آفاق المستقبل

تصحيح مفاهيم وتكوين رؤى

تكوين الشخصية الإسلامية المستقبلية

إن ارتباط الرؤية المستقبلية بتحديد ملامح الشخصية الإسلامية التي يتحقق بها مستقبل الإسلام المنشود يتمثل في عدة أسباب:

السبب الأول، أن كل إنسان مسؤول عن نفسه فقط. ولا يسوغ لنا ونحن نريد مستقبلا أفضل أن نعول على غيرنا، ولا أن ننتظر ظهور المهدي أو نزول المسيح متكتفي الأيدي. لأننا لسنا مسؤولين عن مجيء المهدي ولا نطالب بإتيان المسيح. فـ(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)[1]. وفساد الناس لا يكون مبررا لأن ينجرّ الإنسان في تيار الفساد. فكل إنسان مأمور بإصلاح نفسه ولا يضره ضلال الناس إن كان هو على هدى من ربه. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)[2].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا.”[3]

والسبب الثاني، أن الأمة إنما هي مجموعة الأفراد، والمجتمع –إلى حد ما – هو فرد متكرر. فإذا صلح الأفراد فلا يكون المجموع غير أناس صالحين. وسبق الإشارة إلى هذا المبدأ في الكلام عن السنن الاجتماعية. فعلى كل من يأمل وضعا أحسن أن يبدأ التغيير من نفسه. فليصلح نفسه حتى يكون عنصرا إيجابيا في تشكيل مستقبل قريب وبعيد. وليجتهد كل إنسان أن يكون له إسهام أكبر في بناء صرح المستقبل.

السبب الثالث، أن كل عملية التغيير نحو الأفضل لا بد أن تكون له بداية. وكما يقول المثل الصيني: إن ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. ويقال: إن الغيث بدايته قطرة والسير أوله خطوة. ولا تكون هذه البداية إلا من فرد، ولا يتصور أن ينصلح الناس كلهم في لحظة واحدة. بل لا بد من مصلح يصلح نفسه ثم يوسع دائرة الصلاح حتى يسود الخير والصلاح. وأنا أفترض أن يكون كل قارئ لهذا البحث مجددا للقرن الجديد. ولا أقصد أنه عالم مجتهد له من المزايا الخارقة ما يبهر الناس ويفرض عليهم اتباعه. بل أقصد أن كل مسلم غيور هو عنصر فاعل مؤثر إيجابا في إصلاح الوضع، لا يتلطخ بأمراض المجتمع ولا يمثل النقص الواقع في الأمة. بل يكتسب هذا المسلم الإيجابي شخصيته من مثاليته، ويستعلي على الواقع الهابط، ويعمل على تغييره. وبهذا فقط يتحقق الأمل. والله الهادي إلى سواء السبيل.

المبحث الأول: في البناء النفسي والعقلي

إن الكلام على مواصفات الجيل الجديد الذي يتحقق عل أيديهم مجد الإسلام ونصر دين الله قد تطرق إليه العلماء الأجلاء والدعاة الأفاضل. ومن أحسن ما كتب في هذا كتاب “جيل النصر المنشود” للدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله وسدد خطاه. وكذلك من أنفع ما كتب فيه كتاب “جند الله ثقافة وأخلاقا” للشيخ سعيد حوى. وغيرهما كثير. ولا أريد هنا أن أكرر ما كتبوا في هذا. ففي هذا المقام أريد فقط أن أقترح بعض النقاط النظرية والعملية التي تقربنا إلى الوصول وتعيننا على الحصول بإذن الله في تحقيق تلك الآمال التي يجب أن نأملها يحكم إسلامنا وانتماءنا لربنا عبادا، ولنبينا أتباعا ولديننا أنصارا.

المطلب الأول: اكتساب وتنمية الصفات الإنسانية

تعتمد كل نهضة وكل تقدم على شخصية تتوفر فيها صفات التفوق والقوة؛ مثل الصبر والعزم والجدية والحلم والتواضع والرحمة والذكاء والعلم إلى ما هنالك. وهذه الصفات تتفق جميع الملل والأديان والفلسفات وكل العقول السليمة على مدحها والدعوة إليها.

ووجه إفراد الصفات الإنسانية عن الصفات الإسلامية ليس بمعنى أن الصفات الإنسانية لا تمت إلى الإسلام بصلة. لا بل هي أهم ركائز الإسلام. لكن أقصد بهذا التفريق أن من الأشياء التي حث عليها الإسلام وامتدح أصحابها صفات ترنو إليها كل الفطر السليمة وتدعو إليها كل العقول السديدة. والكاملون في هذه الصفات الإنسانية هم دائما دعائم الإصلاح وأركان التغيير.

إن للتقدم والنجاح سلوكيات ومؤهلات توصل بصاحبها إلى مراده. وللتخلف والفشل ممارسات أو عادات “تؤهل” صاحبها لأن يبقى في صفوف المتأخرين والمهمشين.

وحِرصُنا على أن يكون في صف الإسلاميين أناس أقوياء شرفاء هو الذي يدفعنا إلى التأكيد على هذا الجانب.

ويمكن أن تجتمع كل تلك الصفات في معاني القوة، قوة في العلم، قوة في النفس، قوة في العمل، قوة العزيمة، قوة التوجه إلى الله، وهكذا. وهي البداية المطلوبة في السير إلى الله وفي الطريق إلى المستقبل المشرق. قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)[4] فأمر يحيى عليه السلام ببداية قوية وبأداء قوي. وكذلك أمر الله كليمه موسى بذلك، قال تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ)[5]. وأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم كذلك بإعداد القوة (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)[6].

ولا يتعارض هذا مع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: “هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم.”[7] لأن هؤلاء ليسوا ضعفاء في كل المعاني، فإن هؤلاء وإن كانوا ضعفاء في الأجسام إلا أنهم أقوياء في إخلاصهم وصدقهم مع الله. ويشهد لذلك رواية النسائي “إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم.” قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء، وأكثر خشوعا في العبادة، لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا.[8] وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك طرد الزهو عن شجعان المقاتلين من الصحابة، لأنه إن كان لهؤلاء الأشداء فضل شجاعتهم وإثخانهم في العدو، فإن لضعاف الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أيضا فضل دعائهم وإخلاصهم.[9]

والزهو أيضا نوع من الضعف النفسي الذي ينقص من قيمة القوة الجسدية. فيبقى المدح المطلق لمعنى القوة. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير.”[10]

فينبغي على كل مسلم أن يكتسب كل معانى القوة والتفوق، لأن هذا هو الذي يجعله قادرا على تحقيق الهدف. وكذلك حيازته لتلك الصفات تجعله أحب إلى الله وأقرب له. ويجب أن يكون حرص الإنسان على حيازة الصفات الحميدة أكثر من حرصه على جمع الأموال. فإن أحسن أنواع الغنى غنى النفس. كما قال عليه الصلاة والسلام: “ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس.”[11]

وليس غنى النفس يقتصر على معنى القناعة فحسب ولكن غنى النفس أيضا أن تكون النفس غنية بالصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة.

الصفات الفطرية والصفات المكتسبة

ومن الأمور التي قد يقعد كثيرا من الناس بسببها عن تغيير الصفات الذميمة واكتساب الصفات الحميدة هو اعتقادهم أن صفات الإنسان جميعها وراثية أو فطرية وأن الأخلاق كلها مطبوعة، لا يمكن تغييرها. فهذا الاعتقاد زيادة على أنه خطأ فإنه من يعتقد هذا فقد جنى على نفسه من غير أن يشعر، فإنه بهذا قد أغلق على نفسه باب الارتقاء إلى سمو نفسه وسمح لنفسه درجة الدون.

والأخلاق والصفات يمكن تغييرها واكتسابها. وقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في اكتساب الأخلاق الفاضلة فقال: “ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر.”[12]

ومعنى يتصبر: “يعالج الصبر ويتكلفه على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا.”[13] وهذا هو طريق اكتساب خلق من الأخلاق وحيازة صفة من الصفات، أن يعالج الإنسان نفسه على فعل شيء ما كان يتعوده، فيتكلف في أول الأمر على فعله ويكرره مرة بعد أخرى ويستمر عليه حتى يتعود عليه. فصار خلقا له.[14]

والإسلام لا ينفي أن من الأخلاق ما هو جبلي يطبع عليه الإنسان. ففي رواية أبي داود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد قيس: إن فيك خلتين يحبهما الله؛ الحلم والأناة.

قال: يا رسول الله، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟

قال: بل الله جبلك عليهما.

قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله.[15]

فقد أقر الرسول صلى الله عليه أن صفات الإنسان على نوعين، نوع جبلي ونوع كسبي يكتسب بالتخلق والتمرن.

فبناء على ذلك يجب علينا ونحن نسير في هذا الدرب أن نكتسب صفات حميدة جديدة كل فترة. وهذا يحتاج إلى مجاهدة طويلة. ويجب أن نعتقد أن الشرع ما دام أنه حثنا على الأخلاق الفاضلة وحبب إلينا الصفات الجيدة فهو يعني أن اكتسابها والسعي لها مقدور للإنسان، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، والتكليف يشمل الإيجاب والاستحباب. وإن كان الثاني ليس فيه إلزام إلا أن بعض المستحبات قد تصير من الواجبات بالنظر الكلي أو بكون الواجب لا يتم إلا به.[16]

ثم الصفات الفطرية الموجودة ينبغي أن ننميها، وأن نؤطرها في إطارها الشرعي ونجعلها في مسارها الذي حددها القرآن والسنة، ولا نتركها كما هي حتى لا تميل إلى الغلو والإفراط. لأن النفس تميل إلى ما جبلت عليه. فالصفات الفطرية ينبغي تهذيبها بهذه الطريقة.

الصفات الأساسية والصفات الكمالية

من الصفات الإنسانية ما هو أساسي بحيث لا يتحقق أي تقدم إلا به، مثل صفات الصبر والشجاعة والحكمة. ومنها ما هو كمالي، والإخلال به ينقص من حسن الإنسان وعمله، وإن كان من الممكن وصول الهدف بدونه، لكنه يشوه الصورة بعض الشيء، وهذه الصفات مثل الآداب والنظافة وحسن النظام وبعض مظاهر الجمال.

فبجانب اهتمامنا بالصفات الأساسية يجب ألا نهمل الصفات الكمالية فإنها من الأمور التي حث عليها الشرع.

فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء.”[17]

وقال عليه الصلاة والسلام: “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.”[18]

وقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميل يحب الجمال.”[19]

وفي مسند أبي يعلى لموصلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه.”[20]

والملاحظ أن تلك النصوص كلها وردت بصيغ العموم. فدل ذلك على أن الإحسان والطيب والجمال والإتقان مرغوب بل مطلوب في كل الأمور. فحري بالمسلم أن يعتني بكل معاني الحسن والطيب والجمال والإتقان في جميع الأشياء، من غير إسراف ولا مخيلة.

وأيضا فإن الآداب وإن كان العلماء جعلوها في كماليات الشريعة فإن من الآداب ما يكون له وزن عظيم والإخلال به يهدم الأعمال. انظر قول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)[21]. فتأمل كيف أن رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم يكون من الجرم ما يحبط به عمل الإنسان!!

وتأمل أيضا كيف أن كلمة أف المنهي عنها في حق الوالدين جعلها الله في سياق الكبائر في سورة الإسراء.

ومن هنا نفهم لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق.”[22]

فحسن الأدب ليس شيئا هامشيا في الإسلام. وجعل العلماء الآداب في قسم الكماليات هو باعتبار أنها ليست من الضروريات التي تتعذر حياة الإنسان بدونها ولا من الحاجيات التي يلحق المشقة الإخلال بها أي بجزء منها، وإلا فالإخلال الكلي بالمكملات كالإخلال بالحاجيات والإخلال الكلي للحاجيات كالإخلال بالضروريات. كما قرره الإمام الشاطبي.[23]

فيحرص المسلم أيضا أن يعتني ويراعي هذه الصفات الكمالية فإنه يزيد الإنسان نورا ويضفي على الإسلام الذي نعمل من أجله بهاء.

وأخص الكلام عن النظافة. فإنها رغم مكانتها العظيمة في الإسلام وشدة عناية القرآن والسنة بها فإن واقع المسلمين بعيد كل البعد عن هذه الخصلة المهمة. وقد كانت العناية بالطهارة من بداية الدعوة. قال تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)[24] وقد روى ابن جرير عن محمد بن سيرين وابن زيد أن المراد تطهير الثياب كما هو ظاهر الآية، وقال رحمه الله: “وهذا القول الذي قاله ابن سيرين وابن زيد في ذلك أظهر معانيه. والذي قاله ابن عباس وعكرمة وابن زكريا قول عليه أكثر السلف من أنه عني به جسمك فطهر من الذنوب. والله أعلم بمراده من ذلك.”[25] والذي يقوي القول الأول أن الآية التي بعدها قالت: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)[26] والرجز هو الإثم، والأصل أن العطف يقتضي المغايرة. ومثله قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).[27] ففرق بين التوبة والتطهر. ولكن القول الثاني أيضا لا يدل على أن الطهارة الحسية غير مطلوبة. فترك الظاهر اكتفاء بالباطن ليس من شأن أهل السنة، بل هو دأب الباطنية التي طمس الله بصائرهم وأعمى أبصارهم.

وأيضا فإن الطائفة التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون معهم، هؤلاء أناس يعتنون أشد العناية بالطهارة الحسية. قال تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)[28] والمراد بهؤلاء هم الأنصار الذين يستنجون بالماء.[29]

إنه ليس من الهين أن ينزل الله كلامه من فوق سبع سماوات يثني على صنيع هؤلاء المتطهرين. إنه تنبيه واضح على أهمية الطهارة وحب الله لأهلها. وفي ظني أن ما ذكروا من الاستنجاء ليس كل ما تميزوا به من أمور الطهارة، فما ذلك إلا إشارة إلى شدة اهتمامهم بالطهارة. لأن القرآن لم يحصر المدح على الاستنجاء، وإنما جاء ذكر الآستنجاء لما سألهم النبي صلى الله عليه وسلم ماذا عملوا حتى خصهم الله بهذا الثناء، فقالوا إنهم ييستنجون بالماء. والظاهر أن ذلك ليس حصرا وتحديدا لما تميزوا به، فيبقى الثناء على مطلق التطهر وأهل التطهر. والله أعلم.

 

الصفات الإيجابية والصفات السلبية

ومن الجدير بالتنبيه عليه أيضا، أن الإنسان لا يكتفي بحيازة الصفات الإيجابية كالقوة والشجاعة والصبر إلى أخره، لكنه أيضا لا بد أن يتحرر من الصفات السليبة، كالبخل والكسل والإهمال إلى آخره. بل علماء التربية يرون أن بداية طريق الصلاح هو التخلص من الرذائل أولا، ما يسمون بالتخلى عن الصفات الذميمة، ثم التحلي بالصفات الحميدة فيترقى إلى مقامات التجلي.

ويجب على الإنسان أن يعتني بعيوبه ويطهر نفسه منها فإنه طريق الفلاح. قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[30]

فيبدأ الإنسان بالتوبة من الذنوب والآثام وجميع النقائص ثم يمشي إلى المراحل التالية. ويجوز أيضا أن يقطع الإنسان خطوطا متوازية، فيأخذ ويكتسب الصفات الإيجابية ويترك ويتخلص في نفس الوقت من الصفات السلبية.

كسب القدرات والمهارات وتنميتها

ومن الأشياء التي لابد أن نكسبها أيضا القدرات والمهارات. وكما يقال إن قيمة الإنسان فيما يحسنه ويتقنه. فلكما كانت قدرات الإنسان أكبر ومهارته أجود كانت قيمته أرفع. والترقي في هذا على خطين، أفقي وعمودي. يعني أن نكثر من قدراتنا ومهاراتنا، وأن ننمي القدرات والمهارات الموجودة.

وهي تكون في ثلاثة مجالات: في العبادات، كقراءة القرآن مجودة وحفظه والإمامة والخشوع في الصلاة والدعاء وحساب الزكاة والمواريث إلخ. والثاني في الأمور الإنسانية، مثل فن الاتصال ومخاطبة أصناف مختلفة من الناس وبعض المجاملات الضرورية وكل أنواع التعامل مع الناس. الثالث في الأمور الفنية، كالقراءة السريعة والكتابة والحاسوب وقيادة السيارة والإسعافات الأولية وفن الدفاع عن النفس وكل شيء مفيد.

فهذه الأشياء كلها يجب أن يكون في خطة المسلم كسبها وترقيتها. وينبغي استغلال الأوقات الفارغة والإجازات بكسب هذه الأشياء، وخاصة المهارات الفنية، فإن هذه الأمور في الغالب تحتاج إلى وقت مخصص.

 

ترجمة العموميات إلى جزئيات على أوسع نطاق

إن الترقي عن طريق تطبيق القيم والمثل يحتاج منا إلى تصور أكبر قدر ممكن من الجزئيات المندرجة تحت عموم تلك القيم والمثل. فكلما اتسعت دائرة التصور للصور العملية لتلك القيم والمثل كلما كان التطبيق أقرب إلى الوفاء بها، وكان الاتصاف بتلك الصفات أكمل، والانتساب إلى أهلها أصدق.

فهذا الأمر كما أنه يحتاج إلى شمول الفهم وسعة التصور يحتاج أيضا إلى مراجعة بين وقت وآخر ويقارن بين ما تم تحقيقه وما تم تصوره وما يستجد من الصور العملية. فكثيرا ما يحدث أن الشخص قد يتصف بالشجاعة مثلا، لكن الشجاعة التي عنده ما زالت تنحصر مثلا في إبداء الرأي المخالف، ولم يجرؤ هو مثلا أن يعترف بخطأه، والاعتراف بالخطأ شجاعة، أو لم تصل الشجاعة إلى حد أن يتخذ موقفا منافحا للحق، قد يجرؤ على فلان أو علان من الناس، ولكن أن ينصب نفسه داعيا للحق الذي غاب في واقع الأمة لم يصل الأمر إلى ذلك الحد.

وهكذا في سائر الصفات، كالصدق مثلا، يحتاج إلى توسيع دائرة الصدق حتى يصبح من أهل الصدق حقا. وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.”[31]

فتأمل قوله عليه الصلاة والسلام “وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.” فحتى يكون الرجل صديقا حقا يحتاج إلى مداومة الصدق وتحري مواضع الصدق. وهكذا في سائر الصفات، فلا يوصف الإنسان بصفة معينة حتى تكون تلك الصفة حالته الدائمة وحتى يتحرى مواضعها وتتسع دائرة تطبيقها فتغطي جميع مجالاتها.

وهكذا يمكن أن تصاغ الأهداف والمواصفات بشكل آخر إلا أننا فعلا نحتاج إلى تصور مفصل لمثالياتنا حتى لاتبقى عائمة تضيع مع طول العهد وتقلب الأوضاع.

 

·       اعتماد التربية الذاتية

ومهما تكن من أهمية الانضمام إلى جماعة تتعاون على البر والتقوى وضرورة الاستفادة من المؤسسات التربوية الموجودة، يبقى العامل الأساسي في إصلاح النفس وترقيته نحو معالي الأمور هو الشخص ذاته. فما نبغ نابغ إلا وهو قد بذل جهدا ذاتيا فاق بسببه أقرانه.

والذي يريد الوصول إلى حدود الكمال لا يفترض أن يكون عند من حوله كل ما يحتاجه. في الحقيقة نحن نعيش في عصر تخلف المسلمون في كل المجالات فالذي يفعل على مستوى ما فعله الناس عموما سيكون بالتأكيد من جملة المتخلفين. فمن أراد النهوض بنفسه لا بد أن يبذل جهدا إضافيا يرفع نفسه عن مستوى التخلف الذي وصل فيه عموم الناس.

المطلب الثاني: بناء الصفات الإسلامية وترشيدها

إن كل ما سبق الكلام عليه في الصفات الأساسية من الإرشادات العملية ينسحب أيضا على هذه الصفات. ونضيف على ذلك نقاطا أخرى فنقول:

·       أهداف قرآنية

إن وصف الجيل الرائد الذي يتحقق على يديه النصر قد صوره القرآن في مواضع متعددة. ويجب أن يكون ذلك أهداف المسلم.

من ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ:

يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ،

أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ،

يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ،

ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[35]

ومن ذلك قول الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ:

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ،

وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ،

وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ،

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ،

وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ،

وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ،

أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).[36]

ومن ذلك قول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ:

الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ،

وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً،

وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ،

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ،

وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ،

أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).[37]

ومن ذلك أيضا قول الله تبارك وتعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ:

الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً،

وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً،

وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً،

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً،

وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً،

وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ،

 وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ،

وَلا يَزْنُونَ،

وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً،

وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً،

وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً،

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً،

أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً، خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً)[38]

وكذلك قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ،

وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ،

وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ،

وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ،

أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)[39]

فهذه كلها وأمثالها كثيرة في القرآن مُثُل للمسلم الغيور وأهدافه التي يعمل على تحقيقها. وما ذكر الله أوصاف المؤمنين إلا من أجل أن يحقق المسلم تلك الصفات. وليست تلك الصفات مثاليات بعيدة عن الواقعية، نعم كلها أوصاف جميلة راقية جدا، لكنها قريبة ويسيرة لمن يسرها الله له. ولن يحرم الله رحمته ولطفه لمن أراد ذلك وصدق في طلبه، لكن السؤال من يعقد العزم ويشمر عن ساعد الجد؟ فليكن كل منا ذلك الرجل. (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[40].

إن أصحاب الهمة العالية موجودون في كل زمان. إلا أن كثرة الخبث قد تحجبهم عن أنظار الناس. والذين يريد الله لهم الخير ييسر الله لهم اللحاق بركب هؤلاء. إن مشكلة الأمة ليس غياب أولياء الله على وجه الأرض، لكن المشكلة أن هؤلاء لم يبلغوا نصاب النصر. فليجتهد كل منا أن نكثر سواد هؤلاء، وليساند جهود هؤلاء، وليقم في صف هؤلاء.

واعتقاد أن مسيرة هذه الأمة دائما في خط التراجع وفي منحنى نازل اعتقاد غير صحيح وموقف غير موفق.  فلا يقعد همتنا مثل هذا التصور. والله الموفق إلى سواء السبيل.

·       أهمية تزكية النفس

إن الترقية بالنفس نحو المقامات العالية وتطهيرها من أدران النفس الأمارة بالسوء وعلائق الشهوات ثلث ركائز الرسالة المحمدية -على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم. قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ؛ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ، وَيُزَكِّيهِمْ ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)[42]

إن التكامل في هذه العناصر الثلاثة، تلاوة آيات الله، وتزكية الأنفس، تعليم الكتاب والسنة، هو الذي جعل الجيل الأول من الصحابة والتابعين وتابعيهم تميزوا بالتكامل في شخصياتهم. فتجدهم عبادا من العابدين، وتجدهم علماء راسخين، وتراهم مجاهدين منتصرين. فتلك العناصر الثلاثة التي ذكرها القرآن ولخص مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، تعتبر دعائم متكاملة لبناء الشخصية الإسلامية الحضارية. فكما نريد أن تكون للأمة حضارتها المتكاملة فينبغي أن نبني أنفسنا بناء متكاملا بتلك الطريقة التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

·       إحياء الروح

ومسألة تزكية النفس ليست مسألة معلومات تنقل أو كلام يروى، ولا هي مجرد سلوكيات محددة، غائبة عن المعاني والروح. إنها عملية إحياء النفوس ومعالجة القلوب ومخاطبة الخواطر. والغوص في أعماق النفوس لإصلاحها وتزكيتها ليس كالتعامل مع الشكليات.

إنها إيقاظ للروح، وتحريك للنفس، فتتكلم بلغة المشاعر، وتتعامل بنظام الأذواق. فكلماتنا في تزكية النفوس ليست أصواتا مجردة عن العواطف، وتفاعلنا فيها يجب أن يكون مشحونا بالحرقة والإشفاق والحنان، وتصرفاتنا فيها يشترط أن تستوفي أذواق الجلال والجمال.

 

·        بين المبنى والمعنى

إن أكثر ما يتعرض له الدين من الضياع هو جوهره ومعناه. فكثيرا ما يمارس المسلمون أعمالهم فتبقى صورا بلا روح، وأشكالا بلا معنى. وهذا الخلل له مظاهر كثيرة جدا. بل يكاد لا يسلم أمر من الأمور إلا وقد تعرض لنسيان معناه وضياع مغزاه.

فالمصلون إلا من رحم الله يأتون بكل أركانها وأشكالها، ويهملون خشوعها ولا يذكرون الله فيها إلا قليلا. والطلاب يهتمون بنتائج الاختبار ولا يراعون هل تحققت أهداف المادة أم لا؟ والموظفون يأتون في وقت الدوام ويرجعون لا يفكرون هل أنجزوا دورهم أم لا؟ وقارئ القرآن قرأ جزءا أو جزءين لا يهتم ماذا أراد الله له من هذا الكلام الذي قرأه، خوفه من النار ولا يرتعد، ورغبه في الجنة ولا يستعد، أمره بالخير فلا يأتمر، وزجره عن الشر فلا ينزجر.

وهكذا نحتاج إلى مراجعة شاملة لكل شيء مارسناه ما معناه؟ وكل شيء كلفنا به ما الهدف منه؟ فيكون لحياتنا كلها معنى قائم حي.

 

·        المطلوب كمال الإيمان

إن القرآن والسنة يطالبنا بالإيمان الكامل. والإيمان الناقص في لغة القرآن والسنة في حكم المعدوم غير معتبر. فتأمل قول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)[43] الآية. ولاحظ قول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[44]. فاستخدم القرآن لفظ “إنما” لحصر المؤمنين في هؤلاء المتصفين بتلك الصفات، فالذين لم يستوفوا بها كأن إيمانهم غير معتبر.

وتأمل كذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.”[45] واسمع أيضا قوله عليه الصلاة والسلام: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.”[46]

وأشد تأكيدا من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه”.[47]

فالله تعالى وكذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم يطالبان منا الإتيان بكمال الإيمان، فيجب أن نشمر عن ساعد الجد للوصول إلى ذلك، فإنه تكليف. و(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا).[48]

 

·       دوائر الإيمان الثلاث

والمتتبع للنصوص يجد أن خصال الإيمان تشمل دوائر الشخصية الثلاث، وهي الدائرة المعرفية والدائرة العاطفية والدائرة السلوكية. فالإيمان ليس مجرد اعتقادات وقناعات، بل الإيمان أيضا مشاعر وعواطف.

ففي الحديث السابق “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.” وكذلك حديث: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.” وكذلك حديث: “لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا.”[49] وأيضا حديث: “أوثق عرى الإيمان الحب في الله  عز وجل والبغض في الله.”[50]

والإيمان كذلك أيضا سلوكيات. قال عليه الصلاة والسلام: “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا.”[51] فكمال الإيمان بكمال الخلق وهو سلوكيات. وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله  واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت.”[52] فهذه كلها سلوكيات.

فالشخصية الإسلامية التي يطالب بإيجادها القرآن والسنة هي الشخصية التي تكاملت جوانبها من صحة المعارف واستقامة الاعتقاد، وحياة الضمير وقوة المشاعر، وسلامة السلوك وحسن التصرف.

فلبناء الشخصية الإسلامية نحتاج إلى خطة ثلاثية الأبعاد تغطي كل جانب بغذائها المناسب.

لبناء الجانب المعرفي نحتاج إلى الغذاء من الحقائق الصحيحة والمعلومات الموثوقة.

ولبناء الجانب العاطفي نحتاج إلى الغذاء من المشاعر والذوقيات.

ولبناء الجانب السلوكي نحتاج إلى الغذاء من التكاليف والنماذج العملية والمؤثرات البيئية.

·       التركيبة السليمة للشخصية الإسلامية

ثم التركبية السليمة للشخصية يجب أن تكون مبنية على الترتيب الصحيح لتلك الجوانب، وإلا سيكون هناك خلل نفسي وانفصام شخصي.

والتركيبة السليمة للشخصية الإسلامية لا بد أن تؤسس على قاعدة معرفية صحيحة. والعواطف والمشاعر والذوقيات يجب أن تبنى على أساس الإيمان الصحيح وفق الكتاب والسنة المؤسس أيضا على قاعدة من الحقائق الثابتة الموافقة للقواعد العلمية الصحيحة. ثم السلوكيات يجب أن تبنى أيضا على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة وما يبنى عليهما من الأصول المعتبرة، وتنطلق الأفعال من تلك المشاعر المضبوطة. (انظر الشكل رقم1)

والانحراف سيحدث إذا اختل هذا الترتيب. وذلك يأتي على أنواع:

الأول: أن يحدث انفصام بين تلك الجوانب الثلاثة. فالمعارف والعلوم والاعتقادات لا تؤجج المشاعر ولا تحيي الضمير. فتبقى قناعات مجردة واعتقادات ميتة، لا تحرك ساكنا ولا تؤسس عملا. والمشاعر لا تنتج عن الحقائق الصحيحة ولا تبنى على قناعة سليمة، فتكون نتاج الخيالات والأوهام. أو تكون العواطف تجري وراء الشهوات وتطيع كل ما تأمره الأهواء. والسلوك والتصرفات لا تقوم على قناعة صحيحة أو لا تدفعها مشاعر صادقة، بأن تنجرف مثلا مع التيار البيئي المنحرف وهو يعتقد فساد تلك السلوكيات وخطأ تلك التصرفات، أو بأن يتحرك تحت ضغط خارجي لا يرضاه هو.

ويدخل في هذا النوع صور كثيرة من الانفصام الشخصي يطول ذكرها.

ولا يشترط انفصال كل تلك الجوانب الثلاثة لحدوث الخلل. بل يكفي أن يخرج جانب واحد عن إطاره الطبيعي لحصول الاختلال.

الثاني: أن تنقلب تشكيلة هذه الجوانب، بأن يكون مثلا الجانب العاطفي يحتل المكان الأساس في بناء الشخصية، فتبنى عليها المعارف والقناعات، وكذلك تؤسس التصرفات والسلوكيات تبعا للمشاعر والمواجيد. أو تشكَّل القناعات وفقا للسلوكيات القائمة والتصرفات السائدة الموجودة. وهذا أصل ضلال أكثر المنحرفين، فيكون العقل تابعا لا متبوعا، ويكون العلم محكوما لا حاكما.

الثالث: أن يكون الخطأ من الأساس وهو الجانب المعرفي الذي لا يبنى على حقائق ثابتة ومعلومات صحيحة. فيكون البناء، مهما كان، مختلا كليا، خاطئا من أصله.

ويتفرع على تلك الصور كلها صور منحرفة كثيرة. والمهم في هذا يكون بناؤنا الشخصي صحيحا سليما. والله الموفق.

·       القرآن والسنة غذاء كافٍ ودواء شافٍ

إن الاهتداء بالقرآن والسنة والتعامل مع نصوصهما تعاملا عمليا جادا يكفي لتغذية كل الجوانب الشخصية الثلاثة، ويشفي صدور كل من أراد الهداية والوصول قمة السمو الإنساني.

إذ في القرآن والسنة الصحيحة من الحقائق العلمية والحجج الواضحة والمعلومات القيمة ما يهدي العقول وينميها. وفيهما من جمال البلاغة وحسن الأساليب وروعة الحقائق الناصعة ما يشبع المشاعر ويرضي الأذواق. وفيهما من الإرشادات العلمية والنماذج العملية ما يحرك الإنسان ويصوغ الشخصية شخصية ناضجة ربانية. (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً).[53]

قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[54]، إنه وعد من الله (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ)؟[55] ومن صدق الله صدقه الله. وقد وعد الله أن من طلب الهداية من الله هداه. قال تعالى في الحديث القدسي: “فاستهدونى أهدكم.”[56]

إنه وعد الصدق من رب العرش العظيم أنه من التجأ إليه وأناب فتح الله له الأبواب وهيأ الله له الأسباب. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)[57]. وقال تعالى: (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)[58].

·       تكامل شعب الإيمان

إن بعض الناس قد يستدلون ببعض المظاهر الإيمانية، مثل كثرة الصلاة أو حفظ القرآن، على قوة إيمان صاحبها، ثم يصاب بصدمة لما يراه أنه ليس بصاحب الأمانة التي يوثق به. وينسى أن الإيمان شعب متعددة، قد تقوى شعبة واحدة وتضعف أخرى.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”.[59]

فقد يكون الإنسان قويا في إماطة الأذى والإحسان إلى الناس لكنه ضغيف مثلا في حيائه أو في قول لا إله إلا الله، ويبقى عنده شيء من الإيمان. وقد يكون العكس يكون الإنسان قويا في اعتقاده لكنه ضعيف في أخلاقه. وهكذا. (انظر الشكل رقم 2)

فلا يكتفي الإنسان الذي يريد كمال الإيمان أن يكون عنده قوة فقط في بعض الشعب دون الأخرى. فينبغي أن يأتي على كل شبعة بنصيب وافر قدر المستطاع.

·

شيخ التربية وشيخ التعليم

إن أرباب السلوك وأهل التصوف يرون أنه لا بد من وجود شيخ مرب يأخذ بيد السالك إلى الله حتى يصل إلى الأحوال السنية واستقر على المقامات العلية. وهذا له شاهد في الكتاب والسنة. فقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين حتى يكونوا أعوانا على الطاعة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[60]. بل وقد أمر الله نبيه أن يبقى مع الذاكرين المخلصين ونهاه أن يتبع الغافلين قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً).[61] والله حصر الذين يسلمون من الخسارة فقط في هؤلاء الذين يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر عليه. (وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإنسانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[62].

والشاهد من السنة حديث الرجل الذي قتل مائة نفس وأراد أن يتوب إلى الله فدل على عالم فسأله: هل له من توبة؟ قال: نعم، ثم قال: “انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.”[63]

فالذي يريد صلاح نفسه يحتاج إلى معين. والله بين أن من ليس له ولي يرشده أضله الله. قال تعالى: (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً)[64].

نقل الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في تعليقه على رسالة المسترشدين هذه المسألة عن الشاطبي لما وجه هذا السؤال إلى محمد بن عبد الله النفزي، فكتب له: “الشيخ المرجوع إليه في السلوك ينقسم إلى قسمين: شيخ تعليم وتربية وشيخ تعليم  بلا تربية.

فشيخ التربية ليس بضروري لكل سالك، وإنما يحتاج إليه من فيه بلادة ذهن واستعصاء نفس. أما من كان وافر العقل منقاد النفس فليس بلازم في حقه. وتقيده به من باب الأولى. وأما شيخ تعليم فهو لازم لكل سالك.

أما كون شيخ التربية لازما لمن ذكرناه من السالكين فظاهر، لأن حجب أنفسهم كثيفة جدا. ولا يستقل برفعها وإماطتها إلا الشيخ المربي. وهو يمنزلة من به علل مزمنة وأدواء معضلة من مرض الأبدان، فإنهم لا محالة يحتاجون إلى طبيب ماهر يعالج عللهم بالأدوية القاهرة.

وأما عدم لزوم الشيخ المربي لمن كان وافر العقل منقاد النفس فلأن وفور عقله وانقياد نفسه يغنيانه عنه، فيستقيم له من العمل بما يلقيه إليه شيخ التعليم ما لا يستقيم لغيره. وهو واصل بإذن الله تعالى، ولا يخاف عليه ضرر يقع له في طريق السلوك إذا قصده من وجهه، وأتاه من بابه.

واعتماد شيخ التربية هو طريق الأئمة المتأخرين من الصوفية، واعتماد شيخ التعليم هو طريق الأوائل منهم. ويظهر هذا من كتب كثير من مصنفيهم كالحارث المحاسبي وأبي طالب المكي وغيرهما، من قِبَل أنهم لم ينصوا على شيخ التربية في كتبهم على الوجه الذي ذكره أئمة المتأخرين، مع أنهم ذكروا أصول علم القوم وفروعها، وسوابقها ولواحقها، لاسيما الشيخ أبو طالب. فعدم ذكرهم له دليل على عدم شرطيته ولزومه في طريق السلوك.

وهذه هي الطريقة السابلة –أي المسلوكة- التي انتهجها أكثر السالكين، وهي أشبه بحال السلف الأقدمين، إذ لم ينقل عنهم أنهم اتخذوا شيوخ التربية، وتقيدوا بهم، والتزموا معهم ما يلتزمه التلامذة مع الشيوخ المربين. وإنما كان حالهم اقتباس العلوم واستصلاح الأحوال بطريق الصحبة والمؤاخاة بعضهم لبعض. ويحصل لهم بسبب التلاقي والتزاور مزيد عظيم يجدون أثره في بواطنهم وظواهرهم، ولذلك جالوا في البلاد وقصدوا إلى لقاء الأولياء والعلماء والعباد”.[65]

واختار الشيخ أبو غدة هذا المذهب. قال: “فأي إنسان مسترشد عمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين والسلف الصالحين على منهج العلم فقد سلك طريق الهدى، وتوجه إلى الله تعالى راشدا مهديا، إذ القرآن والسنة في ذاتهما هاديان إلى الله تعالى، ومزكيان للروح والنفس أيما تزكية”.[66]

ومع ذلك نقول متى وجد هناك شيخ عالم بالكتاب والسنة وأحكام الدين، ملتزم به، متنزه من البدع، ناصح للخلق، فلا ينبغي أن نزهد في إرشاده وتربيته. لأن الشيخ بحكم تقدمه وخبرته قد يختصر له الطريق، وينبه على آفاتها ما قد يفوت المبتدئ في هذا الطريق. إلا أن التعويل في الحقيقة على الشخص نفسه. من كانت له نفس وثابة منقادة لأوامر الله وقافة عند كلام الله ورسوله فهو سينطلق إلى رضوان الله تعالى سواء كان معه شيخ أم لا.

ولا أقصد بالشيخ هنا الشيخ المنتمي إلى طريقة من طرق الصوفية. وإنما هو كل شخص له من الصلاح والعلم الشرعي ما يصلح أن يقتدى به ويتربى على يديه.

والملاحظ أن التلقي من أهل العلم لا أحد من العلماء يقول بجواز التخلى عنه. إذ السلوك لا يستقيم إلا بالعلم، والعلم لا يؤخذ إلا من أفواه الرجال. وقد قالوا: إن العلم كان في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب، وصارت مفاتحه بأيدي الرجال.[67]

 

·       الصحبة لها أصل

وقد تكون الصحبة الصالحة بمثابة وجود الشيخ بل في كثير من الأحيان أفضل وأقوى تأثيرا. إذ إن معايشة الرجل لأصحابه أكثر من ملازمة شيخه.

والملاحظ في سير الصحابة وعلماء السلف أن يطلق لفظ الأصحاب على التلاميذ فيقال: أصحاب ابن مسعود، وأصحاب ابن عباس، أو أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب الشافعي. بل نقول لتلاميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم أصحاب رسول الله عليه وسلم. وهذا له دلالة مهمة. إذ إن طبيعة العلاقة بينهم تتجاوز مجرد السماع وتلقي العلوم بل تتعدى إلى العلاقات الشخصية والمعرفة والمعايشة الفردية. وإن العلاقة المثلى بين المربي والمتربي تكون علاقة المعايشة والملازمة أكثر من مجرد علاقة السماع والتلقي.[68]

المطلب الثالث: صياغة عقلية علمية رصينة

لا يختلف اثنان في أن من أساسيات الإصلاح هو إصلاح الفكر. وقد كانت بداية الإسلام يقظة عقلية إذ أمر الله أول ما أمر بالقراءة وهي عملية فكرية وترشيد للعقل. قال تبارك وتعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإنسانَ مِنْ عَلَقٍ . قْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الإنسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[69]. إن دلالة هذه البداية السماوية على أسس الإسلام وقواعده واضحة جدا. إن الإسلام يبنى على العلم والحقائق، لا على الظن والخرافات. وطريقه هو طريق التعليم والتعلم، لا طريق التخمين والتوهم.

وطريق التقدم دائما يبدأ بالتفكير الإيجابي والعقلية المنفتحة التي تصل بصاحبها إلى سبل الانطلاق وطرائق الارتقاء.

·       الاعتماد على الحقائق القطعيات وطرح الظنون والأوهام

إن العقلية التي يعتمد عليها في بناء المستقبل هي العقلية التي تجرؤ على نبذ الأوهام والخرافات وإن كانت لها السيادة في دنيا الناس. فالحقيقة الثابتة هي التي تبنى عليها الحقائق والطموحات المأمولة. أما الخيالات والأوهام التي قدر لها من الأبواق المنفوخة ما تروج بها أسواقها فهي لا توصل إلا إلى المهالك والمتالف.

إن أهم ما يميز أصحاب الإيمان من غيرهم هو اعتقادهم المبني على الحقائق العلمية، فلا يقبلون إلا الحق ولا يصدقون إلا الثابت من الحقائق والصحيح من الأخبار، فيردون غير ذلك من الأقاويل والمعتقدات. فلا يقدسون غير الحق إذ لا قيمة لما بعد الحق. (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ).[70]

إن ما لم يقم على أساس ثابت من العلم ولم ينجح في تمحيص الوثاقة لا يجدي شيئا في بناء الفكر ولم يغن شيئا من جوعة العقل. (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً).[71]

 

·       النقل أو الدليل

فهناك موقفان متطرفان في تلقي المعلومات والتعامل معها. الأول أن يقابل كل شارد ووارد بالقبول. الثاني وضع كل المعلومات في دائرة الاحتمال وقابلية التشكيك. أو موقف ثالث لا يقل خطلا، وهو أن توزن المعلومات بميزان المزاج الذي يسيطر عليه أو يلوي عنقها لخدمة مصلحة معينة. وهذا في الحقيقة هو الذي عناه القرآن باتباع الهوى. وقد نهى الله نبيه داود عليه الصلاة والسلام عن اتباع الهوى لأن ذلك يصده عن الحق ويضله عن سبيل الله. قال تعالى: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)[72].

والقرآن يحارب الاتباع الأعمى للهوى، قال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً)[73]، وقال: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)[74]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

فينبغي للمسلم أن يكون له معيار واضح مستقيم تجاه المعلومات التي تأتيه. ويمكن تلخيص هذا الموقف المعتدل من خلال قوله تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).[75] وقوله: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)[76]. فالإسلام يرفض دعوى بغير برهان, ويرد كل خبر بغير توثيق.

 

·       الرد إلى الأصول المحكمات

إن من الأمور المنهجية التي ربى القرآن المسلمين عليها ولم يأخذ بها كثير من المسلمين هو مبدأ رد المتشابهات إلى المحكمات. وهذه منهجية عقلية عظيمة لو التزم بها الإنسان لسلم من الإشكالات الكثيرة.

قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ؛ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)[77]

قال ابن كثير رحمه الله: “يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم. فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكّم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس. ولهذا قال تعالى: (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) أي أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه، (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد.”[78]

والذي ذهب إليه ابن كثير ورجحه في معنى المحكم والمتشابه من أن المحكم هو الواضح الدلالة والظاهر المعنى والمتشابه ما لم يكن كذلك هو ما رجحه غيره أيضا كالقرطبي والشوكاني.[79]

ومهما يكن من خلاف في معنى المحكم والمتشابه، فإن كل الأقوال كلها تتفق في أن المحكم يتصف بكونه واضح الدلالة ثابت الحكم غير منسوخ فيكون مرجعا وعمدة في العمل. قال الطبري رحمه الله: “وأما المحكمات فإنهن اللواتي قد أحكمن بالبيان والتفصيل وأثبتت حججهن وأدلتهن على ما جعلن أدلة عليه من حلال وحرام ووعد ووعيد وثواب وعقاب وأمر وزجر وخبر ومثل وعظة وعبر وما أشبه ذلك. ثم وصف جل ثناؤه هؤلاء الآيات المحكمات بأنهن أم الكتاب، يعني بذلك أنهن أصل الكتاب الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم وما كلفوا من الفرائض في عاجلهم وآجلهم. وإنما سماهن أم الكتاب لأنهن معظم الكتاب وموضع مفزع أهله عند الحاجة إليه. وكذلك تفعل العرب تسمي الجامع ومعظم الشيء أما له. فتسمي راية القوم التي تجمعهم في العساكر أمهم، والمدبر معظم أمر القرية والبلدة أمها.”[80]

وإن الآية واضحة في ذم من تتبع المتشابه واعتمد عليه وجعله أصلا. فهو خطأ وزيغ وانحراف عن المنهج العلمي السليم قبل أن يكون ضلالا عن هدى الإسلام المستقيم.

لو التزم كل إنسان بأن يرد كل أمر مشتبه إلى الشيء الواضح الثابت لزال عنه كثير من اللبس في إدراك الحقائق. وكثير من انحراف المنحرفين وضلالة الضالين إن لم يكن كله منشأه تشبثهم بالمتشابهات من النصوص، وإنما اعتمدوا عليها لما فيها من إمكانية تأويلها على الوجه الذي يريدون. بخلاف المحكمات من النصوص، فإن الوضوح فيها لم يترك للمغرضين مساحة للتأول.

فالذي يريد الحقيقة الناصعة لم يعتمد إلا على المحكمات. ومن فعل غير ذلك فإنما يريد الفتنة والبعد عن الحق.

 

·       الدقة والموضوعية في الحكم

ومن السلوكيات العلمية التي يحتاج إلى الالتزام بها للوصول إلى الحقيقة بدون غبش هو الدقة والموضوعية في الأحكام.

وتتحقق الدقة والموضوعية بتحييد العواطف واجتناب المبالغة في إصدار الأحكام.

وقد أنكر ونهى القرآن عن إشراك العواطف في إصدار الحكم قال تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).[81] وليس من العدل أن يحكم على الشيء أكبر أو أقل مما هو عليه. كما نهت الآية عن أن يتأثر الحكم بعاطفة البغض.

وقد جعل الرسول من الأمور المنجيات أن يلتزم الإنسان العدل والإنصاف في حالتي الغضب أو الرضى. ففي الحديث: “وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية.”[82]

وفي لفظ: “فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر.”[83]

فاتباع العاطفة كثيرا ما يجنى على الحقائق المبتغاة. قال تعالى: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)[84] وقال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ).[85]

إن من الأساليب التي كثيرا ما تعيننا على تجنب المبالغة في التعبير أو التصور هو استعمال لغة الأرقام في تصوير الحقائق وفي التعرف على الواقع.

وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب وأجرى إحصائية في التعرف على حجم المسلمين الحقيقي على وجه الدقة. ففي صحيح مسلم عن حذيفة قال: كنا مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم فقال: “أحصوا لي كم يلفظ الإسلام.”[86]

وفي رواية البخاري: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل.”[87]

·       ملكة النقد والابتكار

إن كل نتاج فكري بشري معرض للخطأ والنقص، فلا يجوز أن يعامل معاملة الوحي المقدس. وليس بصحيح أن يكون عقل المسلم مثل الببغاء يردد كل ما يلقَّن عليه من المقولات. إن مصيبة التقليد قد أصابت الأمة في الأمور الدينية والمدنية. ففي الأمور الدينية كثير من المنسوبين إلى الفقه يتلقون أقوال بعض العلماء وفتاويهم بدون اعتماد دليل فكأنها وحي منزل. ومثل ذلك انبهار المتغربين بعلماء الغرب، يرون أن كل ما جاء من الغرب كله هو أحسن وأصح ما يتوصل إليه عقل بشري، معطلين بذلك ما منحهم الله من العقول.

ثم لا يجوز أيضا أن يوجه النقد بناء على عدم الاستيعاب، أو انطلاقا من مجرد العناد. بل لا يكون النقد مقبولا إلا إذا كان صاحبه ملما بالموضوع متجردا لطلب الحقيقة.

وأيضا فإن مجرد النقد قد لا ينفع إذا لم يأت برأي بديل أحسن. فإن الهدم دائما أسهل من البناء. فلا بد أيضا من ملكة الابتكار لشيء جديد مفيد أحسن من الموجود.

 

·        الاستفادة من الحضارة الحديثة

ثم ما توصلت إليه الحضارة المعاصرة من التقدم العلمي لا يجوز أن نحرم أنفسنا منه. فالحكمة ضالة المؤمن. فالعلم ليس له جنسية ولا عرقية. فهو حق مشاع لكل إنسان. وهو إنما يتكون نتيجة التراكم من جهود البشر كلهم عبر التاريخ اشتركت فيه الحضارات المختلفة.

ولكن يجب أن نكون عقلانيين ومتيقظين دائما في تقبل كل نتاج بشري، لا نقبل كل شيء كأنه مسلمات. فكل عمل بشري معرض للخطأ والنقص.

 

·        بين دقة التخصص وسعة الثقافة

إن تشعب الحياة المعاصرة وتوسع رقعة التخصصات العلمية يستوجب على الإنسان المعاصر الذي يريد أن يدرك ما حوله من الحقائق ويعيش على وعي كامل لمتطلبات العصر أن يكون له من سعة الثقافة ورحابة الأفق ما يغطي تلك المساحة المعرفية المعاصرة. ولا أقصد أنه يجب أن يعرف كل شيء. بل هناك قدر من تعدد المعارف وسعة المدارك لا بد أن يحصل عليه.

ويتحقق ذلك بأن يعرف أساسات كل علم ويفهم مبادئه ويرى ما جرى في العالم من ذلك المجهر الذي يتكون من ذلك التركيب المعرفي. ولا يكون ذلك على حساب التخصص. فهو يعرف كل ما في تخصصه بدقة ويعرف الأشياء الأخرى على الإجمال نسبيا. وأقول أن الإجمال هنا نسبي لأن بعض الناس لهم قدرة على الاستيعاب ما يمكنه أن يعرف في كل أمر كأنه متخصص فيه. وما ذلك على الله بعزيز.

ومع ذلك يجب أيضا أن يقف الإنسان عند حده ولا يقحم نفسه في ما لا يعرفه. فإن التخصصات لا بد أن تحترم. لا يجوز لمن قرأ كتبا في الطب ولم يدرسه ولا أجيز فيه، أن يفتح مستوصفا يعالج الناس. أو من تثقف على كتب في الفقه ولم يدرس الفقه على أيدي العلماء المتخصصين أن يفتي الناس ويحلل ويحرم. إن احترام التخصص أمر ضروري لصلاح الناس وضمان سلامتهم وإلا فسدت الحياة واضطربت وانهدمت مصالح الناس.

 

·       ربط الحقائق

إن معارف الناس كلها –سوى ما جاء عن طريق الوحي- مستوحاة من هذا الكون الواحد، وتفرع العلوم والفنون ليس تفرقة لهذا الكون. فالحق واحد بمعنى أن الحق في الرياضيات هو الحق في الكيمياء وفي الاجتماع أيضا. وإن اختلفت الصياغات والمصطلحات. فلا يجوز أن يفهم كل حقيقة في فن معزولة عن آخرى. فلا يفهم مثلا أن مبدأ الإنسان في الدين من آدم عليه السلام وفي علم الحياة أن الإنسان من القرد. فلا بد أن يكون أحد الأمرين خطأ. ففي هذه الحالة لا يجوز أن تنسف الثوابت القطعيات بالظنيات المجتثة ما لها من قرار. وإن الحقيقة الثابتة لا تبطلها الفرضيات المظنونة. فليس هذا من منطق العلم في شيء.

إن ربط الحقائق بعضها ببعض يرينا وجه الحق في هذا الكون كاملا واضحا. وبالاستقراء يظهر أنه كلما ربطت أية حقيقة ثابتة في نصوص القرآن أو السنة بحقيقة أخرى ثابتة تظهر دائما عظمة هذا الدين، وأن هذا جاء من مصدر المعارف كلها، نزل ممن خلق هذا الكون ويعلم تفاصيله سبحانه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

وكما ينفع ربط الحقائق الدينية بالحقائق الكونية من المفيد أيضا أن تربط النظريات الاجتماعية والفلسفات الإنسانية بحقائق علمية كونية. فإنه لا يجوز أن يسرح عقل الإنسان في التصورات المبتورة عن الواقع وهو يغض النظر عن الحقائق الناصعة بين يديه.

وفي الجملة فإن ربط الحقائق في كل شيء مفيد، لأن الحقائق الصحيحة تتعاضد لا تتعارض.

المطلب الرابع: قناعات إسلامية راشدة

ثم بناء المستقبل الإسلامي لا يكون إلا على عقول أشبعت بروح الإسلام وتنفست بنفسه. إلا أن تقلبات التاريخ الطويل لهذه الأمة تركت في عقول المسلمين وتراثهم كثيرا من الدخن المتراكم عبر تلك المراحل المتطاولة. ففي عقول المسلمين أشياء راسخة يظنها الجهال أنها من الدين وهي لا تمت إلى الإسلام بصلة. كما أن هناك أمورا من صلب الدين تركها الناس ظنا منهم أن الإسلام لا يشملها.

 

·        أصالة الفهم

إن العصمة وضمان سلامة فهم الإسلام لا يكون إلا بالبناء على الوحي الإلهي (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[88]، وقال عليه الصلاة والسلام: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه”.[89] ولا عصمة لغير هذين المصدرين.

·       أخذ الإسلام جملة

إن معنى الإسلام هو استسلام كامل لرب العالمين. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[90]، وقال: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).[91]

والله سبحانه وتعالى لا يقبل تجزئة الدين، قال تبارك وتعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)[92]، وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً).[93]

 

·       جمع النصوص

ومن العواصم الشرعية لفهم الحقائق الدينية هو فهمها على ضوء النصوص مجتمعة، يفسر بعضها بعضا ويبين بعضها بعضا، لا أن يسلط الضوء على بعضها معزولا عن الآخر، ولا أن يوضع في مقابلة متباينة يكذب بعضها بعضا. ينبغي أن تفهم النصوص كلها متعاضدة يشد بعضها بعضا. يوضح ميبنها مجملها، يخصص خاصها عامها، يقيد مقيدها مطلقها، في بناء متماسك وتصور محكم متناسق.

والرسول صلى الله عليه وسلم غضب أشد الغضب على من جعل بعض القرآن كأنه يعارض بعضه بعضا.

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوما يتدارؤون –أي يتجادلون- فقال: “هلك من كان قبلكم بهذا؛ ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا، فلا تضربوا بعضه بعضا، ما علمتم منه فقولوا، وما لا فكلوه إلى عالمه.”[94] وفي رواية: “انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به والذي نهيتم عنه فانتهوا.”[95]

 

·       الوسطية

وباستقراء نصوص الشرع وأحكامه وقواعده يظهر للموفَّق أن دين الله وسط بين الغالى فيه والجافى عنه.[96] والاعتدال دائما خير من الميل إلى طرف دون طرف.

وقال ابن القيم: “وخير الأمور أوساطها والأخلاق الفاضلة كلها وسط بين طرفي إفراط وتفريط. وكذلك الدين المستقيم وسط بين انحرافين، وكذلك السنة وسط بين بدعتين، وكذلك الصواب في مسائل النزاع إذا شئت أن تحظى به فهو القول الوسط بين الطرفين المتباعدين.”[97]

وقال أيضا: “وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان؛ إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو. ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه. كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين. فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له. هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوزه الحد. وقد نهى الله عن الغلو بقوله: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ)[98].

والغلو نوعان: (نوع) يخرجه عن كونه مطيعا، كمن زاد في الصلاة ركعة، أو صام الدهر مع أيام النهي، أو رمي الجمرات بالصخرات الكبار التي يرمى بها في المنجنيق، أو سعى بين الصفا والمروة عشرا أو نحو ذلك عمدا. (وغلو) يخاف منه الانقطاع والاستحسار، كقيام الليل كله، وسرد الصيام الدهر أجمع بدون صوم أيام النهي، والجور على النفوس في العبادات والأوراد، الذي قال فيه النبي: “إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا ويسروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.”[99] يعني استعينوا على طاعة الله بالأعمال في هذه الأوقات الثلاثة، فإن المسافر يستعين على قطع مسافة السفر بالسير فيها.[100]

وقال: “ليصلِّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد.”[101]

وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: “هلك المتنطعون.”[102] قالها ثلاثا. وهم المتعمقون المتشددون.

وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: “عليكم من الأعمال ما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا.”[103]

 

·       منهجية التلقي

إن حصول الكفاءة في العلم الشرعي لا ينتج عن قراءات متفرقة أو سماع فيه هنا وهناك كما يزعم حصوله المتطفلون في هذا الميدان الخطير. إن هناك منهجية يجب أن يتبعها كل من أراد الانخراط في سلك الفقهاء والمتفقهين. شأنه شأن كل التخصصات العلمية أو العملية. وقد كتب العلماء قديما وحديثا كتبا في هذا الموضوع مثل الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ومنتهى الأرب للإمام الشوكاني، ومن العلماء المعاصرين كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر أبي زيد، أو كتاب ثقافة الداعية للشيخ يوسف القرضاوي كما أن الشيخ سعيد حوى أيضا له جهد عظيم في وضع منهج متكامل للمسلم المعاصر الذي يكون لبنة المستقبل فوضع سلسلة الأساس في التفسير والأساس في السنة بعد سلسلة الأصول الثلاثة ثم سلسلة فقه البناء والدعوة والعمل الإسلامي.

وقد أشار الإمام الشاطبي إلى أنه لا بد من أخذ العلم من أهله المتحققين به، وقد قالوا: إن العلم كان في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب، وصارت مفاتحه بأيدي الرجال.[104]

وأصل هذا في الصحيحين: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.”[105]

قال: “فإذا كان كذلك فالرجال هم مفاتحه بلا شك، فإذا تقررهذا فلا يؤخذ العلم إلا ممن تحقق به.”[106]

 

·       علامات العالم الذي يؤخذ عنه العلم

“وللعالم المتحقق بالعلم أمارات وعلامات تتفق مع ما تقدم، وهي ثلاث:

إحداها: العمل بما علم حتى يكون قوله مطابقا لفعله. فإن كان مخالفا له فليس بأهل لأن يؤخذ عنه، ولا أن يقتدى به في علم.

والثانية: أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم، وملازمته لهم، فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك. وهكذا شأن السلف الصالح. فأول ذلك ملازمة الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم  وأخذهم بأقواله وأفعاله.

والثالثة: الاقتداء بمن أخذ عنهم والتأدب بأدبه، كما علمت من اقتداء الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم، واقتداء التابعين بالصحابة، وهكذا في كل قرن.”[107]

·       زغل[108] العلم

قد ألف الإمام الذهبي رحمه الله كتابا لطيفا بهذا العنوان. وذكر فيه ما يؤاخذ على كل طائفة من أهل العلم من آفات لا تتفق مع روح العلم الشرعي ولا الهدي النبوي. وأذكر هنا ملخص ما جاء فيه ليكون السالك في طريق العلم على يقظة وحذر من الوقوع في تلك الآفات:

يؤاخذ على القراء المجودين التنطع في قراءتها بحيث يشغله عن تدبر معاني كتاب الله ويصرفه عن الخشوع.

ويؤاخذ على المحدثين عدم الاهتمام بالفقه واقتصارهم على معرفة الحديث والإكثار من الرواية لاهين عن التدين به والتأدب به.

ويؤاخذ على الفقهاء تسارع بعضهم في إصدار الفتوى وتقليدهم لأئمتهم، كما يؤاخذ على طائفة منهم كثرة التحيل والحيل ونقر الصلاة والعمل بما يخالف النصوص النبوية، ويؤاخذ على قوم منهم حرصهم على المناصب وجاه الدنيا وزخرفها. ويحذر أيضا من التكبر والعجب بالعمل وحب الظهور.

ويؤاخذ على النحويين بعدهم عن علم الكتاب والسنة وما فيهم من مظاهر الفراغ والبطالة واللعب.

ويوجه اللوم على أهل عصره من انعدام علماء في اللغة، فتجد الفقيه لا يدري لغة الفقه، والمقرئ لا يدري لغة القرآن، والمحدث لا يعتني بلغة الحديث.

ويؤاخذ على الأصوليين كون المقلدين يشتغلون به إذ لا حاجة لمقلد إليه، ولا فائدة تعود عليهم في تقليدهم. كما انتقد أيضا على من قال بغلق باب الاجتهاد.

ويؤاخذ على علم أصول الدين إطلاقه على غير الكتاب والسنة إذا هما أصول دين الإسلام، بل يطلق على العقل والمنطق .

ويؤاخذ على علم المنطق كون ضرره لا يكافئ نفعه، وأن النافع منه مركوز في الفطرة الذكية والنفس الزكية. وكما قال ابن تيمية إن المنطق: لا يحتاج إليه اللبيب ولا ينتفع منه البليد.

ويؤاخذ على علم الحكمة والفلسفة كونه مباينا لما جاءت به الرسل وما أدخل على علم الإسلام من شبهات.

ويؤاخذ على علم الفرائض كون بعض مسائله غير واقعية.

ويؤاخذ على علم الشعر كثرة الكذب فيه والإسراف في المدح والهجو.

ويؤاخذ على علم الوعظ كون بعض الوعاظ راغبا في الدنيا مع قلة في الدين.

ولا يعني هذا كله الحكم على الجميع، وإنما يكون تنبيها على ما قد يقع فيه الطالب من الآفة غير المقصودة، والإيجابيات في وسط العلم والعلماء وطلبة العلم هي الغالبة.

والله الموفق إلى سواء السبيل.


[1]  سورة المدثر:38

[2]  سورة المائدة: من الآية105

[3]  أخرجه الترمذي (4/364 رقم 2007) وقال: حسن غريب.

[4]  سورة مريم: من الآية12

[5]  سورة لأعراف: من الآية145

[6]  سورة لأنفال: من الآية60

[7]  أخرجه البخاري (3/1061 رقم 2739)

[8]  فتح الباري (6/89)

[9]  انظر فتح الباري (6/89)

[10]  أخرجه مسلم (4/2052 رقم 2664)

[11]  أخرجه البخاري (5/2368 رقم 60 81) ومسلم (2/726 رقم 1051)

[12]  أخرجه البخاري (2/534 رقم 1400، 5/2375 رقم 6105)

[13]  شرح الزرقاني (4/543)

[14]  راجع كلام ابن القيم السابق في معادلة التغيير ص222

[15]  أخرجه أبو داود (4/357 رقم 5225)

[16]  اتظر الموافقات (1/79-84)

[17]  أخرجه مسلم (3/1548 رقم 1955)

[18]  أخرجه مسلم (2/703 رقم 1015)

[19]  أخرجه مسلم (1/93 رقم 91)

[20]  أخرجه أبو يعلى (7/349 رقم 4386) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان وضعفه جماعة (مجمع الزوائد 4/98)

[21]  سورة الحجرات:2

[22]  أخرجه أبو داود (4/253 رقم 4799) والترمذي (4/362 رقم 2002، 4/363 رقم 2003) وقال: حسن صحيح.

[23]  انظر الموافقات (2/12-17)

[24]  سورة المدثر:4

[25]  جامع البيان (29/147)

[26]  سورة المدثر:5

[27]  سورة البقرة: من الآية222

[28]  سورة التوبة:108

[29]  رواه ابن خزيمة وصححه (1/45 رقم 83) والترمذي (5/280 رقم 3100) والنسائي في السنن الصغرى (1/59 رقم 56) والحاكم وصححه (1/257 رقم 554)

[30]  سورة الشمس:7-10

[31]  أخرجه مسلم (4/2013 رقم 2607)

[32]  سورة الرحمن:60

[33]  سورة النور: من الآية55

[34]  سورة الفرقان: من الآية44

[35]  سورة المائدة:54

[36]  سورة المؤمنون:1-11

[37]  سورة الأنفال:2-4

[38]  سورة الفرقان:63-76

[39]  سورة المؤمنون:57-61

[40]  سورة العنكبوت:69

[41]  راجع ص287-292 في الكلام عن تعاقب الخير والشر.

[42]  سورة الجمعة:2

[43]  سورة لأنفال:2

[44]  سورة الحجرات:15

[45]  أخرجه البخاري (1/14 رقم 13) ومسلم (1/67 رقم 45) واللفظ للبخاري

[46]  أخرجه البخاري (1/14 رقم 14) ومسلم (1/67 رقم 44)

[47]  أخرجه البخاري (5/2240 رقم 5670)

[48]  سورة البقرة: من الآية286

[49]   أخرجه مسلم (1/74 رقم 45)

[50]  أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (1/101 رقم 747) وابن أبي شيبة في مصنفه (7/80 رقم 34338)

[51]  أخرجه ابن حبان (2/227 رقم 479، 9/483 رقم 4176) وأحمد (2/250 رقم 7396، 2/472 رقم 10110، 2/527 رقم 10829، 6/47 رقم 24250، 6/99 رقم 24721)  والحاكم (1/43 رقم 1،2) والترمذي (3/466 رقم 1162،5/9 رقم 6212) وصححاه.

[52]  أرجه البخاري (5/2240 رقم 5672)

[53]  سورة البقرة: من الآية138

[54]  سورة العنكبوت:69

[55]  سورة التوبة: من الآية111

[56]  جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (4/1994 رقم 2577)

[57]  سورة الرعد: من الآية27

[58]  سورة الشورى: من الآية13

[59]  أخرجه مسلم (1/63 رقم 35)

[60]  سورة التوبة:119

[61]  سورة الكهف:28

[62]  سورة العصر: 1-3

[63]  جزء من حديث أخرجه مسلم (4/2118 رقم 2766)

[64]  سورة الكهف: من الآية17

[65]  تعليق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة على رسالة المسترشدين 72-72، للحارث المحاسبي، مكتب المطبوعات الإسلامية، بيروت، الطبعة التاسعة، 1419هـ-1999م

[66]  المصدر نفسه ص71

[67]  انظر الموافقات (1/57)

[68]  ذكر هذه الفائدة شيخنا محمد المختار الشنقيطي حفظه الله تعالى ورعاه في إحدى محاضراته التي ألقاها في مسجد جامعة الإيمان حرسها الله من كيد الكائدين ومكر الماكرين.

[69]  سورة العلق:1-5

[70]  سورة يونس: من الآية32

[71]  سورة يونس: من الآية36

[72]  سورة صّ:26

[73]  سورة الفرقان:43

[74]  سورة الجاثـية:23

[75]  سورة البقرة: من الآية111

[76]  سورة الحجرات: من الآية6

[77]  سورة آل عمران:7

[78]  تفسير القرآن العظيم (1/345)

[79]  انظر أيضا الجامع لأحكام القرآن (4/10) وفتح القدير (1 /398)

[80]  جامع البيان (3/170)

[81]  سورة المائدة: من الآية8

[82]  أخرجه الطبراني في الأوسط (6/47 رقم 5754)

[83]  شعب الإيمان (5/452 رقم 7252)

[84]  سورة النساء: 19

[85]  سورة البقرة: 216

[86]  أخرجه مسلم (1/131 رقم 139)

[87]  أخرجه البخاري (3/1114 رقم 2895)

[88]  سورة آل عمران: 101

[89]  أخرجه الإمام مالك (2/899 رقم 1594) الحاكم (1/127 رقم 319) قال ابن عبد البر: وهذا أيضا محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد. (التمهيد 24/331)

[90]  سورة البقرة:208

[91]  سورة الأنعام:162

[92]  سورة البقرة: من الآية85

[93]  سورة النساء:150-151

[94]  أخرجه الطبراني (2/79 رقم 1308) وأحمد (2/178 رقم 6668)

[95]  أخرجه أحمد (2/195 رقم 6845)

[96]  انظر مجموع الفتاوى (3/373-375، 18/191، 28/213)

[97]  روضة المحبين (1/220)

[98]  سورة المائدة: من الآية77

[99]  أخرجه البخاري (1/23 رقم 39)

[100]  مدارج السالكين (2/496-497)

[101]  أخرجه البخاري (1/386 رقم 1099) ومسلم (1/541 رقم 784) واللفظ للبخاري.

[102]  أخرجه مسلم (4/2055 رقم 2670)

[103]  أخرجه البخاري (1/386 رقم 1100) ومسلم (1/540 رقم 782، 1/542 رقم 785)

[104]  انظر الموافقات (1/57)

[105]  أخرجه البخاري (1/50 رقم 100) ومسلم (4/2058 رقم 2673)

[106]  الموافقات (1/57)

[107]  الموافقات (1/58-59) مختصرا

[108]  زغل الشيء زغلا وأزغله صبه دفعا ومجه (لسان العرب 11/304) وزغل العلم ما يدفع منه ويستنكر من ممارسات بعض المنتسبين إلى العلم مما لا يتفق مع هدي الإسلام القويم.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

معلومات

This entry was posted on 23 أفريل 2012 by in مقالات.

الابحار

%d مدونون معجبون بهذه: