قد حث القرآن والسنة النبوية على أنواع من التطلع المستقبلي الذي يخدم رسالة الوجود للإنسان على سطح المعمورة. والعمل على صياغة المستقبل من خلال المعطيات الحاضرة هو خلاصة المهمة التي كلف بها الإنسان.
نعم هناك حدود لا يمكن ولا يجوز تجاوزها. إلا أن العقل والواقع يُقرّان صحة وضرورة ذلك التحديد. إن التطلع إلى المستقبل ومحاولة كشف أستار المستقبل لا يجوز ولا ينفع أن يعتمد فيها على الأوهام أو الدعاوى الكاذبة من قبيل الكهانة التي يرفضها العلم والعقل. فالإسلام فتح أبوابا واسعة لصياغة الرؤية المستقبلية، وحدد – من جهة أخرى – منافذ لتوقع الأحداث المستقبلية وحصرها في جهات محددة حتى لا تضيع العقول وتتيه الإنسانية في غياهب الخرافات.
إن الإسلام حين حث أبناءه على التوجه نحو المستقبل، نصب من جانب آخر إشارات وخطوطا حمراء حيال الطرق التي لا توصلهم إلى النتيجة الموثوقة. فيمنع الأشياء التي لا تنفع، ويدفع نحو الأمور التي تنفع.
وهذا ما سنوضحه في الصفحات الآتية بإذن الله.
ما ينفع وما لا ينفع، ما يمنع وما لا يمنع
إن الله بحكمته ورحمته جعل للإنسان إدراكا ومهد للأهداف سبيلا. كرم الإنسان بقوة الإدراك وقدرة المعرفة، (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[1] .
فكانت هذه الحواس هي المنافذ التي يطل منها الإنسان إلى عالم المعرفة.
إن نعمة العلم والتعليم من أكبر النعم التي امتن الله بها على عباده. (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).[2]
إلا أن حكمة الله تقتضي أن تكون هناك أشياء استأثر الله بعلمها، وحجب الخلق عن الاطلاع عليها. لا يعرفها ملك مقرب ولا نبي مرسل.
قال الله تبارك وتعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[3].
لقد بين تبارك وتعالى أن عنده أشياء لا يعلمها إلا هو. وسماها مفاتح الغيب. فلم يكن لخلقه نصيب في معرفة ذلك.
وقال أيضا: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).[4]
وفي هذه الأية أفصح ربنا جل وعلا عن الأشياء التي استأثر الله بعلمها. وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الأشياء حجب الله علمها عن الخلق.
الأحاديث الواردة في ذكر مفاتح الغيب
والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أمته في غير ما حديث عن تلك الأشياء التي حجب الله جل شأنه معرفتها عن خلقه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس فأتاه جبريل فقال: “ما الإيمان؟” قال: “أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث “.قال: “ما الإسلام؟” قال: “الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان.” قال: “ما الإحسان؟” قال: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.” قال: “متى الساعة؟” قال: “ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها، إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله.” ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) الآية. ثم أدبر فقال: “ردوه.” فلم يروا شيئا. فقال: “هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم”[5]
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مفاتيح الغيب خمس.” ثم قرأ (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ).[6]
وعنه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله.”[7]
عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، وهو يقول لا تدركه الأبصار، ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول لا يعلم الغيب إلا الله.[8]
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أوتي نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم مفاتيح كل شيء غير خمس (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).[9]
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فأتاه جبريل وجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا كفيه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تسلم وجهك لله عز وجل وتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. قال: فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت؟ قال: إذا فعلت ذلك فقد أسلمت. قال: يا رسول الله فحدثني ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وتؤمن بالموت وبالحياة بعد الموت وتؤمن بالجنة والنار والحساب والميزان وتؤمن بالقدر كله خيره وشره. قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟ قال: إذا فعلت ذلك فقد آمنت. قال: يا رسول الله حدثني ما الإحسان؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإحسان أن تعمل لله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك. قال: يا رسول الله فحدثني متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي سبحان الله في خمس لا يعلمهن إلا الله (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك. قال: أجل يا رسول الله فحدثني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الأمة ولدت ربتها أو ربها ورأيت أصحاب البنيان يتطاولون في البنيان، ورأيت الحفاة الجياع العالة رؤوس الناس فذلك من معالم الساعة وأشراطها. قال: يا رسول الله ومن أصحاب البنيان الحفاة الجياع العالة؟ قال: العرب.[10]
وعن رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أألج؟ فقال: النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: اخرجي إليه فإنه لا يحسن الاستئذان، فقولي له فليقل السلام عليكم، أأدخل؟ قال: فسمعته يقول ذلك فقلت: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن لي فدخلت فقلت: بم أتيتنا؟ قال: لم آتكم إلا بخير، أتيتكم بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له، وأن تَدَعوا اللات والعزى، وأن تصلوا بالليل والنهار خمس صلوات، وأن تصوموا من السنة شهرا، وأن تحجوا البيت، وأن تأخذوا الزكاة من مال أغنيائكم فتردوها على فقرائكم. قال فقال: فهل بقي من العلم شيء لا تعلمه؟ قال: قد علمني الله عز وجل خيرا وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، الخمس (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) الآية.[11]
قال ابن كثير[12]: هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب. لا يجلِّيها لوقتها إلا هو. وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله. ولكن إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء الله من خلقه. وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه. ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى أو شقيا أو سعيدا علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء الله من خلقه. وكذا لا تدري نفس ماذا تكسب غدا في دنياها وأخراها. وما تدري نفس بأي أرض تموت في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان. لا علم لأحد بذلك. وهذه شبيهة بقوله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ )[13] الآية. وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس مفاتيح الغيب.[14]
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي[15] في قوله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ )[16]: “هذه الآية الكريمة تدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله، وهو كذلك لأن الخلق لا يعلمون إلا ما علمهم خالقهم جل وعلا.”[17]
إن الآيات والأحاديث صريحة ومستفيضة في إفادة أن تلك الأمور الخمسة مغيبة عن الإنسان. إلا أن العلماء مختلفون حول عمومه وخصوصه في موضعين: في تحديد الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وفي إمكانية اطلاع بعض العباد على بعض هذه الغيوب.
– تحديد الغيوب التي استأثر الله بعلمها
قال ابن حجر[18] رحمه الله: وقد اختلف في المراد بالغيب فيها أي في قوله (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً)[19] فقيل: هو على عمومه. وقيل: ما يتعلق بالوحي خاصة. وقيل: ما يتعلق بعلم الساعة.[20]
وممن قال بخصوصه الإمام فخر الدين الرازي[21]، قال: “قوله (عَلَى غَيْبِهِ ) لفظ مفرد وليس فيه صيغة عموم، فيصح أن يقال إن الله لا يظهر على غيب واحد من غيوبه أحدا إلا الرسل. فيحمل على وقت وقوع القيامة. ويقوِّيه ذكرها عقب قوله (أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ )[22]“.[23]
ولكن تعقب بأن الرسل لم يظهروا على ذلك.[24]
ويرد دعوى الخصوص زيادة على ما تقدم أمور:
أولا: إن إضافة المفرد إلى المعرفة من صيغ العموم،[25] ولم يرد ما يخصص ذلك. وقوله (أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ) لا يدل على التخصيص لأنه يجوز أن يؤكد قضية خاصة بقضية عامة، بل هو من أحسن أساليب التأكيد.
ثانيا: أن قوله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)[26] ورد بصيغة الجمع (مفاتح) فدل على أن الغيب ليس نوعا واحدا.
ثالثا: ذكر الله تعالى في سورة لقمان أصنافا خمسة –وليس صنفا واحدا- استأثر الله بها كما يؤكد هذا المعنى الأحاديث السابقة الذكر.
وقد ذهب أكثر المفسرين إلى عموم ذلك، بل في الغالب هم لا يذكرون خلافا في ذلك كأن الأمر ليس فيه قول آخر.
ولكن من العلماء من رأى أن الغيب لا يقتصر على تلك الخمسة، وذكر الخمسة لا ينفى ثبوت غيرها.
قال الإمام الألوسي[27]: “وليس المغيبات محصورة بهذه الخمس. وإنما خصت بالذكر لوقوع السؤال عنها أو لأنها كثيرا ما تشتاق النفوس إلى العلم بها. وقال القسطلاني[28]: ذكر صلى الله عليه وسلم خمسا وإن كان الغيب لا يتناهى لأن العدد لا ينفي زائدا عليه.”[29]
بل ذهب الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة[30] – كما نقله ابن حجر في الفتح – إلى أبعد من ذلك فقال: “إن تلك الخمسة إنما هي إشارة إلى غيرها من الغيوب فتشمل كل الأشياء التي لا يعرفها الإنسان”. قال: وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به: “استعار للغيب مفاتيح اقتداء بما نطق به الكتاب العزيز (وعنده مفاتح الغيب)، وليقرب الأمر على السامع لأن أمور الغيب لا يحصيها الا عالمها”.[31]
ثم بين رحمه الله ما أشارت إليه هذه الخمسة: قال: “والحكمة في جعلها خمسا الإشارة إلى حصر العوالم فيها. ففي قوله (وما تغيض الأرحام) إشارة إلى ما يزيد في النفس وينقص. وخص الرحم بالذكر لكون الأكثر يعرفونها بالعادة ومع ذلك فنفى أن يعرف أحد حقيقته. فغيرها بطريق الأولى.
وفي قوله (ولا يعلم متى يأتي المطر) إشارة إلي أمور العالم العلوي. وخص المطر مع أن له أسبابا قد تدل بجري العادة على وقوعه لكنه تحقيق.
وفي قوله (ولا تدري نفس بأي أرض تموت) إشارة إلي أمور العالم السفلي مع أن عادة أكثر الناس أن يموت ببلده ولكن ليس ذلك حقيقة. بل لو مات في بلده لا يعلم في أي بقعة يدفن منها. ولو كان هناك مقبرة لأسلافه بل قبر أعده هو له.
وفي قوله (ولا يعلم ما في غد إلا الله) إشارة إلى أنواع الزمان وما فيها من الحوادث. وعبر بلفظ غد لتكون حقيقته أقرب الأزمنة. وإذا كان مع قربه لا يعلم حقيقة ما يقع فيه مع إمكان الأمارة والعلامة فما بعد عنه أولى.
وفي قوله (ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله) إشارة إلى علوم الآخرة. فان يوم القيامة أولها وإذا نفى علم الأقرب انتفى علم ما بعده. فجمعت الآية أنواع الغيوب، وأزالت جميع الدعاوى الفاسدة. وقد بين بقوله تعالى في الآية الأخرى وهي قوله تعالى (فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) أن الاطلاع على شيء من هذه الأمور لا يكون إلا بتوفيق”.[32]
هذا وقد وسَّع ابن أبي جمرة نطاق الغيب حتى يشمل كل شيء. وهو حق، فما من شيء إلا وفيه جانب بل جوانب يجهلها الإنسان. إلا أن الغيب المطلق لا يكون في كل شيء أيضا. فإن يوم القيامة وهو أخفى الأمور على العباد قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أشراطها.
وبناء على ذلك فإن بعض العلماء حدد معناه في نطاق ضيق نسبيا.
قال ابن عطية[33] في قوله (إن الله عنده علم الساعة): “أي كل ما شأنه أن يعلم من أمر الساعة. ولكن الذي استأثر الله بعلمه هو علم الوقت، وغير ذلك فذا علم ببعض فيه. وكذلك نزول الغيث أمر قد استأثر الله عز وجل بتفصيله وعلم وقته الخاص به. وأمر الأجنة كذلك. وأفعال البشر وجميع كسبهم كذلك. وموضع موت كل بشر كذلك”.[34]
فحدد ابن عطية رحمه الله أن المغيَّب المطلق عن الإنسان في تلك الأشياء إنما هو زمان تلك الأشياء. وأفصح ابن حجر أكثر، فذهب إلى أن المغيب هو المغيب المستقبلي.
قال ابن حجر رحمه الله: “المراد بالاطلاع على الغيب علم ما سيقع قبل أن يقع على تفصيله، فلا يدخل في هذا ما يكشف لهم عن الأمور المغيبة عنهم، أي في الزمن السابق، وما لا يخرق لهم من العادة، كالمشي على الماء وقطع المسافة البعيدة في مدة لطيفة ونحو ذلك”.[35]
وهذا تحقيق دقيق. فإن الماضي واقع مكشوف. والحاضر ماثل قائم. والمستقبل هو الغائب المستور.
إن كثيرا من العلماء – بناء على تلك النصوص – ذهبوا إلى منع معرفة الخلق بهذه الأشياء. وكفروا من يدعي ذلك بجزم، خاصة إذا لم يعتمد نتيجة التجربة التي تدل عليها العادة الجارية.
قال القرطبي: قال علماؤنا: أضاف سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية في كتابه إلا من اصطفى في عباده. فمن قال إنه ينزل الغيث غدا وجزم فهو كافر، أخبر عنه بأمارة ادعاها أم لا. وكذلك من قال إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر، فإن لم يجزم وقال: إن النوء ينزل الله به الماء عادة وأنه سبب الماء عادة، وأنه سبب الماء على ما قدره وسبق في علمه، لم يكفر، إلا أنه يستحب ألا يتكلم به. فإن فيه تشبيها بكلام أهل الكفر، وجهلا بلطيف حكمته، لأنه ينزل متى شاء، مرة بنوء كذا، ومرة بدون نوء، قال تعالى:[36] “أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكوكب”[37].
قال ابن العربي[38]: وكذلك قول الطبيب إذا كان ثدي الأيمن مسود الحلمة فهو ذكر، وإن كان في الثدي الأيسر فهو أنثى، وكانت المرأة تجد الجنب الأيمن أثقل فالولد أثنى، وادعى ذلك عادة لا واجبا في الخلقة لم يكفر ولم يفسق. أما من ادعى الكسب في مستقبل العمر فهو كافر. أو أخبر عن الكوائن المجملة أو المفصلة في أن تكون قبل أن تكون، فلا ريب في كفره أيضا. فأما من أخبر عن كسوف الشمس والقمر فقد قال علماؤنا: يؤدب ولا يسجن، أما عدم تكفيره، فلأن جماعة قالوا: إنه أمر يدرك بالحساب وتقدير المنازل حسب ما أخبر الله عنه في قوله: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ)[39]، وأما أدبهم فلأنهم يدخلون الشك في العامة، إذ لا يدركون الفرق بين هذا وغيره، فيشوشون على عقائدهم ويتركون قواعدهم في اليقين فأدبوا حتى يسروا في ذلك إذا عرفوه ولا يعلنوا به.[40]
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: ووجه تكفير بعض أهل العلم لمن يدعي الاطلاع على الغيب أنه ادعى لنفسه ما استأثر الله تعالى به دون خلقه، وكذب القرآن الوارد بذلك, كقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)[41] وقوله هنا (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)[42].[43]
وأثبت الإمام الألوسي إمكانية اطلاع بعض العباد على هذه المغيبات وعدم كفر من ادعى ذلك، واعترض على إطلاق القرطبي وأورد المسألة كأن فيها خلافا. إلا أن التدقيق في المسألة يظهر أن ليس بينهما خلاف. فإن الألوسي رحمه الله قال: “ولا أرى كفر من يدعي مثل هذا العلم فإنه ظن أمر عادي.”[44] وقد ذكر القرطبي عدم كفر من أسند دعواه على العادة الجارية أي على التجارب المتكررة.
وهذا ما يسمى بالمنهج التجريبي في المصطلحات الحديثة. وليس هذا من دائرة علم الغيب. “فالغيب هو ما لا يعتمد في إدراكه على إحدى الحواس، فلا يدخل في دائرته استنباط النتائج من مقدماتها، ومعرفة المسببات من أسبابها بطريق الاستدلال، وقياس ما غاب بما حضر. كعلمنا بشفاء المريض قبل حصوله إذا وجدنا العلاج ناجعا، وكثرة ثمار الأرض إذا رأينا النبات ناميا، وسقوط أمة إذا ألفينا أبناءها متفرقي القلوب منغمسين في اللهو والترف منصرفين عن الجد والعمل. كل ذلك خارج عن دائرة علم الغيب أو التنبأ بالغيب.”[45]
“ومن ذلك ما تذكر هيئات الأرصاد الجوية من احتمالات هبوب الرياح وسقوط الأمطار ودرجات الحرارة والبرودة والرطوبة، والمد والجزر، وما يتعلق بذلك من الأمور. فهذه لا تدخل في الغيب، لأنها مبنية على أشياء مشاهدة، من وجود مرتفعات أو منخفضات جوية قادمة من الشمال أو من الجنوب، أو من الشرق أو من الغرب. وتترتب عليها آثارها وفق سنن الله تبارك وتعالى. فما يذكره الراصدون هنا ليس من الغيب الذي استأثر الله بعلمه، بل من المشاهدات التي جعل علمها لخلقه من البشر.”[46]
ومن ذلك أيضا ما توصل إليه الطب المعاصر من العلم بواسطة الآلات والأجهزة إن كان الجنين ذكرا أو أنثى، ومن وقت مبكر من الحمل، أنه لا يدخل في النفي المراد بقوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ)[47]، “فإن كلمة (ما) في قوله (مَا فِي الْأَرْحَامِ) من ألفاظ العموم، فهي تشمل الذكورة والأنوثة، والصحة والمرض، والقوة والضعف، الذكاء والغباء، والسعادة والشقاء، والحياة والموت … إلى آخر هذه الأمور الكثيرة المتشعبة التي لايعلمها كلها إلا الله.”[48]
ولا غبار في كل هذه الأمور التي تستند إلى المظاهر المحسوسة. إلا أن عبارة الإمام الألوسي توهم أن كل من ادعى ذلك قد اعتمد على جريان العادة. بل الواقع يشهد أن أكثر من ادعى معرفة الغيب إن لم يكن كلهم اعتمدوا على أمور غيبية ومصادر غير مشروعة كالاستعانة بالجن والنظر في النجوم وغير ذلك.
وقد نقل الشيخ محمد الأمين الإجماع على مثل تلك الأشياء. قال: لا خلاف بين العلماء في منع العيافة والكهانة والعيافة والطرق والزجر والنجوم، وكل ذلك يدخل في الكهانة. لأنها تشمل جميع أنواع ادعاء الغيب.[49] وسيأتي الكلام على ذلك مفصلا في الباب الثالث إن شاء الله.
ثم إن نفي علم ذلك عن الخلق لا يعني نفيا كليا، فإن بعض الجزئيات قد تستثنى ولا يخرم ذلك عموم النفي.
قال ابن حجر نقلا عن الطيبي[50] أنه قال: الأقرب تخصيص الاطلاع بالظهور والخفاء. فاطلاع الله الأنبياء على المغيب أمكن. ويدل عليه حرف الاستعلاء في (عَلَى غَيْبِهِ)[51] فيضمن “يظهر” معنى “يطلع”، فلا يظهر على غيبه إظهارا تاما وكشفا كليا إلا لرسول يوحى إليه مع ملك وحفظة. ولذلك قال (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً)[52]، وتعليله بقوله (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ)[53]. وأما الكرامات فهي من قبيل التلويح واللمحات وليسوا في ذلك كالأنبياء. وقد جزم الأستاذ أبو إسحاق[54] بأن كرامات الأولياء لا تضاهي ما هو معجزة للأنبياء. وقال أبو بكر بن فورك[55]: الأنبياء مأمورون بإظهارها، والولي يجب عليه إخفاؤها. والنبي يدعى ذلك بما يقطع به، بخلاف الولي فإنه لا يأمن الاستدراج.[56]
قال على القارى في شرح الشفا: الأولياء إن كان قد ينكشف لهم بعض الأشياء لكن علمهم لا يكون يقينيا، وإلهامهم لا يفيد إلا أمرا ظنيا.[57]
وقال أبو محمد بن أبي جمرة: والمراد به نفي العلم عن الغيب الحقيقي، فإن لبعض الغيوب أسبابا قد يستدل بها عليها لكن ليس ذلك حقيقيا.[58]
وهو كما قال رحمه الله، فإن الله نفى اطلاع أحد متى تقوم الساعة، ولكن أخبر عن أشراطها وحوادث تدل على قربها وأمور تقع بين يديها. ولم يكن لأي إنسان مع ذلك علم قطعي بتحديد زمن القيامة. وكذلك أمور أخرى، قد يستدل الإنسان بمعلومات عن الحالات الجوية على نزول المطر ولكن يبقى ذلك أمرا ظنيا وتقديرا عقليا. وقس على ذلك كل المغيبات.
ثم عقب الألوسي رحمه الله كلامه في الأخير: وبعد هذا كله إن أمر الساعة أخفى الأمور المذكورة، وإن ما أطلع الله عليه نبيه صلى الله عليه وسلم من وقت قيامها في غاية الإجمال.[59]
وهكذا فإن الله عنده العلم التام وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو سبحانه.
ثم أخيرا نخلص مما تقدم بما يلي:
[1] سورة النحل:78
[2] سورة العلق: 3- 5
[3] سورة الأنعام:59
[4] سورة لقمان:34
[5] أخرجه البخاري (1/27 رقم 50، 4/1792 رقم 4549) ومسلم (1/39-40) واللفظ للبخاري
[6] أخرجه البخاري (4/1793 رقم 4500)
[7] أخرجه البخاري (6/2687 رقم6944)
[8] أخرجه البخاري (6/2687 رقم 6945)
[9] أخرجه أحمد (1/389 رقم 3659) وأبو يعلى (9/86 رقم 5153) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح (مجمع الزوائد 8/263)
[10] أخرجه أحمد (1/319 رقم 2926)
[11] أخرجه أحمد (5/365 رقم 23176) وصححه إسناده ابن كثير (تفسير القرآن العظيم 3/455)
[12] الإمام المحدث الحافظ ذو الفضائل عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير بن ضوء بن كثير القيسي البصروي، ولد سنة سبعمائة، وبرع له التفسير الذي لم يؤلف على نمطه مثله، والتاريخ، وتخريج أدلة التنبيه، وتخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب، وشرع في كتاب كبير في الأحكام لم يتمه ورتب مسند أحمد على الحروف وضم إليه زوائد الطبراني وأبي يعلى وله مسند الشيخين وعلوم الحديث وطبقات الشافعية وغير ذلك مات في شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة (طبقات الحفاظ 1/533)
[13] سورة الأنعام: 59
[14] تفسير القرآن العظيم (3/454)، إسماعيل بن عمر بن كثير ابو الفداء، دار الفكر، بيروت، سنة 1401هـ
[15] محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشبقيطي، مفسر أصولي من علماء شنقيط (موريتانيا)، ولد سنة 1325هـ وتعلم بها حج سنة 1367هـ واستقر مدرسا بالمدينة المنورة ثم الرياض وأخيرا في الجامعة الإسلامية بالمدينة سنة 1383هـ وتوفي بمكة سنة 1393هـ (الأعلام 6/45)
[16] سورة الأنعام: 59
[17] أضواء البيان، محمد الإمين الشنقيطي، (2/195)
[18] ابن حجر أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن أحمد بن العسقلاني المصري الشافعي الإمام العلامة الحافظ فريد الوقت مفخر الزمان بقية الحفاظ علم الأئمة الأعلام عمدة المحققين خاتمة الحفاظ المبرزين والقضاة المشهورين أبو الفضل شهاب الدين ولد في مصر ثالث عشري شعبان المكرم سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وكان لديه ذكاء وسرعة حافظة بحيث أنه حفظ سورة مريم في يوم واحد وكان يحفظ الصحيفة من الحاوي الصغير من مرتين الأولى تصحيحا والثانية قراءة في نفسه ثم يعرضها حفظا في الثالثة، انفرد في شبوبته بين علماء زمانه بمعرفة فنون الحديث لا سيما رجاله وما يتعلق بهم فألف التآليف المفيدة وأولها في التقديم فتح الباري في شرح البخاري في ومقدمته وسماها هدي الساري لمقدمة فتح الباري وكتاب تغليق التعليق وصل فيه ما ذكره البخاري في صحيحه. وتهذيب التهذيب وهو يشتمل على اختصار تهذيب الكمال للمزي مع زيادات كثيرة عليه ولخصه في مجلد سماه تقريب التهذيب، والإصابة في تمييز الصحابة، فلما كان في أثناء ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة حصل له إسهال مع رمي دم واستمر به ذلك إلى أن وافاه حمامه بعيد صلاة العشاء الآخرة من ليلة السبت المسفرة عن اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة الحرام من سنة 852هـ خارج القاهرة وكان له مشهد عظيم حضر الصلاة عليه السلطان الملك الظاهر جقمق وأتباعه، والعلماء ولم يخلف بعده مثله في الحفظ والإتقان رحمه الله تعالى رحمة واسعة (ذيل تذكرة الحفاظ 1/326-338)
[19] سورة الجـن:26
[20] فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، 13/263
[21] الإمام فخر الدين الرازي العلامة أبو عبدالله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل الشافعي المفسر المتكلم صاحب التصانيف المشهورة ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وكان فريد عصره ومتكلم زمانه رزق الحظوة في تصانيفه وانتشرت في الأقاليم وكان له باع طويل في الوعظ فيبكي كثيرا في وعظه، وكان بينه وبين الكرامية السيف الأحمر فينال منهم وينالون منه سبا وتكفيرا حتى قيل أنهم سموه فمات وخلف تركة ضخمة منها ثمانون ألف دينار توفي بهراة يوم عيد الفطر سنة 606هـ (شذرات الذهب 3/21)
[22] سورة الجـن: 25
[23] التفسير الكبير (29/148)، فخر الدين الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ-1994م
[24] فتح الباري 13/263
[25] وقد ذكر السيوطي أن مذهب الرازي نفسه في المحصول أن المفرد المضاف يفيد العموم. ومثل بقول الله تعالى )فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) أي كل أمر لله. ونقل عن السبكي أنه قال في شرح المختصر: إنه يفيد العموم على الصحيح (انظر الكوكب الساطع 1/213). وقال د. وهبة الزحيلي: أما مثال المعرف بالاضافة فقوله (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) أي كل أنواع ميتة البحر (أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي 1/237، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الثانية سنة 1408هـ-1986)
[26] سورة الأنعام: 59
[27] العلامة محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين بن الألوسي الحسيني أبو المعالي، من دعاة الإصلاح مؤرخ عالم بالأدب والدين ولد في رصافة بغداد سنة 1273هـ الموافق 1857م، وأخذ العلم عن أبيه وعمه وغيرهما. وتصدر للتدريس في داره وبعض المساجد وحمل على أهل البدع في الإسلام توفي سنة 1342هـ المواقف 1924م (الأعلام 7/172-173)
[28] الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن أحمد بن محمد بن حسين بن علي القسطلاني المصري الشافعي الإمام العلامة الحجة الرحلة الفقيه المقرىء المسند قال السخاوي مولده ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بمصر ونشأ بها. صنف التصانيف المقبولة التي سارت بها الركبان في حياته ومن أجلها شرحه على صحيح البخاري مزجا في عشرة أسفار كبار لعله أجمع شروحه وأحسنها وألخصها. توفي سنة 923هـ (4/121)
[29] روح المعاني (21/112)
[30] الامام الحافظ عبد الله بن سعيد الأزدي الأندلسي المتوفى سنة خمس وعشرين وخمسمائة له كتاب في التفسير وشرح مختصر البخاري (كشف الظنون 1/436، شذرات الذهب 2/23)
[31] فتح الباري (13/264)
[32] فتح الباري 13/363-365، ابن حجر العسقلاني، دار لمعرفة، بيروت، ط. 1979
[33] الإمام العلامة شيخ المفسرين أبو محمد عبدالحق بن الحافظ أبي بكر غالب بن عطية المحاربي الغرناطي، وكان إماما في الفقه وفي التفسير وفي العربية قوي المشاركة ذكيا فطنا مدركا من أوعية العلم مولده سنة ثمانين وأربع مئة اعتنى به والده وطلب العلم وهو مراهق وكان يتوقد ذكاء ولي قضاء المرية في سنة تسع وعشرين وخمس مئة، توفي بحصن لورقة في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وخمس مئة (سير أعلام النبلاء 19/587-588)
[34] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لإبي محمد عبد الحق بن عطية (11/521)، طبعة أمير دولة قطر.
[35] فتح الباري 13/265
[36] أي في الحديث القدسي
[37] أخرجه البخاري (1/290 رقم 810، 1/351 رقم 991)، ومسلم (1/83 رقم 71)، وتمام الحديث عند مسلم: “أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب. وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب.”
[38] القاضي أبوبكر بن العربي محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي المالكي الحافظ أحد الأعلام وعالم أهل الأندلس ومسندهم ولد سنة ثمان وستين وأربعمائة، تفقه على الغزالي وأبي بكر الشاشي والطرطوشي وكان من أهل اليقين في العلوم والاستبحار فيها مع الذكاء المفرط ولى قضاء إشبيلية مدة وصرف فأقبل على نشر العلوم وتصنيفه في التفسير والحديث والفقه والأصول، وتوفي بالغدوة ودفن بمدينة فاس في شهر ربيع الآخر رحمه الله تعالى انتهى وقال ابن خلكان وهذا الحافظ له مصنفات منها كتاب عارضة الأحوذي في شرح الترمذي وغيره من الكتب وتوفي ولده بمصر منصرفا عن الشرق في السفرة التي كان والده المذكور صحبه وذلك في المحرم سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وكان من أهل الآداب الواسعة والبراعة والكتابة رحمه الله تعالى (شذرات الذهب 2/141-142)
[39] سورة يـس: 39
[40] الجامع لأحكام القرآن (4/6-7)
[41] سورة النمل: 65
[42] سورة الأنعام: 59
[43] أضواء البيان 2/197
[44] روح المعاني 21/112
[45] التنبأ بالغيب، د. أحمد الشنتناوي، ص5، دار المعارف، مصر، 1959هـ
[46] موقف الإسلام من الإلهام والكشف والرؤى ومن التمائم والكهانة والرقى، ص194، د. يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1322هـ-2001م
[47] سورة لقمان: 34
[48] موقف الإسلام ص195
[49] أضواء ابيان ج2 ص197
[50] الإمام المشهور الحسن بن محمد بن عبد الله الطيبي، شارح الكشاف، العلامة في المعقول والعربية والمعاني والبيان. قال ابن حجر: كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن، مقبلا على نشر العلم، متواضعا حسن المعتقد، شديد الرد على الفلاسفة، مظهرا فضائحهم مع استيلائهم حينئذ، شيديد الحب لله ورسوله، كثير الحياء، ملازما لاشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع، بل يجديهم ويعينهم ويعير الكتب النفيسة لأهل بلده وغيرهم من يعرف ومن لا يعرف، محبا لمن عرف منه تعظيم الشريعة، وكان ذا ثروة من الإرث والتجارة، فلم يزل ينفقها في وجوه الخيرات حتى صار في آخر عمره فقيرا، صنف شرح الكشاف والتفسير، والتبيان في المعاني والبيان، وشرحه وشرح المشكاة، وكان يشغل في التفسير من بكرة إلى الظهر ومن ثم إلى العصر في الحديث إلى يوم مات، فإنه فرغ من وظيفة التفسير وتوجه إلى مجلس الحديث فصلى النافلة وجلس ينتظر إقامة الفريضة فقضى نحبه متوجها إلى القبلة وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان سنة 743هـ (شذرات الذهب 3/137-138)
[51] سورة الجـن: 26
[52] سورة الجـن: 27
[53] سورة الجـن: 28
[54] إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي بكسرالفاء أبوإسحاق الشيرازي صاحب التنبيه والمهذب في الفقه والنكت في الخلاف واللمع وشرحه والتبصرة في أصول الفقه والملخص والمعونة في الجدل وطبقات الفقهاء ونصح أهل العلم وغير ذلك، وقد كان يضرب به المثل في الفصاحة والمناظرة، وكان يقال إنه مستجاب الدعوة، دخل أبو إسحاق يوما مسجدا ليتغدى فنسى دينارا ثم ذكر فرجع فوجده ففكر ثم قال: لعله وقع من غيري. فتركه. ولد الشيخ بفيروزاباذ وهي بليدة بفارس سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ونشأ بها ثم دخل شيراز وقرأ الفقه على أبي عبد الله البيضاوي وغيره من العلماء، وتوفي ليلة الأحد الحادي والعشرين من جمادي الآخرة قاله السمعاني في الذيل وقيل في جمادي الأولى قاله السمعاني أيضا سنة ست وسبعين وأربعمائة ببغداد ودفن من الغد بباب أبرز رحمه الله (طبقات الشافعية الكبرى 4/210، وفيات الأعيان 1/29-30)
[55] الإمام أبو بكر بن فورك بضم الفاء وفتح الراء الأستاذ محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني المتكلم صاحب التصانيف في الأصول والعلم روى مسند الطيالسي عن أبي محمد بن فارس، وتصدر للإفادة بنيسابور وكان ذا زهد وعبادة وتوسع في الأدب والكلام والوعظ والنحو، وبلغت مصنفاته قريبا من مائة تصنيف توفي سنة 406هـ (شذرات الذهب 2/181-182)
[56] فتح الباري 13/263
[57] روح المعاني 21/113
[58] فتح الباري 13/264
[59] روح المعاني 21/113