إن واقع الأمم اليوم مرتبط بما كانوا يحلمون سابقا وبما وضعه علماؤهم ومفكروهم وأدباؤهم من مثاليات تشجع الناس وترغبهم في التحرك نحوها. والأمة التي ليس لها أحلام ولم يضع مفكروهم تصورات مثالية عالية السقف ليس لهم حظ من الواقع المتقدم.
إن واقع المجتمع الغربي اليوم مرتبط بأحلام سابقيهم وتصورات فلاسفتهم وخيال أدبائهم. وكان أفلاطون تخيل في كتابه الشهير “الجمهورية”[1] دولة فاضلة تقوم على العدالة، يحكمها طبقة من الحكماء الفلاسفة. وقسم المجتمع حسب طبقات أعمالهم. والدولة المثالية بناء على افلاطون مكونة من ثلاث طبقات، طبقة اقتصادية مكونة طبقة التجار والحرفيين طبقة الحراس وطبقة الملوك الفلاسفة. يتم اختيار أشخاص من طبقة معينة يتم اخضاعهم لعملية تربوية وتعليمية معينة. يتم أخيار الاشخاص الأفضل ليكونوا ملوك فلاسفة، حيث استوعبوا المثل الموجودة في علم المثل ليخرجوا الحكمة.
أما فلاسفة عصر النهضة الأوربية فلهم أحلام أخرى. فقد تبنوا مبدأ المساواة الإنسانية، ودعوا إلى مجتمع تتساوى فيه الحقوق وتحترم فيه الكرامة الإنسانية. كرّسوا الفلسفة الإنسانية التي تنظر إلى الإنسان ككيان له حرمته المعصومة لا يجوز الاعتداء عليها. ورأوا أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم يجب أن تكون مبنية على عقد يضمن المساواة والعدالة الاجتماعية. ودعوا إلى التحرر من سيطرة الكنيسة والبابوية التي تسلطت على شعوب أوروبا سياسيا وثقافيا، وحجرت عليهم حق البحث وحرية الفكر. وفي ظل هذه الروح النهضوية التي اجتاحت أوروبا، تخيل فرانسيس بيكون[2] مدينة “أطلنطيس الجديدة” التي رأى فيها مجتمعا يقوم على أساس العظمة الإنسانية. وألف فيها رواية صور فيها حياة متطورة سادها الإيمان الديني والرقي العلمي والتطور التقني والرخاء الاقتصادي.[3]
وتخيل ليوناردو دا فينشي[4] تقنيات كثيرة كالآلة الحاسبة والغواصة والمروحية وأمورا كثيرة لم تتحقق إلا بعد قرون من وفاته. وعلى إثره عمل جول فيرن[5] أعماله الأدبية التي تعرف فيما بعد بالخيال العلمي الذي حرك عقول الناس ودفعهم إلى المخترعات الكثيرة التي غيرت حياة الناس إلى يومنا هذا.
ورسم آدم سميث[6] في كتابه المعروف باسم “ثروة الأمم” طريق الأمم في تحصيل الثروة بنظرية اقتصادية تحمل اسمه، تقوم هذه النظرية على اعتبار أن كل أمة أو شعب يملك القدرة على إنتاج سلعة أو مادة خام بكلفة أقل بكثير من باقي الدول الأخرى، فإذا ما تبادلت الدول هذه السلع عم الرخاء بين الجميع، تقوم اتفاقية التجارة العالمية على كسر الحواجز أمام انتقال السلع لكي تعم العالم.[7]
ومع بروز وتزايد قوة النظام الرأسمالي التي جرت الأمم إلى أزمة معاناة طبقة العمال برز كارل ماركس[8] برؤيته عن حاجة الناس إلى تكوين مجتمع ينصف حق العمال وتختفي فيه الطبقية، مجتمع بلا نزاع على الملكية، وجاء ماركس بحلم أقنع فقراء العالم وغير مصائر الدول والشعوب، ثم كان ما كان من نشوء دول شيوعية بعد الثورة البلشيفية ثم سقوطها بعد سبعين سنة مع سقوط جدار برلين.
وهكذا نشأت آراء ورؤى شكّلت واقع أوروبا وتعدت آثارها إلى سائر بقاع الأرض بعدها. وبين تلك الرؤى والأحلام وبين الواقع القائم قرون قضيت وأفكار درست وجهود بذلت. تحقق بعضها وانهار بعضها.
إن أول نظام ديمقراطي كان في مدينة أثينا اليونانية. فكان كل مواطن فيها يستمتع، ويصر على أن يستمتع، بكل ما يستمتع به غيره من حقوق أمام القانون وفي الجمعية الوطنية. ولم يكن “المواطن” في نظر الأثيني هو الذي يقترع فحسب، بل كان هو الذي يشغل بالقرعة إذا جاء دوره على مر الأيام منصب الحاكم أو القاضي، ويجب أن يكون حراً، مستعداً لخدمة الدولة حين تناديه، وقادراً على خدمتها. ولا يخفى أنه ليس في مقدور إنسان خاضع لغيره، أو مضطر إلى الكدح ليحصل على قوته، أن يجد من الوقت أو من المقدرة ما يمكنه من أداء هذه الخدمات؛ ومن أجل هذا كان يبدو لمعظم الأثينيين أن الذي يعمل بيديه غير صالح لأن يكون مواطناً أثينياً. فلم تكن الحقوق السياسية متاحة للعبيد والفلاحين الكادحين من التجار. وكانت أن أقلية صغيرة من الأهلين كانت هي التي تستطيع القراءة. ولم تكن ممارسة هذه الحقوق متاحة أيضا لسكان أقاصي البلاد خارج أثينا. وكان في أثينة نواد من جميع الأنواع – نواد سياسية، ونواد للأقرباء، ونواد عسكرية، ونواد للصناع، ونواد للممثلين، ونواد دينية، ونواد تجهر بأن همها هو الأكل والشرب. وكانت أقوى هذه النوادي هي النوادي الألجركية التي يتعهد أعضاؤها بأن يساعد بعضهم بعضاً في الشئون السياسية والقانونية، وتربطهم بعضهم ببعض رابطة العداوة المشتركة الشديدة للطبقات الدنيا التي نالت حقوقها السياسية، والتي أخذت تنافس طبقتي الأشراف مُلاك الأراضي والتجار أصحاب المال. وفي وجه هذا الحزب الألجركي يقف الحزب الدمقراطي – إلى حد ما- حزب صغار رجال الأعمال، والمواطنين الذين أصبحوا أجراء، وأولئك الرجال الذين يعملون بحارة على ظهور السفن التجارية والأسطول الأثيني.[9] وضعف هذا النظام مع حروب متواصلة ضد جارتها اسبارطة، حتى صار الحكم في اليونان ملكيا إلى آخر ملكهم الإسكندر الأكبر.[10]
وفي ظل الحكم الروماني تحقق مرة ثانية قيام نظام الجمهورية وذلك بعد كفاح طويل دام ما يقارب قرنين من الزمن.[11] وليس قيام الجمهورية إقامة العدالة الاجتماعية. نعم حررت روما من سلطان الأسرة المالكة المتسلطة وحل محلهم حكم الأشراف الذي ظلوا يحكمونها إلى عهد قيصر. أما الفقراء من المواطنين فلم تنصلح أحوالهم بعد الثورة بل ساءت عما كانت عليه؛ فقد طلب إليهم أن ينزلوا عن الأراضي التي وهبها لهم الملك السابق المخلوع، وخسروا ذلك القسط الضئيل من الحماية من سلطان الأشراف وهو الذي كان لهم في عهد الملكية. وقال الظافرون: “إن الثورة كانت نصراً مؤزراً للحرية.” ولكن الحرية في لغة الأقوياء لا يقصد بها في بعض الأحيان إلا التحرر من القيود التي تحول دون استغلال الضعفاء.[12] ولكن مع ذلك فقد أقاموا نظام حكم ديمقراطي فريد، وكان لمجلس الشيوخ صلاحية سن القوانين واختيار الحكام. وتطور ونما هذا النظام خمسة قرون. وهكذا إلى أن جاء يوليوس قيصر[13] سنة 44 قبل الميلاد وعين إمبراطورا للروم واعتبر ذلك خروجا عن نظام الجمهورية ونهاية له.[14]
وبعد انتهاء حكم يوليوس قيصر بدأت الإمبراطورية الرومانية تتضعضع بشكل مستمر. ثم اتجهت أوروبا في العصور الوسطى إلى الزهد في الدنيا، والتبتل إلى الآخرة، وذلك نتيجة هيمنة رجال الكنيسة على مختلف شؤون الحياة، باعتبارهم علماء في الدين وفلاسفة في القانون الروماني، فحاربوا المفكرين، وحاكموهم بقسوة، واحتكروا زعامة المجتمع، فتفشت فيه الخرافات وعم الجهل، فلم ينتفع الجمهور باللغة اللاتينية التي كانت محتكرة لدى طائفة من رجال الكنيسة ولم تكن صناعة الورق، أو فن الطباعة معروفين في أوروبا، ولهذا كان المجتمع الأوروبي متخلفاً ويئن تحت وطأة الإقطاع، ويعاني من ويلات الحروب الإقطاعية والتجزئة السياسية.
قال ول ديورنت[15]: “أما أوربا الغربية فكانت في القرن السادس الميلادي مسرحاً لفوضى الفتوح، والانحلال، والعودة إلى الهمجية نعم إن قسطاً كبيراً من الثقافة اليونانية والرومانية القديمة قد بقي فيها، وإن كان معظمه صامتاً مخبوءاً في عدد قليل من الأديرة والأسر، ولكن مصادر الأسس الجسمية والنفسية التي يقوم عليها النظام الاجتماعي كانت قد اضطربت اضطراباً لا تعود معه هذه الأسس إلى الاستقرار إلا بعد قرون طوال.”[16]
سيطر على أوروبا تعصب ديني رهيب حركهم نحو حروب صليبية متكررة دامت قرنين من الزمان. وانتهت ببقاء بيت المقدس في أيدي المماليك المسلمين، وقل عدد الحجاج المسيحيين إلى تلك المدينة وزادت مخاوفهم. يضاف إلى هذا أن الحكومات الإسلامية التي كانت من قبل تمتاز بالتسامح مع أصحاب الأديان الأخرى قد ذهب عنها تسامحها بسبب الهجمات المتكررة على بلادها، ولم يبق في أيدي المسيحيين ثغر واحد من ثغور فلسطين والشام التي انتزعوها من قبل لتستقبل التجارة الإيطالية، وأثبتت الحضارة الإسلامية أنها أرقى من الحضارة المسيحية في رقتها، وأسباب راحتها، وتعليمها وأساليبها الحربية.[17]
خسرت أوروبا في حروبها الصيليبية لكنها كسبت خبرات وثقافات جديدة. وكان أثر الحروب الصليبية الذي يلي في أهميته إضعاف العقيدة الدينية المسيحية، هو بث روح النشاط في الحياة المدنية الأوربية لمعرفة الأوربيين بأساليب المسلمين التجارية والصناعية.[18] وهذا كله ينقلهم إلى بدء جديد في نمط الحياة الفكرية والاقتصادية، وأخرجهم من قوالب بالية إلى انفتاح عقلي وتجدد ثقافي.
وبذلك بدأت أوروبا عصرها الجديد وفترة الانتقال من العصور الوسطى إلى عصر النهضة وهو القرون 14 – 16 ويؤرخ لها بسقوط القسطنطينية عام 1453م، حيث نزح العلماء إلى إيطاليا حاملين معهم تراث اليونان والرومان، كما يدل مصطلح عصر النهضة على التيارات الثقافية والفكرية التي بدأت في البلاد الإيطالية في القرن 14، حيث بلغت أوج ازدهارها في القرنين 15 و 16، ومن إيطاليا انتشرت النهضة إلى فرنسا وإسبانيا وألمانيا وهولندا وانكلترا وإلى سائر أوروبا أزدهر شأن النهضة الإيطالية إذ وجدت لها أنصاراً يصرفون عليها المال الوفير. وأطلق الإيطاليون على هذا النضوج أسم الرناشيتا[19] la Rinascita أي المولد الجديد، لأنه بدا لهم بعثا مظفرا للروح القديمة بعد أن أوقفت البربرية في سبيلها مدى ألف عام.[20]
وإذا كان ملوك الإغريق والرومان وأساقفة العصور الوسطى قد خيبوا أمل أفلاطون في نشوء جمهورية فاضلة، فإن فلاسفة عصر النهضة قد أحيوا ذلك الحلم القديم بعد أن كسروا حواجز الهرطقة وبددوا الإيمان البابوي. فحاربوا الدكتاتوريات وحكم البابوات، وتحرروا من احتكار الكنيسة للعلم والمعرفة. فكان لأوروبا وجهها الجديد وطريقها المستأنفة. ثم كان من أحلام الفلاسفة أن تجد طريقها إلى نهوض أوروبا وسيادتها العالمية، بل وجدت أراضي جديدة لبسط سيطرتها في مشارق الأرض ومغاربها.
إن ما توصلت إليه المجتمعات الغربية اليوم من التقدم المادي ليس خارقا من خوارق العادات لكنه نتيجة طبيعية لتصورات ترسخت في الأذهان واندفعت الجهود المتواصلة المتراكمة لإخراجها إلى عالم الواقع. ومع ذلك لا تغرنا المظاهر الخلابة التي بهرت الناس من حياة هؤلاء، فإنها تنطوي على صنوف من الأزمات.
قال الدكتور العلواني: “إن الحضارة المعاصرة – على كل ما أسدته للإنسان من خدمات في عمليات الكشف والتسخير، وعلى كل ما أنتجته من علوم ومعارف وآداب وفنون- بقطع النظر عن طبيعتها- لم تستطع أن تقدم “أطرا ووسائل تربوية إنسانية هادفة” يمكن أن نجد فيها ما يساعد الإنسان على تقويم نفسه وتهذيب سلوكه وتربية ذاته.
لقد كان الدين المسيحي في العصر الأوروبي الوسيط مصدر المعرفة ومصدر الفن كذلك في أوروبا. أما في عصر النهضة الأوروبية فقد صار العقل مصدر المعرفة والفن. أما بعد ذلك فقد ساد الحس وصار مصدرا للمعارف والفنون كذلك. وتجاوز الحس بذلك الدين والعقل. وأصبح الحس سيد كل شيء، فحصر العلم في زوايا المختبرات وحقول التجارب، وأخرج من دائرته كل ما لا يخضع لسلطانه، وحصر الفن في دوائر أضيق من ذلك، فبدأت تتلاشى وتهبط ويضيق عليها الخناق. وأما التربية فصارت غايتها ومثلها الأعلى القدرات الإنتاجية فقط لا غير. يزود بها الإنسان ليسابق بها الآلة التي كبيرا ما تتفوق عليه وتتجاوزه، وقد تسحقه وترمي به إلى زوايا البطالة والتعطل. فليس غريبا – بعد ذلك- أن يجد الإنسان نفسه وقد ملأها الخوف من الكون وهو بيته، ومن الطبيعة وهي أمه، والإنسان وهو أخوه، والغيب وهو عونه ورائده إلى مستقبله، فيبهر من خوفه المتراكب إلى تغييب عقله بالسكر والمخدرات، وهدم ذاته في الجنس والانحرافات، وقد ينصرف إلى تدين شائه ناقص أو قاصر أو منحرف لا يختلف في إضراره بالإنسان والحياة عن تلك الوسائل المدمرة. وهنا قد تصبح الجريمة نوعا من التغيير، بل والمتعة المطلوبة، والعياذ بالله. وأحيانا يصبح الانتحار وإنهاء الحياة جماعيا تجربة من التجارب، أو فرديا للتخلص من مرارتها أو آلامها أو تفاهتها أو أعبائها.”[21]
إن ماضي المسلمين كان مختلفا عن ماضي غيرهم، فإذا كانت الأمم احتاجت إلى قرون طويلة حتى تتحقق بعض أحلامها، فإن ما تحقق لدى المسلمين في عصرهم الذهبي ما كان ليحلم به أحد منهم قبل. فقد حققوا الأمجاد في وقت قياسي مذهل. وإن تاريخنا العلمي أتم وأكمل من التاريخ العلمي في الغرب، حيث إن التقدم العلمي والحضاري في الإسلام لا يحتاج إلى مثل ذلك الصراع المرير بين العلم والدين كما حدث في أوروبا. فإذا انتصر الفقهاء في كسب قلوب الناس على الفلاسفة فإن ذلك بسبب أن الفقهاء يمتلكون رصيدا من الحقائق العلمية ورسوخا في مناهج التفكير. ولم يعارض الفقهاء التفكير العلمي الحر. وكثير غفير من الفقهاء علماء في الفلسفة والطب والكيمياء وغيرها من العلوم. وإذا كان الغزالي قد أوقف المد الفلسفي بكتابه “تهافت الفلاسفة” فإن النشاط العلمي لم يتوقف. فقد جاء بعده من المخترعين الكبار أمثال ابن النفيس[22] وابن البيطار[23] وابن طفيل[24] وابن خلدون وغيرهم. إن التقدم العلمي الإسلامي لا يحتاج إلى الفلسفة اللاهوتية التي لا ولن تصل إلى حقائق إلهية أو كونية لأنها لا تمتلك وسائلها بل تتحاشاها.
ولكن الحق نقول إن المسلمين في قرونهم المتأخرة – وبشكل كبير بعد القرن التاسع الهجري- قد جنحوا إلى التقليد والجمود الفكري في كلا المجالين الدين والعلم[25]. وإن سر قوة المسلمين في تكاملهما. ولم يتغلب الدين على حساب العلم كما حسبه المؤرخون الغربيون، بل اضمحل العلم والدين معا, ففي العالم الإسلامي لم ينفرد قط أحدهما عن الآخر، فإذا قوي الدين عندهم علا شأن العلم فيهم، وإذا أفل أحدهما اختفى الآخر. إن دنيا المسلمين ذهبت بإهمال دينهم، وإذا أقبلوا على الدين لم يلبث أن تقبل عليهم الدنيا، كما أثبتته النصوص ووقائع التاريخ. ولا نتكلم هنا عن مظاهر فردية، ولكن مصداق ذلك في المظاهر العامة والحياة الاجتماعية السائدة. وقد سبق تقرير ذلك في الكلام عن سنة الله في المقالات السابقة.
ولكن ماذا عن أحلام المسلمين اليوم ورؤيتهم المستقبلية؟ … استغنوا عن “الأحلام العلمية” بذكر أمجاد الماضي. ونعمت الأمجاد، لكن سنة الله ماضية لا تعرف الرجعة، وقد سبق الكلام عن حركة التاريخ في المقالات السابقة. وكان للفارابي حلم المدينة الفاضلة، لكنه لم يلق رواجا لدى عموم المسلمين، لأن الفلاسفة غالبا لم يرتكزوا على أصول الثقافة الإسلامية التي ترعرعت في وجدان المسلمين، وكثيرا ما ناطحت الفلسفة أركان إيمان المسلمين، فكان نصيبها لدى عامة المسلمين الرفض والإهمال والنسيان.
إن العقيدة الإسلامية العلمية في الحقيقة لا تعلق كثيرا على الأمل في الدنيا لأنها عرض زائل، ولكن الإسلام في الوقت ذاته كلف الإنسان بعمارة الدنيا، ومن هنا نحتاج إلى تصور مفصل عن العمران الإسلامي المنشود. وهذا يدعونا إلى مراجعة أدبياتنا المتعلقة بالرؤية المستقبلية. لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يروُون الأحاديث المبشرة بالأحداث المستقبلية الطيبة، كما سبق ذكرها في الأخبار المستقبلية، لكن المؤسف أن يجنح المسلمون بعدهم إلى تغليب أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة بشكل يدمر الأمل ويحطم آفاق التفكير المستقبلي. وزد على ذلك المبالغة في ذم الدنيا وتكريس الفهم الخاطئ للزهد. ثم أضف إلى ذلك تصورنا الناقص المقلوب لمقاصد الشريعة حيث جعلت الضروريات الأساسيات في قمة هرم المقاصد، وتنزوي الكماليات في درج الزوائد غير المطلوبة ولا المندوبة.
وقد سبق التقرير في المقالة عن المراجعة في أولوويات المقاصد أن الأولى في ترتيب المقاصد أن تكون التحسينيات هي الأفق الأعلى للمقاصد المطلوبة مع إعادة النظر في معنى التحسينيات المطلوبة شرعا، فهي ليست الأشياء المترفة والمرفهة لكنها صور الإحسان الذي كتبه الله على كل شيء، والطيبات التي لا يقبل الله إلا الطيب.
إن فقه أولوياتنا يكمّله فقه السباق الحضاري أو فقه التفوق العمراني في المرحلة التالية بحيث يكون نداء الفقهاء بتقديم الضروريات على الحاجيات والتحسينيات تلحقه خطوات تالية للارتقاء بحال الأمة من حالة الضعف والنقص إلى حالة القوة والوفرة، بدءا بالسعي نحو حسن التدين وكمال الإيمان فإنه أول المقاصد وأشرفها، ثم بقية الأصول الخمسة.
[1] الجمهورية كتاب فلسفي ألفه أفلاطون في عام 360 قبل الميلاد, الجمهورية هي المؤلف السياسي الرئيسي لافلاطون وسماها كاليبوس مقترنة بالعدل ماهي الدولة العادلة ومن هم الافراد العادلون.الدولة المثالية بناء على افلاطون مكونة من ثلاث طبقات، طبقة اقتصادية مكونة طبقة التجار والحرفيين طبقة الحراس وطبقة الملوك الفلاسفة يتم اختيار أشخاص من طبقة معينة يتم اخضاعهم لعملية تربوية وتعليمية معينة يتم أخيار الاشخاص الأفضل ليكونوا ملوك فلاسفة حيث استوعبوا المثل الموجودة في علم المثل ليخرجوا الحكمة.
انظر: Allen, R.E. (2006). Plato: The Republic. New Haven: Yale University Press.
[2] فرانسيس بيكون (بالإنجليزية: Francis Bacon) (22 يناير 1561م – 9 أبريل 1626م) فيلسوف ورجل دولة وكاتب إنجليزي، معروف بقيادته للثورة العلمية عن طريق فلسفته الجديدة القائمة على ” الملاحظة والتجريب “. من الرواد الذين انتبهوا إلى غياب جدوى المنطق الأرسطي الذي يعتمد على القياس، ودعا إلى اعتماد المنهج التجريبي بدلا عنه. انظر:
Chisholm, Hugh, ed (1911). “Bacon, Francis“. Encyclopædia Britannica (11th ed.). Cambridge University Press.
[4] ليوناردو دا فينشي (1452 – 1519 م)، يعد من أشهر فناني النهضة الإيطاليين على الإطلاق وهو مشهور كرسام، نحات، معماري، وعالم. كانت مكتشفاته وفنونه نتيجة شغفه الدائم للمعرفة والبحث العملي، له آثار عديدة على مدارس الفن بإيطاليا امتد لأكثر من قرن بعد وفاته. وإن أبحاثه العلمية خاصة في مجال علم التشريح، البصريات وعلم الحركة والماء حاضرة ضمن العديد من اختراعات عصرنا الحالي. (انظر: “Leonardo da Vinci” in the 1913 Catholic Encyclopedia.)
[5] جول فيرن (Jules Verne) (8 قبراير 1828- 24 مارس 1905م)، كاتب فرنسي من القرن التاسع عشر. ولد جول فيرن في مدينة نانت بفرنسا ودرس القانون، ولكنه انصرف إلى كتابة العديد من القصص والروايات عن رحلات وسفريات ابتدعها من نبع خياله الخصب, وكان يعرضها في إطار علمي, أو في جو من التنبؤات العلمية. كان له الفضل في تأسيس ما يعرف بـأدب الخيال العلمي. يعتقد جول فيرن أن الأشكال هي اللغة الكونية. في عام 2005 احتفل “بسنة جول فيرن” وذلك بمناسبة مرور مائة عام على وفاة هذا الأديب. (انظر:
Roberts, Adam (2007). “7. Jules Verne and H. G. Wells”. The History of Science Fiction. Palgrave Macmillan. pp. 129–155. ISBN 0230546919. Retrieved 2011-05-25.
[6] آدم سميث (5 يونيو 1723 – 17 يوليو 1790) فيلسوف وباحث اقتصادي أسكتلندي، اشتهر بكونه من منظري العلم الاقتصادي المعاصر ويبقى كتابه الشهير ثروة الأمم واحدا من أسس الليبرالية الاقتصادية المعاصرة. عمل سميث أستاذا لمادة الفلسفة الأخلاقية بجامعة جلاسجو بأسكتلندا، وكرس عشر سنين من حياته في التحضير لكتابه والذي سيكون مصدر إلهام لأكبر الاقتصاديين من بعده والذين سيعرفون فيما بعد بالكلاسيكيين حيث سيعملون على وضع أهم مبادئ الليبرالية الاقتصادية.
(آدم_سميثhttp://ar.wikipedia.org/wiki/)
[7] An Inquiry into the Nature and Causes of the Wealth of Nations, by Adam Smith. London: Methuen and Co., Ltd., ed. Edwin Cannan, 1904. Fifth edition.
[8] كارل ماركس (5 مايو 1818- إلى 14 مارس 1883م) فيلسوف ألماني، سياسي، وصحفي ، ومنظّر اجتماعي ولد لعائله يهوديه . قام بتأليف العديد من المؤلفات إلا أن نظريته المتعلقة بالرأسمالية وتعارضها مع مبدأ اجور العمال هو ما أكسبه شهرة عالمية. لذلك يعتبر مؤسس الفلسفة الماركسية ويعتبر مع صديقه فريدريك إنجلز المنظرين الرسميين الأساسيين للفكر الشيوعي. شكل وقدم مع صديقه فريدريك إنجلز ما يدعى اليوم بالاشتراكية العلمية. (انظر: كارل_ماركسhttp://ar.wikipedia.org/wiki/)
[9] قصة الحضارة: 7/21-22، للمؤلف: وِل ديورَانت، ترجمة: الدكتور زكي نجيب محمُود وآخرين، دار الجيل، بيروت – لبنان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس،عام النشر: 1408 هـ – 1988 م
[10] الإسكندر الأكبر أو الإسكندر المقدوني (21 يوليو 356 ق.م. – 13 يونيو 323 ق.م). حاكم الإمبراطورية المقدونية اليونانية، قاهر الإمبراطورية الفارسية وواحد من أذكى وأعظم القادة الحربيين على مر العصور، ومن أعظم إباطرة في التاريخ.
(الإسكندر_الأكبرhttp://ar.wikipedia.org/wiki/)
[11] قصة الحضارة: 9/41-75
[12] المصدر السابق: 9/35-36
[13] غيوس يوليوس قيصر (Julius Caesar) جنرال وقائد سياسي وكاتب روماني ولد عام 100 ق.م وتوفي عام 44 ق.م وهو أول من أطلق على نفسه لقب: إمبراطور. ولد في عائلة عريقة من الأشراف الرومان، ويعتبر يوليوس قيصر من أبرز الشخصيات العسكرية الفذة في التاريخ. تم اغتياله سنة 44 ق م. (انظر: سيرة قائد يوليوس قيصر -سيد ررما والعالم- اعداد:هشام خضر دار المشارق للنشر والتوزيع)
[14] الجمهورية_الرومانيةhttp://ar.wikipedia.org/wiki/
[15] ويليام جيمس ديورانت (بالإنجليزية: William James Durant) ولد سنة 1885 وتوفي سنة 1981م فيلسوف، مؤرخ، وكاتب أمريكي من أشهر مؤلفاته كتاب” قصة الحضار”ة والذي شاركته زوجته أريل ديورانت في تأليفه. ومن تأليفه أيضا “تاريخ الفسفة”. فقد حصل على جائزة بولتزر العالمية سنة 1968 بسبب أعماله الرائدة في نشر الفلسفة. وحصل على الوسام الرئاسي الحرية سنة 1977.
(“Durant, Will and Durant, Ariel.” Encyclopædia Britannica from Encyclopædia Britannica Premium Service. (Accessed May 14, 2005)
[16] قصة الحضارة: 14/221
[17] المصدر السابق: 15/61
[18] المصدر السابق: 15/67
[19] كان فاساري (Vasati) (ت: 1550) في كتابه الحياة النشيطة لفنون العمارة والتصوير والنحت الممتاز هو الذي ثبت استعمال لفظة Rinascita، وكانت الموسوعة الفرنسية التي صدرت بين عامي 1751 و 1772 هي التي استعملت لأول مرة وبصفة قاطعة واضحة لفظ Renaissance للدلالة على ازدهار الآداب والفنون في القرن الرابع عشر، والقرن الخامس عشر، والقرن السادس عشر. (قصة الحضارة: 18/119)
[20] المصدر السابق: 18/119
[21] التوحيد والتزكية والعمران ص113-114
[22] أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحرم القَرشي الدمشقي الملقب بابن النفيس(607 هـ/1213م – 697هـ/1288م) ويعرف أحياناً بالقَرَشي بفتح القاف والراء نسبة إلى بلدة (القرَش) التي تقع بقرب دمشق، هو عالم موسوعي وطبيب عربي مسلم، له إسهامات كثيرة في الطب، ويعد مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وأحد رواد علم وظائف الأعضاء في الإنسان، حيث وضع نظريات يعتمد عليها العلماء إلى الآن. عين رئيسًا لأطباء مصر. ويعتبره كثيرون أعظم فيزيولوجييّ العصور الوسطى وظل الغرب يعتمدون على نظريته حول الدورة الدموية، حتى اكتشف ويليام هارفي الدورة الدموية الكبرى.
– Peter E. Pormann and E. Savage Smith, Medieval Islamic medicine Georgetown University, Washington DC, 2007, p. 47. See also “Ibn Al-Nafis and the pulmonary circulation”, The Lancet 1: 1148.
– المنجد في الأعلام – ص 10 – الطبعة السابعة والعشرون مجددة – صادرة عام 2005 عن دار المشرق ش.م.م. بيروت – ISBN 2-7214-2246-4
– الموسوعة البريطانية، 2007، تحت مادة Ibn an-Nafis
[23] ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي، لقب بالمالقي لأنه ولد في قرية واقعة في مدينة مالقة في الأندلس، اشتهر بإبن البيطار مشتق من “ابن البيطري” لأن والده كان طبيباً بيطرياً ماهراً. ولد حوالي سنة 1197م وتوفي في دمشق سنة 1248،
يعتبر ابن البيطار خبيرا في علم النباتات والصيدلة، وأعظم عالم نباتي ظهر في القرون الوسطى، وساهم إسهامات عظيمة في مجالات الصيدلة الطب..”ابن البيطار” خبير في علم النباتات والصيدلة، وكتب موسوعة عن إعداد وتركيب الدواء والغذاء، ذكر “ابن البيطار” 1400 نوع من النباتات في أسبانيا وشمال إفريقيا وسوريا، يمكن استخدامها لأهداف طبية، وذكر أيضا اسم 300 نوع من النباتات التي لم يتعرف إليها طبيب قبله، كما ذكر هذا العالم طريقة تركيب الدواء لبعض الأمراض، والجرعة المطلوب تناولها للعلاج.
(ابن_البيطارhttp://ar.wikipedia.org/wiki/
Prof. Nil Sari (Istanbul University, Cerrahpasha Medical School) (06 June, 2007). [“Hindiba: A Drug for Cancer Treatment in Muslim Heritage”. FSTC Limited)
[24] أبو بكر محمد بن عبد الملك بن طفيل القيسي الأندلسي هو فيلسوف وفيزيائي وقاضي أندلسي، ولد في وادي آش، وهي تبعد 55 كم عن غرناطة، ثم تعلم الطب في غرناطة وخدم حاكمها. توفي في عام 581 هـ الموافق 1185م بمراكش وحضر السلطان جنازته. كان ابن طفيل فيلسوفاً ومفكراً وقاضياً وطبيباً وفلكياً. (الوافي بالوفيات 4 / 37)
[25] يعني العلم المدني.