آفاق المستقبل

تصحيح مفاهيم وتكوين رؤى

الأخبار الواردة في مستقبل الأمة من القرآن والسنة-2

استمرار دعوة الخير وأنصاره

ومن الأخبار المبشرة في القرآن ما ذكره الله تعالى في سورة المائدة مهددا المرتدين المارقين من الدين، بأنهم لن يضروا دين الله شيئا. ولن ينهدم الدين بارتدادهم عنه. فقد تكفل الله سبحانه وتعالى بأنه يدخر لهذا الدين جيلا من المؤمنين الأقوياء. قال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).[1]

قال ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا، كما قال تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[2] وقال تعالى: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)[3] أي بممتنع ولا صعب.[4]

فتح القسطنطينية وروما

ومن المبشرات ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص[5] قال: بينما نحن حول رسول الله  صلى الله عليه وسلم  نكتب، إذ سئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولا يعني قسطنطينية.[6]

ورومية هي روما عاصمة إيطاليا الآن، والقسطنطينية هي إستنبول الآن. ويفهم من السؤال أن الصحابة كانوا قد علموا قبل ذلك أن الإسلام سيفتح المدينتين، ويدخل أهلها في دين الله، ولكن يريدون أن يعرفوا: أي المدينتين تسبق الأخرى، فأجاب أن مدينة هرقل وهي القسطنطينية ستفتح أولا.[7]

اتساع دولة الإسلام

ومن الأخبار المبشرة أيضا ما رواه مسلم عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض.”[8]

“(زوى لي الأرض) قال الخطابي[9]: معناه قبضها وجمعها. يقال انزوى الشيء إذا انقبض وتجمع. (مشارقها) أي الأرض.

(ما زوي لي منها) أي من الأرض. قال الخطابي: يتوهم بعض الناس أن (من) ها هنا معناها التبعيض، فيقول: كيف شرط هاهنا في أول الكلام الإستيعاب، ورد آخره إلى التبعيض؟ وليس ذلك على ما يقدرونه. وإنما معناه التفصيل، والتفصيل لا يناقض الجملة، ولا يبطل شيئا منها. لكنه يأتي عليها شيئا فشيئا ويستوفيها جزءا جزءا. والمعنى: أن الأرض زويت جملتها مرة واحدة فرآها، ثم يفتح له جزء جزء منها، حتى يأتي عليها كلها، فيكون هذا معنى التبعيض فيها.

قال النووي: فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب. وهكذا وقع. وأما في حهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب. انتهى

(الأحمر والأبيض) أي الذهب والفضة. وفي النهاية: فالأحمر ملك الشام والأبيض ملك فارس. وإنما قال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم، ولأن الغالب على أموالهم الفضة، كما أن الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة، وعلى أموالهم الذهب. انتهى.

قال: النووي المراد بالكنزين الذهب والفضة، والمراد كنز كسرى وقيصر، ملكي العراق والشام.[10]

وهذا الحديث يبشر باتساع دولة الإسلام حتى تشمل المشارق والمغارب، أي الأرض كلها. فهذا الحديث يبشر بقوة دولة الإسلام واتساعها بحيث تضم المشارق والمغارب التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم.[11]

الرخاء والأمن وفيض المال

ومن المبشرات أيضا ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا.”[12] وزاد أحمد “وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف الا ضلال الطريق وحتى يكثر الهرج. قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل”.

وكذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يهم رب المال من يقبل منه صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي.[13]

ومثله حديث حارثة بن وهب[14] مرفوعا: “تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما اليوم فلا حاجة لي بها.”[15]

عودة الخلافة على منهاج النبوة

ومن الأخبار المبشرة أيضا أن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ستعود بعد غياب طال قرونا.

عن حذيفة قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: “تكون النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة  فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.”[16]

الانتصار على اليهود

ومن الأخبار المبشرة انتصار المسلمين على اليهود، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول: تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم، ثم يقول الحجر يا مسلم  هذا يهودي ورائي فاقتله.[17]

ومثله ما رواه أبو هريرة أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود.[18]

بقاء الطائفة المنصورة على الحق

ومن الأخبار المبشرة ما رواه عدد من الصحابة أن الطائفة المنصورة ستبقى إلى يوم القيامة وهم ظاهرون على الحق.

عن المغيرة بن شعبة[19] عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون.[20]

عن معاوية بن أبي سفيان[21] قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم ويعطي الله ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة، أو حتى يأتي أمر الله.[22]

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم.

فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر[23] فقال له مسلمة: يا عقبة، اسمع ما يقول عبد الله.

فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك.

فقال عبد الله: أجل، ثم يبعث الله ريحا كريح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة.[24]

قال ابن حجر: قال النووي: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدث ومفسر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد وان يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا إلى أن لا يبقى الا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله.  ونظيره ما نبه عليه ما حمل عليه بعض الأئمة حديث أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها أنه لا يلزم ان يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط.[25]

وعن أبي أمامة قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله وأين هم قال: ببيت المقدس  وأكناف بيت المقدس.[26]


[1] سورة المائدة:54

[2] سورة محمد: 38

[3] سورة إبراهيم: 19-20

[4] تفسير القرآن العظيم (2/70)

[5] عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي وكان من فضلاء الصحابة وعبادهم المكثرين في الرواية وأسلم قبل أبيه وكان يلوم أباه على القيام في الفتن وحلف بالله أنه لم يرم في حرب صفين برمح ولا سهم وإنما حضرها لعزم أبيه عليه ولقوله صلى الله عليه وسلم: أطع أباك توفي سنة 65هـ (شذرات الذهب 1/73)

[6] أخرجه أحمد (2/176 رقم 6645) والحاكم (4/468 رقم 8301، 4/553 رقم 8550، 4/598 رقم 8662) وصححه والطبراني في الأوسط (1/195 رقم 623) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/349)

[7] المبشرات بانتصار الإسلام ص33، د. يوسف القرضاوي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1418هـ-1998م

[8] أخرجه مسلم (4/2215 رقم 2889)

[9] الامام العلامة المفيد المحدث الرحال أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي صاحب التصانيف  وصنف شرح البخاري ومعالم السنن وغريب الحديث وشرح الأسماء الحسنى والعزلة وغير ذلك. وكان ثقة متثبتا من أوعية العلم. مات ببست في ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة (طبقات الحفاظ 1/404-405)

[10] عون المعبود (11/217)

[11] المبشرات بانتصار الإسلام ص35

[12] أخرجه مسلم في كتاب الزكاة باب الترغيب في الصدقة (2/701)  وابن حبان (15/93) وأحمد (2/370 رقم 8819)

[13] أخرجه مسلم في كتاب الزكاة باب الترغيب في الصدقة (2/701) والبخاري باب الصدقة قبل الرد  (2/512 رقم 1345)

[14] حارثة بن وهب الخزاعي أمه أم كلثوم بنت جرول بن مالك الخزاعية (الإصابة 1/619)

[15] أخرجه البخاري باب الصدقة قلب الرد (2/512 رقم 1345) ومسلم باب التغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها (2/700 رقم 1011)

[16] أخرجه أحمد (4/273) والبزار (7/224 رقم 2796) قال الهيثمي: رواه أحمد في ترجمة النعمان والبزار أتم منه والطبراني ببعضه في الأوسط ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 5/189)

[17] أخرجه البخاري (3/1316 رقم 3398) ومسلم (4/2293 رقم 2921)

[18] أخرجه مسلم (4/2239 رقم 2922)

[19] المغيرة بن شعبة  بن أبي عامر بن مسعود بن معقب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس الثقفي أبو عيسى أو أبو محمد. أسلم قبل عمرة الحديبية وشهدها وبيعة الرضوان وله فيها ذكر. قال بن سعد كان يقال له مغيرة الرأي وشهد اليمامة وفتوح الشام والعراق وقال الشعبي كان من دهاة العرب. فلما قتل عثمان اعتزل القتال إلى أن حضر مع الحكمين ثم بايع معاوية بعد أن اجتمع الناس عليه ثم ولاه بعد ذلك الكوفة فاستمر على إمرتها حتى مات سنة خمسين عند الأكثر ونقل فيه الخطيب الإجماع وقيل مات قبل بسنة وقيل بعدها بسنة (الإصابة 6/197-198)

[20] أخرجه البخاري (6/2667 رقم 7881) ومسلم (3/1523 رقم 1921،1922) بلفظ: “لن يزال قوم من أمتي”

[21] معاوية بن أبي سفيان، كان من دهاة العرب وحلمائها يضرب به المثل وهو أحد كتبة الوحي. ولى الشام لعمر وعثمان عشرين سنة وتملكها بعد على عشرين إلا شهرا وسار بالرعية سيرة جميلة توفي بدمشق سنة ستين في رجب وله ثمان وسبعون سنة (شذرات الذهب 1/65)

[22] أخرجه البخاري (6/2667 رقم 6882) ومسلم (3/1524 رقم 1037) واللفظ للبخاري.

[23] عقبة بن عامر الجهني من أصحاب الصفة كان عقبة بن عامر يقول خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في الصفة فقال أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان وتوفي بمصر (حلية الأولياء 2/8)

[24] أخرجه مسلم (3/1524رقم 1924)

[25] فتح الباري (13/295) بتصرف

[26] أخرجه أحمد (5/269 رقم 22374) قال الهيثمي : رواه عبدالله -أي ابن أحمد بن حنبل- وجادة عن خط أبيه والطبراني ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/288)

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

معلومات

This entry was posted on 28 جوان 2009 by in مقالات.

الابحار

%d مدونون معجبون بهذه: