وإذا كان المطلوب من الأمة الإسلامية أن تخوض غمار السباق الحضاري وأن تثبت تفوقها القيمي والعمراني، فإن البداية يجب أن تبدأ بوضع معايير للتقدم المطلوب إسلاميا وتحديد مقاييس التفوق إنسانيا، لئلا تنزلق الأقدام وتضل الأفهام في شباك المجاراة غير الواعية والمحاكاة المردية في مساقط الحضارات السابقة المتكررة. وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الانزلاق في هذا المنزلق، قال عليه الصلاة والسلام: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: وَمَنْ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ؟[1] فكما أن سنة نهوض الأمم ثابتة فإن سنة السقوط أيضا معلومة. فليس من المطلوب ننافس الأمم في مساوئها، ونتابعهم في مهاويها، ويربأ أصحاب الدين القويم بألا يستقلوا برؤيتهم ويقودوا الأمم ببعد نظرهم وسداد مواقفهم.
إن نظرة الإسلام إلى الحياة الدنيا تختلف عن نظرة الفلسفات الوضعية، فمجال التنافس فيها محدّد ومسارها موجّه، ومقاصد التسابق فيها مبيّنة. إن التكاثر والتفاخر مع غياب معنى الرقي الإنساني وعدم تحقق القيم الإيمانية والإنسانية عبث وضياع وسفه في نظر القرآن، قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[2]
وليس ذلك انسحابا عن ميدان السباق المطلوب، لكن الشرع قد حدد مجاله في معالي الأمور التي يستمر نفعها في الدنيا والآخرة، وليس في التوافه التي يتوهم نفعها وما هي بنافعة، أما الأعمال الصالحة التي يراد بها وجه الله ويتُّبع فيها شرع الله فهي النافعة للإنسان وهي التي يتسابق فيها قال الله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[3]
إنه يشرع لنا ويطلب منا أن نخوض غمار السباق في مجالات آتية: العلم والإيمان والأخلاق أولا، ثم الأمور المادية والنواحي الجمالية لها اعتبارها ولها حدودها في منظومة قيمنا الحضارية.
قبل الشروع في تفاصيل تلك المجالات التي ندعو الناس إلى خوض سباق الأمم فيها، نضع بين أيدينا ثلاث نظرات هي سقوف عالية نطمح في الوصول إليها ونشجع المسلمين على بلوغها. فإنه لا يصلح في هذه المجالات إلا الطموح الكبير، أما أقزام الأمل وقصار الأفق فلا تنقل الأمة من دركات التخلف الحالي إلى درجات التقدم المنشود.
فالنظرة الأولى: يجب أن نستحتضر معايير مأخوذة من عظم الرسالة الإسلامية، ينبغي لكل مسلم غيور طموح أن يقيس أهدافه وأداءه بقدر عظمة هذه الرسالة الإلهية التي أنزلها رب العالمين إلى رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام. فبقدر ما يعرف الإنسان قدر من يعبده ومن يأمره بهذا الواجب يكون علو همته وطموح أهدافه. ويعرف قدر قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}.[4] إنه لفرق شاسع جدا بين إحسان الله لعباده وبين محاولة إحسان العبد. فبقدر ما يعرف العبد مدى إحسان الله له يعرف كيف ينبغي أن يتعامل مع هذا المحسن العظيم الكريم سبحانه، ويعرف ماذا ينبغي أن يقدمه شكرا له سبحانه وطاعة وحبا وتعظيما. يجب أن يستشعر أن ما يحمله على ظهره من أمانة التكليف ليس هزلا، بل هو يتعامل مع رب عظيم كريم، ويؤدي رسالة عظيمة جليلة، فلا يضع لنفسه هدفا تافها، ولا يسمح لنفسه أداء هزيلا. ثم يستعين بالله لأداء هذه المهمة الجليلة. والله الموفق.
النظرة الثانية: أن يضع هذا المسلم الغيور نصب عينيه الميزان التاريخي كيف كان سلفنا الصالح يؤدون الأمانة، وكيف كانوا يقدمون لتاريخ الأمة وتاريخ الإنسانية صورا راقية عجيبة تعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار. فيرسم لنفسه خطة طموحة للحاق بهؤلاء القوم.
وهذا وإن كان لكل عصر ومرحلة محدداته الخاصة، إلا أن لكل جيل مسؤوليته التاريخية الخاصة أيضا، مما يدفع لمجموع الأمة إلى أن يجتهد كل جيل أن يكون خير خلف لخير سلف. حتى لا يلحقنا العار التاريخي، وحتى لا يحمل الجيل اللاحق أعباء تقصير الجيل السابق.
هذا على الرغم من أن تراكم المشاكل التاريخية – بطبيعة الحال، وبلا شك – يزيد الأداء صعوبة كلما تقادم العهد وتأخر الزمن، غير أن هذا القياس الطموح يظهر لنا مدى القصور الذي يقع. وهو بالتأكيد يشكل حافزا قويا لأن يجتهد أفراد الأمة لأداء مهمتها، كما اجتهد الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
وهذه اليقظة التاريخية واستشعار عظم المسؤولية تكسبان الأمة ثقتها بنفسها واعتزازها بتاريخها. فإن لها تاريخا حافلا بالبطولات يدعو الأمة لأن تعود إلى دورها الذي قام به السابقون لقيادة البشرية. فالأمة الإسلامية يحق لها بل يجب عليها أن تسود بعد هذا الغياب الذي يعتري سلسلة أمجادهم بهذا الانقطاع. وليس ذلك هو الأصل ولا المصير. بل أصلهم ومصيرهم هو الوعد الإلهي حيث قال الله عز وجل {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}.[5]
النظرة الثالثة: نظرة إلى الميزان العصري الذي يفرض أن تكون تلك الجهود وذلك الطموح في محاذاة بل مسابقة جهود غيرهم ممن يشارك – بل ويسبق – رهان التقدم في حلبة تأثير الحياة المعاصرة.
إن أداء الأمم غير الإسلامية لمهامها الدنيوية ومصالحها المادية بكفاءة عالية وفعالية أخاذة شيء يثير العجب مع غيابهم عن الوجهة الصحيحة والهدى المستقيم. ويثير الدهشة أكثر إذا نظرنا إلى أصحاب الهداية الربانية يمارسون دعوتهم – وهي دعوة الحق- لا يمارسونها – إن لم يكن بعيدا عن المطلوب أصلا- إلا مجرد أداء أقل ما يتأدى به الواجب وببرودة المشاعر وبلادة العاطفة وفقدان الحكمة والحنكة، وليس عندهم همة عالية تدفعهم لمواكبة الركب أو مسابقة الآخرين. لا يصح من أمة مثل هذه الأمة لها موقعها العظيم من سائر البشر أن يكون له حضور غير مشرِّف ولا يؤكد هذا الموقع وتلك المكانة.
وليس من العيب أن نستفيد المقياس العملي من الأعداء حتى لا يكون هناك مظهر قصور بهذا المعيار.
وهذا المقياس إضافة إلى أنه قد يستند إلى منطق رد الفعل الذي يضمن – على أقل تقدير – عدم غياب تكافؤ المواجهة، فهو من جانب آخر يعكس لنا إلى أي مدى وصلت القدرة البشرية، مما نربأ بأنفسنا ونحن لسنا أقل بشرية منهم أن نكون دون مستوى الذين وصفهم الله أنهم {كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}.[6]
إن الخوض في غمار حلبة السباق بهذا الميزان لم يعد بعيد المنال، فقد وضع منتدى الاقتصاد العالمي[7] معايير موحدة لقياس تنافسية دول العالم لخلق جو من التنافس الشريف الذي يدفع بسياسات الدول نحو صيرورة عالم أفضل بمعايير عالمية موحدة. وأصدر تقريرا سنويا يقيس واقع 142 دولة وفق 12 معيارا يشمل: (1) كفاءة ونزاهة المؤسسات (2) وتوفر البنى التحتية (3) والسياسات الاقتصادية العامة (4) والصحة والتعليم الأساسي (5) والتعليم العالي والتدريب (6) وكفاءة سوق البضائع (7) وكفاءة سوق العمالة (8) وكفاءة السوق المالية (9) والاستعداد التقني (10) وحجم السوق (11) والأعمال المتطورة (12) والاختراعات.
وقد أشار التقرير الصادر سنة 2011-2012 إلى تقدم بعض الدول الإسلامية نسبيا. فقد حصلت دولة قطر على ترتيب 14، واحتلت السعودية في ترتيب 17، ووصلت ماليزيا ترتيب رقم 21. وبذلك أحرزت هذه الدول تحسنا ملحوظا عما كانت عليه في السنة 2010، حيث كانت قطر في الترتيب 17 والسعودية في الترتيب 21 وماليزيا في الترتيب 26، ولكن ذلك لم يشفع التخلف السائد لدى بقية الدول الإسلامية، فإنه من بين مجموع دول أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي التي عددها 57 دولة، لم يتعدّ عدد الدول الإسلامية التي تجاوزت الترتيب الوسط – الذي هو الترتيب السبعين – 11 دولة، وهي عدا الثلاث المذكورات: دولة الإمارات (ترتيب 27) ثم بروناي (ترتيب 28) ثم الكويت (ترتيب 34) ثم البحرين (ترتيب 37) ثم تونس (ترتيب 40) ثم إندونيسيا (ترتيب 46) ثم تركيا (ترتيب 59) ثم إيران (ترتيب 62). وبقية الدول الإسلامية كلها تحت السبعين.[8]
وهذا يدل بوضوح على أمرين: أولا، أن منافسة الدول الكبرى في تقدمها أمر ممكن فإن بلجيكا الحائزة على ترتتيب 15 مثلا تجاوزتها قطر، وفرنسا الحاصلة على ترتيب 18 تجاوزتها السعودية، وإسرائيل الحاصلة على ترتيب 22 تجاوزتها ماليزيا.
ثانيا، إن أغلبية المسلمين لم يزالوا في الموقع المتأخر، وهو أمر واضح، ولكن ذلك لا يدفعنا إلى الإحباط، فإنه كما تمكنت تلك الدول الإسلامية في مجاوزة العقبات فإن الدول الإسلامية الأخرى التي لم يتح لها أن تنهض قادرةٌ أيضا على اللحاق أو السباق، فإنها كما كانت تحاول الاستفادة من تجارب الدول الغربية التي لم تشاركها في تاريخها ولا أصولها الثقافية، يمكنها أن تستفيد من دول هي أقرب إلى ثقافتها وتاريخها، فهي بذلك كسبت اختصار الطريق واختراق المراحل.
ولكننا كمسلمين لدينا وظيفة أخرى متفردة، سوى منافسة غيرنا في تلك المعايير، فإن مقاصدنا الشرعية وأدوارنا الرسالية تلزمنا أن نتفوق على كل دول العالم في ثلاثة معايير هي: العلم والإيمان والأخلاق.
إن أول خطوة لنهضة أمة تبتدئ بانتفاضة علمية ويقظة فكرية، وكانت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم تنطلق من عملية علمية بتلقي أمر إلهي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[9], وأمره الله بطلب المزيد في ذلك، قال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[10] إن التفاضل في العلم عند الله معتبر، بل أهل العلم هم الذين يعرفون قدر ربهم فيخشونه هيبة وتعظيما، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[11] إن الله أكرم أهل العلم ورفع درجتهم عنده وعند الناس، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[12] والبون الشاسع بين العالم والجهل أمر غير خاف، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب}[13]
هي كلها أمور مستقرة في الفكر الإسلامي، لكننا بحاجة إلى سَوق هذه المبادئ في مسارات عملية آتية:
أولا: التمييز بين المفيد وغير المفيد من العلوم، فالأمة لا تتفوق بكثرة القيل والقال، ولا يقاس التفوق العلمي بطول الكلام وعرضه، ولكن بحجم الخير الذي تعلمه وتملكه وترصده. فلو توسعت الأمة في عرض الفلسفات المختلفة ثم لم تخلص منها بما يفيد العالم فليس ذلك مفخرة ولا إنجازا حضاريا، وإن امتدح به البعض إغراء أو اغترارا. إن العلم النافع في ميزان الشرع هو الذي يدفع إلى العمل الصالح ويفتح آفاق مصالح الدنيا والآخرة. وكان العلماء يفرقون بين صلب العلم ومُلَحه، فالصلب هو الذي يستحق التركيز وبذل الجهد وقضاء الوقت، وأما الملح فيؤخذ منها كما يؤخذ الملح للطعام. وكانوا يميزون بين علوم المقاصد وعلوم الآلة، بحيث تكون الثانية خادمة للأولى.
وبهذا ينصبّ الجهد العلمي في إفادة الناس فائدة حقيقية غير وهمية. إن الوقت الضائع الذي قضاه طلبة العلم في الآراء المتضاربة التي مفادها لفظي غير عملي يكفي لتحقيق إنجازات علمية أخرى تأتي للأمة بفائدة أكبر. وإن التيه الذي ابتلي به طلاب الفلسفة الذين لم يتمكنوا من رؤية عالمهم وحجبوا عن الإيمان بخالقهم أمر استغنى الناس عنه، وتضرر المجتمع به. أو غرق بعض طلبة العلم في مسائل القواعد لغوية كانت أو منطقية أو فقهية، ثم خرج منها لا يحسن تطبيقها لا في تقويم اللسان ولا في إصلاح الفكر ولا في الاجتهاد الفقهي. فهذه كلها ظواهر مؤسفة ضيعت العقول المسلمة زمنا طويلا.
ثانيا: استيعاب العلوم بمنهجيتها وتفاعلها مع حياة الناس. فليس التفوق العلمي هو مجرد ترديد ما قيل من الآراء، وتدوير ما استهلك من الأفكار، ولكنه اكتساب منهجية التفكير وتحصيل مهارة البحث ليتوصل بهما إلى تقديم جديد مفيد للعالم أو إعادة خير قديم مدفون. إننا نحتاج إلى حفظة نحفظ بهم ديننا وتراثنا، ونروي معهم وحي ربنا وأقوال علمائنا، ولكننا أحوج منهم إلى ذوي الأفهام الثاقبة وأصحاب الآراء الناقدة الذين يقدرون على البناء والتجديد، ولا يقنعون بالتقليد والترديد.
وإن الذي يتابع الحركة العلمية الحديثة يعرف أن المنطق العلمي الحديث يتطور، ومنهجية البحث العلمي في عملية تراكمية تكميلية أو تصحيحية مستمرة. وإن من المؤسف أن يكون ما يعرف بـ”علم المنطق” في العالم الإسلامي جامد لا يتحرك. بل جعله بعض العلماء إلى الآن مرتكزا أساسيا لكل عمل فكري، ظانين أن المنطق الذي كرسه الغزالي[14] رحمه الله ومن تبعه قبل عشرة قرون هو منتهى ما توصل إليه العقل البشري أو هو الميزان المعصوم الذي يميز به صحيح الرأي من خطئه. ولو اطلع هؤلاء أن علماء الغرب قد انتقدوا ذلك المنطق وطوروه، لعرفوا كم كنا واقفين جامدين في أماكننا في الوقت الذي انطلقت فيه العقول الغربية نحو مناهج علمية أكمل وأوسع وأضبط مما وضعه أرسطو وشرحه الفارابي وابن سينا وابن رشد. فقد انتقد أحدهم طريقة الاستنباط عن طريق مقدمتين كبرى وصغرى، لأن ذلك لا ينتج شيئا جديدا فقد حسمت المسألة سلفا بتسليم المقدمة الكبرى التي هي قضية كلية مسلمة وجوبا، فالنتيجة بذلك تحصيل حاصل. ثم انتقد آخر كل دعوى الاستقراء التام فإنه يستحيل على العقل البشري أن يدرك كل الجزئيات، لأنه تحده حدود الزمان والمكان بشكل لا يمكن الانفكاك عنها. ونفى آخر وجود قواعد عقلية خارجة عن معطيات البيئة. ثم طرحوا إثر ذلك مناهج أخرى مكملة، كالمنهج التجريبي والمنهج النسبي والمنهج الاستقرائي العلمي الحديث وهكذا. فإذا كانت استفادة الغربيين من تراثهم استفادة تطوير وتكميل، فقد كانت استفادتنا من تراثنا استفادة تكرير وترتيل.
ومع أن ابن تيمية[15] رحمه الله قد انتقد علم المنطق بمثل ما انتقد به هؤلاء الفلاسفة الغربيون قبلهم بخمسة قرون، فإن الغالبية العظمى من أبناء العالم الإسلامي إلى يومنا هذا لم يعرفوا أن المنطق العلمي الحديث قد تجاوز علم المنطق الذي حسبه كثير منهم أنه هو المنطق الوحيد الذي يعصم العقل من الخطإ، وقد أوقفهم هذا “العلم” عند الحد الذي لا يتجاوزون به حدود ذلك العصر الغابر. لقد فكّرنا بعقل قديم تجاوزه الزمان فعلا … ولكن لا يلزم من انتقادنا لعلم المنطق أن نتخندق في أحد الخنادق التي فرقت المسلمين بين المدارس الفكرية التي لا يخلو كل واحدة منها من بركة علوم علمائنا الراسخين المستقيمين.
ثم خطأ آخر ارتكبه المسلمون بشكل عام، أنهم إما أن يقبلوا علم المنطق بكل عيوبه، أو يرفضوه مع كل فوائده. مع أن أعمال ابن تيمية نفسها لم تخل من استخدام المنطق، ولكن الناس لم يكونوا يفرّقون بين المنطق كمنهجية فكرية قابلة للتغيير والتطوير وبين المنطق كعلم مدوّن يعتقد كماله، وخلطوا بين المسائل العقدية والقضايا العلمية المجردة. ثم كانت النتيجة فكأن صار للمسلمين عقلان اثنان فقط؛ عقل مع ابن تيمية وعقل ضده. والكل مقلد، إما يقلد ابن تيمية أو يقلد الجمهور، ومن الخطإ أن ننقل تلك الصورة النمطية غير الدقيقة إلى عالمنا اليوم.
إن منهجية الجدل السائدة لدى العلماء المتأخرين لا تفرز سوى صواب أحد الطرفين أو خطئه، فإما القبول التام أو الرفض التام.[16] فلذلك لم ينتج العقل القديم أي شيء جديد. فهذه المنهجية الثنائية تعدّ قصورا بالمقارنة إلى ما بناه الفلاسفة الألمان من منهج جدلية ثلاثية ترى أن عملية الجدل تتم على ثلاث مراحل: أطروحة ثم نقيضها ثم تألفهما، وهو عبارة عن الخلاصة التي تجمع صواب الطرفين وتطرح خطأهما. بل كان هيغل[17] يرى أن الحقيقة أو الخلاصة الفكرية لا يتوصل إليها إلا بمرور أطروحة ما عبر جسر النقد بمعارضتها بنقيضها. فالجدلية عنده ليست حربا مقدسة يجب فيها الانتصار لأحد الطرفين، لكنها عملية البناء والبحث عن الأكمل والأفضل والأمثل. وليست هذه المنهجية بغائبة عن نهج علمائنا المحققين، وقد كانوا يقولون في مسائل الخلاف: “إن الجمع أولى من الترجيح”، ولكن إذا تخندقت الأطراف المتجادلة فلا مكان لهذه القاعدة، للأسف الشديد، فالكل بين مدافع ومهاجم، ولا أحد يتجه إلى البناء والتلاحم.
فالتفوق العلمي المنشود يتطلب هذا النوع من المنهجية التي ترنو إلى التواصل والتكامل دائما، وتتحاشى الهدم ما دام البناء ممكنا. وليس بالضروري أن يكون النمط الهيغلي هو المناسب في كل الحالات كمثل حالة التناقض التام، ولكن كثيرا ما يتصور العقل التناقض التام وليس الواقع كذلك. والعقل العام يميل إلى التبسيط والتسطيح وينفر من التفصيل والتدقيق.
إن هذا النقد الموجه تجاه تراث علمائنا الأجلاء لا يدعونا إلى ادعاء الأفضلية، حاشا وكلا، فعلماؤنا الذين سبقونا بالعلم والإيمان أعظم وأفضل من كل من جاء بعدهم، فكلنا في العلم عيال عليهم، وكياننا يضمحل ويذوب بذكر هؤلاء الأفاضل، وخاصة نحن الذين عشنا في آخر الزمن الذي ساد فيه فساد الرأي واستولت فيه الشهوات، ولكن الإسلام لا يعرف قداسة الأشخاص، ولا هو دين الكهنوت الذي يعتبر رجال الدين مقدسين منزهين فوق سائر البشر. ولا نحجب أعيننا ولا نعطل عقولنا اعتقادا منا أنه هو التبجيل المطلوب لعلمائنا العظماء، ولا أحد منهم طلبوا لهم منا التقليد، ولا فرضوا علينا الاتباع الأعمى، ولا رجوا منا الجمود على آرائهم. إذا قصر الأتباع في مسايرة طريق أئمتهم فالعيب فيمن لم يبذل جهده ولم يبرئ عهدته وعطل عقله وطمس كيانه.
ثالثا: اختيار الأفضل رؤية والأكثر نفعا والأدق تحقيقا من كل أصناف الإنتاج العلمي. إن فرط الحب والإجلال بتراثنا الإسلامي قد حدا ببعض الباحثين المسلمين إلى التصديق المطلق له والتعظيم المبالغ فيه، ناسين أن الجهد البشري مهما كان فلا يخلو من نقص، سنة الله التي لا تتبدل، لئلا يتجه الإنسان إلى عبادة غيره سبحانه. فهو الذي لديه الحقيقة المطلقة وهو وحده الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فهو المتبع الذي لا يسع الإنسان عليه اعتراض البتة. أما التراث البشري إسلاميا كان أو غيره فيسعنا أن نأخذ ما نراه صحيحا مفيدا ونترك ما نحسبه خطأ غير نافع.
وبالمعيار نفسه ننظر إلى الإنتاج العلمي الغربي في عالمنا المعاصر، لا يجوز أن يجرنا الانبهار بالآخر المتقدم إلى الاعتقاد بأن كل ما لدى الآخر هو خير وهو سبب نجاحهم وتفوقهم. وهنا ننادي بما نادى به الكاتب الألماني المسلم الفاضل مراد هوفمان[18]: “دعونا لا نرفض الحضارة الغربية من الألف إلى الياء، فهناك الكثير الذي يمكن أن نتبناه منها، ولكن أستحلفكم بالله، دعونا نأخذ منها أفضل ما فيها.”[19]
وقال أيضا: “سوف تتمتع الدول الإسلامية بالحرية الحقيقية فقط عندما يتمكن قادة الفكر لديها من فك رقابهم من الانبهار غير القابل للنقد بكل شيء غربي، وأن يعودوا للاغتراف من المصادر الثرية للثقافة الإسلامية الخاصة بهم. ولقد حان الوقت لفعل ذلك.”[20]
رابعا: تكامل المعارف وربط التخصصات، إن ما تميز به علماؤنا السابقون أنهم كانوا يتقنون علوما مختلفة وفنونا شتى. وهذه ظاهرة لها ارتباطها بطبيعة القرآن الكريم الذي حوى معلومات عديدة متعلقة بعلوم مختلفة. أضف إلى ذلك أن تنفيذ التعاليم الإسلامية يتطلب إتقان كثير من العلوم. وعلى سبيل المثال فإن على المسلم أن يصلي خمس مرات في اليوم ويتجه إلى القبلة. وكلا هذين الشيئين بسيطان. ولكنهما معقدان جداً إذا أخذتهما مأخذ الجد. فإن وقت إحدى الصلوات مرتبط بطول ظل المرء على الأرض. وكان من المفترض، في البداية، أن يبدأ وقت صلاة العصر حين يصير ظلك مثلك وينتهي حين يصير ظلك مثليك. كان من المفترض أن تتم صلاة العصر في حدود تلك الفترة. وكان ذلك يصلح في مكة وفي منطقة قد يكون أقصاها المدنية. ولكن في دمشق أياماً كثيرة في كل عام لن يكون ظلك مثلك أبداً في أي ساعة من ساعات النهار. فمتى تبدأ الصلاة؟
أدت هذه المسألة البسيطة جداً إلى دراسة لأطوال الظلال عند دوائر عرض مختلفة. فأصبحت الجغرافيا الرياضية جزءاً لا يتجزأ من الصلاة. وإذا خضت في الجغرافيا الرياضية فإنّك تدخل في علم الفلك من الباب الكبير. فإنك تتعلم مواقع الشمس في كل يوم من أيام السنة، وأين أنت على الكرة الأرضية بالنسبة للشمس، وكيف تلقي الشمس الظل، وما علاقة الظل بموقعك. وكل هذه الأسئلة مقدمات ممتازة في علم الفلك.[21]
وإن حياتنا اليوم تتطلب هذا الدمج بين العلوم بصفة أكثر إلحاحا. وإن كثيرا من المسائل الدينية النازلة تتطلب اجتهادا جماعيا يبني الفقهاءُ فيه على آراء الأطباء أو الفلكيين أو الاقتصاديين وهكذا. لكن الأرقى من ذلك أن يلم الفقهاء المفسرون المحدثون بعلوم الطب والهندسة والاقتصاد والفيزياء والكيمياء وهكذا. وقد يكون ذلك صعبا في وضعنا الحالي. ولكن لا يستبعد ذلك عند النوابغ الذين لم تعدم الأمة إنجاب أمثال هؤلاء إذا أفسح لهم المجال.
تتجلى أهمية هذا النهج في مجال الإعجاز العلمي، فإن هذا الموضوع أفسده قسمان من الناس؛ قسم من علماء الدين الذين لا يعرفون علوم هذا العصر، وينكرون مكتشفات علمية فرغ العلماء من التأكد منها، قسم من الباحثين المتحمسين الذين يجهلون كيفية فهم نصوص القرآن والسنة وآراء العلماء ومناهجهم فيه.
لقد عانى الناس من سطحية فهم النصوص الناشئة عن الجهل بأحد العلوم المطلوبة في فهمها. إن المفسر الذي ليس له إلمام بعلوم الطبيعة يقف به الفهم عند دلالات اللغة وتدعمها بعض الآثار، وقد يستنكر بعض ما توصل إليه العلم الحديث بشكل لا يدعو للريبة. وقد حدث العكس حيث تحمس عالم فيزياء مثلا لنظرية علمية معينة غير ثابتة ويلصقها بالقرآن أو الحديث ولم يسعفه مدلوله اللغوي ولم تسنده النصوص الأخرى المتعلقة بها.
فإتقان الجانبين مطلوب لكل مسلم معاصر. وليست العلوم والتخصصات كلها على نفس التعقيد الذي يبعد الناس عن جمعها واستيعابها. فإننا إذا افترضنا أن الإنسان يحتاج إلى عشرة سنوات لإتقان علم ما، فإنه بقي له من العمر ما يكفي لإتقان آخر. وزد على ذلك تطور تكنولوجيا المعلومات التي تيسر للإنسان الوصول إلى معلومات كثيرة بسهولة. وليس جمع المعلومات كل شيء في المسألة، فإن إتقان منهجية العلم مطلوب قبل الخوض في تفاصيله، وليس ذلك أيضا بعسير.
وتتجلى أهمية هذا النهج أكثر في حيازة علماء الدين احترام النخبة المثقفة والطبقة المتعلمة، فإن الفقهاء الذين لا يلمون بثقافة العصر ولا يستوعبون علومه غالبا ما تكون آراءهم غريبة مثيرة لإرباك الناس. ومن احترام الدين أن يقدَّم الخطاب الديني على مستوى علمي محترم يستسيغه أصحاب العلم والثقافة. وبذلك أصبح علماء الدين الإسلامي وطلبة العلم الشرعي المتمكنين أحق الناس بتبني هذا السلك الصاعد، فإنهم قد بدؤوا وامتلكوا أسسا مستقرة يمكن الاعتماد عليها.[22] ولكن لا يمنع ذلك أيضا لغيرهم أن ينتهجوا هذا النهج. وقد رأينا بعض الأطباء المصريين الذين اجتهدوا في اكتساب علوم الدين فوصلوا كما وصل غيرهم. ولكن الأمر خطير بالنسبة لمستعجل يريد البروز والتطفل فيما لا يحسن، والله وحده الموفق.
خامسا: مدى انتشار العلم بين أبناء الأمة، فإن الأمة لن تتفوق بجملة محدودة من العلماء الفطاحل ويقبع غالبية الأمة في غياهب الجهل والتخلف العلمي. فقد كان الخلفاء والأمراء المسلمون يهتمون بانتشار العلم والثقافة لدى عامة الناس. ومما كتبه عمر بن عبد العزيز إلى عماله في كل المدن الاسلامية: “وَلْتُفْشُوا الْعِلْمَ وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لَا يَعْلَمُ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا.”[23] فبينما كان التعليم في الحضارتين السابقتين – اليونانية والرومانية – مقتصرا على الطبقة العليا من المجتمع، فإن الحضارة الإسلامية فتحت مجال التعليم لعامة الناس، مما جعل الحضارة الإسلامية أوسع امتدادا وأطول بقاء وأعمق أثرا.
وبعد عصر الركود الحضاري الذي مني به المسلمون ضعف الإقبال على العلم وخمل النشاط الذهني، واقتصر العلماء وطلبة العلم على حفظ الموروث واختصار المتون وشرح المختصرات وهكذا. وهذا في العلوم الدينية، إما في العلوم الأخرى فلم يبق لها ذكر. وهو الذي جعل المسلمين اليوم عيالا على غيرهم في مجالات الحياة غير الدين. ثم أدى هذا الوضع إلى فصل التعليم الديني عن التعليم المدني، وهو أمر يجب إيقافه، يجب أن يعود الدين يدرس مع بقية العلوم جنبا إلى جنب، كما في عصورنا الذهبية، وآن الأوان لصناع القرار المسلمين أن يخترقوا هذا الحاجز، خاصة وقد أتيح لبعض الأصوات الإسلامية أن تصل إلى سدة الحكم.
ثم إن انتشار العلم في أوساط المسلمين ينبغي أن يسير عبر قنوات متعددة، من خلال المؤسسات التعليمية الرسمية ومجالس العلم في المساجد وغيرها ومن خلال الإعلام أيضا. إن فلسفة الإعلام التي ترتكز على الترفيه وإلهاء الجمهور يجب أن تعدل، إن الناس في عصر تفجر المعلومات – كما سماه ألفين تفلر[24]– أحرص ما يكون إلى كسب المعلومات، فينبغي استغلال هذا الطبع العصري في سياسة الإعلام. إن تقديم المواد الثرية المفيدة لا تبعد الإعلام عن الطابع الترفيهي. بل الترفيه الذي يحمل رسالة علمية إنسانية راقية يعدّ من أروع العمل الفني الإعلامي.
ثم أخيرا: مهما بذل من جهد علمي من قبل شعب من الشعوب فإنه لن يرقى إلى مستوى ريادي ما لم يقد إلى طريق الابتكار والإبداع. فإن مجال الاختراع والبحث العلمي هو الفيصل في تقدم أمة من الأمم أو تأخرها. ورغم أن دور المسلمين لم يغب نهائيا في هذا المجال إلا أن شحة العطاء الإسلامي في هذا اليوم لم تزل تعاني منها الساحة العلمية العالمية. ورغم أن مؤشر الابتكار العالمي سنة 2009 أدرج دولتين مسلمتين، هما تركيا (ترتيب 18) وإندونسيا (ترتيب 19)، ضمن الدول العشرين الكبار، لكنهما لم تحرزا مؤشرا إيجابيا من حيث الموازنة بين المدخلات والمخرجات في هذا المجال.[25] بينما الكيان الإسرائيلي الذي لم يحظ بتقدم كبير في أغلب المعايير التنافسية العالمية اجتهد كثيرا في هذا المجال بالذات حتى تمكن من احتلال المرتبة السادسة عالميا في مجال الابتكارات،[26] وأحرز الترتيب الأول عالميا في جودة مؤسسات البحوث العلمية.[27]
ويفترض من دولة قطر التي حصلت على الترتيب السادس عالميا من حيث جودة مؤسسات البحوث العلمية[28] وتونس التي أحرزت المرتبة الثامنة عالميا في نسبة توفر العلماء والمهندسين[29] أن تمسكا قصب السبق في مستوى إنتاج المخترعات العلمية لاحقا. والأمة بمجموعها مرشحة للتقدم في قابل الأيام، والشرط الأساسي للإمساك بقصب السبق في مجال الاختراع هو استقلالية التفكير، فمهما بذلت الجهود من قبل أمة من الأمم في مشابهة الغير فإنها لن تبلغ موقع الريادة العلمية، فإن أكثر ما يبلغه المقلّدون هو أن يكونوا أذيالا لغيرهم. وقديما قال العلماء: “أن تكون ذيلا في الحق خير لك من أن تكون رأسا في الباطل.” لكن مشكلتنا مع من يتمسك بالذيل لا يبالي إن كان في الحق أو في الباطل؟! وإن أبناء الأمة المحمدية تظل مقصرة مفرّطة في رسالتها ما لم يكونوا رؤوسا في الحق وأعلاما في العلم. والله ولي التوفيق.
إن الأمة الإسلامية بعثت متفوقة على الأمم الأخرى فيما يساعدها على أداء دورها الدعوي. قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[30] فهناك أمران اثنان يميّزان الأمة الإسلامية ويرفعها على غيرها؛ الأول أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، والثاني إيمانهم بالله. أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو دلالة على الخير وتحذير من الشر وهو دور تفعيل المقاصد الشرعية، وأما الإيمان بالله فهو رأسمال المسلمين وبطاقتهم الرئيسة.
والإيمان الراسخ في القلوب رفعة إنسانية فاخر الله بها عباده ورفع بها معنوياتهم قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[31] وقال تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } [32] وإنه قوة نفسية ورقي فكري يرفعان شأن الإنسان وترجح بهما كفة موازنة القوى، فإن عدم الإيمان خواء روحي وتخلخل عقلي.
وكان المسلمون ولم يزالوا هم أكثر الأمم حبا لدينهم وتحمسا له وإدراكا لأهمتيه. وقد أجرت منظمة جالوب الأمريكية[33] استفتاءً عالميا تستفهم به الناس “هل الدين مهم لحياتك اليومية؟” فكانت النتيجة أن أربع الدول الأكثر إجابة بـ”نعم” كلها دول إسلامية بامتياز. الأولى النيجر بالنسبة 100% والثانية بنغلادش بالنسبة 100% والثالثة عمان بالنسبة 99,5% والرابعة إندونيسيا بالنسبة 99%، ثم أقل دولة إسلامية في نسبة الإجابة بنعم كانت في إيران ولم تقل عن 82,5%، ولم تبق بعدها سوى البوسنة وألبانيا حيث اختلطت فيهما الحياة الدينية بالقيم الغربية الطاغية.
بينما إيطاليا التي تحتضن الفاتكان عاصمة الديانة الكاثولكية كانت الإجابة بنعم فيها: 71% فقط. وإن من أكثر الدول الغربية تديّنا – وهي الولايات الأمريكية المتحدة – لم تتجاوز الإجابة بنعم فيها 66%. ومن المثير للعجب أن في الدولة اليهودية إسرائيل لم تكن نسبة الإجابة بنعم فيها أكثر من 49 في المائة!![34]
وهذا يدل دلالة قوية على أن الروح الإسلامية في أمتنا ما زالت راسخة، لكنها لم توجه توجيها صحيحا ولم ترشد ترشيدا سديدا. وهذا يدعونا إلى الكلام عن الإيمان الذي يرفع شأن الأمة ويقودهم إلى طريق الريادة الحضارية، وليس الإيمان الداعي إلى الانزواء والتقوقع والسلبية والهرطقة. فليس كل إيمان يقود الناس إلى التقدم، وليس كل إلى إيمان يخرجهم من الظلمات إلى النور.
فالإيمان الذي ندعو الناس إليه إنما هو الإيمان المبني على العلم، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[35] وإن دعائم الإيمان قامت على شهادة أهل العلم مع شهادة الملائكة ورب العالمين قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[36] ولا تقبل في الإسلام مقولة دينية بدون دليل وبرهان، قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين}[37] وقال تعالى: {مِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}[38] وقال تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين}[39]
فإذا كان إيمان المسلمين قائما على العلم المدعوم بالدليل والبرهان فذلك هو الإيمان الذي يدفع بهم إلى التقدم الحضاري. ولكن إذا كان إيمانهم نابعا عن التقليد الأعمى، قائما على التصديق المطلق للمرجعيات الذين لا يسألون عما يفعلون ولا يُستوقفون فيما يقولون، فذلك الإيمان المخيب للأمل، المردي إلى مهاوي التخلف، المربك في دخول الأمة نفقا مظلما لا تجد منه مخرجا ولا ترى فيه نورا.
وأما الإيمان القائم على التوهم، المبني على مجرد المواجيد والأذواق، المغرق في الخيال، المدعي للإلهام والرؤى والفراسة، المتشبث بما يسمى بالعلم اللدني، الهارب من طلب العلم والبحث وإعمال العقل، فهو إيمان الخارج عن هذا العالم، غير المبالي بالحقيقة، يقنع نفسه بما يريده هو، يغرقه بما يتصوره هو، لا يكلف نفسه ببحث الحقيقة ولا يجرؤ على مخالفة هواه ولا معارضة أوهامه ولا طرد وساوس الشيطان عنه فهو أبعد إيمان عن التقدم العلمي وأخطر داء يهدد البناء الحضاري المنشود.
والصفة الثانية للإيمان الذي يقود الأمة إلى النهضة هو الإيمان الموحّد لله تعالى الخالي من الشرك، السالم من البدع. أما الإيمان الذي يخلط الخالق بالمخلوق، ويمجد الإنسان كما يمجد ربه، ويعطي الثقة المطلقة لغير المعصوم من الخطإ كما يؤمن بالرسول المعصوم، ولم يفرق بين الدين المنزل من عند الله والدين المخترع من عند رجال الدين الأدعياء، فهو الإيمان الذي كان وراء تخلف كل الأمم. هو الإيمان الذي جرّ العالم الغربي من عصره الذهبي إلى عصوره المظلمة، وهو الإيمان الذي أودى باليهود إلى ضياعهم وهوانهم، وهو الإيمان الذي أنهى به المسلمون رقيهم الحضاري وتقدمهم المدني.
والصفة الثالثة: هو الإيمان الداعي إلى التوازن، الإيمان الذي يعرف متى يقاتل ومتى يسالم، ويعي أسباب الخلاف ويلتزم آدابه، ويسامح المخالف في العقيدة الراغب في السلام والوئام، يزهد في الدنيا ويبني الحياة الطيبة فيها، لا يسرف في التحريم ولا يتميّع في التحليل. أما الإيمان المتشدد المتطرف الذي يكره كل مخالف، ويكفّر كل عاصٍ، ويبدع كل آت بجديد، ويلعن الدنيا جملة وتفصيلا، ويسهب في التحريم ولا يطمئن في التحليل، فهذا إيمان مدمر للدنيا ومخسر للآخرة، مبغّض للخالق ومنفّر للمخلوق.
والرابعة: الإيمان الداعي إلى عمارة الأرض، وهو إيمان يوسف الذي خطط للاقتصاد القوي، وإيمان داود الذي برع في صنع السلاح الحربي، وإيمان سليمان الموهوب في الصناعات الفنية، وإيمان محمد الخاتم وإمام المتقين في الكمال الحضاري وأسسه الأدبية عليهم جميعا أفضل الصلاة وأتم التسليم.
والخامسة: الإيمان العادل المنصف لحقوق الغير المستوعب للمصالح العامة. فهو الإيمان الواعي بالمقاصد الشرعية التي لا تترك خيرا إلا دعت إليه ولا شرا إلا حذرت منه، الإيمان الذي يعرف أن قيام الصرح الإسلامي يشترط مشاركة كل أطياف المجتمع على قدم المساواة. إن العدالة الإسلامية ضامنة لحقوق غير المسلمين شرعا منزلا من عند الله، ليست مصلحة سياسية اكتسبت من أجل أصوات غير المسلمين.
وبما أن الإيمان شجرة متعددة الشُّعب يجب أن تتوزع جهود التنمية الإيمانية على مختلف شُعبه. وتشمل خصال الإيمان دوائر الشخصية الثلاث، وهي (1) الدائرة المعرفية (2) والدائرة العاطفية (3) والدائرة السلوكية. فالإيمان بذلك ليس مجرد اعتقادات وقناعات، بل الإيمان أيضا مشاعر وعواطف. ونحتاج إلى خطة ثلاثية الأبعاد تغطي كل جانب بغذائها المناسب لبناء الشخصية الإسلامية، لبناء الجانب المعرفي نحتاج إلى الغذاء من الحقائق الصحيحة والمعلومات الموثوقة، ولبناء الجانب العاطفي نحتاج إلى الغذاء من المشاعر والذوقيات، ولبناء الجانب السلوكي نحتاج إلى الغذاء من التكاليف والنماذج العملية والمؤثرات البيئية.
ثم التركبية السليمة للشخصية يجب أن تكون مبنية على الترتيب الصحيح لتلك الجوانب، وإلا سيكون هناك خلل نفسي وانفصام شخصي. والتركيبة السليمة للشخصية الإسلامية لا بد أن تؤسس على قاعدة معرفية صحيحة. والعواطف والمشاعر والذوقيات يجب أن تبنى على أساس الإيمان الصحيح وفق الكتاب والسنة المؤسس أيضا على قاعدة من الحقائق الثابتة الموافقة للقواعد العلمية الصحيحة. ثم السلوكيات يجب أن تبنى أيضا على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة وما يبنى عليهما من الأصول المعتبرة، وتنطلق الأفعال من تلك المشاعر المضبوطة.
والانحراف سيحدث إذا اختل هذا الترتيب. وذلك يحدث على أشكال:
الأول: مشكلات الانفصام، أي أن يحدث انفصام بين تلك الجوانب الثلاثة. فالمعارف والعلوم والاعتقادات لا تؤجج المشاعر ولا تحيي الضمير. فتبقى قناعات مجردة واعتقادات ميتة، لا تحرك ساكنا ولا تؤسس عملا. والمشاعر لا تنتج عن الحقائق الصحيحة ولا تبنى على قناعة سليمة، فتكون نتاج الخيالات والأوهام. أو تكون العواطف تجري وراء الشهوات وتطيع كل ما تأمره الأهواء. والسلوك والتصرفات لا تقوم على قناعة صحيحة أو لا تدفعها مشاعر صادقة، بأن تنجرف مثلا مع التيار البيئي المنحرف وهو يعتقد فساد تلك السلوكيات وخطأ تلك التصرفات، أو بأن يتحرك تحت ضغط خارجي لا يرضاه هو. ويدخل في هذا النوع صور كثيرة من الانفصام الشخصي يطول ذكرها. ولا يشترط انفصال كل تلك الجوانب الثلاثة لحدوث الخلل. بل يكفي أن يخرج جانب واحد عن إطاره الطبيعي لحصول الاختلال.
الثاني: اختلال التركيب أن تنقلب تشكيلة هذه الجوانب، بأن يكون مثلا الجانب العاطفي يحتل المكان الأساس في بناء الشخصية، فتبنى عليها المعارف والقناعات، وكذلك تؤسس التصرفات والسلوكيات تبعا للمشاعر والمواجيد. أو تشكَّل القناعات وفقا للسلوكيات القائمة والتصرفات السائدة الموجودة. وهذا أصل ضلال أكثر المنحرفين، فيكون العقل تابعا لا متبوعا، ويكون العلم محكوما لا حاكما.
الثالث: اختلال الأساس، أن ينشأ الخطأ من الأساس وهو الجانب المعرفي الذي لا يبنى على حقائق ثابتة ومعلومات صحيحة. فيكون البناء مختلا كليا، منحرفا من أصله.
وتتفرع عن تلك الصور كلها صور منحرفة كثيرة. هدانا الله سواء السبيل.
ثم من أهم جوانب التفوق المطلوبة إسلاميا هو التفوق في ميدان الأخلاق. وهو ميدان الإسلام الأصيل، ومن مقتضيات الإيمان الصحيح، وهو معيار الخيرية التي فاضل الله بها عباده. كما أنه الفضيلة التي يستحسنها كل عقل سليم ويجلها كل ضمير كريم. قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا.”[40]
وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ.”
قَالُوا: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟”
قَالَ: “الْمُتَكَبِّرُونَ.”[41]
والنصوص في ذلك كلها معروفة مشهورة مثبتة. ولكننا لا يجب أن نسرح بعيدا في الكلام المثالي ثم نصطدم دائما بواقعنا المأساوي. يجب أن نعرف واقعنا بدقة وموضوعية إذا أردنا التغيير. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتمد على الإحصائيات في قياس الإنجاز الدعوي، ولم يكتف بالكلام الوعظي ولا بتأجيج المشاعر دون النزول إلى معرفة واقع الناس، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يعلمنا الواقعية والموضوعية. روى الإمام مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الْإِسْلَامَ.»[42] حتى لفظ الإحصاء استخدمه. وفي رواية البخاري قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالْإِسْلَامِ مِنْ النَّاسِ. فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةِ رَجُلٍ.[43]
وهكذا بدأت حركة الإصلاح الاجتماعي التي قادها الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم باستخدام تقنية متطورة سبقت عصرها، وقد تكون هذه العملية أول إحصائية أجريت في التاريخ، ويجب ألا تكون هي الأخيرة من نوعها في دعم القضايا الإسلامية. وينبغي أن يتواصل سلوك هذا النهج العلمي في وصفنا للواقع وحكمنا له، ولا نبني رؤيتنا ومواقفنا إلا على مثل هذه الدقة والواقعية.
وفي سياق الكلام عن الأخلاق كمعايير للتقدم المنشود، فإن موضوع أهمية الأخلاق وماهيتها أمر مفروغ منه. إذا قصدنا مسابقة الأمم في هذه الحلبة لكي تكون الأمة الإسلامية أحسن الأمم أخلاقا، يجب ألا نبدأها بقصور المعلومات عن واقع أخلاق الأمة كممارسة يومية، لا كمعلومات وقناعات فإنها أيضا مفروغ منها. مع استثناء قليل لدى المنحرفين الذين فسدت آراءهم وعقائدهم. ومحاربة الأفكار الفاسدة جارية ماضية. لكننا أحوج إلى التعامل الواقعي المبني على الأرقام الدقيقة التي تصف الواقع بشكل علمي.
إن الحصول على المعلومات الدقيقة عن وضع ممارسة الأمة للأخلاق الكريمة ليس بالأمر السهل، لكن كمحاولة التقريب لوصول الهدف أعرض هنا بعض الإحصائيات التي تكشف لنا بعض جزئيات هذا المطلب.
البحث الأول بحث عن “مدى إسلامية الدول الإسلامية”[44] نشرته مجلة الاقتصاد العالمي (Global Economy Journal) الأمريكية، في عددها 10 سنة 2010 م. فقد قام به باحثان من جامعة جورج واشنطن الأمريكية شهرزاد رحمن وحسين عسكري. إن أهمية هذا البحث بالنسبة إلى موضوعنا ليس في نتيجته ولا في منهجيته، ولكن في دوره في تنبيه الناس إلى هذه الجوانب التي أشار إليها البحث وفي دفع الباحثين إلى إجراء بحوث موازية تحسّن نواحي القصور الكائن في ذلك البحث.
وأما من حيث النتيجة، فقد تكون مفاجئة، فقد تصدرت الدول الغربية قائمة الدول الأكثر إسلامية، بداء بنيو زيلندا التي احتلت المتربة الأولى، ثم لوكسنبورغ وهكذا إلى سنغافورة في الترتيب 37 التي تلتها بعدها أولى دولة إسلامية في القائمة هي ماليزيا التي لم تحصل إلا على الترتيب 38 من بين 208 دولة تم قياسها. يجب الاعتراف بأن التعاليم الإسلامية لم تطبق في الدول الإسلامية كلها بشكل كامل حتى في الدول التي أعلنت إسلاميتها في دساتيرها وألصقتها بألقابها. ويجب الاعتراف أيضا بأن كثيرا من القيم الإسلامية ونظمها الاقتصادية والإدارية والسياسية وغيرها مقتبسة ومطبقة في دول غير إسلامية. ولكن أن تكون العقائد والشعائر التعبدية غير محسوبة في مدى إسلامية الدول فهذا إجحاف لها.
أما قصوره من حيث المنهجية فإن البحث استخدم معايير غير مسلم بها. فقد قاس إسلامية الدول بمؤشرات عدة تتمثل في: (1) الاقتصاد وسيادة القانون (2) وكفاءة ونزاهة الحكومات (3) وحقوق الإنسان وحقوقه السياسية (4) والعلاقات الدولية. ولست ممن اعترض على هذه المعايير كمؤشرات تقيس مدى إسلامية الدول، ولكن لم يتم الارتكاز على أهم خصائص الإسلام كمنظومة قيمة فريدة من نوعها. بل كان التركيز على المبادئ العامة التي تتجاوز الحدود العقدية والثقافية الخاصة. ولا أرى ذلك خطأ مائة بالمائة ولكن الأمر يحتاج إلى مزيد تدقيق.
ولكن بمقابل هذا البحث هناك إحصائيات أخرى تعدّل من بعض الإيحاءات الناجمة عن نتائج ذلك البحث، وهي أكثر دقة وأكثر تخصيصا، منها إحصائية دورية قامت بها هيئة الأمم المتحدة في نسبة عدد الجرائم عالميا، فقد احتلت الدول غير الإسلامية أولى الدول الأكثر جريمة، وإن من بين الثلاثين الدولة الأكثر جريمة لم تكن منها دولة إسلامية واحدة، بينما يكثر ذكر الدول الإسلامية في مصاف الدول الأقل جريمة.[45] وهي نتيجة متكررة على الأقل خلال أربعة عقود خلت. وهو يدل بوضوح على أن وضعية الأخلاق من مجتمعاتنا الإسلامية لم تكن بدرجة من السوء بحيث يدفعنا إلى الاعتقاد بألا إسلام في الدول الإسلامية. ولكن مع ذلك لا يدعونا هذا إلى تجاهل القصور الأخلاقي الكبير الذي لا ينكره أحد من المسلمين.
ومن المثير أن نجد دولة نيوزيلندا التي احتلت المرتبة الأولى حسب البحث المذكور، هي الثانية عالميا – بعد دولة لسوتو- من حيث نسبة جريمة الاغتصاب سنة 2008 الميلادية، حسب المعهد الأوروبي للوقاية من الجريمة ومتابعة الإحصائية العالمية حول الجريمة والعدالة.[46]
ومع ذلك كله فلا نقنع أنفسنا بأن الوضع كله بخير بحجة أن جرائمنا أقل من هؤلاء، فإن الأخلاق التي أمرنا بها القرآن وعلمنا إياها الرسول صلى الله عليه وسلم سقفها عالٍ مع واقعيتها وملاءمتها للفطرة الإنسانية. لكننا نريد من ذكر هذه الإحصائيات والبحوث الميدانية ألا نعتمد دائما على الكلام النظري في الأخلاق غافلين عن التدقيق في المعرفة الميدانية بشكل علمي موضوعي، وألا نبالغ في ذم الأوضاع وتيئيس الناس من الإصلاح. فيجب أن نعرف حجم الخير وحجم الشر في مجتمعاتنا بدقة، ثم نعالجها بناء على هذه المعطيات العلمية، ونقيس أداءنا أيضا بهذه الموضوعية.
ومن المهم أن تقوم المنظمات الدعوية والحركات الإسلامية بهذا النهج، أي أن تقيس أدائها أو توصّف واقع الأمة بهذه الآلية العلمية المنضبطة. وأن ننهي أسلوبنا القديم المعتمد على الانطباعات أو على المعلومات القديمة التي نفدت صلاحيتها. ويمكن الاستعانة ببعض المؤسسات المتخصصة في إجراء الإحصائية، وهي متوفرة في بعض البلدان الإسلامية. فنجري إحصائيات مثلا في عدد المصلين في المساجد وعدد المتلزمين بالمواعيد وعدد المواظبين على قراءة القرآن وهكذا.
ثم أهمّ من ذلك أن نحسن طريقنا في أسلوب تعليمنا للأخلاق. فإن الأخلاق تكوّن تكوينا ولا تلقّن تلقينا. وليست هي هبة منزلة من السماء نحصّلها بالدعاء فقط – مع أهميته – أو نتبرأ من سيئها بالسبّ ثم نعدّ ذلك بطولةً وشجاعة.
إن تربية الأخلاق علم يدرس ومهارة تكتسب. وإن بعض الدول مثل اليابان اجتهدت أن تكون الأخلاق من أولى أهدافها التعليمية يقاس عليها أداء المؤسسات التعليمية. فكما أن طرائق كسب المهارات تطورت، وكذلك أساليب تعويد سلوكيات وأساليب صقل ذوقيات درست وطبقت في مؤسسات تعليمية لدى الدول المتقدمة تعليميا. وقد أشرنا سابقا أن بعض الدول الإسلامية نجحت في تطوير أساليبها التعليمية والتربوية. ولا يلزم ذلك أن يتم عبر المباني الفخمة أو الأجهزة الصعبة[47]، لكنه إتقان علم سبق الناس أن نجحوا فيه، وأسسوه تأسيسا لا يعتمد على خصوصيات يعجز غيرهم عن توفيرها.
إن الإسلام ليس رهبنة تحارب المادة، وإن الزهد الإسلامي لا يشجع على البطالة ولا يعيق عجلة التنمية. بل الإسلام وجه جهد الإنسان نحو الاستفادة المثلى من المادة التي هي في نظر الإسلام وسيلة للتقرب إلى الله.
قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ. فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ. وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ. وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ. فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاء.[48]
فالمال أداة مهمة لتحقيق الأعمال الصالحة الكثيرة. فلذلك لم يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم عن أن يغبط المسلم أخاه في وفرة الإمكانية المالية وحسن التصرف فيها، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا.[49] والمعروف أن الحسد هنا بمعنى الغبطة، وليس الحسد بمعنى تمني زوال النعمة عن صاحبها.
وإن كثيرا من المقاصد الشرعية لا تتحقق إلا بالمال، بل هو واحد من المقاصد الأصول التي قصد الشارع توفيرها. وإن ذروة سنام الإسلام الذي هو الجهاد لا يستغني عن توفر المادة، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[50]
وكلما توفرت عناصر القوة لدى المؤمن كان ذلك أفضل في ميزان الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ.[51] وليست عناصر القوة مقتصرة على نواح مادية، بل هي آخر تلك العناصر. ولكن الاستغناء عن المادة دروشة مرفوضة وتخلف أكيد.
فلا غنى من قياس تقدم الأمم بهذا المقياس، ولا يلزم من ذلك أن نتلبس بداء التكاثر والتفاخر الذي ذمه القرآن ورفضته المعاني الأخلاقية الراقية، لكنه التوازن الذي اتصف به الإسلام الذي علّم الناس الزهد في الدنيا مع عدم التفريط بواجب عمارة الأرض.
ومع ذلك فإنه من المهم جدا أن نشير هنا إلى أن التقدم لا يقاس بحجم المادة التي تمتلكها أمة من الأمم، وثراء المادة ليس عصا سحرية لنقل أمة من حالة التخلف إلى موقع التقدم. إن قدرة الاستفادة من المادة هي التي تجعل المادة لها قيمة.
ومن صور انتكاس مبادئ إنسان هذا العصر كون نظرية الاقتصاد اليوم قامت على مبدأ أن كل نشاط اقتصادي يقاس مدى نجاحه بالعائد المادي الناتج عن ذلك النشاط، بل تقلص مقياس الفائدة المادية في قيمة العملات النقدية الورقية، وهي قيمة هشة وهمية، فإن قيمة العملات تتغير متأثرة بتموُّجات عمليات التبادل التجاري. وهذا آفة خطيرة تهدد النظام الاقتصادي العالمي، وهي من الأسباب الخافية لكل أزمة اقتصادية في عصرنا الحاضر.
والمتتبع لمجريات الأحداث الاقتصادية في القرن المنصرم وبداية هذا القرن، يجد أنه بعد اتفاقية بريتون وودز[52] – حيث اتفقت الدول على نظام العملات المشترك – خلال كل ثلاثين سنة تقريبا وقع العالم في أزمة اقتصادية عالمية، وقد لم تكن الأزمة الأخيرة أخطرها – وإن كانت هي أشملها أثرا – فقد أصيبت الولايات المتحدة بأزمة أشد في أواخر ستينيات إلى أوائل سبعينيات القرن الماضي مما اضطرها إلى التخلي عن ربط قيمة الدولار برصيدها من الذهب.
إن الممارسات الاقتصادية في البلدان الإسلامية قد عرفت قيمة معيارية للأنشطة التجارية، فكان المسلمون يقيسون بالدينار والدرهم في أنشطتهم التجارية. وحديث عروة البارقي الآتي يصور تلك الحالة:
عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ رضي الله عنه قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا لِأَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً، فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ، فَبِعْتُ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجِئْتُ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ لَهُ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ. فَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ الْعَظِيمَ فَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَالًا.[53]
وهكذا شأن المسلمين عبر القرون الماضية فهم يعتمدون وزن الدينار والدرهم لقياس الربح التجاري، وليس من الصدفة أن يكون سعر الشاة في عصرنا هذا لا يختلف كثيرا عن السعر الجاري أيام عروة البارقي رضي الله عنه، والدينار الذهبي أثبتت قوته الشرائية إلى اليوم، وهو وزن المثقال المعروف ما يقدر بأربعة غرامات والربع. فقياس الأسعار وقيم الأشياء المادية لا تختلف كثيرا بالمعيار الإسلامي القديم، وليس كحالة الدولار الذي شهد نقصا مطردا في قوته الشرائية نتيجة التضخم، وهو في هذه الأيام يتجه إلى التدهور المستمر جراء الركود الاقتصادي الأمريكي.
إن معيار الدينار والدرهم معروف ومعتمد عبر أكثر من أربعة عشر قرنا، إلا أن الإسلام جاء بمعيار آخر إضافة على ذلك المعيار المادي المتداول. نلاحظ في الحديث الآتي هذه الحقيقة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.[54]
إن الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وسّع المدارك وطور العقلية الاقتصادية، فبين عليه الصلاة والسلام أن اعتماد الدينار والدرهم ليس المعيار الوحيد في قياس الربح والخسارة، مع إقراره بصحة ذلك الاعتقاد السائد في قياس الربح، إلا أن أفقا جديدا وحقيقة مهمة أخرى لا تجوز الغفلة عنها.
وليس الحديث كلاما وعظيا لا يمت إلى الواقع العملي الاقتصادي بصلة. فإن حسنات الأعمال الصالحة وسيئات الأعمال السيئة عناصر مؤثرة مهمة في العملية الاقتصادية. والحقيقة أن علم الاقتصاد قد شهد تغير القناعات في هذا الباب، فكثير من الخبراء قد وصلوا إلى قناعة أن المعايير المادية ليست هي “حجم الحقيقة” الوحيد في النشاط الاقتصادي. فقد أُدخل عامل تبني القيمة الإنسانية الأخلاقية ضمن أهم عوامل القوة في النشاط الاقتصادي، فإن العمل الاقتصادي القوي الذي يضمن نجاحا باهرا هو الذي يتبنى قيمة إنسانية أخلاقية جادة. وسار على هذا المبدأ كثير من الشركات ورجال الأعمال في أمريكا، وإن كان الهدف المادي يبقى هو الأصل عندهم، إلا أن شيئا من المثالية الإنسانية الأخلاقية قد أقنع هؤلاء الغربيين أن المادة ليست هي الحقيقة المفردة الوحيدة.[55]
فحين نتكلم عن المشاريع التي تأسست في رحم الإسلام فليس من الصواب أن نحصر تفكيرنا على المشاريع التي تدرّ بسيل من النقود. إننا نعتبر أن جلب مزيد من النقود جزءا من العملية، وليست نهاية المطاف ولا الهدف الأخير. إن الإسلام أطلع الناس على آفاق ما وراء الربح المادي، علّم الإسلام التجّار أن بعد الربح المادي مكاسب أخرى، فلا يقف التاجر المسلم عند حصول الدريهمات ولا الدنينرات، بل يستثمر هذه الدراهم والدنانير في كسب الربح الأكبر والأبقى، ربح الدنيا والآخرة.
وعلى غرار هذا المبدأ برز في الآونة الأخيرة نوع جديد من النشاط الاقتصادي ما يسمى بـ(Social Bussines) وهو المشروع الاقتصادي الذي لا يستهدف الربح المادي بالأساس ولكن يقصد منه المصالح الاجتماعية من مساعدة الفقراء وتوفير فرص العمل وتقليل الجرائم إلى آخر ما هنالك.
ثم إن ما تفضي به ثروة الأمة إلى التقدم هو صرفها في مجاريها الصحيحة، وليس كنزها وتكديسها في الخزائن. ثم إن الغنى الحقيقي يتمثل في القدرة على الفعل واتخاذ القرارات المهمة واختيار المواقف المؤثرة. وقد أدى الوضع الاقتصادي الراهن إلى اعتماد دور عشرين دولة هي أكبر دول العالم من حيث حجمها الاقتصادي، ثلاث منها دول إسلامية هي تركيا والسعودية وإندونيسيا. ومع أهمية نسبية لهذا الاعتراف الدولي في إمكانيتها الاقتصادية، إلا أن المكانة المحترمة لا تكتسب بكمية الأموال المخزونة والمتداولة، ولكنها تحصل بالرؤية الثاقبة والموقف الريادي. وليس ربط مصيرنا بمصير الدول الكبرى أمرا مميزا ولا مفخرة ننشر ذكرها شرقا وغربا. وليست المناطحة المستمرة ومشاغبة الأمم أيضا بالسياسة الحكيمة ولا هي الشجاعة التي يفتخر بها، ولكن الحكمة في الاستقلالية والذاتية والطموح الشجاع.
ليست قيمةُ ما تجمعه الأمة من الثروات في كميتها، ولا في طول وعرض ما يظهرون من المظاهر الخلابة، ولكن فيما يفيدون بها بني البشر، وفيما يجودون به من الخير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْأَكْثَرِينَ هُمْ الْأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ.[56]
فجمع الأموال ليس شرا، وليس خيرا أيضا بحد ذاته، ولكن الخير في الإفادتها وبذلها. فروح البذل والتضحية هي سر نجاح الأمة. والادخار أيضا ليس خطأ ولا ضد الزهد ولا هو طول الأمل المذموم، فقد ادخر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مبيعات نخل خيبر جزءا منها لقوت أهله سنة، وجعل الباقي في نفقة الجهاد. كما روى ذلك البخاري ومسلم.[57] فالادخار مشروع توفيرا للمشاريع الكبار واحتياطا لنوائب الدهر.
فالخلاصة أن المادة ليس لها قيمة ذاتية، وإنما قيمتها في كيفية وضعها وتصريفها. فالغنى حسنٌ مع الكرم قبيحٌ مع البخل، والقوة المادية حميدة مع العدل ذميمة مع الظلم، والتفوق المادي عظيم مع التواضع حقير مع التكبر، والثروة مفيدة مع العلم ضارة مع الجهل. ومن الجهل أن تجعل المادة هدفا نهائيا ومعيارا مستقلا، ومن الجهل أيضا إنكار المادة وإغفال دورها.
تتبارى الحضارات في إنتاج الفنون الجميلة، ويقاس تفوقها بجمالية آثارها. وقديما رأى الفلاسفة أن الرقي الإنساني يتجلى في ثلاثية الحق والأدب والجمال. فقيمة الجمال ثلث الرقي الإنساني. والحق والأدب دائما جميلان في نظر السماء وعند العقلاء الصلحاء. فظهر الجمال في كل صور الرقي الإنساني.
ولا أحد يقدر على مناهضة سيادة الجمال الغالب في الكون، فإنه صفة الخالق وهو يحبه في خلقه سبحانه وتعالى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ”[58]
قد جاء الإسلام يتحدى كل أرباب الجمال الفني في عصر البعثة، وكان أعظم جمال عند العرب هو جمال الكلمات وبلاغة التعبير، فكانوا يتباورن في الشعر والخطابة. وكان للجمال الإسلامي انتصار أولا بقرآنه الذي بقي تحديه على كل البشر إلى يوم القيامة، ثم بشعراء الإسلام وخطبائه رضي الله عنهم.
وكان للإسلام اهتمام خاص بجمالية الهيئة وحسن المظهر، مثلما روى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ.”[59]
وروى الأمام مالك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَالْاخْتِتَانُ.[60] قال ابن حجر في هذا الحديث: ويتعلق بهذه الخصال مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع، منها تحسين الهيئة، وتنظيف البدن جملة وتفصيلا، والاحتياط للطهارتين، والإحسان إلى المخالط والمقارن بكف ما يتأذى به من رائحة كريهة، ومخالفة شعار الكفار من المجوس واليهود والنصارى وعباد الأوثان، وامتثال أمر الشارع، والمحافظة على ما أشار إليه قوله تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}[61] لما في المحافظة على هذه الخصال من مناسبة ذلك، وكأنه قيل قد حسنت صوركم فلا تشوهوها بما يقبحها، أو حافظوا على ما يستمر به حسنها، وفي المحافظة عليها محافظة على المروءة وعلى التآلف المطلوب، لأن الإنسان إذا بدأ في الهيئة الجميلة كان أدعى لانبساط النفس إليه، فيقبل قوله، ويحمد رأيه، والعكس بالعكس.[62]
والجمال ظاهر وباطن، قال القرطبي رحمه الله: “قال علماؤنا: فالجمال يكون في الصورة وتركيب الخلقة، ويكون في الأخلاق الباطنة، ويكون في الافعال. فأما جمال الخلقة فهو أمر يدركه البصر ويلقيه إلى القلب متلائما، فتتعلق به النفس من غير معرفة بوجه ذلك ولا نسبته لأحد من البشر. وأما جمال الأخلاق فكونها على الصفات المحمودة من العلم والحكمة والعدل والعفة، وكظم الغيظ وإرادة الخير لكل أحد. وأما جمال الأفعال فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم.”[63]
فكانت للحياة الإسلامية في عصورهم الذهبية مظاهر جمال أعجب بها أوروبيو العصور الوسطى، قال المؤرخ الأمريكي وِل ديورنت: “… وتأثر الصليبيون بروعة الزجاج المنقوش المصنوع في بلاد الإسلام، وربما كان من نتائج تأثرهم بها أنهم نقلوا من بلاد الشرق الأسرار الفنية التي أدت إلى تحسين الزجاج الملون الذي نشاهده في الكنائس القوطية.”[64] وقال: “وكانت البوصلة، والطباعة، والبارود معروفة في بلاد الشرق قبل انتهاء الحروب الصليبية، ولعلها انتقلت إلى أوربا في أعقاب تلك الحروب. ويلوح أن الأوربيين كانوا أشد جهلاً من أن يعنوا بالشعر، والعلوم، والفلسفة “العربية”؛ ولهذا فإن تأثر الغرب بهذه المؤثرات الإسلامية جاء عن طريق أسبانيا وصقلية لا عن طريق اتصالهم بالمسلمين أثناء هذه الحروب.”[65]
فالتفوق الجمالي أمر أصيل في حضارتنا الإسلامية، إلا أن له طابعا خاصا يميزه عن غيره من الحضارات التي لا تحمل معها معنى سماويا كريما ولا تلتزم بشريعة الخالق عز وجل. بينما كان الرومان يتبارون في مظاهر العظمة والقوة مع إظهار الفحش الجنسي، جاءت الحضارة الإسلامية بمذهب جمع بين العظمة والرقة، وبين الفن والعفة. فإذا كانت المباني الرومانية تكتفي بتزيين الأحجار والجدران وصنع التماثيل، فإن الحضارة الإسلامية عرّفت البشرية بجمال الطبيعة وتزيينها، كانت البساتين والأنهار والأشجار والزهور والثمار لا تغيب عن قصورها الفخمة تشارك نقوشها الحميلة. إن اكتمال الذوق الجمالي الإسلامي متأصل في كمال تعاليم دينه الشامل، فهو دين ربط بين السماء والأرض وبين المادة والروح وبين الثروة والزهد وبين القوة العدل وبين العظمة والتواضع.
ثم لم يناطح الجمال الإسلامي سقفه الذي يحول بينه وبين قبح الفواحش، إن للعفة حضورها الظاهر في مبانيها وشوارعها وأشكالها الهندسية وخطوطها الرشيقة، لم يفترق في ذلك مذهباها المشرقي والمغربي مع كثرة تنوعها وسعة إبداعاتها.
والأعظم من ذلك أن قمة الجمال قصدها المسلمون لمساجدهم، فكانت مساجدهم أفخم وأضخم وأحلى وأبهى من قصورهم. إنه الحب الصادق لله الكريم سبحانه، فكان الجمال جزءا من تدينهم، وكانوا ينادون للصلوات بأجمل الأصوات، ويكتبون كتاب ربهم بأحسن الخطوط، وهكذا تغلغت روح الجمال في جسم التدين الرائع، والتزيّن مأمور ومستحسن في شعائر الإسلام، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[66] إن الجمال في الإسلام إما واجب أو مندوب أو مباح، وإذا شابه قبح فمكروه وإذا ركبه فحش فحرام. وأول قبح أفسد الجمال قبح السرف والمخيلة، وأول فحش شوه الجمال فحش المعصية والوقاحة.
لم تحتج عودة الجمال الإسلامي إلى الدعوة إليها، فالكشف عنه كاف لجذب الناس إليه، والكلام عنه ضامن لحب الناس له. لكن النفوس هي التي تحتاج إلى التهذيب، وسلامة الفطرة يحصلها المرء بالثقافة الراقية والبيئة السليمة الصافية. وإذا فسدت الأذواق بقساوة المنشأ أو غباوة المعشر فتهذيبها مفروض وبقاؤها مرفوض.
فتلك هي معايير التقدم الذي أمر به الشارع وحث على تحقيقه، فهي معايير متعددة ومسالك مختلفة في ميادين متنوعة ولكن أولويات التفوق تبدأ من التفوق العلمي المعرفي ثم التفوق العقدي الإيماني ثم التفوق القيمي الخلقي وسائر الأمور بعدها تبع لا متبوع، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[1] أخرجه البخاري: 22/297 رقم: 6774
[2] سورة الحديد: ٢٠
[3] سورة المطففين: ٢٦
[4] سورة الرحمن: 60
[5] سورة النور: 55
[6] سورة الفرقان: من الآية44
[7] المنتدى الاقتصادي العالمي (بالإنجليزية: World Economic Forum)، هي مؤسسة مقرها جنيف، وتقيم اجتماعها السنوي في دافوس، بسويسرا. يحضر الاجتماع كبار رجال الأعمال، وقادة سياسيون، ونخبة من المثقفين والصحفين من كل أنحاء العالم. يعقد أيضا عدد من الاجتماعات الإقليمية طول العام. وقد أسست في 1971 من قبل كلاوس شواب، برفسور أعمال بسويسرا.
(المصدر: المنتدى_الاقتصادي_العالميhttp://ar.wikipedia.org/wiki/)
[8] انظر: The Global Competitiveness Report 2011-2012, Editor: Professor Klaus Schwab, World Economic Forum, page: 3
[9] سورة العلق: ١
[10] سورة طه: ١١٤
[11] سورة فاطر: ٢٨
[12] سورة المجادلة: ١١
[13] سورة الزمر: ٩
[14] إن الغزالي هو أول من جعل علم المنطق مقدمة لأصول الفقه، واعتبر أن الفقيه يجب أن يستوعب هذه القواعد المنطقية الأرسطية ليقدر على استناط الأحكام ومناقشة الآراء الفقهية. قال في مقدمة المستصفى: “وليست هذه المقدمة من جملة علم الأصول ولا من مقدماته الخاصة به، بل هي مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط بها فلا ثقة له بعلومه أصلا، فمن شاء أن لا يكتب هذه المقدمة فليبدأ بالكتاب من القطب الأول فإن ذلك هو أول أصول الفقه وحاجة جميع العلوم النظرية إلى هذه المقدمة لحاجة أصول الفقه.” (المستصفى ص18)
[15] ألّف ابن تيمية كتابين في نقد علم المنطق الأرسطي: “نقد المنطق” و”الرد على المنطقيين”، وكلاهما مطبوع.
[16] وقد رأينا خطورة هذه المنهجية في ضياع وتيهان الأمة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين كما بيناه في الفصل الأول. وهناك مسائل عديدة هائلة ضاعت الناس واحتارت بسبب هذه المنهجية القاصرة.
[17] غيورغ فيلهلم فريدريش هيغل (بالإنجليزية: George Wilhelm Friedrich Hegel) فيلسوف ألماني، ولد بتاريخ27 أغسطس عام 1770 في عائلة بروسيا تنتمي إلى البورجوازية الصغيرة في شتوتغارت، فورتيمبيرغ، في المنطقة الجنوبية الغربيةِ من ألمانيا. يعتبر هيغل أحد أهم الفلاسفة الألمان حيث يعتبر أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي. يقول هيجل عن فلسفته: أنها احتوت الفلسفات السابقة جميعا. فهو امتداد وليس نشوء جديد بل هو تفسير لما اراد من سبقه من الفلاسفة ان يقوله ولم تسعفهم التجربة الإنسانية في الاستدلال أو الإيضاح. مات هيغل بمرض الكوليرا عام 1831.
(غيورغ_فيلهلم_فريدريش_هيغلhttp://ar.wikipedia.org/wiki/)
[18] هو الدّكتور مراد ويلفريد هوفمان (بالألمانية: Murad Wilfried Hofmann) دبلوماسي ومؤلف ألماني مسلم بارز. ولد سنة 1931 في أشافنبورغ : بلدة كبيرة في ألمانيا. صاحب العديد من الكتب التي تتناول مستقبل الإسلام في إطار الحضارة الغربية وأوروبا. كان كاثوليكي المعتقد تحول إلى الإسلام عام 1980. كانت باكورة أعماله: “الإسلام كبديل“، ثم كتاب “الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود“. ثم كتاب “رحلة إلى مكة“، تركّز العديد من كتبه ومقالاته على مكانة الإسلام في الغرب، وبعد أحداث 11 سبتمبر، بشكل خاص، في الولايات المتّحدة. هو أحد الموقّعين على “الكلمة المشتركة بيننا وبينكم، رسالة مفتوحة من قبل العلماء المسلمين إلى الزّعماء المسيحيين”، تدعو إلى السّلام والتفهّم. (مراد_هوفمانhttp://ar.wikipedia.org/wiki/)
[19] خواء الذات والأدمغة المستعمرة، د مراد هوفمان، ترجمة: عادل المعلم ونشأت جعفر، مراجعة د. سامح سعيد و د. عمرو شريف و د. محمد الخشت، مكتبة الشروق الدولية، مصر، الطبعة الثانية سنة 1432هـ/2011م، ص13
[20] المصدر السابق: ص103
[21] العلم الإسلامي وصنع النهضة الأوروبية، ترجمة لـحوار مع جورج صليبا، نُشر على موقع (روروتوكو) حول كتابه: Islamic Science and the Making of the European Renaissance، الذي صدر عام ٢٠٠٧
[22] وقد بدأت إيران هذه التجربة، حيث فتحت الجامعات الإيرانية أبوابها لقبول عدد كبير من خريجي الحوزات العلمية (وهي مؤسسات تعليمية لتأهيل علماء الشيعة للاجتهاد على مذهبهم) مما مكن لعلماء الشيعة أن يخوضوا غمار السياسة والاقتصاد وغيرهما من المجالات.
[23] أخرجه البخاري معلقا في كتاب العلم باب بَاب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ.
[24] آلفين توفلر (بالإنجليزية: Alvin Toffler) ولد في 3 أكتوبر 1928، كاتب ومفكر أمريكي وعالم في مجال دراسات المستقبل. تم ترجمة كتبه إلى عدة لغات عالمية. قام بتدريس رؤساء دول مثل ميخائيل غورباتشوف رئيس الإتحاد السوفيتي الأخير والرئيس الهندي أبو بكر زين العابدين عبد الكلام ورئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد. في كتابه” الموجة الثالثة “يبين تفلر ثلاثة أنواع من المجتمعات، مستندا على مفهوم “الموجات”- كل موجة تزيح المجتمعات والثقافات الأسبق جانبا. الموجة الأولى هي مجتمع ما بعد الثورة الزراعية الذي أزاح ثقافات مجتمع الصيد. الموجة الثانية هي المجتمع أثناء الثورة الصناعية. المكونات الرئيسية لمجتمع الموجة الثانية هي الأسرة النووية، نظام تعليم وشركات من نوع مصنعي. (آلفين_توفلرhttp://ar.wikipedia.org/wiki/)
[26] The Global Competitiveness Report 2011-2012, page: 22
[27] المصدر السابق: ص 213
[28] المصدر السابق ص303
[29] المصدر السابق ص351
[30] سورة آل عمران: ١١٠
[31] سوؤة آل عمران: ١٣٩
[32] سورة محمد: ٣٥
[33] منظمة جالوب (بالإنجليزية: The Gallup Organization) وهي منظمة تقدم الاستشارات الإدارية والموارد البشرية والبحوث الإحصاءية، منظمة جالوب تمتلك ما يقرب من أربعين مكتب عبر دول العالم ويقع مقرها الرئيس في العاصمة واشنطن ويقع مقر العمليات في أوماها بولاية نبراسكا الأمريكية، الرئيس التنفيذي لها في الوقت الحالي هو جيم كليفتون، تعرف منظمة جالوب على نطاق واسع في العالم العربي بمؤسسة جالوب. منظمة جالوب تمتلك أربع أقسام، جالوب لاستطلاعات الرأي، جالوب الاستشارية، جامعة جالوب، وجالوب الصحفية. وعنوانه موقع المنظمة: http://www.gallup.com/Home.aspx
(المصدر: منظمة_جالوبhttp://ar.wikipedia.org/wiki/)
[35] سورة محمد: ١٩
[36] سورة آل عمران: ١٨
[37] سورة البقرة: ١١١
[38] سورة الأنبياء: ٢٤
[39] سورة النمل: ٦٤
[40] أخرجه البخاري: 18/461 رقم: 5575، ومسلم: 11/459 رقم: 4285
[41] أخرجه الترمذي: 7/309 رقم: 1941، وابن حبان: 23/138 رقم: 5648
[42] أخرجه مسلم: 1/131 رقم: 149
[43] أخرجه البخاري: 10/280 رقم: 2832
[44] عنوان البحث بالإنجيلزية: How Islamic Are Islamic Countries?
[45] المصدر: The Eighth United Nations Survey on Crime Trends and the Operations of Criminal Justice Systems (2002)
[46] European Institute for Crime Prevention and Control International Statistics on Crime and Justice, 2011
المصدر: http://www.nationmaster.com/graph/cri_rap_percap-crime-rapes-per-capita&date=2008
[47] بل فضّل كثير من التربويين أن تكون بيئة التعليم أقرب إلى الطبيعة ما أمكن، مما دفع ببعض الناشطين التربويين في إندونيسيا إلى إنشاء “مدارس طبيعة” فصولها العالم المفتوح، لا تنحصر العملية التعليمية فيها بين الجدران الأربعة. وقد نجحت هذه المدارس في تخريج طلبة مبدعين متفوقين.
[48] أخرجه أحمد (36/464 رقم: 17339) والترمذي (8/308 رقم: 2247) وقال: حديث حسن صحيح.
[49] أخرجه البخاري: 1/130 رقم: 71، ومسلم: 4/251 رقم: 1352
[50] سورة الأنفال: ٦٠
[51] أخرجه مسلم: 13/142 رقم: 4816
[52] اتفاقية بريتون وودز (بالإنجليزية: Bretton Woods) الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي الذي انعقد من 1 إلى 22 يوليو 1944 في غابات بريتون في نيوهامبشر بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد حضر المؤتمر ممثلون لأربع وأربعين دولة. وقد وضعوا الخطط من أجل استقرار النظام العالمي المالي وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية. وتمنى الممثلون إزالة العقبات على المدى الطويل بشأن الإقراض والتجارة الدولية والمدفوعات. وقد رفع مؤتمر غابات بريتون خططه إلى منظمتين دوليتين هما::صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير. وقد عمل الصندوق على تشجيع الاستقرار المالي الدولي وذلك من خلال توفير المساعدات قصيرة الأجل لمساعدة الأعضاء الذين يواجهون عجزًا في ميزان المدفوعات، وقد أعطى البنك قروضًا دولية ذات آجال طويلة خاصة للدول ذات النمو المتدني. لقد تأسست الاتفاقية من أجل استقرار سوق الفوركس وتنظيمه. وافقت البلدان المشاركة على المشاركة في المحافظة على قيمة عملتها في نطاق هامش ضيق مقابل الدولار وسعر مماثل من الذهب عند الحاجة. (المصدر: بريتون_وودزhttp://ar.wikipedia.org/wiki/)
[53] أخرجه البخاري (4/207 رقم: 3642) الترمذي واللفظ له (5/48 رقم: 1179) والطبراني في الكبير (12/103 رقم: 13860)
[54] أخرجه مسلم: 12/459 رقم: 4678
[55] يتجلى هذا التفكير في كتابات ستيفن كوفن (Stephen Covey) خاصة في كتابه الشهير “العادات السبع”، ويظهر هذا أيضا في تصرفات أحد أثرى أثرياء العالم الأمريكي بل غيتس حيث اختار أن يترك عمله في شركة مايكرو سوفت ليتفرغ في الأعمال الخيرية.
[56] أخرجه البخاري (20/76 رقم: 5963) ومسلم (5/167 رقم: 1652)
[57] أخرجه البخاري في كتاب النفقات، باب حَبْسِ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَكَيْفَ نَفَقَاتُ العِيَالِ (7/63 رقم: 5357) ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء (3/1379 رقم: 1757)
[58] أخرجه مسلم: 1/247 رقم: 131
[59] أخرجه أبو داود (11/215 رقم: 3632) والطبراني في الكبير (20/59 رقم: 1341) والأوسط (18/299 رقم: 8720) وحسنه ابن حجر في الفتح (10/368) وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (9/163 رقم: 4163)
[60] أخرجه مالك في الموطإ (5/432 رقم: 1436) وهذا لفظه وأخرجه البخاري (18/245 رقم: 5439) ومسلم (2/67 رقم: 377)
[61] سورة غافر: ٦٤
[62] فتح الباري: 16/479 رقم: 4539
[63] تفسير القرطبي: 10/71
[64] قصة الحضارة: 15/64
[65] المصدر السابق: 15/65
[66] سورة الأعراف: ٣١