة الله على الجميع. وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولن ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولن ينقضوا عهد الله ورسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم ثم غزوهم وأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكموا بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم.[74]

ويلاحظ أن كل تلك العقوبات مرتبة على فساد عام من إعلان الفاحشة، أو نقص الكيل والميزان، أو منع الزكاة، أو نقض العهد، أو ترك الحكم بما أنزل الله. كل تلك الذنوب نسبها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى القوم مما يدل على أن تلك الأفاعيل ارتكبتها عامتهم.

وفي القرآن قصة بني إسرائيل، عوقبوا بالتيه كلهم مع أن هناك من لا يوافقهم على عنادهم إلا أن المحصلة الأخيرة من تصرف المجموع أنهم يجتمعون على معارضة موسى عليه الصلاة والسلام بدخول الأرض المقدسة.

وفي موقعة أُحد، ذاق المسلمون كلهم مرارة الهزيمة مع أن الذين خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأحدثوا الثغرة هم مجموعة من الرماة وليسوا كلهم، ولكن لما كان هذا التصرف يخل بالخطة العامة وأصبحوا يشكلون ظاهرة ملحوظة، نزلت المصيبة على الجميع.

وعلى هذا المنطق كان السكوت على المنكر منكرا. ولقد نهى الله عن مجالسة قوم يستهزئون بالله وبالدين، قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)[75].

ويشهد لهذه الحقيقة قول علي رضي الله عنه لما طلبه المسلمون أن يستخلفهم خليفة قال: إن علم الله في قلوبكم خيرا يستخلف عليكم خيركم.[76]

وقد روي مرفوعا أيضا: خطب علي رضي الله عنه حين ضربه ابن ملجم[77]. فقال له الناس: يا أمير المؤمنين إستخلف علينا. فقال: أترككم كما تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.،قلنا: يا رسول الله استخلف علينا. فقال صلى الله ليه وسلم: “إن يعلم خيرا يول عليكم خياركم.” قال علي رضي الله عنه: فعلم الله فينا خيرا، فولى علينا أبا بكر رضي الله عنه.[78]

الآية الخامسة: الخير الذي لا يعرفه إلا أهل الخير

قال تعالى: ﭽ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينﭼ[79]

إن هذا الدين دين خير، ولا يعرف خيريته إلا أهل الخير، والخير لفظ شامل لكل المعاني الإيحابية وجميع أصناف المصالح.

قال سيد[80] رحمه الله: إن المتقين يدركون أن الخير هو قوام هذه الدعوة، وقوام ما أنزل ربهم من أمر ونهي وتوجيه وتشريع . فيلخصون الأمر كله في كلمة : { قالوا : خيراً } ثم يفصلون هذا الخير حسبما علموا مما أنزل الله.[81]

قال الشيخ محمد الأمين: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن المتقين إذا سئلوا عما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قالوا : أنزل عليه خيراً . أي رحمة وهدى وبركة لمن اتبعه وآمن به . ويفهم من صفة أهل هذا الجواب بكونهم متقين أن غير المتقين يجيبون جواباً غير هذا.[82]

إن معاني الخير الكامنة في هذا الدين لا يدركها كل إنسان أو لا يعترف بها جميع البشر، فأصحاب الظلم وحلفاء المعاصي وأساطين الكفر عندهم موقف آخر، قال الله في حقهم: ﭽ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَﭼ[83]

فليس بدعا من الموقف أن يقول بعض المدّعين للثقافة والتقدم أن الشريعة الإسلامية رجعية وتطبيقها تخلّف والدعوة إليها عودة بالمجتمع إلى عصر اللاهوت الغابر، فهؤلاء المحرومون من إدراك الحقيقة أو الاعتراف بها هم خلفُ هؤلاء الذين قال الله فيهم: ﭽ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَﭼ[84]  إن الذين اعتبروا الدين والتدين سفاهة وضد التحضر هم أولى الناس بهذه الصفة بشهادة رب الأرض والسماوات، قال عز وجل: ﭽ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﭼ[85]  نعم، إنهم أهل السفه لأنهم ضد مصلحة أنفسهم، ولأنهم أعمتهم المظاهر عن الجواهر، ولأنهم لم يشغلوا عقولهم بكشف الحقائق، أو أنهم تجاهلوا نصاعة الحق وآثروا متعة الهوى على دلالة العقل السليم وراحة الضمير الحي وطمأنينة النفس السوية.

أما أصحاب الإيمان الصحيح فأوصلهم إيمانهم إلى كبد الحقائق، وأهل التقوى أوقفتهم تقواهم على كنز الدقائق، قال تعالى: ﭽ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْﭼ[86] وقال تعالى  ﭽ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًاﭼ[87]  وقال تعالى ﭽ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌﭼ[88]

الآية السادسة: نفي العبث في أفعال الله وأحكامه

قول الله تعالى: ﭽ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ . فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِﭼ[89]

في هذه الآية نفى الشارع الحكيم أن يكون خلق البشر عبثا، والعبث هو الفعل لا لغرض صحيح[90] أو الباطل الذي ليس وراءه غاية مرادة[91]، ولا حكمة اقتضت ذلك.[92] وبين سبحانه أن كمال ملكيته وكمال صفاته الإلهية يأبى إلا أن يكون كل تصرفاته مبنيا على الحكمة البالغة والفائدة السابغة فقال: { فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }[93]

قال الألوسي[94] رحمه الله: “{ فتعالى الله } استعظام له تعالى ولشؤونه سبحانه التي يصرف عليها عباده جل وعلا من البدء والإعادة والإثابة والعقاب بموجب الحكمة البالغة أي ارتفع سبحانه بذاته وتنزه عن مماثلة المخلوقين في ذاته وصفاته وأفعاله وعن خلو أفعاله عن الحكم والمصالح الحميدة .”[95]

قال ابن عاشور: “والعبث: العمل الذي لا فائدة فيه. وكلما تضاءلت الفائدة كان لها حكم العدم.”[96] فالخالق الحكيم سبحانه لم يخلق إلا بما يليق به من عظمة الحكمة وتمام الفائدة.

فهذا مبدأ كلي مهم قرره القرآن أن ما لا فائدة فيه يكون عبثا تنزَّه الله عنه. فما تنزه عنه في أفعاله، تنزه الله عنه في أحكامه أيضا. فمحال أن يكون حكم من أحكامه وأمر من أوامره وإرشاد من إرشاداته خاليا عن الفائدة والمصلحة. بل هو كمال الفائدة وتمام المصلحة.

الآية السابعة: الغاية من خلق الكون

قال تعالى: ﭽ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّىﭼ[97]

هنا حث الله سبحانه الإنسان على التفكر والتأمل في خلق الكون مما يوصل الإنسان إلى مشاهدة الحقيقة المهمة هي أن هذا الكون خلق لهدف عظيم ولمدة محددة.

قال النسفي[98]: { إِلاَّ بالحق وَأَجَلٍ مُّسَمًى } أي ما خلقها باطلاً وعبثاً بغير حكمة بالغة ولا لتبقى خالدة، إنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة وبتقدير أجلٍ مسمى لا بد لها من أن تنتهي إليه وهو قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب.[99] قال الزمخشري[100]: { إِلاَّ بالحق وَأَجَلٍ مُّسَمًى } أي ما خلقها باطلاً وعبثاً بغير غرض صحيح وحكمة بالغة ، ولا لتبقى خالدة، إنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة.[101]

وبل وصرح ابن عطية[102] رحمه الله بأن الحق الذي خلق من أجله الكون هو المنافع، قال: وقوله { إلا بالحق } أي بسبب المنافع.[103]

وفصل ابن عاشور ماهية هذا الهدف الحق، قال: “والحق هنا هو ما يحق أن يكون حِكمةً لِخلق السماوات والأرض وعلة له، وحق كل ماهية ونوع هو ما يحق أن يتصرف به من الكمال في خصائصه، وأنه به حقيق، كما يقول الأب لابنه القائم ببره: أنت ابني حقاً. ألا ترى أنهم جعلوا تعريف النكرة بلام الجنس دالاً على معنى الكمال في نحو : أنت الحبيب، لأن اسم الجنس في المقام الخطابي يؤذن بكماله في صفاته.”[104]

ثم استرسل في تأملاته استجابةً لدعوة هذه الآية إلى التفكر ليتوصل إلى أن للإنسان غاية خاصة من خلق الكون لتميزه بقابلية الترقي التي ليس عند غيره من الكائنات. فقال: “وإنما يعرف حق كل نوع بالصفات التي بها قابليته. ومن ينظر في القابليات التي أودعها الله تعالى في أنواع المخلوقات يجد كل الأنواع مخلوقة على حدود خاصة بها إذا هي بلغتها لا تقبل أكثر منها؛ فالفرس والبقرة والكلب الكائنات في العصور الخالية وإلى زمن آدم لا تتجاوز المتأخرة من أمثالها حدودها التي كانت عليها فهي في ذلك سواءٌ.”[105]

قال: “دلت على ذلك تجارب الناس الحاضرين لأجيالها الحاضرة ، وأخبارُ الناس الماضين عن الأجيال المعاصرة لها، وقياسُ ما كان قبل أزمان التاريخ على الأجيال التي انقرضت قبلها حاشا نوع الإنسان فإن الله فَطَره بقابلية للزيادة في كمالات غير محدودة على حسب أحوالِ تجدُّدِ الأجيال في الكمال والارتقاء وجعله السلطان على هذا العالم والمتصرف في أنواع مخلوقات عالَمِه كما قال { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً }[106] وذلك بما أودع فيه من العقل . ودلت المشاهدة على تفاوت أفراد نوع الإنسان في كمال ما يصلح له تفاوتاً مترامي الأطراف ، كما قال البحتري[107] :

ولم أر أمثال الرجال تفاوتاً … لدى الفضل حتى عُدّ ألف بواحد.”[108]

إن التأمل في خلق الكون يطلعنا على آفاق واسعة من معاني الحياة، ويظهر بشكل خاص دور الإنسان المتميز على ساحة المعمورة. والتفكر في خلق الله يوصل الإنسان إلى قناعة تامة ونتيجة واضحة أن هذا الكون العظيم بكل تفاصيله بُني على قانون الفائدة، فلا يوجد في خلق الله شيء خال عن المعنى، ولا يحدث في خلقه سبحانه أمر باطل بلا حكمة ولا فائدة ﭧ ﭨ ﭽ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارﭼ[109]

هكذا فالآية تدعو إلى بناء عقلية استنتاجية تحليلية، مستفيدةً من معطيات الأمارات الكونية ليتوصل بها إلى حقيقة إيمانية علمية ومنهجية تفكيرية تعليلية، ليكون عقل المؤمن مؤسسا على الحقائق الملموسة، واقفا على معان مقاصدية محسوسة.

وتفتح مثل هذه الآيات -وأخرى من مثيلاتها- آفاقا أوسع من علم المقاصد تتعلق بمعاني الحياة وأسرار الخلق وحِكَم الأقدار الإلهية، وتكون بذرة علم جديد في أبواب غير مطروقة من مواضيع المقاصد وهي علم مقاصد الخلق ومقاصد الأقدار ومقاصد الابتلاء، وتفصيل ذلك في غير هذا المكان.

***

تلك نتف من آيات الوحي الحكيم تدل على غيض من فيض بيان مقاصد الدين العامة في القرآن. وأما عن المقاصد الخاصة في القرآن فنذكر منها ما يلي:

المطلب الثاني: الآيات الدالة على المقاصد الخاصة

إن اهتمام القرآن بمقاصد الأحكام سارٍ في مسائله التفصيلية كما هو جارٍ في قضاياه الكلية. لم يرد في القرآن بيان حُكم إلا ويبين معه مقاصده ومراميه. واستقصاء هذا الموضوع يستغرق مجلدا ضخما من البحث المعمق، ولا يسعنا في هذا المقام غير الاقتصار على نماذج محددة من البيان القرآني لهذه المقاصد الخاصة، وسنكتفي بالكلام عن مقاصد الأحكام في الأركان الأربعة وهي الصلاة والزكاة والصيام والحج بطريقة مختصرة، وإلا فالوفاء بكل دقائقه يتطلب مساحة لا تحتملها هذه الرسالة الوجيزة. وتخصيص هذه الأركان بالذكر لسبب مهم، هو أن هذه الشعائر قد أصبحت لدى المسلمين حركات بغير روح، ومظاهر بلا معنى، على عكس ما يقصده القرآن ويقرره.

والملاحظ في البيان القرآني للأحكام أن التركيز فيه على المقاصد والمعاني المنشودة، وليس على الأشكال والمباني المعهودة. وهذا الأمر ينبِّهنا بالقصور القائم في تعاملنا مع أحكام الدين، فإن المسلمين لما اقتصروا في أخذهم معرفة الأحكام على كتب الفقه المتداولة، فاتتهم معرفة مقاصد الأحكام المبثوثة في آيات الكتاب الحكيم، وانعكس هذا الأمر على حياتهم وواقعهم بحيث تحوّل التدين عند الأكثر الأغلب من المسلمين إلى ممارسات شكلية وحركات آلية، خاليةً عن الروح بلا إصابة المعنى المراد وبدون تحقيق الهدف المطلوب.

ولنشرع في الكلام على هذه الآيات فنقول:

في مقاصد الصلاة

قال تعالى: ﭽ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِيﭼ[110]

بيَّنت هذه الآية أن المقصود من إقامة الصلاة هو ذكر الله عز وجل، وهذا مقصد عظيم ومطلب جليل. واتصال العبد بربه وإظهار الحب والتعظيم مع الخشية والتضرع هو أجلّ مقامات العبودية وأسنى الحالات الإيمانية لا يحققها إلا هذا النوع من التعبد.

قال البقاعي[111] في تفسير هذه الآية: “… ثم خص من بين العبادات معدن الأنس والخلوة، وآية الخضوع والمراقبة وروح الدين فقال : { وأقم الصلاة } أي التي أضاعها خلوف السوء، إشارة إلى أنها المقصود بالذات من الدين، لأنها أعلى شرائعه لأنها حاملة على المراقبة، بما فيها من دوام الذكر والإعراض عن كل سوء، وذلك معنى {لذكري} وذلك أنسب الأشياء لمقام الجلال ، بل هي الجامعة لمظهري الجمال والجلال.”[112]

لقد استخدم القرآن هنا حرف اللام وهو أصرح أداة للتعليل، مما يبعد عنا الشك في أن هذه العبادة معقولة المعنى مفهومة المقصد. قال ابن عاشور: “واللاّم في { لِذِكْرِي } للتّعليل، أي أقم الصلاة لأجل أن تذْكُرني، لأنّ الصلاة تذكّر العبد بخالقه، إذ يستشعر أنه واقف بين يدي الله لمناجاته. ففي هذا الكلام إيماء إلى حكمة مشروعية الصلاة وبضميمته إلى قوله تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }[113] يظهر أن التقوى من حكمة مشروعية الصلاة لأنّ المكلّف إذا ذكر أمر الله ونهيه فعل ما أمره واجتنب ما نهاه عنه والله عرّف موسى حكمَة الصلاة مُجملةً وعرّفها محمداً صلى الله عليه وسلم مفصّلة.”[114]

“إن ذكر الله تعالى أجلّ المقاصد، وهو عبودية القلب، وبه سعادته، فالقلب المعطل عن ذكر الله، معطل عن كل خير، وقد خرب كل الخراب، فشرع الله للعباد أنواع العبادات، التي المقصود منها إقامة ذكره، وخصوصا الصلاة. قال الله تعالى: { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } أي: ما فيها من ذكر الله أكبر من نهيها عن الفحشاء والمنكر، وهذا النوع يقال له توحيد الألوهية، وتوحيد العبادة، فالألوهية وصْفُه تعالى، والعبودية وصف عبده.”[115]

وذلك رغم أن الفقهاء قرروا أن باب العبادات الأصل فيها عدم التعليل، إلا أن هذا الكلام مدخول من ناحيتين: الأولى: ما يرد من نصوص كثيرة تصرِّح بتعليلها كمثل هذه الآية وغيرها كما سيأتي. والناحية الثانية: أن الكلام عن التعليل في علم المقاصد يختلف عنه في علم أصول الفقه، لأن التعليل في موضوع المقاصد لا يقصد منه قياس الفرع على الأصل –كما هو الحال في أصول الفقه- بقدر ما يراد منه إظهار محاسن الشريعة وبيان الحِكم الكامنة في أحكامها.[116]

وللإمام الغزالي[117] رحمه الله صولات وجولات في بيان أسرار الصلاة وحِكَمها، ذكرها في كتاب أسرار الصلاة من “إحيائه”، وقد أورد فيه “ما لابد للمريد منه من أعمالها الظاهرة وأسرارها الباطنة، وكاشفون من دقائق معانيها الخفية في معاني الخشوع والإخلاص والنية ما لم تجر العادة بذكره في فن الفقه.”[118] ومع أن ما ورد فيه من الأحاديث والآثار منها ما هو صحيح سليم ومنها ما هو ضعيف سقيم، إلا أن ما حواه الكتاب من الفوائد العلمية والتربوية كان كبيرا جليلا، وقد كان إحياءً حقا للعلوم التي ماتت بمجافاتها عن الروح وانحرافها عن المقصد. وقد سد ثغرة الروايات الضعيفة فيها الإمام زين الدين العراقي[119] بتخريجه لأحاديث الإحياء. وسد ثغرة مبالغات الغزالي في بعض مسائله استدراكاتُ ابن الجوزي[120] في كتابه “تلبيس إبليس”. فكان إحياء الغزالي مع تخريج العراقي وتنبيه ابن الجوزي مثل حركة تجديد وإحياء في حلقات بعضها تكملة بعض.

في مقاصد الزكاة

قال تعالى: ﭽ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌﭼ[121]

هذه واحدة من تلك الآيات الكثيرة التي تتحدث عن فوائد الصدقة ومقاصد الزكاة، وأن التصدق بالمال يطهِّر الإنسان ويزكيه. قال ابن عاشور: وأيًا ما كان فالآية دالة على أن الصدقة تطهر وتزكي. والتزكية : جعل الشيء زكياً، أي كثير الخيرات. فقوله : { تطهرهم } إشارة إلى مقام التخلية عن السيئات. وقوله : { تزكيهم } إشارة إلى مقام التحلية بالفضائل والحسنات . ولا جرم أن التخلية مقدمة على التحلية . فالمعنى أن هذه الصدقة كفارة لذنوبهم ومجلبة للثواب العظيم .[122]

ومعنى { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } -كما قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي[123]– تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة. { وَتُزَكِّيهِمْ } أي: تنميهم، وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي، وتنمي أموالهم. والآية تفيد أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها، لأن الزكاة والتطهير متوقف على إخراجها.[124]

وعند الغزالي رحمه الله أن الزكاة فيها ثلاثة معان: الأول: أن من تمام الوفاء بتوحيد العبودية أن لا يبقى للموحِّد محبوب سوى الواحد الفرد، فإن المحبة لا تقبل الشركة، والتوحيد باللسان قليل الجدوى، وإنما يمتحن به درجة المحب بمفارقة المحبوب. والأموال محبوبة عند الخلائق لأنها آلة تمتعهم بالدنيا، وبسببها يأنسون بهذا العالم، وينفرون عن الموت مع أن فيه لقاء المحبوب، فامتحنوا بتصديق دعواهم في المحبوب، واستُنزلوا عن المال الذي هو مرقومهم ومعشوقهم.

المعنى الثاني: التطهير من صفة البخل فإنه من المهلكات وإنما تزول صفة البخل بأن تتعود بذل المال فحب الشيء لا ينقطع إلا بقهر النفس على مفارقته حتى يصير ذلك اعتياداً. فالزكاة بهذا المعنى طهرة أي تطهر صاحبها عن خبث البخل المهلك وإنما طهارته بقدر بذله وبقدر فرحه بإخراجه واستبشاره بصرفه إلى الله تعالى.

المعنى الثالث: شكر النعمة فإن لله عز وجل على عبده نعمة في نفسه وفي ماله فالعبادات البدنية شكر لنعمة البدن والمالية شكر لنعمة المال. وما أخس من ينظر إلى الفقير وقد ضيق عليه الرزق وأحوج إليه ثم لا تسمح نفسه بأن يؤدي شكر الله تعالى على إغنائه عن السؤال وإحواج غيره إليه بربع العشر أو العشر من ماله.[125]

وهذه فقط بعض المعاني التي احتوتها فريضة الزكاة، فإن لها –زيادة على ذلك- فوائد كثيرة يطول ذكرها ويصعب حصرها، ولا تقتصر على تلك الجوانب النفسية والتربوية وإنما تمتد آثارها إلى مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية وقد تتجاوز إلى الحياة العلمية والثقافية، وبسطها في غير هذا الموضع.

في مقاصد الصوم

قال تعالى: ﭽ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَﭼ[126]

لم يكن أمر الله بالصيام في كتابه العزيز مجرد إلزام جبري وطلب قهري، لكن فيه ترغيبا بالفائدة المجنية منه والحكمة المرعية في فرضه على المؤمنين. فبيّن سبحانه “أن الصيام وصلة إلى التقى، إذ هو يكف النفس عن كثير مما تتطلع إليه من المعاصي.”[127]

قال ابن عاشور في تفسير هذه الآية: حكم الصيام حكم عظيم من الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمة، وهو من العبادات الرامية إلى تزكية النفس ورياضتها، وفي ذلك صلاح حال الأفراد فرداً فرداً؛ إذ منها يتكون المجتمع.[128] وقوله : { لعلكم تتقون } بيان لحكمة الصيام وما لأجله شرع، فهو في قوة المفعول لأجله لـ”كُتب”. والتقوى الشرعية هي اتقاء المعاصي، وإنما كان الصيام موجباً لاتقاء المعاصي، لأن المعاصي قسمان، قسم ينجع في تركه التفكر كالخمر والميسر والسرقة والغصْب فتركُه يحصل بالوعد على تركه والوعيد على فعله والموعظة بأحوال الغير. وقسم ينشأ من دواع طبيعية كالأمور الناشئة عن الغضب وعن الشهوة الطبيعية التي قد يصعب تركها بمجرد التفكر، فجعل الصيام وسيلة لاتقائها، لأنه يُعَدِّل القوى الطبيعية التي هي داعية تلك المعاصي، ليرتقي المسلم به عن حضيض الانغماس في المادة إلى أَوج العالَم الرُّوحاني، فهو وسيلة للارتياض بالصفات الملكية والانتفاض من غبار الكدرات الحيوانية. [129]

قال ابن القيم رحمه الله: كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية، لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسَورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه، فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئا وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارا لمحبة الله ومرضاته، وهو سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه سواه، والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهو أمر لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم.[130]

في مقاصد الحج

قال تعالى: ﭽ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْﭼ[131]

إن لحج بيت الله الحرام مقاصد عظيمة ومنافع كثيرة، وقد بث القرآن الكريم بيان تلك المقاصد وإشارة تلك المنافع في مواضع متعددة. ففي سورة الحج صفحتان كاملتان عن شعائر الحج ومنافعها، وفي سورة البقرة آية منفردة وثماني أيات متتاليات في أحكام الحج وآدابها، وفي سورة آل عمران آيتان في فضل وفرض عبادة الحج، ثم في سورة المائدة خمس آيات مبثوثات في ثنايا السورة عن أحكام الحج ومقاصده. وهذه الآية التي بين أيدينا هي أصرح آية في ذكر فوائد الحج ومنافعه، وإن جاءت بلفظ نكرة مجملة في دلالتها اللفظية لكنها واضحة صريحة في إفادتها العلمية. لقد صرح الله عز وجل بقصد إشهاد المنافع للناس في فريضة الحج.

قال الألوسي في هذه الآية: { لّيَشْهَدُواْ } أي ليحضروا { منافع } عظيمة الخطر كثيرة العدد فتنكيرها وإن لم يكن فيها تنوين للتعظيم والتكثير. ويجوز أن يكون للتنويع أي نوعاً من المنافع الدينية والدنيوية، وتعميم المنافع بحيث تشمل النوعين مما ذهب إليه جمعٌ وروي ذلك عن ابن عباس، فقد أخرج ابن أبي حاتم[132] عنه أنه قال في الآية : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة فأما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى وأما منافع الدنيا فما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات.[133]

والحق أن منافع الحج لم تنحصر فيما ذكره المفسرون، فإن ما تم حصوله من الفوائد خلال فريضة الحج أشياء كثيرة تفوق الحصر. فللحج آثاره النفسية الكثيرة الطيبة، وله ثماره الاقتصادية الملموسة، ولاجتماع المسلمين من شتى بقاع الأرض مصالح عديدة عظيمة. ولتتبُّع هذه المنافع نحتاج إلى مؤلَّف مستقل كما فعله الحكيم الترمذي[134] في كتابه الحج وأسراره، وإن كان الكتاب أيضا لم يستوعب كل ما للحج من الفوائد. ويُترك للمسلمين أن يبحثوا عن تلك المنافع الكثيرة من خلال التجارب والملاحظات، وكلٌّ على قدر دلوه يغرف.

المبحث الثاني: مقاصد الشريعة في السنة النبوية

إن البيان المقاصدي وإظهار تعليل الأحكام أمر غير خافٍ في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأقواله وتشريعاته، والسنة النبوية مشتملة على بيان المقاصد العامة وإظهار علل الأحكام الجزئية.

المطلب الأول: في محاور الدين  ومقاصده العامة

مع أن أغلب الأحاديث النبوية أخذت طابعا عمليا جزئيا، إلا أن بيانه صلى الله عليه وسلم عن المقاصد العامة ومحاور الدين الجامعة ليس بالقليل النادر، فإن في السنة أيضا قضايا كلية تؤكد ابتنائها على جلب المصالح ودرء المفاسد، قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ.[135] هكذا لخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم مهمة الرسل والأنبياء، ما هي إلا دلالة على الخير وإنذار عن الشر، وهي عبارة أخرى لمبدإ جلب المنافع ودرء المضار، أو تحصيل المصالح أو تكميلها وتعطيل المفاسد أو تقليلها.

محورية الأخلاق

وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم المقاصد العامة والمحاور الجامعة لهذا الدين في أحاديث كثيرة، من أهمها قول الرَسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ.[136] وفي رواية: صَالِحَ الْأَخْلَاقِ.

وهذا الحديث له أسلوب فريد في تحديد مهمة الرسول لم يأت مثله في غيره من الأحاديث. وهذه قضية كلية مقاصدية كبرى بخس الناس في حقها، وقصروا في أداءها، بل وقلَّلوا من أهميتها، وهمّشوا دورها وزهدوا في الاجتهاد لتحصيلها. قضية بناء الأخلاق الكريمة قضية كبيرة منسية، ومساحة إصلاح واسعة مهملة، مع أنها أعظم قربة إلى الله وأثقلها وزنا في داري الدنيا والآخرة. لقد وجدنا مؤسسات ودولا تتبنى نشر عقيدة التوحيد، وشاهدنا منظمات وجماعات في النضال من أجل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ولكن لم نجد عشر معشار ذلك في حق الأخلاق! وذلك مع التأكيدات الشديدة الكثيرة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم في حقها.

إن المهمة الأخلاقية، لهي أجمل مهمة وأعظم دور قام به النبي صلى الله عليه وسلم. أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسلوب الحصر أن إتمام بناء النموذج الأخلاقي لتاريخ البشر كانت هذه هي الحلقة الأخيرة والمكملة لسلسلة الرسالات السماوية… لقد قدّم حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كمال السلوك الإنساني في أتم حالاته… فهو الذي بلغ القمّة في إنجاز الانتصارات مع تواضع وشفقة تامة..، وهو الذي قام بأدوار:  الحكيم المعلم… والقائد المقاتل… والعابد المتبتّل… والحاكم العادل… والثري الباذل… والزاهد القنوع… والأب الشفوق… والزوج الحنون… والمعاشر الخلوق… والمربي النصوح… والسياسي المحنك… والمنقذ المخلص… والمناضل المجاهد… وهو المُعاني المتحمل… والمتفنن المتجمل… والمخطط المفكر… والمبتكر المبدع… والخطيب البارع… والبطل المصارع… وهو عبد الله ورسوله… يجلس كما يجلس العبد ويأكل كما يأكل العبد… هو حبيب الله وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان ما دامت السماوات والآرض.

وليس تمام الأخلاق الكريمة متمثلا في شخصه فقط، بل تمثّل في أصحابه الذين تربوا على يديه وتعلموا من حكمته صلى الله عليه وسلم، لقد تخرجوا في مدرسة المصطفى صلى الله عليه وسلم علماء راسخين، وقوادا فاتحين، و”مدراء” ناجحين، ومجاهدين منتصرين، جمعوا بين القوة والرحمة، والعزة والتواضع، والنصر والتضرع، والشدة واللين، والثروة والزهد، والعلم الرصين والخلق المتين، رضي الله عنهم ورضوا عنه.

إن بناء الحياة الإنسانية على كمال الأخلاق الكريمة ليس مسالة ثانوية يتم إدراجها في باب التكميليات التي يمكن التغاضي عنها. إن اعتبار مكارم الأخلاق كلها ضمن المرتبة الثالثة بعد الضروريات والحاجيات ليس صائبا على الإطلاق، بل إن من الأخلاق ما هو ضروري لا تقوم الحياة إلا بإقامته ولا يصح الدين إلا بالوفاء به. فالصدق –على سبيل المثال- ضروري لاستقامة كل معاملات الإنسان وشرط أساسي في قبول الإيمان، فشهادة الكاذب فساد في باب القضاء كما أن تشهّد المنافقين الكاذبين لا تنعقد به عقيدة الإيمان. وخلُق الأمانة ضروري في كل الميادين، فلا تبقى المصالح قائمة مع الخيانة، ولا تبقى خصلة من الإيمان باقية عند عديم الأمانة.

وكذلك خلق العدل فهو قوام الحياة المدنية, لقد أدرك اليهود هذه الحقيقة. روى ابن حبان[137] في صحيحه أن عبد الله بن رواحة[138] يأتيهم –يعني يهود خيبر- كل عام يخرصها[139] عليهم، ثم يضمنهم الشطر، قال : فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خَرْصه، وأرادوا أن يرشوه، فقال : «يا أعداء الله، أتطعموني السحت؟[140] والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم»، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض.[141]

لقد أقر هؤلاء اليهود الذين لهم تاريخ طويل مع الظلم والتحايل والخيانة أن الحياة الدنيا لا تقوم بشكل سليم إلا مع قيام العدل وأداء الأمانة. فلذلك نعرف مبلغ التقصير الذي وقع عند من قرّر أن الأخلاق والآداب كلها من باب التحسينيات يمكن بقاء الحياة بدونها لا يكون بلا تحقيقها حرج ولا مشقة.

وهذا الحديث عن مكارم الأخلاق هو وجه آخر لصفة رسالة الرحمة المحمدية وقد قال عليه الصلاة والسلام: وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً.[142] تتجمع أخلاقه السامية صلى الله عليه وسلم في وصف الرحمة كما أن أعظم وصف للذات الإلهية أيضا هي قوله “الرحمن الرحيم” وهي صفة الله الغالبة وقضاؤه السابق، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي. وفي رواية: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي.[143] فجاءت هذه الشريعة الإسلامية شريعة الرحمة جمعت فيها معاني الحنفية والسماحة.

***

مقاصد العقيدة

ثم قضية مقاصدية كلية أخرى مهمة أشار إليها ما رواه الإمام مسلم وغيره عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ[144] عَنْ أَبِي ذَرٍّ[145] عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:

يَا عِبَادِي… إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا،

يَا عِبَادِي… كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ،

يَا عِبَادِي… كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ،

يَا عِبَادِي… كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ،

يَا عِبَادِي… إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ،

يَا عِبَادِي… إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي،

يَا عِبَادِي… لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا،

يَا عِبَادِي… لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا،

يَا عِبَادِي… لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ،

يَا عِبَادِي… إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.[146]

هذا الحديث يجمع كثيرا من حقائق العلاقة بين العبد وخالقه سبحانه مع ما فيه من إشارات إلى معاني جلب المنافع ودفع المضار. قال ابن تيمية: “لما ذكر في أول الحديث ما أوجبه من العدل وحرمه من الظلم على نفسه وعلى عباده، ذكر بعد ذلك إحسانه إلى عباده مع غناه عنهم وفقرهم إليه، وأنهم لا يقدرون على جلب منفعة لأنفسهم ولا دفع مضرة، إلا أن يكون هو الميسِّر لذلك، وأمر العباد أن يسألوه ذلك وأخبر أنهم لا يقدرون على نفعه ولا ضره، مع عظم ما يوصل إليهم من النعماء، ويدفع عنهم من البلاء. وجلب المنفعة ودفع المضرة إما أن يكون في الدين أو في الدنيا فصارت أربعة أقسام: الهداية والمغفرة وهما جلب المنفعة ودفع المضرة في الدين. والطعام والكسوة وهما جلب المنفعة ودفع المضرة في الدنيا. وإن شئت قلت: الهداية والمغفرة يتعلقان بالقلب الذي هو ملك البدن. وهو الأصل في الأعمال الإرادية. والطعام والكسوة يتعلقان بالبدن، والطعام لجلب المنفعة واللباس لدفع مضرته. وافتتح الأمر كله بالهداية، فإنها وكانت الهداية النافعة هي المتعلقة بالدين، فكل أعمال الناس تابعة لهداية الله إياهم.”[147]

هذا الحديث العظيم يصور طبيعة العلاقة بين العبد المكلف وبين الرب صاحب الشرع. تظهر في ثناياه أصول مقاصد العقائد التي غابت –على أهميتها- عن مباحث كتب العقيدة، وخاصة كتب علم الكلام التي قتلت روح العقيدة الإيمانية حتى غدا علم العقائد كلاما جافا خاويا على عروشه خاليا عن حلاوة الإيمان وبعيدا عن جمالية التصور الإسلامي. إن مسألة الإيمان بالله وعبادته والاستسلام له هي مربط كل المصالح ومطرد جميع المفاسد. إن الله هو النافع والضار سبحانه. لا يأتي خير إلا بأمره ولا يحصل شر إلا بإذنه.

ففي هذا الحديث بدأ الله بنفي الظلم عن نفسه ومنع التظالم بين العباد، ثم يَرقَى الخطاب إلى ذكر إحسان الله إلى عباده مع فقرهم إليه، ثم ختم بتذكير ما هو مطلوب منهم. ومن هول هذه المشاهد ورهبة هذا الكلام العظيم كان أبو إدريس الخولاني كلما ذكر هذا الحديث جثا على ركبتيه.

وهنا مشاهدتان: الأولى مشاهدة فقر الإنسان ودوام حاجته إلى ربه، وأن الإنسان لا بد أن يديم لجوءه إلى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. ومن هنا يعرف العبد أن مصلحته دائما في طاعة الله واللجوء إليه وأن سلامته من كل الآفات في التوكل عليه واجتناب نواهيه، وفي هذا المقام يحصل للعبد مرتبة المستفيد السالم الغانم.

والمشاهدة الثانية أرقى من الأولى وهي مشاهدة كرم الله ورحمته وسائر صفاته العليا الموسومة بكل نعوت الكمال المشهودة بجميع حقائق الجلال والجمال. ومن هذه المشاهدة يحصل للعبد محبة الله وإجلاله وتعظيمه والتعلق به. وهذه الأمور هي أرقى المقاصد على الإطلاق، وأسمى المطالب بلا استثناء، وأغلى المغانم دون مراء…

***

روح العمران

وقضية مقاصدية كلية ثالثة ينبغي إيرادها هنا: قضية عمران الأرض. إن هذه القضية قد تكون خفية غير ظاهرة لدى البعض لأن طبيعة البيان النبوي فيها لا تأخذ منحى تجريديا بارزا وليس فيها ألفاظ صريحة ولا عبارات مباشرة، بل لا بد من سعة الاستقراء وإمعان النظر ليستخرج من خلالها المطالب العمرانية التي تدل عليها الأحاديث النبوية.

ومن تلك الأحاديث التي تبرز الروح العمرانية حديث الفسيلة، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها.”[148]

إن هذا الإرشاد التفات غير عادي وتوجيه غير تقليدي. إن العقل ليتساءل من جدوى هذا التوجيه. أولا، ما الجدوى من غرس الفسيلة وقد قامت الساعة أو قربت؟ من المستفيد من هذا الغرس؟ ثانيا، من ينفذ هذا التوجيه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم إن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس[149]؟ معناه أنه حتى إذا قامت الساعة فعلا لا يكون هناك مؤمن واحد له إيمان يدفعه لتنفيذ هذا الحديث.

إن هذا الحديث له مقصد بعيد ومعنى عميق على بناء روح العمل ودافعية العطاء. لم يكن الإسلام دين النفعيين الذين لا يبذلون إلا لمصلحة ذاتية عاجلة ضيقة. يعلّم الرسول عليه الصلاة والسلام أن هذا الدين دين إنتاج ودين عمل ونشاط، لا دين استسلام واتكال، هذا جانب.

وجانب آخر في الحديث هو أن ساحات العمل وآفاق العطاء وأبعاد الإنتاج في هذا الدين تتجاوز الحدود الأرضية وتتخطى القيود الزمنية. إن المطلوب من كل مسلم دوام العطاء واستمرار العمل ومواصلة الإنتاج، لأن حصاده الحقيقي وجزاءه الفعلي هو يوم يرث الله الأرض ومن عليها، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فهناك يفرح المؤمنون بكل ما قدموه في دار العمل، ويبتهجون بنتيجة كل ما أنتجوه، ويسَرّون بجميع ما قاموا به من أدوار الخير في الساحة الدنيوية.

والتفاتة ثالثة في هذا الحديث العظيم، هي أنه إذا كان غرس الخير عند قيام الساعة مطلوبا، فعمل الخير في غيره من الأزمنة أولى وأفرض. فليس عند المسلم اعتذار لعدم العمل وامتناع البذل. فالمسلم لا يعجز عن العطاء ولا يكلّ عن بذل الخير.

قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. قِيلَ: لَهُ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ الْخَيْرِ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: يُمْسِكُ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ.[150]

هكذا، فالفرد المسلم لا بد أن يقوم بدور إيجابي، حتى ولو تجرد عن كل الإمكانيات فلا أقل من أن يُبقي نفسه في دائرة تأمين المجتمع من أي فعل سلبي. وهذه الحالة الأخيرة حالة نادرة، وإذا حصلت فبقية أفراد المجتمع المسلم عليهم مسؤولية اجتماعية لترقية هؤلاء العناصر العاجزة أو المحرومة عن العمل، لأنها حالة حرجة مفتقرة إلى أدنى مقومات الحياة الضرورية.

ومن الأحاديث التي تشير إلى آفاق العمران أيضا حديث: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ.[151] إن هذا الحديث يكرس في نفس المؤمن أن للجمال قيمة مقدسة وهي خصلة مرغوبة وصفة مطلوبة. إن قداسة وأهمية قيمة الجمال قد توازي قيمة النفع والفائدة، فكما أن تحقيق الفائدة والحرص على النفع مطلوب فإظهار الأشياء في أبهى صورها وأجمل حالاتها عمل محترم مقدّر.

وهناك جملة من الأحاديث تبني هذه المنظومة القيمية ، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء.”[152] وحديث: “إن إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.”[153] وحديث: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه.”[154]

لكن الجمال ليس قيمة مستقلة متحررة من سائر القيم الإنسانية، فهو مقيدة بقيم العفة والحياء والتواضع والاعتدال. والمبالغة في الجمال دون قيد يخرجه إلى دائرة الفحش أو المخيلة أو الإسراف أو التبذير. فالحضارة الإسلامية حضارة الجمال المتزن والجمال العفيف.

ومن الأحاديث الدالة على مبادئ العمران وسياسة الحياة العامة ما أخرجه البخاري عَنْ الْحَسَنِ[155] أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ[156] عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ[157] فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ.[158] وعند البيهقي[159] بلفظ: مَا مِنْ أَمِيرٍ اسْتُرْعِىَ رَعِيَّةً لَمْ يَحْتَطْ لَهُمْ وَلَمْ يَنْصَحْ لَهُمْ إِلاَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ.[160]

فهذه قاعدة عامة لكل من تولى مسؤولية الشؤون العامة ألا يألو جهدا في تقديم المصلحة للمسلمين وألا يغشهم ويبخس حقوقهم.

المطلب الثاني: في مقاصد الأحكام الجزئية

إن دلالة السنة على علل الأحكام الجزئية بالوضوح الذي لا يرتاب معها أحد، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم علل الأحكام والأوصاف المؤثرة فيها[161] ليدل على ارتباطها بها، كقوله: {إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ}[162]، وقوله: { إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ }[163]، وقوله في الهرة: { إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ }[164]، ونهيه عن تغطية رأس المحرم الذي وقصته ناقته ومسه بالطيب وقوله: { فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا}[165] وقوله: {إِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ}[166]، ذكره تعليلا لنهيه عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ؟ قالوا نعم ، فنهى عنه.[167] وقوله : { فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ }[168] وقوله: { إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَامْقُلُوهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ فَلْيَغْمِسْهُ كُلُّهُ}[169]، وقوله: { إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ }[170]، وقوله في ابنة حمزة:{إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ}[171]، وقوله في الصدقة: {لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ}[172].

وهكذا بينت السنة مقاصد الأحكام الجزئية وقد بُنيت التشريعات النبوية على اعتبار المصلحة، إما جلب نفع إو دفع ضر، فليس في الدين تشريع إلا مبنيا على حكمة بالغة ومصلحة راجحة، علمه من علمه، وجهله من جهله.

المبحث الثالث: معرفة السلف بمقاصد الشريعة

وكان الصحابة رضي الله عنهم على دراية تامة بهذه الروح المقاصدية للإسلام. فقد عرفوا أن الدين مبناه على تحصيل مصلحة وتعطيل مضرة، وأن أوامر الشرع كلها دلالة إلى الخير وأن نواهيه كلها تجنيب عن الشر. قال ابن القيم: “وقد كانت الصحابة أفهم الأمة لمراد نبيها وأتبع له، وإنما كانوا يدندنون حول معرفة مراده ومقصوده.”[173]

المطلب الأول: المقاصد العامة عند الصحابة

فقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود[174]، فقال اعهد إلي، فقال: “إذا سمعت الله يقول: “يا أيها الذين آمنوا”  فأرعها سمعك فإنه خير يأمره، أو شر ينهى عنه”.[175]

هكذا لخص ابن مسعود رضي الله عنه تعاليم الدين إما أمر بالخير أو نهي عن الشر، إما جلب نفع أو دفع ضر.

ولما فتحوا البلاد ودعوا العباد إلى دين الله كان هذا الوعي حاضرا وصادعا بهذه الحقيقة، لقد لخَّص الصحابي ربعي بن عامر[176] رضي الله عنه مقاصد هذا الدين بقوله الشهير: “الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعتها.”[177]

إن هذه الدعوة التي حملها الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم دعوة إلى برنامج إصلاح كامل: إصلاح العقائد بتوحيد العبادة لله عز وجل، وإصلاح أوضاع العدالة بالتشريع الإسلامي العادل، وإصلاح الدنيا بإقامة العمران المستهدي بنور الإسلام. فهي تحقيق المصالح العالجة والآجلة،  وصلاح الدين والدنيا، وبه سعادة الدنيا والآخرة. فليس الإسلام دين الرهبنة والدروشة التي تهمل الدنيا وتكره الحياة.

لما ذم رجل الدنيا عند علي رضي الله عنه، قال له علي رضي الله عنه: “الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله، ومصلى ملائكته، ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه، ربحوا فيها الرحمة، فاكتسبوا فيها الجنة.”[178] إن الزهد في الدنيا لا يعني إهمالها، والرغبة في الآخرة ليس مؤداها إفساد الحياة. إن حياة الدنيا ساحة عمل ومسرح جهاد وحلبة سباق ومزرعة الخيرات…

المطلب الثاني: أعمال السلف المبنية على إدراكهم المقاصد

وهذا الوعي بمقاصد الدين وبنائه على المصلحة الراجحة هو الذي دفع الصحابة إلى أن يبتكروا أمورا لا عهد لهم بها. لقد قدموا نماذج متقدمة من السياسات الصائبة والترتيبات الخطيرة التي لم تتم لو لا قناعتهم بروح المقاصد.

لما استشعروا بالحاجة إلى جمع القرآن في مصحف واحد، ما كان مستندهم إلا تدارك مصلحة حفظ القرآن وخوف ضياعه بموت حفاظ كتاب الله.

روى البخاري[179] في صحيحه: أن زيد بن ثابت[180] الأنصاري رضي الله عنه -وكان ممن يكتب الوحي- قال: “أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر،

فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر[181] يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن[182]، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن.

 قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فقال عمر: هو والله خير.

 فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر.

 قال زيد بن ثابت: وعمر عنده جالس لا يتكلم،

فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه.

قال: فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟

فقال أبو بكر: هو والله خير.

فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر فقمت فتتبعت القرآن أجمعه…”[183]

فكان هذا العمل يعتبر من أوائل الأعمال –إن لم يكن هو الأول- المبنية على ما يسمى فيما بعد بالمصلحة المرسلة أو الاستصلاح.

هكذا كانت بداية مسيرة تاريخ هذا الدين، حمله أناس فهموا متطلباته الواقعية وأدركوا منحاه المصلحي، لو جمدوا على ما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم لا نتصور مبلغ العنت الذي سيعانيه المسلمون فيما بعد. وكان فهم مقاصد الدين هو العصمة من انحراف مسار تاريخ هذه الأمة.

ولما أراد عمر بن الخطاب[184] رضي الله عنه أن يقسم أراضي الفتوحات في العراق والشام بين المسلمين جميعا، اعترضه بعض الصحابة، بناء على تقسيم الرسول صىل الله عليه وسلم أرض خيبر[185] على المجاهدين فقط، ولكنه رضي الله عنه رأى أن تقسيم الأراضي على المجاهدين غير صالح للتطبيق، رعايةً للمصلحة المستقبلية للأجيال القادمة.

قال له معاذ بن جبل[186]: “والله إذن ليكونن ما تكره، إنك إن قسمتها صار الريع[187] العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون من الإسلام مسدا، وهم لا يجدون شيئا، فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم.”[188]

لقد رأى معاذ رضي الله عنه أن قسمة الأراضي على المجاهدين سيؤدي -على المدى البعيد- إلى استبداد القلة من المسلمين على الأموال، ثم لم يكن لباقي المسلمين نصيب.

لقد استحسن عمر هذه اللفتة من معاذ فيقول: “اجتمعوا لهذا المال فانظروا لمن ترونه.”

ثم قال لهم: “إني أمرتكم أن تجتمعوا لهذا المال فتنظروا لمن ترونه، وإني قد قرأت آيات من كتاب الله سمعت الله يقول: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ . لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[189] والله ما هو لهؤلاء وحدهم، (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ)[190]الآية، والله ما هو لهؤلاء وحدهم (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ)[191] الآية، والله ما من أحد من المسلمين إلا وله حق في هذا المال -أُعطي منه أو مُنع- حتى راعٍ بِعَدن[192].”[193]

قال عمر: “لولا من يأتي من آخر الناس ما حسنةُ قريةٍ إلا قسمتها، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر.”[194]

ففهم عمر رضي الله عنه بعد مراجعة تلك الآيات أن المسلمين كلهم شركاء في أموال الفيء[195].  وكان تقسيم الرسول صلى الله عليه وسلم أرض خيبر على المهاجرين بموجب مصلحة مرحلية تقتضيها حالة المهاجرين في تلك الفترة، أما في عهد عمر فالوضع يختلف مما يستدعي مراجعة تلك السياسة التي قام الرسول صلى الله عليه وسلم باتخاذها.

قال في ذلك ابن قدامة[196]: “وقسمة النبي صلى الله عليه وسلم خيبر كانت في بدء الإسلام وشدة الحاجة، فكانت المصلحة فيه، وقد تعينت المصلحة فيما بعد ذلك في وقف الأرض، فكان هو الواجب.”[197]

فكانت خيرات تلك الأراضي المفتوحة الواسعة الشاسعة تنفق لمصالح المسلمين العامة. لولا فضل الله ثم فضل فقه الصحابة البعيد المدرك لحصل خلل عظيم في توازن اقتصاد المسلمين، ولتحوّلت الفتوحات إلى استيلاء المقاتلين على الثروات الضخمة التي لا تصلح أن تكون إلا تحت تصرّف الدولة، لا ملكا للأفراد. وقد حمى الله بفضل هذه الروح وهذا الإدراك للمقاصد مسار الأمة من الانحراف في فترتها المبكرة. فجزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء.

واستمر الوعي بمقاصد الشريعة لدى التابعين كما يدل على ذلك ما نقل عن إبرهيم النخعي قوله: “إن أحكام الله لها غايات هي حِكَم ومصالح راجعة إلينا.”[198] وتجاوز هذا الوعي حيز الفكر  والنظرية إلى حد التطبيق والعمل بموجبها، فلم يترددوا في عمل شيء اقتضته المصلحة الراجحة واستوجبته الحاجة الواقعية. مثل ما فعله عمر بن عبد العزيز[199] بإصدار أمر لوليّه بالمدينة بأن يدوِّن سنة رسول الله صل الله عليه وسلم. ففي صحيح البخاري أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن حزم[200]: “انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكتبه فإني خفت دروس العلم[201] وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا.”[202]

وكان الإمام محمد بن شهاب الزهري[203] قد وسّع دائرة تدوين العلوم من سنن الرسول وضمّ إليها آثار الصحابة في كتابته، أخرج عبد الرزاق الصنعاني[204] في مصنفه عن صالح بن كيسان[205] قال: اجتمعت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العلم، فاجتمعنا على أن نكتب السنن، فكتبنا كل شئ سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كتبنا أيضا ما جاء عن أصحابه فقلت: لا ليس بسنة، وقال هو: بلى هو سنة، فكتب ولم أكتب، فأنجح وضيعت.[206]

وهكذا أصبحت كتابة العلم لدى الأمة سنة متبعة وحالة منتشرة بعد أن كانت فعل فئة محدودة[207] من علماء الصحابة والتابعين. فلم يبق هناك من ينكر كتابة العلوم بعد هذه الفترة، وذلك بسبب إدراكهم للمصلحة الكبيرة المترتبة على تثبيت العلوم في الكتب.


[1] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة 2/22،  وانظر “أعلام الموقعين” 1/169 إلى200  وشفاء العليل: 2/537 إلى 575

[2] الأنبياء: ١٠٧

[3] هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الإمام العلم الحافظ أبو جعفر  الطبري، أحد الأعلام، وصاحب التصانيف الطوال، له تاريخ الإسلام والتفسير الذي لم يصنف مثله، توفي عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة 310 هـ (طبقات الحفاظ 1/310-311)

[4] عبد الله بن عباس الهاشمي حبر الأمة، كان يقال له البحر والحبر وترجمان القرآن وذلك أن النبي قال في دعائه له اللهم فقيه في الدين وعلمه التأويل، توفي بالطائف سنة 68هـ عن إحدى وسبعين سنة (شذرات الذهب 1/75)

[5] جامع البيان: 18/552

[6] الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم بن وردكرشان القشيري النيسابوري، صاحب الصحيح، أحد الأئمة الحفاظ وأعلام المحدثين، توفي سنة 261هـ (شذرات الذهب 1/144)

[7] صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة  الدوسي اليماني سيد الحفاظ الأثبات، اختلف في اسمه على أقوال جمة أرجحها عبد الرحمن بن صخر، حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا طيبا مباركا فيه لم يلحق في كثرته، قال الواقدي كان ينزل ذا الحليفة وله بالمدينة دار تصدق بها على مواليه ومات سنة تسع وخمسين وله ثمان وسبعون سنة (سير أعلام النبلاء 2/578-626)

[8] أخرجه مسلم (12/494 رقم: 4704)

[9] أخرجه الحاكم في المستدرك (1/103 رقم: 99) والطبراني في معجمه الثلاثة (الكبير: 18/497 رقم: 5، الأوسط: 7/55 رقم: 3098، الصغير: 1/270 رقم: 265) والبيهقي في دلائل النبوة (1/74 رقم: 61) وشعب الإيمان (3/441 رقم: 1384) وصححه الألباني في السلسلة (1/489 رقم: 490)

[10] روح المعاني 12/486

[11] عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله ، قاضي القضاة نجم الدين أبو محمد ابن قاضي القضاة شرف الدين، الجهيني الحموي الشافعي، قاضي حماة، وابن قاضيها. ولد بها في سنة 608 هـ، كان إماماً عالماً فاضلاً، بارعاً، فقيهاً، أصولياً، نحوياً أديباً، شاعراً، له خبرة جيدة بالعقليات ونظر في الفنون، كان مشكور الأحكام، وافر الديانة، محباً للفقراء والصالحين، ودرس وأفتى، وتصدى للاشتغال والتصنيف، وخرج له الأصحاب في المذهب، ثم توجه إلى الحج فأدركته المنية فحمل إلى المدينة ودفن بها في البقيع سنة 638ه. (المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 2/114)

[12] الإمام شيخ الإسلام تقي الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام العلامة قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر بن الشيخ أبي الحسن، الأنصاري، الخزرجي، السبكي. مولده في القاهرة سنة 727 هـ، صنف تصانيف عدة في فنون على صغر سنه وكثرة أشغاله، وانتهت إليه رئاسة القضاء والمناصب في الشام، وحصلت له محنة بسبب القضاء وأوذي فصبر، وسجن فثبت. وعقدت له مجالس فأبان عن شجاعة، وأفحم خصومه مع تواطئهم عليه، ثم عاد إلى مرتبته، وعفا وصفح عمن قام عليه وكان سيداً جوداً، كريماً، مهيباً، توفي بالطاعون في ذي الحجة سنة 771 هـ (طبقات الشافعية 1/163)

[13] جلال الدين المحلي (791 – 864 ه / 1389 – 1459 م) محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلي الشافعي: أصولي، مفسر. مولده ووفاته بالقاهرة. عرفه ابن العماد بتفتازاني العرب. وكان مهيبا صداعا بالحق، يواجه بذلك الظلمة الحكام، ويأتون إليه، فلا يأذن لهم. وعرض عليه القضاء الاكبر فامتنع. وصنف كتابا في التفسير مع الجلال السيوطي. فسمي ” تفسير الجلالين ” وله ” كنز الراغبين” مجلدان، في شرح المنهاج في فقه الشافعية. و”البدر الطالع، في حل جمع الجوامع” في أصول الفقه، و “الطب النبوي” (الأعلام 5/333)

[14] ابن حامد شيخ الحنابلة، ومفتيهم، أبو عبد الله، الحسن بن حامد بن علي بن مروان، البغدادي الوراق، مصنف كتاب “الجامع” في عشرين مجلدا في الاختلاف. وكان يتقوت من النسخ، ويكثر الحج. وهو أكبر تلامذة أبي بكر الخلال. (سير أعلام النبلاء 17/203-204)

[15] عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، العلامة شرف الدين بن القاضي شمس الدين، المقدسي الأَصل، ثم الدمشقي الصالح الحنبلي، المعروف بابن مفلح. ولد في ربيع الأول سنة 757هـ/1356م، كان بارعاً في الفقه والعربية، كثير الاستحضار لفروع مذهبه، جيد الحافظة، وكان ديناً مشكور السيرة، ملازماً لفعل الخير إلى أن توفي بصالحية دمشق في يوم الجمعة ثامن ذي القعدة سنة 834ه /  1430م (المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 2/84)

[16] جامع البيان 18/552

[17] روح المعاني 12/487

[18] التحرير والتنوير 9/221

[19] سورة البقرة: ٢٠٥

[20] سورة هود: ٨٨

[21] سورة الأعراف: ٨٥

[22] الأعراف: ٧٤

[23] سورة الأعراف: ٥٦

[24] سورة القصص: ٨٣

[25] التحرير والتنوير 2/212

[26] المصدر نفسه

[27] سورة النحل: ٩٧

[28] الإمام المحدث المفسر الحافظ ذو الفضائل عماد الدين أبو الفداء محمد بن إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القيسي البصروي، ولد سنة 700 ه، وبرع له التفسير الذي لم يؤلف على نمطه مثله، والتاريخ، وتخريج أدلة التنبيه، وتخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب، وشرع في كتاب كبير في الأحكام لم يتمه ورتب مسند أحمد على الحروف وضم إليه زوائد الطبراني وأبي يعلى وله مسند الشيخين وعلوم الحديث وطبقات الشافعية وغير ذلك مات في شعبان سنة 774ه ( طبقات الحفاظ 1/533)

[29]  تفسير القرآن العظيم (4/520)

[30] الإمام  فخر الدين الرازي العلامة أبو عبدالله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل الشافعي المفسر المتكلم صاحب التصانيف المشهورة ولد سنة 544هـ، وكان فريد عصره ومتكلم زمانه رزق الحظوة في تصانيفه وانتشرت في الأقاليم وكان له باع طويل في الوعظ فيبكي كثيرا في وعظه، توفي بهراة يوم عيد الفطر سنة 606هـ ( شذرات الذهب 3/21)

[31]  التفسير الكبير (9/631-632)

[32]  سورة النحل: 30

[33]  مدارج السالكين (3/259)

[34]  ذكره عنه تلميذه ابن القيم في الوابل الصيب ص69، وذكره أيضا في مدارج السالكين (1/454)

[35] روح المعاني: 10/296

[36] محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشبقيطي، مفسر أصولي من علماء شنقيط (موريتانيا)، ولد سنة 1325هـ وتعلم بها حج سنة 1367هـ واستقر مدرسا بالمدينة المنورة ثم الرياض وأخيرا في الجامعة الإسلامية بالمدينة سنة 1383هـ وتوفي بمكة سنة 1393هـ (الأعلام 6/45)

[37]  سورة الحشر : 7

[38] سورة البينة : 5

[39] سورة الزمر : 14-15

[40] سورة الفرقان : 23

[41] سورة هود : 16

[42] سورة النور : 39

[43] سورة إبراهيم : 18

[44] أضواء البيان 3/69

[45] المصدر نفسه

[46] المصدر نفسه

[47] مجموع فتاوى ابن تيمية 2/424

[48] سورة النساء: 123

[49] هو عبد الله وقيل عتيق بن أبي قحافة واسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أول الخلفاء الراشدين وأول العشرة المبشرين بالجنة توفي سنة 13هـ بالمدينة ( شذرات الذهب 1/24)

[50] سورة النساء: 123

[51]  اللأواء: الشدة وضيق المعيشة (النهاية 2/578)

[52] أخرجه أحمد (1/11 رقم 68) وابن حبان (7/170 رقم 2910) والبيهقي (3/373 رقم 63 28) والحاكم (3/78 رقم 4450) وصححه

[53] سورة العنكبوت: 2-3

[54] أخرجه أحمد (1/185 رقم 1607) والترمذي (4/601 رقم 2398) وحسنه والنسائي في السنن الكبرى (4/352 رقم 7481) وابن حبان (7/161 رقم 2901)

[55] سورة الأعراف: ٩٦

[56] سورة يونس: 98

[57] سورة الصافات:147 – 148

[58] أخرجه البخاري (3/1221 رقم 3178، 3/1317 رقم 3403، 6/2589 رقم 6650 6/2609 رقم 6716) ومسلم (4/2207 رقم 3403، 4/2208 رقم 2880)

[59] سورة الأنفال:25

[60] علي بن أبي طلحة الهاشمي كان من كبار التابعين عالما بالقرآن ومعانيه وأحكامه، قال أحمد بن حنبل: كان في مصر صحيفة واحدة من التفسير قد رواها علي بن أبي طلحة من رحل من طالبي التفسير لتحصيلها لا يعد كثيرا. وقد اعتمد البخاري ما نقله عن ابن عباس على هذه النسخة الشريفة  وأخذ التفسير عن مجاهد وعن سعيد بن جبير (طبقات المفسرين 1/24)

[61] تفسير القرآن العظيم (2/299) باختصار

[62] النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد الأنصاري الخزرجي. يكنى أبا عبد الله وهو مشهور له ولأبيه صحبة. قال الواقدي كان ألو مولود في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا وعن بن الزبير كان النعمان بن بشير أكبر مني بستة أشهر. مات سنة خمس وستين (الإصابة 6/440)

[63] أخرجه البخاري (2/882 رقم 2361)

[64] عائشة أم المؤمنين بنت الامام الصديق الاكبر، أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة القرشية التيمية، المكية، النبوية، أم المؤمنين، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، أفقه نساء الأمة على الاطلاق. كانت من أكرم أهل زمانها ; ولها في السخاء أخبار، توفي سنة 57هـ (سير أعلام النبلاء 2/135-201، العبر في خبر من غبر 1/10)

[65] أخرجه ابن حبان (1/526 رقم 290)

[66] جرير بن عبد الله بن جابر وهو الشليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة البجلي. كان إسلامه في العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال جرير أسلمت قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين يوماً قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك وتبسم. ونزل جرير الكوفة وسكنها وكان له بها دار ثم تحول إلى قرقيسياء ومات بها سنة 54 هـ وقد قيل إن جريراً توفي سنة 51هـ (الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1/70-71)

[67] أخرجه أحمد (4/361)

[68] الإمام أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله  الشيباني، أحد أئمة الإسلام والهداة الأعلام وأحد الأربعة الذين تدور عليهم الفتاوى والأحكام في بيان الحلال والحرام، صديق الأمة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، مولده سنة أربع وستين ومائة ومات ببغداد في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين وحضر جنازته ثلاثمائة ألف وقيل ثمانمائة ألف وقيل ألف ألف وقيل أكثر(المنتظم 11/286، طبقات الحنابلة 1/4، طبقات الشافعية 2/56)

[69] أخرجه أحمد (4/192) قال الهيثمي: أخرجه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما ثقات (مجمع الزوائد 7/267)

[70] الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي الحميري أبو عبد الله المدني شيخ الأئمة وإمام دار الهجرة وأحد الأربعة الذين تدور عليهم الفتاوى والأحكام في بيان الحلال والحرام، وقال الشافعي إذا جاء الأثر فمالك النجم مات بالمدينة سنة 179هـ ومائة وهو ابن تسعين سنة وحمل به ثلاث سنين (طبقات الحفاظ 1/96)

[71] عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي المدني ثم الدمشقي أمير المؤمنين والإمام العادل، قال ابن سعد: كان ثقة مأمونا له فقه وعلم وورع وروى حديثا كثيرا وكان إمام عدل تولى الخلافة سنتين وخمسة أشهر وخمسة عشر يوما ومات يوم الجمعة لعشر بقين من رجب سنة 101هـ (طبقات الحفاظ 1/53)

[72]  الموطأ (2/991 رقم 1799) والبيهقي في الشعب (6/99 رقم 7602)

[73] هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوى، الصحابي المعروف ولد سنة ثلاث من المبعث النبوي وهو من المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم. مات سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين وجزم مرة بثلاث وكذا أبو نعيم ويحيى بن بكير والجمهور وزاد بعضهم في ذي الحجة وقال الفلاس مرة سنة أربع (الإصابة 4/181 رقم 4837)

[74]  أخرج ابن ماجه (2/1332 رقم 4019) والحاكم في المستدرك (4/583 رقم 8623)  والطبراني في الأوسط (5/62 رقم 4671) والبيهقي في الشعب (3/197 رقم 3314، 7/124 رقم 9718)

[75]  سورة النساء: 140

[76]  أخرجه الحاكم في المستدرك (3/156 رقم 4699)

[77] عبد الرحمن بن ملجم المرادي وهو من حمير وعداده في مراد وهو حليف بني جبلة من كندة خارجي قاتل علي بن طالب (الطبقات الكبرى 3/35)

[78] أخرجه الحاكم في المستدرك (3/156 رقم 4798) سكت عنه الحاكم والذهبي وموسى بن مطير كذبه ابن معين وقال النسائي وجماعة: متروك (السنة لابن أبي عاصم (2/552)، المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1400، بتحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني).

[79] سورة النحل: ٣٠

[80]  سيد قطب بن إبراهيم (1324 – 1387 ه / 1906 – 1967 م): مفكر إسلامي مصري، من مواليد قرية موشا في أسيوط. تخرج بكلية دار العلوم بالقاهرة سنة 1353 ه (1934 م) وعمل في جريدة الاهرام. ثم عين مراقبا فنيا للوزراة. وأوفد في بعثة لدراسة برامج التعليم في أميركا، وانضم إلى الاخوان المسلمين، فترأس قسم نشر الدعوة وتولى تحرير جريدتهم، وسجن معهم، فعكف على تأليف الكتب ونشرها وهو في سجنه، إلى أن صدر الأمر بإعدامه، فأعدم. ولما كانت النكبة عام1967 م، قال علال الفاسي: ما كان الله لينصر حربا يقودها قاتل سيد قطب. (الأعلام 3/148)

[81] في ظلال القرآن: 4/463

[82] أضواء البيان: 2/200

[83] سورة النحل: ٢٤

[84] سورة المطففين: ٢٩ – ٣٢

[85] سورة البقرة: ١٣

[86] سورة يونس: ٩

[87] سورة الأنفال: ٢٩

[88] سورة البقرة: ٢٨٢

[89] سورة المؤمنون: ١١٥ – ١١٦

[90] انظر: زاد المسير 4/428

[91] انظر: المحرر الوجيز 5/44، وتفسير الثعالبي 3/65

[92] الكشاف 4/373

[93] سورة المؤمنون: ١١٦

[94] الآلوسي الكبير (1217 – 1270 ه / 1802 – 1854 م) محمود بن عبد الله الحسينى الالوسى، شهاب الدين، أبو الثناء: مفسر، محدث، أديب، من المجددين، من أهل بغداد، مولده ووفاته فيها. كان سلفي الاعتقاد، مجتهدا. تقلد الافتاء ببلده سنة 1248 ه. وعزل، فانقطع للعلم. ثم سافر سنة 1262 ه إلى الموصل، فالاستانة، ومر بماردين وسيواس، فغاب 21 شهرا وأكرمه السلطان عبد المجيد. وعاد إلى بغداد يدون رحلاته ويكمل ما كان قد بدأ به من مصنفاته، فاستمر إلى أن توفى. (الأعلام 7/176)

[95] روح المعاني: 13/302-303

[96] التحرير والتنوير 9/420

[97] سورة الروم: ٨

[98] عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، أبو البركات، حافظ الدين: فقيه حنفي، مفسر، من أهل إيذج من كور أصبهان ووفاته فيها. نسبته إلى “نسف” ببلاد السند، بين جيحون وسمرقند. له مصنفات جليلة، منها “مدارك التنزيل” ثلاثة مجلدات، في تفسير القرآن، و”كنز الدقائق” في الفقه، و “المنار” في أصول الفقه و”كشف الاسرار” شرح المنار، و”الوافي” في الفروع، و” الكافي” في شرح الوافي، و”المصفى” في شرح منظومة أبي حفص النسفى، في الخلاف، توفي سنة 710 ه /  1310 م (الأعلام 4/67)

[99] مدارك التنزيل 3/86

[100] الزمخشري العلامة، كبير المعتزلة، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد، الزمخشري الخوارزمي النحوي، صاحب “الكشاف” و”المفصل” وكان مولده بزمخشر – قرية من عمل خوارزم – في رجب سنة سبع وستين وأربع مئة. وكان رأسا في البلاغة والعربية والمعاني والبيان، وله نظم جيد. برع في الآداب، وصنف التصانيف، ورد العراق وخراسان، وكان علامة نسابة. مات ليلة عرفة سنة 538 هـ (سير أعلام النبلاء 20/151-155)

[101] الكشاف 5/236

[102] عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي (481 – 542 ه / 1088 – 1148 م) ، من محارب قيس، الغرناطي، أبو محمد: مفسر فقيه، أندلسي، من أهل غرناطة. عارف بالاحكام والحديث، له شعر. ولي قضاء المرية، وكان يكثر الغزوات في جيوش الملثمين. وتوفي بلورقة. له المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز في عشر مجلدات، وقيل في تاريخ وفاته: سنة 541 و 546 هـ (الأعلام 3/282)

[103] المحرر الوجيز 5/245

[104] التحرير والتنوير 11/405

[105] المصدر نفسه

[106] سورة البقرة : 29

[107] البحتري (206 – 284 ه / 821 – 898 م) الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي، أبو عبادة البحتري: شاعر كبير، يقال لشعره “سلاسل الذهب”. وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم: المتنبي، وأبو تمام، والبحتري. قيل لابي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان، وإنما الشاعر البحتري. ولد بمنبج بين حلب والفرات ورحل إلى العراق، فاتصل بجماعة من الخلفاء أولهم المتوكل العباسي، ثم عاد إلى الشام، وتوفي بمنبج. له “ديوان شعر” وكتاب “الحماسة” على مثال حماسة أبي تمام. (الأعلام 8/121)

[108] التحرير والتنوير 11/405

[109] سورة آل عمران: ١٩١

[110] سورة طه: ١٤

[111]  إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط، الخرباوي، البقاعي، الشافعي (809 – 885 ه/ 1406 – 1480 م)، نزيل القاهرة ثم دمشق. عالم، اديب، مفسر، محدث، ومؤرخ. ولد بقرية خربة روحا من عمل البقاع، ونشأ بها، ثم تحول إلى دمشق، ثم دخل بيت المقدس، ثم القاهرة، ومات بدمشق. من مؤلفاته: نظم الدرر في تناسب الآى والسور في التفسير، الاصل الاصيل في تحريم النقل من التوراة والانجيل، القول المألوف في الرد على منكر المعروف (معجم المؤلفين 1/71)

[112] نظم الدرر 5/238

[113] سورة العنكبوت : 45

[114] التحرير والتنوير 9/33

[115] تيسير الكريم الرحمن 1/503

[116] فالتعليل في أصول الفقه تحركٌ من جزئي إلى جزئي، أما في المقاصد فهو تحركٌ من مبدإ كلي إلى جزئيات تطبيقية أو استقراء جزئيات لتتكون منها قضية كلية.

[117] أبو حامد الغزالي زين الدين حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي، أحد الأعلام تلمذ لإمام الحرمين، ثم ولاه نظام الملك تدريس مدرسته ببغداد، وخرج له الأصحاب أي من الشافعية، وصنف التصانيف مع التصون والذكاء المفرط والاستبحار من العلم وفي الجملة ما رأى الرجل مثل نفسه توفي سنة خمس وخمسمائة في رابع عشر جمادى الآخرة بالطابران قصبة بلاد طوس وله خمس وخمسون سنة (العبر في خبر من غبر 4/10)

[118] إحياء علوم الدين 1/155

[119] عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهرانيّ المولد العراقي الأصل الكرديّ الشيخ زين الدين العراقي حافظ العصر، ولد في جمادى الأولى سنة 725 هـ، صنّف تخريج أحاديث الإحياء وأكمل مسودته الكبرى قديماً ثم كان وصنف مصنفات أصبحت عمدة في علوم الحديث لمن جاء بعده، مات الشيخ عقب خروجه من الحمّام في ثامن شعبان سنة 803 هـ وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة (إنباء الغمر بأنباء العمر 1/296)

[120] الحافظ العلامة جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي القرشي التيمي البكري البغداذي الحنبلي الواعظ، عبد الرحمن بن علي بن محمد إلى أن ينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق. صاحب التصانيف المشهورة في أنواع العلوم، ولد تقريباً سنة 508 أو 510هـ، وتوفي سنة 597 هـ. وصنف تصانيف في علوم القرآن والأصول وعلم الحديث والتاريخ والفقه والوعظ وفنون شتى، ولم يزل يصنف ويكتب إلى أن مات. مرض خمسة أيام وتوفي يوم الجمعة بني العشاءين 13 رمضان، ويقال إنه جمعت براية أقلامه فكان شيئاً كثيراً، وأوصى أن يسخن به الماء الذي يغسل به ففعل ذلك وفضل منها. (الوافي بالوفيات 6/80-82)

[121] سورة التوبة: ١٠٣

[122] التحرير والتنوير 6/377

[123] عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي (1307 – 1376 ه / 1890 – 1956 م): مفسر، من علماء الحنابلة، من أهل نجد. مولده ووفاته في عنيزة بالقصيم وهو أول من أنشأ مكتبة فيها سنة 1358ه له نحو 30 كتابا، منها الكتب المطبوعة الآتية: تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن، تيسير اللطيف المنان في خلاصة مقاصد القرآن، والقواعد الحسان في تفسير القرآن، وطريق الوصول إلى العلم المأمول من الاصول، وغيرها (الأعلام 3/340)

[124] تيسير الكريم الرحمن ص350

[125] إحياء علوم الدين 1/225 مختصرا

[126] سورة البقرة: ١٨٣

[127] زاد المسير: 1/173

[128] التحرير والتنوير 2/132

[129] المصدر نفسه

[130] زاد المعاد 2/28

[131] سورة الحج: 27-28

[132] عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحافظ العلم أبو محمد التميمي الرازي ولد بالريّ، أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، صنّف في التفسير والجرح والتعديل والفقه، واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، توفي سنة 327هـ (العبر في خبر من غبر 1/127)

[133] روح المعاني: 13/50

[134] محمد بن علي بن الحسن بن بشر، أبو عبد الله، الحكيم الترمذي (ت 320 ه / 932 م) باحث، صوفي. من أهل ترمذ نفي منها بسبب تصنيفه كتابا خالف فيه ما عليه أهلها، فشهدوا عليه بالكفر. وقيل: اتهم باتباع طريقة الصوفية في الاشارات ودعوى الكشف. وقيل فضّل الولاية على النبوة، ورد بعض العلماء هذه التهمة عنه. وقيل: كان يقول: للاولياء خاتم كما أن للانبياء خاتما. وفي لسان الميزان أن أهل ترمذ هجروه في آخر عمره لتأليفه كتاب “ختم الولاية وعلل الشريعة”، وأنه حمل إلى بلخ فأكرمه أهلها وكان عمره نحو تسعين سنة. واختلف في وفاته، فمنهم من قال سنة 255 وسنة 285 ه، وينقض الاول أن السبكي يذكر أنه حدث بنيسابور سنة 285 كما ينقض الثاني قول ابن حجر: إن الانباري سمع منه سنة 318 (الأعلام 6/272)

[135] أخرجه مسلم 9/380 رقم: 3431

[136] أخرجه أحمد (18/138 رقم: 8595) بلفظ “صالح الأخلاق”، والبيهقي في الشعب (17/9 رقم: 7748) والحاكم في المستدرك (2/670 ، رقم 4221) وقال: صحيح على شرط مسلم قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 3/469 باب مكارم الأخلاق والعفو عمن ظلم، 4/61 باب حسن معاشرته [ص]) وقد أورد البيهقي في السنن الكبرى (10/771 في باب بَيَانِ مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ وَمَعَالِيهَا الَّتِى مَنْ كَانَ مُتَخَلِّقًا بِهَا) بلفظ: “إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ” وقال السخاوي: وأورده مالك في الموطإ (5/386)  بلاغاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبد البر: هو متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره مرفوعاً (المقاصد الحسنة: 1/58) وكذا قال العجلوني (كشف الخفا 1/211 رقم: 638)

[137] ابن حبان الحافظ العلامة أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان ابن معاذ بن معبد بن سهيد بن هدية بن مرة بن سعد التميمي البستي. صاحب التصانيف. ولي قضاء سمرقند وكان من فقهاء الدين وحفاظ الآثار عالماً بالنجوم والطب وفنون العلم. صنف المسند الصحيح والتاريخ والضعفاء وفقه الناس بسمرقند. مات في شوال سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وهو في عشر الثمانين. (طبقات الحفاظ: 1/74)

[138] الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة الامير السعيد الشهيد أبو عمرو الانصاري الخزرجي البدري النقيب الشاعر، وكان من كتاب الانصار. استخلفه النبي، صلى الله عليه وسلم، على المدينة في غزوة بدر، أحد الأمراء الثلاثة الذين ولاهم رسول الله ص على جيش المسلمين بغزوة مؤته واستشهدوا فيها سنة ثمان وكان ستتة أشهر بعد الفتح (سير أعلام النبلاء 1/236)

[139] الخرص: يقال خَرَص النخلة والكَرْمة يَخْرُصها خَرْصا: إذا حَزَرَ وقَدَّر ما عليها من الرُّطب تَمْرا ومن العنب زبيبا، فهو من الخَرْص: الظنّ؛ لأن الحَزْر إنما هو تقدير بظن. (انظر النهاية في غريب الأثر: 2/62)

[140] السُّحت: الحَرَام الذي لا يَحِلُّ كسْبُه؛ لأنه يَسْحَت البركة : أي يُذْهبها ، والسَّحت من الإهْلاك والاستِئصال. (النهاية في غريب الأثر: 2/873)

[141] أخرجه ابن حبان (21/439 رقم: 5290)

[142] أخرجه مسلم (12/494 رقم: 4704)

[143] كلتا الروايتين أخرجهما البخاري (10/466 رقم: 2955، 22/408 رقم: 6855، 22/432 رقم: 6872، 22/465 رقم: 6899، 23/91 رقم: 6998، 23/92 رقم: 6999) ومسلم (13/306-308 رقم: 4939 – 4941)

[144] أبو إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله، ويقال فيه: عيذ الله بن إدريس بن عائذ بن عبد الله بن عتبة، تابعي جليل، قاضي دمشق وعالمها وواعظها. ولد عام الفتح، مات أبو إدريس الخولاني سنة 80 ه. ( سير أعلام النبلاء: 4/272-276)

[145] أبو ذر الغفاري: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. اختلف في اسمه واسم أبيه، والمشهور جندب بن جنادة روي عنه أنه قال: أنا رابع الاسلام. ويقال: كان خامسا في الاسلام، أسلم بمكة، ثم رجع إلى بلاد قومه، ثم قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. مات سنة اثنتين وثلاثين بالربذة في خلافة عثمان. ( تهذيب الكمال 33/294-298)

[146] أخرجه مسلم 12/455 رقم: 4674

[147] مجموع الفتاوى 18/170

[148] أخرجه أحمد (3/191 رقم 13004) والبخاري في الأدب المفرد (1/168 رقم 479) عن أنس بسند صحيح.

[149] أخرج مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ (صحيح مسلم 14/189 رقم: 5243)

[150] أخرجه مسلم (5/179 رقم: 1676)

[151] أخرجه مسلم (1/247 رقم: 131)

[152] أخرجه مسلم (3/1548 رقم 1955)

[153] أخرجه مسلم (2/703 رقم 1015)

[154] أخرجه أبو يعلى (7/349 رقم 4386) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان وضعفه جماعة (مجمع الزوائد 4/98)

[155] هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري ، أبو سعيد، إمامُ أهل البصرة وَحَبر زمانه. وْلد لسنتين بقيتا من خلافة عمر. وسمع خطبةَ عثمان، وشهد يوم الدار وشهرتُه تغني عن التعريف به. قال ابن سعد في الطبقات: كان جامعاً عالماً رفيعاً. فقيها حجة مأموناً عابداً ناسكاً كثير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً رحمه الله. توفي سنة 112هـ (العبر في خبر من غبر: 1/24)

[156] عبيد الله بن زياد بن أبيه أمير العراق أبو حفص، ولي على البصرة سنة 55 وله ثنتان وعشرون سنة، وولي خراسان، فكان أول عربي قطع جيحون، وافتتح بيكند، وغيرها. وكان جميل الصورة، قبيح السريرة. سفك الدماء سفكا شديدا، وأبغضه المسلمون لما فعل بالحسين رضي الله عنه. وقد كانت أمه تقول: قتلت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترى الجنة. قتل يوم عاشوراء سنة سبع وستين. (سير أعلام النبلاء: 3/545-549)

[157] معقل بن يسار المزني البصري رضي الله عنه. صحابي من أهل بيعة الرضوان. مات بالبصرة في آخر معاوية. ( سير أعلام النبلاء: 2/576)

[158] أخرجه البخاري (22/62 رقم: 6617)

[159] هو الحافظ العلامة، الثبت، الفقيه، شيخ الاسلام، أبو بكر، أحمد ابن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي، الخراساني. وبيهق: عدة قرى من أعمال نيسابور على يومين منها. ولد في سنة أربع وثمانين وثلاث مئة في شعبان. وبورك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة، قال الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل في ” تاريخه “: كان البيهقي على سيرة العلماء، قانعا باليسير، متجملا في زهده وورعه. توفي في عاشر شهر جمادى الاولى، سنة 458هـ. وعاش أربعا وسبعين سنة. (سير أعلام النبلاء: 18/163-169)

[160] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/482)

[161] انظر إعلام الموقعين: 1/270-271.

[162] أخرجه البخاري (19/259 رقم: 5772) ومسلم (11/112 رقم: 4013، 4014)

[163] أخرجه مالك في الموطإ (3/427 رقم: 918) ومسلم (10/157 رقم: 3643)

[164] أخرجه أبو داود (1/107 رقم: 68) والنسائي (1/122 رقم: 67، 2/54 رقم: 338) وأحمد (46/76 رقم: 21535، 46/127 رقم: 21586) وابن حبان (6/106 رقم: 1316) وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (1/153) وإرواء الغليل (1/191 رقم: 173)

[165] أخرجه البخاري (4/500 رقم: 1186، 5/2 رقم: 1187، 5/4 رقم: 1188، 6/392 رقم: 1718، 6/394 رقم: 1719) ومسلم (6/195 رقم: 2092، 2093، 2094، 2095)

[166] أخرجه الطبراني في الكبير (10/31 رقم: 11765) وأصله عند مسلم وأحمد وأصحاب السنن.

[167] أخرجه مالك في الموطإ (4/318 رقم: 1139) وأبو داود (9/198 رقم: 2915) والترمذي 4/497 رقم: 1146) والنسائي (14/93 رقم: 4469) وابن ماجه (7/33 رقم: 2255) ابن حبان (21/23 رقم: 5087) وصححه الألباني في إرواء الغليل (5/199 رقم: 1352)

[168] أخرجه مسلم (11/170 رقم: 4054)

[169] أخرجه أبو داود (10/323 رقم: 3346) وابن ماجه (10/332 رقم: 3496) وأحمد (14/385 رقم: 6844، 15/297 رقم: 7256، 17/171 رقم: 8129) وابن حبان (5/498 رقم: 1263، 1264) وصححه التبريزي في مشكاة المصابيح (2/442 رقم: 4143)

[170] أخرجه البخاري (13/99 رقم: 3877، 17/205 رقم: 5102) ومسلم (10/95 رقم: 3594)

[171] أخرجه البخاري (13/137 رقم: 2623، 16/48 رقم: 4710) ومسلم (7/338 رقم: 2623، 2624)

[172] أخرجه مالك في الموطإ (6/163 رقم: 1592) ومسلم (5/322 رقم: 1784)

[173] إعلام الموقعين: 1/219

[174] عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار الصحابي المعروف الامام الحبر فقيه الامة مات بالمدينة ودفن بالبقيع سنة اثنتين وثلاثين (سير أعلام النبلاء: 1/461-499)

[175] أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/283 رقم: 1036، 7/36 رقم: 9633)

[176] ربعي بن عامر بن خالد بن عمرو الصحابي الجليل كان عمر أمد به المثنى بن حارثة وكان من أشراف العرب، وله ذكر أيضاً في غزوة نهاوند وكان ممن بنى فسطاطاً أمير تلك الغزوة النعمان بن مقرن وولاه الأحنف لما فتح خراسان على طخارستان. وكانوا لا يؤمرون إلا الصحابة. (الإصابة في معرفة الصحابة 1/349)

[177] تاريخ الطبري (2/401)، وانظر البداية والنهاية: 7/46-47، المنتظم: 1/475، والكامل في التاريخ: 1/413، وتاريخ ابن خلدون: 2/95

[178] أخرجه ابن عساكر في تاريخه (5/34) وانظر كنز العمال: 3/732 رقم: 8603 وانظر أيضا: جامع الأحاديث: 30/361 رقم: 33356

[179] أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي مولاهم، الحافظ العلم صاحب الصحيح، وإمام هذا الشأن، والمعول على صحيحه في أقطار البلدان، وللبخاري من المؤلفات الجامع الصحيح، التاريخ الكبير، الأدب المفرد، القراءة خلف الإمام، ولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة، ومات ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين (طبقات الحفاظ 1/252)

[180] زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي أبو سعيد وقيل أبو ثابت وقيل غير ذلك في كنيته استصغر يوم بدر ويقال إنه شهد أحدا ويقال أول مشاهده الخندق  وكان زيد من علماء الصحابة. وعن أنس قال قال النبي أفرضكم زيد رواه أحمد بإسناد صحيح. كان عمر يستخلف زيد بن ثابت إذا سافر فقلما رجع إلا أقطعه حديقة من نخل. مات زيد سنة اثنتين أو ثلاث أو خمس وأربعين وقيل سنة إحدى أو اثنتين أو خمس وخمسين وفي خمس وأربعين قول الأكثر (الإصابة 2/592-594)

[181] استحر القتل وحر بمعنى اشتد  (لسان العرب 4/179)

[182] يعني مواطن القتال.

[183] أخرجه البخاري 15/385 رقم: 4603، 22/128 رقم: 6654

[184] هو عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو حفص أمير المؤمنين ثاني الخلفاء الراشدين أحد العشرة المبشرين بالجنة, أفضل الأمة بعد أبي بكر رضي الله عنه توفي سنة 22 هـ (شذرات الذهب 1/33)

[185] خيبر: الموضع المذكور في غزاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ناحية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام. (معجم البلدان 2/195)

[186] معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ الخزرج الانصاري الخزرجي أبو عبد الرحمان المدني صاحب رسول الله ص، أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الانصار أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة وشهد بدرا والعقبة والمشاهد كلها، عن أنس: قال رسول الله (ص): ” أرحم أمتي بأمتي أبو بكر… وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل…” مات في طاعون عمواس سنة 17ه (تهذيب الكمال 28/105-113)

[187]  الريع  بالفتح: النماء والزيادة (مختار الصحاح 1/111)

[188]  الأموال لأبي عبيد ص75

[189]  سورة الحشر: 7-8

[190] سورة الحشر: 9

[191] سورة الحشر: 10

[192] عَدَن: هي مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن (معجم البلدان 3/203)

[193] أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (6/351 رقم 12781)

[194] الجامع لأحكام القرآن (18/22)

[195] الفيء: ما ورده الله تعالى على أهل دينه من أموال من خالفهم في الدين بلا قتال، إما بالجلاء أو بالمصالحة، على جزية أو غيرها (التعريفات ص54)

[196] الشيخ الامام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب ” المغني”. مولده بجماعيل من عمل نابلس سنة 541هـ في شعبان. وكان عالم أهل الشام في زمانه. كان رحمه الله إماما في التفسير وفي الحديث ومشكلاته، إماما في الفقه، بل أوحد زمانه فيه، إماما في علم الخلاف، أوحد في الفرائض، إماما في أصول الفقه، إماما في النحو والحساب والأنجم السيارة، والمنازل. كان حسن الاخلاق لا يكاد يراه أحد إلا متبسما. وانتقل إلى رحمة الله يوم السبت يوم الفطر، ودفن من الغد سنة 620هـ. (سير أعلام النبلاء: 22/172)

[197] المغني: (2/308)

[198] الفكر السامي بتاريخ الفقه الإسلامي: 1/318

[199] عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي المدني ثم الدمشقي أمير المؤمنين والإمام العادل، قال ابن سعد كان ثقة مأمونا له فقه وعلم وورع وروى حديثا كثيرا وكان إمام عدل ملك سنتين وخمسة أشهر وخمسة عشر يوما ومات يوم الجمعة لعشر بقين من رجب سنة إحدى ومائة (طبقات الحفاظ 1/53)

[200] كان أبو بكر بن حزم واليا على المدينة، وكان التوجيه إلى أهل المدينة وعلمائها (انظر الرسالة المستطرفة ج1ص3، المحدث الفاصل ج1ص374، السنة لمحمد بن نصر المروزي 1/31)

[201] يعنى اندراسه وانقراضه.

[202] أخرجه البخاري معلقا (1/49) وأوصله ابن حجر في تغليق التعليق (2/89) والمروزي في السنة (1/31) والرامهرمزي في المحدث الفاصل (1/374)

[203] محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبدالله بن شهاب بن عبدالله القرشي الزهري، أبو بكر المدني نزيل الشام، الامام العلم، حافظ زمانه، ولد سنة 50 وقيل 51، عن الليث بن سعد قال: ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب، يحدث في الترغيب، فتقول: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن العرب والانساب، قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة، كان حديثه. كان ابن شهاب، يقول: ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته. عن سفيان، قال: كان الزهري أعلم أهل المدينة. قال عمربن عبد العزيز: عليكم بابن شهاب هذا فإنكم لا تلقون أحدا أعلم بالسنة الماضية منه. توفي الزهري سنة 104 أو 103 ه (سير أعلام النبلاء: 5/326-349)

[204] عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، مولاهم، اليماني، أبو بكر الصنعاني. الحافظ الكبير، عالم اليمن، ولد سنة ست وعشرين ومئة. قال علي بن المديني: قال لي هشام بن يوسف: كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا، قال أحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب معمر، فالحديث لعبد الرزاق.  توفي عبد الرزاق في شوال، سنة إحدى عشرة ومئتين. (سير أعلام النبلاء 9/564-580)

[205] صالح بن كيسان  الامام الحافظ الثقة، أبو محمد، ويقال: أبو الحارث المدني المؤدب، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، وكان صالح جامعا من الحديث والفقه والمروءة. رأى ابن عمر، وهو ثقة، يعد في التابعين. قال الواقدي: مات صالح بن كيسان بعد الاربعين والمئة.(سير أعلام النبلاء 5/454-456)

[206] مصنف عبد الرزاق: 11/259-260 رقم: 20487 .

[207] كان هناك من الصحابة وبعض التابعين من يتمسك بعدم كتابة غير القرآن بناء على نهي النبي (ص) عنه في أول الإسلام مخافة اختلاط القرآن بغيره، وقد نسخ هذا الحكم وحث الرسول بعض الصحابة على كتابة أحاديثه (انظر للتوسع كتاب “تقييد العلم” للخطيب البغدادي. وشرح النووي لصحيح مسلم 9/389 رقم: 5326، وفتح الباري باب كتابة العلم 1/181 رقم: 110)

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

معلومات

This entry was posted on 25 جويلية 2012 by in مقالات.

الابحار

%d مدونون معجبون بهذه: