آفاق المستقبل

تصحيح مفاهيم وتكوين رؤى

أخبار المستقبل

لقد ألّف الناس قديما وحديثا كتبا في الأحداث المستقبلية التي أخبر عنها وتنبأها الرسول صلى الله عليه وسلم. كما أن المحدثين رحمهم الله أيضا خصصوا أبوابا في كتبهم عن أحاديث الفتن وأشراط الساعة. فليس من الصعب أن نعثر على مفردات هذا الموضوع لأن مظانها معروفة ومتناولها قريب.

ومنهجي في هذا البحث أن أختار من تلك الأخبار نماذج تصور معالم مجريات الأحداث في المستقبل، وليس  الهدف في هذا الموضع حصر تلك الأخبار.

وما تلك الأخبار إلا تفصيل لما أخبر الله في كتابه الكريم وما تقرر من السنن الجارية على كل أحداث الكون. فالخير والشر يتبادلان وفق سنة التداول، والفتن حدثت وتحدث وفق سنة الابتلاء وسنة الجزاء من جنس العمل. وظهور حاكم عادل أو ظالم يحصل وفق سنة الله في ربط صلاح الجماعة بصلاح الأفراد. وهكذا. لذلك ينبغي أن نفهم تلك الأخبار على ضوء تلك السنن الإلهية ولا نراها أحداثا متفرقة وحقائق متناثرة ومشاهد متباينة، بل كلها لا تكون غير فصول مترابطة لقصة واحدة متواصلة، متحدة النظام، متفقة المعايير.

والمتتبع لتلك الأخبار يجد أنها على قسمين، قسم يأتي بأخبار سارة مبشرة، وقسم يأتي بأخبار مخيفة محذرة.

لنشرع الآن في تفاصيل تلك الأخبار.

1- أخبار مبشرة

لقد جاء في القرآن وعد الله لعباده المؤمنين بنصرة الإسلام وإتمام نوره ولو كره الكافرون، وإظهاره على كل الأديان ولو كره المشركون.

قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).[1]

قال ابن كثير في هاتين الآيتين: يقول تعالى: يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب (أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ) أي مابعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق بمجرد جدالهم وافترائهم. فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس أو نور القمر بنفخه. وهذا لا سبيل إليه. فكذلك ما أرسل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بد أن يتم ويظهر.

ولهذا قال تعالى مقابلا لهم فيما راموه وأرادوه: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ). والكافر هو الذي يستر الشيء ويغطيه، ومنه سمي الليل كافرا لأنه يستر الأشياء، وسمي الزارع كافرا لأنه يغطي الحب في الأرض، كما قال: (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ)[2].

ثم قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ)، فالهدى هو: ما جاء به من الإخبارات الصادقة والإيمان الصحيح والعلم النافع. ودين الحق هو: الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة.

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال: إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها.[3]

وأخرج الإمام أحمد بسنده عن ابن مسعود يقول: صلى هذا الحي من محارب الصبح، فلما صلوا قال شاب منهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله وأدى الأمانة.”[4]

وعن تميم الداري[5] رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ليبلغن هذا الأمر مابلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر.”

فكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية.[6]

وعن المقداد بن الأسود[7] يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يبقى على ظهر الأرض من بيت مدر ولا وبر إلا أدخل الله عليهم كلمة الإسلام، بعز عزيز أو بذل ذليل، يعزهم الله   فيجعلهم من أهلها، أو يذلهم فلا يدينوا لها.”[8]

وفي المسند عن عدي بن حاتم[9] رضي الله عنه أنه يقول: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عدي، أسلم تسلم.

فقلت: إني من أهل دين.

قال: أنا أعلم بدينك منك.

فقلت: أنت أعلم بديني مني؟

قال: نعم. ألست من الركوسية[10]؟ وأنت تأكل مرباع قومك؟

قلت: بلى.

قال: فإن هذا لا يحل لك في دينك.

قال: فلم يعد أن قالها فتواضعت لها.

قال: أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام، تقول إنما اتبعه ضعفة الناس، ومن لا قوة له, وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟

قلت: لم أرها, وقد سمعت بها.

قال: فوالذي نفسي بيده، ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز.

قلت: كسرى بن هرمز؟

قال: نعم كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد.

قال عدي: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت من غير جواز أحد، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالها.[11]

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى.

فقلت: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله عز وجل (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) الآية أن ذلك تام.

قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله عز وجل، ثم يبعث الله ريحا طيبة، فيتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فييقي من لاخير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم”[12].اهـ[13]

التمكين لدين الله وأهله

ومن الأخبار المبشرة في القرآن قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).[14]

قال ابن كثير رحمه الله: “هذا وعد من الله  تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد.

(وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) وحكما فيهم. وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنة. فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر وإسكندرية وهو المقوقس وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة الذي تملك بعد أصحمة رحمه الله وأكرمه.

ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واختار الله ما عنده من الكرامة، قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق، فلمّ شعث ما وهى بعد موته صلى الله عليه وسلم، وأطد جزيرة العرب ومهدها وبعث جيوش الإسلام إلى بلاد فارس، صحبة خالد بن الوليد[15] رضي الله عنه، ففتحوا طرفا منها، وقتلوا خلقا من أهلها، وجيشا آخر صحبة أبي عبيدة رضي الله عنه ومن اتبعه من الأمراء إلى أرض الشام، وثالثا صحبة عمرو بن العاص[16] رضي الله عنه إلى بلاد مصر. ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق ومخاليفهما من بلاد حوران وما والاها.

وتوفاه الله عز وجل. واختار له ما عنده من الكرامة، ومنّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق. فقام بالأمر بعده قياما تاما، لم يدر الفلك بعد الأنبياء على مثله في قوة سيرته وكمال عدله، وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر أقليم فارس، وكسر كسرى وأهانه غاية الهوان وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقصر قيصر، وانتزع يده عن بلاد الشام، وانحدر إلى القسطنطينية، وأنفق أموالهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله عليه من ربه أتم سلام وأزكى صلاة.

ثم لما كانت الدولة العثمانية – يعني دولة عثمان بن عفان- امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك؛ الأندلس وقبرص وبلاد القيروان وبلاد سبتة مما يلي البحر المحيط، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين، وقتل كسرى، وباد ملكه بالكلية، وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز، وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جدا، وخذل الله ملكهم الأعظم خاقان، وجبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن. ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها.”[17] فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله فنسأل الله الإيمان به وبرسوله والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا.

عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لايزال أمر الناس ماضيا ما وليهم إثنا عشر رجلا.”

ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عني. فسألت أبي: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فقال: قال: “كلهم من قريش”.[18]

وفي هذا الحديث دلالة على أنه لابد من وجود اثني عشر خليفة عادل، وليسوا هم بأئمة الشيعة الاثني عشر، فإن كثيرا من أولئك لم يكن لهم من الأمر شيء، فأما هؤلاء يكونون من قريش يلون فيعدلون. وقد وقعت البشارة بهم. ولا يشترط أن يكونوا متتابعين بل يكون وجودهم في الأمة متتابعا ومتفرقا. وقد وجد منهم أربعة على التوالي وهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم. ثم كانت بعدهم فترة.  ثم وجد منهم ما شاء الله. ثم قد يوجد منهم من بقي في الوقت الذي يعلمه الله تعالى، ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنيته كنيته يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.

وقال الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) الآية. قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين، يدعون إلى الله وحده وإلى عبادته وحده لاشريك له سرا وهم خائفون، لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بعد بالهجرة إلى المدينة، فقدموها فأمرهم الله بالقتال فكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح، فغبروا بذلك ما شاء الله، ثم إن رجلا من الصحابة قال: يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه السلاح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تصبروا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملإ العظيم محتبيا ليست فيه حديدة. وأنزل الله هذه الآية. فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فآمنوا ووضعوا السلاح. ثم إن الله تعالى قبض نبيه صلى الله عليه وسلم، فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان، حتى وقعوا فيما وقعوا فيه فأدخل عليهم الخوف فاتخذوا الحجزة طاعة بهم.

وقال بعض السلف: خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حق في كتاب الله ثم قرأ هذه الآية.

وقال البراء بن عازب: نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد. وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ)[19] إلى قوله (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).[20]

وقوله تعالى: (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كما قال تعالى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ)[21] الآية. وقال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ)[22] الآيتين.

وقوله: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) الآية، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم.[23]

وعن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بشر هذه الأمة بالسنا والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب.[24]اهـ.[25]

“لقد تحقق وعد الله مرة . وظل متحققا وواقعا ما قام المسلمون على شرط الله: يعبدونني لا يشركون بي شيئا  . . لا من الآلهة ولا من الشهوات . ويؤمنون – من الإيمان – ويعملون صالحا . ووعد الله مذخور لكل من يقوم على الشرط من هذه الأمة إلى يوم القيامة “.[26]

استمرار دعوة الخير وأنصاره

ومن الأخبار المبشرة في القرآن ما ذكره الله تعالى في سورة المائدة مهددا المرتدين المارقين من الدين، بأنهم لن يضروا دين الله شيئا. ولن ينهدم الدين بارتدادهم عنه. فقد تكفل الله سبحانه وتعالى بأنه يدخر لهذا الدين جيلا من المؤمنين الأقوياء. قال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).[27]

قال ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا، كما قال تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[28] وقال تعالى: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)[29] أي بممتنع ولا صعب.[30]

فتح القسطنطينية وروما

ومن المبشرات ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص[31] قال: بينما نحن حول رسول الله  صلى الله عليه وسلم  نكتب، إذ سئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولا يعني قسطنطينية.[32]

ورومية هي روما عاصمة إيطاليا الآن، والقسطنطينية هي إستنبول الآن. ويفهم من السؤال أن الصحابة كانوا قد علموا قبل ذلك أن الإسلام سيفتح المدينتين، ويدخل أهلها في دين الله، ولكن يريدون أن يعرفوا: أي المدينتين تسبق الأخرى، فأجاب أن مدينة هرقل وهي القسطنطينية ستفتح أولا.[33]

اتساع دولة الإسلام

ومن الأخبار المبشرة أيضا ما رواه مسلم عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض.”[34]

“(زوى لي الأرض) قال الخطابي[35]: معناه قبضها وجمعها. يقال انزوى الشيء إذا انقبض وتجمع. (مشارقها) أي الأرض.

(ما زوي لي منها) أي من الأرض. قال الخطابي: يتوهم بعض الناس أن (من) ها هنا معناها التبعيض، فيقول: كيف شرط هاهنا في أول الكلام الإستيعاب، ورد آخره إلى التبعيض؟ وليس ذلك على ما يقدرونه. وإنما معناه التفصيل، والتفصيل لا يناقض الجملة، ولا يبطل شيئا منها. لكنه يأتي عليها شيئا فشيئا ويستوفيها جزءا جزءا. والمعنى: أن الأرض زويت جملتها مرة واحدة فرآها، ثم يفتح له جزء جزء منها، حتى يأتي عليها كلها، فيكون هذا معنى التبعيض فيها.

قال النووي: فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب. وهكذا وقع. وأما في حهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب. انتهى

(الأحمر والأبيض) أي الذهب والفضة. وفي النهاية: فالأحمر ملك الشام والأبيض ملك فارس. وإنما قال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم، ولأن الغالب على أموالهم الفضة، كما أن الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة، وعلى أموالهم الذهب. انتهى.

قال: النووي المراد بالكنزين الذهب والفضة، والمراد كنز كسرى وقيصر، ملكي العراق والشام.[36]

وهذا الحديث يبشر باتساع دولة الإسلام حتى تشمل المشارق والمغارب، أي الأرض كلها. فهذا الحديث يبشر بقوة دولة الإسلام واتساعها بحيث تضم المشارق والمغارب التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم.[37]

الرخاء والأمن وفيض المال

ومن المبشرات أيضا ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا.”[38] وزاد أحمد “وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف الا ضلال الطريق وحتى يكثر الهرج. قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل”.

وكذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يهم رب المال من يقبل منه صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي.[39]

ومثله حديث حارثة بن وهب[40] مرفوعا: “تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما اليوم فلا حاجة لي بها.”[41]

عودة الخلافة على منهاج النبوة

ومن الأخبار المبشرة أيضا أن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ستعود بعد غياب طال قرونا.

عن حذيفة قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: “تكون النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة  فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.”[42]

الانتصار على اليهود

ومن الأخبار المبشرة انتصار المسلمين على اليهود، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول: تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم، ثم يقول الحجر يا مسلم  هذا يهودي ورائي فاقتله.[43]

ومثله ما رواه أبو هريرة أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود.[44]

بقاء الطائفة المنصورة على الحق

ومن الأخبار المبشرة ما رواه عدد من الصحابة أن الطائفة المنصورة ستبقى إلى يوم القيامة وهم ظاهرون على الحق.

عن المغيرة بن شعبة[45] عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون.[46]

عن معاوية بن أبي سفيان[47] قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم ويعطي الله ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة، أو حتى يأتي أمر الله.[48]

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم.

فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر[49] فقال له مسلمة: يا عقبة، اسمع ما يقول عبد الله.

فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك.

فقال عبد الله: أجل، ثم يبعث الله ريحا كريح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة.[50]

قال ابن حجر: قال النووي: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدث ومفسر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد وان يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا إلى أن لا يبقى الا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله.  ونظيره ما نبه عليه ما حمل عليه بعض الأئمة حديث أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها أنه لا يلزم ان يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط.[51]

وعن أبي أمامة قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله وأين هم قال: ببيت المقدس  وأكناف بيت المقدس.[52]

ظهور المجددين في كل قرن

ومن المبشرات أن الله يبعث لهذه الأمة في كل قرن من يجدد لها دينها.

عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.”[53]

قال ابن حجر: حديث أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة -أي الطائفة المنصورة- وهو متجه، فإن المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير. ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فأنه قام بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها، ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه. وأما من جاء بعده كالشافعي وإن كان متصفا بالصفات الجميلة إلا أنه لم يقم بأمر الجهاد والحكم بالعدل. فعلى هذا كل من كان متصفا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد سواء تعدد أم لا”.[54]

“وقال المناوي في مقدمة فيض القدير –كما نقله صاحب عون المعبود- واختلف في رأس المائة هل يعتبر من المولد النبوي أو البعثة أو الهجرة أو الوفاة ولو قيل بأقربية الثاني لم يبعد، لكن صنيع السبكي وغيره مصرح بأن المراد الثالث. انتهى.

(من يجدد) مفعول (يبعث لها) أي لهذه الأمة دينها أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم وينصر أهله ويكسر أهل البدعة ويذلهم. قالوا: ولا يكون إلا عالما بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة. قاله المناوي في فيض القدير.

وقال العلقمي[55] في شرحه: معنى التجديد إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب لسنة والأمر بمقتضاهما.

قال الحافظ ابن حجر في توالي التأسيس: قال أبو بكر البزار[56]: سمعت عبد الملك ابن عبد الحميد الميموني[57] يقول: كنت عند أحمد بن حنبل فجرى ذكر الشافعي فرأيت أحمد يرفعه، وقال: روي عن النبي يقول إن الله تعالى يقيض في رأس كل مائة سنة من يعلم الناس دينهم. قال: فكان عمر بن عبد العزيز في رأس المائة الأولى وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الأخرى.”اهـ[58]

نزول المسيح عيسى ابن مريم

ومن المبشرات التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم نزول عيسى عليه الصلاة والسلام. فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : “والذي نفسي بيده ليوشكن أن بن مريم  صلى الله عليه وسلم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد.”[59]

عن جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى بن مريم  صلى الله عليه وسلم  فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة.”[60]

ظهور المهدي

ومن المبشرات المشهورة في السنة: الأحاديث التي جاءت في شأن ظهور المهدي. وهذه الأحاديث منها صحاح ومنها حسان ومنها ضعاف ومنها موضوعة. وقد اختلف الناس فيها قديما وحديثا.

وقد استدل بعض العلماء على نفى ظهور المهدي بحديث: “لا يزداد الأمر إلا شدة ولا  الدنيا إلا  إدبارا ولا الناس إلا شحا ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ولا المهدي إلا عيسى بن مريم.”[61]

قال ابن القيم: “وسئلت عن حديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم، فكيف يأتلف هذا مع أحاديث   المهدي وخروجه؟ وما وجه الجمع بينهما؟ وهل في المهدي حديث أم لا؟

فأما حديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم، فرواه ابن ماجه[62] في سننه عن يونس بن عبد الأعلى[63] عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي[64] عن أبان بن صالح[65] عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مما تفرد به محمد بن خالد. قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآجري[66] في كتاب مناقب الشافعي: محمد بن خالد معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يؤم الأرض عدلا، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه عيسى خلفه. وقال البيهقي[67]: تفرد به محمد بن خالد. هذا وقد قال الحاكم أبو عبد الله[68]: هو مجهول، وقد اختلف عليه في إسناده فروي عنه عن أبان ابن أبي عياش[69] عن الحسن مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد وهو مجهول عن أبان عن أبي عياش، وهو متروك عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو منقطع. والأحاديث على خروج المهدي أصح إسنادا.”[70]

ومن تلك الأحاديث في شأن المهدي المنتظر حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا مني أو من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.[71]

وفي سنن أبي داود عن علي رضي الله عنه انه نظر إلى ابنه الحسن فقال: إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ويشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلا.[72]

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يملك سبع سنين.[73]

وروى أبو داود عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال ويعمل في الناس سنة نبيهم ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون. وفي رواية فيلبث تسع سنين.[74]

وروى ابن ماجة في سننه عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي[75] قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج ناس من أهل المشرق فيوطؤون للمهدي يعني سلطانه.[76]

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة.[77]

عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام، فيقول أميرهم: تعال صل بنا. فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمير ليكرم الله هذه الأمة.[78]

عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: “لا تقوم الساعة حتى تمتليء الأرض ظلما وعدوانا ثم يخرج رجل من أهل بيتي أو عترتي فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا.”[79]

عن أبي هريرة أنه يحدث أبا قتادة[80] أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: “يبايع لرجل بين الركن والمقام ولن يستحل هذا البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا تسل عن هلكة العرب، ثم تظهر الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا وهم الذين يستخرجون كنزه.[81]

عن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: يقتتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقاتلونكم قتالا لم يقاتله قوم، ثم ذكر شيئا، فقال: إذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي.[82]

عن ثوبان رضي الله عنه قال: إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبوا فإن فيها خليفة الله المهدي.[83]

عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي.[84]

عن أبي هريرة قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي.[85]

قال ابن القيم رحمه الله في تلك الأحاديث المتقدمة: “وهذه الأحاديث أربعة أقسام صحاح وحسان وغرائب وموضوعة. وقد اختلف الناس في المهدي  على أربعة أقوال:

(أحدها) أنه المسيح ابن مريم وهو المهدي على الحقيقة. واحتج أصحاب هذا بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم، وقد بينا حاله وأنه لا يصح، ولو صح لم يكن فيه حجة، لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الساعة. وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق[86]، وحكمه بكتاب الله[87] وقتله اليهود والنصارى ووضعه الجزية[88] وإهلاك أهل الملل في زمانه. فيصح أن يقال لا مهدي في الحقيقة سواه. وإن كان غيره مهديا كما يقال: لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا ما وقي وجه صاحبه. وكما يصح أن يقال إنما المهدي عيسى ابن مريم يعني المهدي الكامل المعصوم.

(القول الثاني) أنه المهدي الذي ولي من بني العباس، وقد انتهى زمانه.

واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أحمد في مسنده عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان، فائتوها ولو حبوا على الثلج، فإنه فيها خليفة الله المهدي.[89] وروى ابن ماجة عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وتابعه عبد العزيز بن المختار عن خالد.[90]

وفي سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم اغرورقت عيناه، وتغير لونه، فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه. قال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بلاء حتى يأتي قوم من أهل المشرق ومعهم رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملئت جورا، فمن أدرك ذلك ولو حبوا على الثلج.[91]

وهذا والذي قبله لو صح لم يكن فيه دليل على أن المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، بل هو مهدي من جملة المهديين. وعمر بن عبد العزيز كان مهديا بل هو أولى باسم المهدي منه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي.[92]

وقد ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه وغيره إلى أن عمر بن عبد العزيز منهم. ولا ريب أنه كان راشدا مهديا. ولكن ليس بالمهدي الذي يخرج في آخر الزمان. فالمهدي في جانب الخير والرشد كالدجال في جانب الشر والضلال. وكما أن بين يدي صاحب الخوارق دجالين كذابين، فكذلك بين يدي مهديون راشدون.

(القول الثالث) أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان، وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدل،ا وأكثر الأحاديث على هذا تدل.

وقد روي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج رجل من أهل بيتي يعمل بسنتي، وينزل الله له البركة من السماء، وتخرج له الأرض بركتها، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما، ويعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس.[93]

وروى أيضا من حديث أبي أمامة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الدجال وقال: فتنفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص. فقالت أم شريك: فأين العرب يا رسول الله يومئذ؟ فقال: هم يومئذ قليل. وجلهم ببيت المقدس وإمامهم المهدي، رجل صالح.[94]

وروى أيضا من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تهلك أمة أنا في أولها والمسيح ابن مريم في آخرها والمهدي في وسطها.[95]

وهذه الأحاديث وإن كان في إسنادها بعض الضعف والغرابة فهي مما يقوي بعضها بعضا ويشد بعضها ببعض. فهذه أقوال أهل السنة.

وأما الرافضة الإمامية فلهم (قول رابع) وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي، لا من ولد الحسن، الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، الذي يورث العصا، ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلا صغيرا من أكثر من خمس مائة سنة فلم تره بعد ذلك عين، ولم يحس فيه بخبر ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم: أخرج يا مولانا لآحتج يا مولانا. ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا دأبهم ودأبه.

ولقد أحسن من قال:

ما آن للسرداب أن يلد الذي       كلمتموه بجهلكم ما آنا

فعلى عقولكم العفـاء فإنكم       ثلثتم العنقاء والغيلانـا

ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم وضحكة يسخر منها كل عاقل.

أما مهدي المغاربة محمد بن تومرت[96] فإنه رجل كذاب متغلب بالباطل ملك بالظلم والتغلب والتحيل. فقتل النفوس، وأباح حريم المسلمين، وسبى ذراريهم، وأخذ أموالهم. وكان شرا على الملة من الحجاج بن يوسف بكثير. وكان يودع بطن الأرض في القبور جماعة من أصحابه أحياء، يأمرهم أن يقولوا للناس إنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يردم عليهم ليلا لئلا يكذبوه بعد ذلك، وسمى أصحابه الجهمية الموحدين نفاة صفات الرب وكلامه وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه ورؤية المؤمنين له بالأبصار يوم القيامة. واستباح قتل من خالفهم من أهل العلم والإيمان. وتسمى بالمهدي المعصوم. ثم خرج المهدي الملحد عبيد الله بن ميمون القداح. وكان جده يهوديا من بيت مجوسي. فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت. وادعى أنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم وملك وتغلب واستفحل أمره إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله على بلاد المغرب ومصر والحجاز والشام. واشتدت غربة الإسلام ومحنته ومصيبته بهم. وكانوا يدعون الإلهية، ويدعون أن للشريعة باطنا يخالف ظاهرها. وهم ملوك القرامطة الباطنية أعداء الدين. فتستروا بالرفض والانتساب كذبا إلى أهل البيت ودانوا بدين أهل الإلحاد وروجوه. ولم يزل أمرهم ظاهرا إلى أن أنقذ الله الأمة منهم ونصر الإسلام بصلاح الدين يوسف بن أيوب[97]. فاستنقذ الملة الإسلامية منهم وأبادهم وعادت مصر دار إسلام بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمنهم.

والمقصود أن هؤلاء لهم مهدي وأتباع ابن تومرت لهم مهدي والرافضة الإثني عشرية لهم مهدي فكل هذه الفرق تدعي في مهديها الظلوم الغشوم والمستحيل المعدوم أنه الإمام المعصوم والمهدي المعلوم الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بخروجه وهي تنتظره كما تنتظر الذي يخرج في آخر الزمان فتعلو به كلمتهم ويقوم به دينهم وينصرون به على جميع الأمم.”اهـ[98]

وعقيدة أهل السنة والجماعة تتميز بانضباطها بنصوص الشرع فلا يقبل دعوى المهدية إلا إذا تطابقت مع ما دل عليه النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة. والله تعالى أعلم.

علاقة هذه المبشرات بالسنن الإلهية

إن هذه الأخبار التي تبشر بالخير والصلاح الدنيوي ينبغي أن تفهم على ضوء سنن الله التي لا تتبدل ولا تتحول.

إن انتشار هذا الدين واعتناق الناس له يجلب رحمة الله، وبالتالي فإن الله يفتح لهم بركات من السماء والأرض، فيفيض المال ويسود الأمن والرخاء. وصلاح الناس وإنصافهم لحقوق الآخرين يترتب عليه ظهور حاكم عادل، فليس بإمكان أي حاكم مهما أوتي من قوة وعلم وصلاح أن يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا إلا إذا كان معه أناس أصحاب نفوذ وعدد يعينونه على نشر العدل ومحاربة الظلم.

ولا يجب أيضا أن نتصور حدوث هذه الأخبار المبشرة على شكل خوارق دائما. فإن الأصل في الانتصار أن يتحقق على أكتاف رجال يحملون عبء هذا الدين ويجاهدون من أجله.

ولا يجوز كذلك أن نتوقع دائما أن النصر سيكون خالصا بدون شوائب في كل الأحوال، فقد يأتي نصر الله ويكون الحرب سجالا مرة الدائرة للمسلمين ومرة عليهم، أو قد تشوب الانتصار آثار الذنوب وبقايا الفتن تتلطخ بها أيادي بعض المسلمين، كما حدث لبني إسرائيل وكما وقع للمسلمين بعد القرون المفضلة. وكما سنرى عند الكلام في الأخبار المحذرة من الفتن لاحقا.

وسنة التداول تعمل في تاريخ الأمة ومستقبلها فإنها جزء من الابتلاء الذي خلقت الدنيا من أجله، فلذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الفتن ومن تبدل الخير بالشر. فهي حكمة من الله عز وجل ليختبر عباده فيجازي المحسنين ويعاقب المسيئين أو يعفو عنهم.

2- أخبار محذِّرة

إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن وقوع الفتن والبلايا التي ستصيب المسلمين ليس لغرض تيئيسهم وإقناطهم من رحمة الله. كلا! وألف كلا! إن الفتنة والابتلاء سنة ثابتة في حياة الناس أفرادا وجماعات. فإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بالفتن ليس أكثر من تحذير أمته من شرورها وتحاشي الوقوع فيها.

إن نظام الحياة للإنسان مبني على المخاطرة. والفرص والتحديات كلاهما قائم. وخيارات الخير والشر مفتوحة للإنسان. وهكذا يكون الاختبار. والإسلام لم ينزل إلا لهداية الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يرسل إلا رحمة للعالمين. والرب واحد، ورحمته وسعت كل شيء. فالرحيم في عهد الرسول والصحابة هو الرحيم في كل زمان ومكان. وسنته تعالى ثابتة لا تتغير. فوقوع المصيبة في كل زمان ومكان بسبب الذنوب وخلاصها يكون بالتوبة. والعقوبة لكل عاص، والنجاة لكل تائب. وشدة البلاء لأولياء الله في كل زمان ومكان، وطريق النجاة هو اللجوء إلى الله والتمسك بحبل الله تعالى. والرب واحد. والرحمة صفة ثابتة له سبحانه، فهو الرحيم في القرون المفضلة، ووهو الرحيم في العصور المتأخرة.

وعلى هذا الفهم نتناول أحاديث الفتن وأشراط الساعة.


  • · وقوع الفتن كمواقع القطر

من هذه الأخبار ما روي عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم  أشرف على أطم من آطام المدينة، ثم قال: “هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر”.[99]

قال النووي: “(الأطم) بضم الهمزة والطاء هو القصر والحصن، وجمعه آطام. ومعنى (أشرف) علا وارتفع. والتشبيه بمواقع القطر فى الكثرة والعموم، أى أنها كثيرة، وتعم الناس، لاتختص بها طائفة.”[100]

إن هذا توطئة نفسية وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة رضوان الله عليهم حتى يتهيؤوا نفسيا لما سيلقون من الاختبار الصعب.

“وهذا إشارة الى الحروب الجارية بينهم، كوقعة الجمل وصفين والحرة ومقتل عثمان ومقتل الحسين رضى الله عنهما وغير ذلك. وفيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم.”[101]

وقال ابن حجر: “إنما اختصت المدينة بذلك لأن قتل عثمان رضي الله عنه كان بها، ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك. فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان. والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين. وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك، أو عن شيء تولد عنه. ثم إن قتل عثمان كان أشد أسبابه الطعن على أمراءه ثم عليه بتوليته لهم. وأول ما نشأ ذلك من العراق وهي من جهة المشرق. فلا منافاة بين حديث الباب وبين الحديث الآتي “إن الفتنة من قبل المشرق”. وحسن التشبيه بالمطر لإرادة التعميم. لأنه إذا وقع في أرض معينة عمها، ولو في بعض جهاتها.

قال ابن بطال[102]: أنذر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زينب بقرب قيام الساعة كي يتوبوا قبل أن تهجم عليهم.

وقد ثبت أن خروج يأجوج ومأجوج قرب قيام الساعة. فإذا فتح من ردمهم ذاك القدر في زمنه  صلى الله عليه وسلم لم يزل الفتح يتسع على مر الأوقات. وقد جاء في حديث أبي هريرة رفعه: “ويل للعرب من شر قد اقترب, موتوا إن استطعتم.”[103] قال: وهذا غاية في التحذير من الفتن والخوض فيها، حيث جعل الموت خيرا من مباشرتها. وأخبر في حديث أسامة بوقوع الفتن خلال البيوت ليتأهبوا لها، فلا يخوضوا فيها. ويسألوا الله الصبر والنجاة من شرها.”[104]

  • · وقوع الهلاك إذا كثر الخبث

ومن الأخبار التي تحذر الأمة من المخاطر ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الهلاك العام إذا عم الفساد.

عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا، يقول: “لا إله إلا الله، ويل للعرب، من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه.” وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها. قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: “نعم إذا كثر الخبث”.[105]

والمراد بالخبث هو المعاصي عموما كما رجحه الإمام النووي.[106] “ومعنى الحديث: أن الخبث اذا كثر فقد يحصل الهلاك العام، وإن كان هناك صالحون.”[107]

ويأجوج ومأجوج قوم من بني آدم من ذرية يافث بن نوح كما رجحه كثير من العلماء وقيل هم من الترك وقيل من الديلم. وقيل إنهم لم يولدوا من آدم وحواء وهو أبعد الأقوال وأضعفها. إذ كل الناس تفنى غير ما حملهم الله على سفينة نوح، فلم يبق على وجه الأرض من البشر إلا نوح وأتباعه. والله أعلم.[108]

“وقوله (ويل للعرب من شر قد اقترب) خص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم. والمراد بالشر: ما وقع بعده من قتل عثمان، ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة. كما وقع في الحديث الآخر: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها.” وإن المخاطب بذلك العرب. قال القرطبي: ويحتمل ان يكون المراد بالشر ما أشار اليه في حديث أم سلمة: “ماذا أنزل الليلة من الفتن؟! وماذا أنزل من الخزائن؟!” فأشار بذلك إلى الفتوح التي حصلت بعده، فكثرت الأموال في أيديهم، فوقع التنافس الذي جر الفتن. وكذلك التنافس على الإمرة، فإن معظم ما أنكروه على عثمان تولية أقاربه من بني أمية وغيرهم، حتى أفضى ذلك إلى قتله، وترتب على قتله من القتال بين المسلمين ما اشتهر واستمر.

قوله (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج) المراد بالردم: السد الذي بناه ذو القرنين.

قوله (مثل هذا وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها) أي جعلهما مثل الحلقة.

قوله: (وفينا الصالحون) كأنها أخذت ذلك من قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)[109] قوله (قال: نعم إذا كثر الخَبَث) بفتح المعجمة والموحدة ثم مثلثة، فسروه بالزنا وبأولاد الزنا، وبالفسوق والفجور وهو أولى لأنه قابله بالصلاح.”[110]

ويشهد لما تقدم حديث ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أنزل الله بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم.”[111]

قال ابن حجر: “الذي يناسب كلامه الأخير –أي كلام ابن بطال أن سبب إهلاك الجميع هو ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي- حديث أبي بكر الصديق سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب.”[112]

وهذا هو الحكم في الدنيا، أما في الآخرة فكل يبعث على عمله الخاص.

ويشهد لذلك حديث عائشة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: “أن ناسا من أمتي يؤمون هذا البيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم.

فقلنا: يا رسول الله إن الطريق قد تجمع الناس.

قال: نعم، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم.[113]

ومثل ذلك حديث أم سلمة ولفظه: فقلت: يا رسول الله فكيف بمن كان كارها؟

قال: يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته.[114]

قال ابن حجر: وجنح ابن أبي جمرة إلى أن الذين يقع لهم ذلك إنما يقع بسبب سكوتهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأما من أمر ونهى فهم المؤمنون حقا لا يرسل الله عليهم العذاب، بل يدفع بهم العذاب.[115] ويؤيده قوله تعالى (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)[116] وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[117]. ويدل على تعميم العذاب لمن لم ينه عن المنكر وإن لم يتعاطاه قوله تعالى (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)[118].[119]

قال ابن حجر رحمه الله: “ويستفاد من هذا مشروعية الهرب من الكفار ومن الظلمة، لأن الإقامة معهم من إلقاء النفس الى التهلكة. هذا إذا لم يُعِنهم ولم يرض بأفعالهم. فإن أعان أو رضي فهو منهم، ويؤيده أمره صلى الله عليه وسلم بالإسراع في الخروج من أرض ثمود.”[120]

ويشير الحديث إلى مبدأ المسؤولية الجماعية في الدنيا والمسؤولية الفردية في الآخرة. قال ابن حجر: وأما بعثهم على أعمالهم فحكم عدل لأن أعمالهم الصالحة إنما يجازون بها في الآخرة. وأما في الدنيا فمهما أصابهم من بلاء كان تكفيرا لما قدموه من عمل سيء فكان العذاب في الدنيا على الذي ظلموا يتناول من كان معهم ولم ينكر عليهم، فكان ذلك جزاء لهم على مداهنتهم. ثم يوم القيامة يبعث كل منهم فيجازى بعمله.[121]

فيه الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال ابن حجر: “وفي الحديث تحذير وتخويف عظيم لمن سكت عن النهي. فكيف بمن داهن؟ فكيف بمن رضي؟ فكيف بمن عاون؟ نسأل الله السلامة.”[122]


  • فتنة إبليس وجنوده

ومن الأخبار الظريفة لكنها في غاية الأهمية ما حكاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن صنيع إبليس وتنظيمه لجنوده في إغواء الناس.

عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس  يضع عرشه على الماء،  ثم يبعث سراياه. فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة.

يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا.

فيقول: ما صنعت شيئا.

قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته.

قال فيدنيه منه ويقول: نعم أنت. قال فيلتزمه.[123]

قال المناوي: “إن إبليس يضع عرشه يحتمل أن يكون سريرا حقيقة، يضعه (على الماء) ويجلس عليه ويحتمل كونه تمثيلا لتفرعنه وشدة عتوه ونفوذ أمره بين سراياه  وجيوشه، وأيا ما كان فيظهر أن استعمال هذه العبارة الهائلة وهي قوله (عرشه) تهكما وسخرية فإنها استعملت في الجبار الذي لا يغالب (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)[124]. والقصد أن إبليس مسكنه البحر.

(ثم يبعث سراياه) جمع سرية وهي القطعة من الجيش. (فأدناهم منه) أي أقربهم (منزلة) وهو مبتدأ (أعظمهم فتنة) خبره (يجيء أحدهم) بيان لمن هو أدنى منه ولمن هو أبعد (فيقول فعلت كذا وكذا) أي وسوست بنحو قتل أو سرقة أو شرب (فيقول له: ما صنعت شيئا) استخفافا بفعله.

(ويجيء أحدهم فيقول له ما تركته) يعني الرجل (حتى فرقت بينه وبين أهله) أي زوجته. (فيدنيه منه) أي يقربه منه ويقول مادحا شاكرا له: (نعم أنت). إن هذا تهويل عظيم في ذم التفريق، حيث كان أعظم مقاصد اللعين، لما فيه من انقطاع النسل المستدركة بني آدم، توقع وقوع الزنا الذي هو أعظم الكبائر فسادا وأكثرها معرة. كيف وقد استعظمه في التنزيل بقوله (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)[125].

في هذا الحديث بين الرسول صلى الله عيه وسلم كيف جند إبلسي جنوده ووجههم لإغواء الناس ثم حاسبهم على أداء مهماتهم.

ويفهم من هذا الحديث شكل من التنظيم في هذا الشر، فأهل الخير أولى بتنظيم أعمالهم للخير منهم.

  • · فتن كقطع الليل المظلم

ومن الأحاديث المهمة في شأن الفتن ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم من المبادرة بالأعمال الصالحة قبل وقوع الفتن الصعبة حيث إن الرجل يبدل دينه بين عشية وضحاها مقابل ثمن بخس من أعراض الدنيا.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل  المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا.”[126]

والحديث حث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر. ووصف صلى الله عليه وسلم نوعا من شدائد تلك الفتن وهو أنه يمسى مؤمنا ثم يصبح كافرا، أو عكسه شك الراوى، وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان فى اليوم الواحد هذا الانقلاب.[127]

إن وصف الفتن بكونها مثل قطع من الليل يدل دلالة قوية على شدة الظلمة والالتباس والحيرة في تلك الظروف الصعبة.

قال ابن حجر رحمه الله: “(كقِطَع الليل المظلم) أي كل فتنة كقطعة من الليل المظلم، في شدتها وظلمتها وعدم تبين أمرها. قال الطيبي رحمه الله: يريد بذلك التباسها وفظاعتها وشيوعها واستمرارها فيها أي في تلك الفتن.[128]

إنه من صعوبة المسألة وشدة التباسها وقوة التجاذب فيها ظل الإنسان فيها يتقلب بين الكفر والإيمان بسهولة.

قال ابن حجر: “الظاهر أن المراد بالإصباح والإمساء تقلب الناس فيها وقت دون وقت لا بخصوص الزمانين. فكأنه كناية عن تردد أحوالهم وتذبذب أقوالهم وتنوع أفعالهم، من عهد ونقض وأمانة وخيانة ومعروف ومنكر وسنة وبدعة وإيمان وكفر.”[129]

فأمام هذه الحقيقة المستقبلية يجب على الإنسان أن يستغل الفرصة المتاحة قبل وقوع تلك الفتن التي صعب فيها العمل الصالح، فيبادر الإنسان بالأعمال حتى لا يصاب بالحسرة من جراء فوات الفرصة.

قال المباركفوري: فمعنى بادروا تعجلوا بالأعمال الصالحة قبل مجيء الفتن المظلمة من القتل والنهب والاختلاف بين المسلمين في أمر فإنكم لا تطيقون الأعمال على وجه الكمال فيها.[130]

إنها فتن مظلمة محيرة ولكن الله لم يترك الناس بدون نور يهتدي به في الظلمات. قال تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[131]

فليس هذه الفتن مغلقة بدون مخرج. بل قد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن التمسك بكتاب الله يخرج الإنسان من هذه الظلمات الحالكة.

روي عن عن علي رضي الله عنه قال: أما إني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إنها ستكون فتنة.

فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟

قال: كتاب الله، فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا  يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ)[132] من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم.[133]

وعن معاذ بن جبل قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الفتن فعظهما وشددها.

فقال علي بن أبي طالب: يا رسول الله فما المخرج منها؟

فقال: كتاب الله، فيه حديث ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وفصل ما بينكم، من تركه من جبار قصمه الله، ومن تتبع الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المسقيم، هو الذي لما سمعته الجن قالت: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً)[134] هو الذي لا تختلف به الألسن، ولا تخلقه كثرة الرد.[135]

والتمسك بكتاب الله هو التمسك أيضا، فإن القرآن يقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).[136] ويقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ).[137]

وعن المقدام بن معديكرب[138] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه.”[139]

قال صاحب عون المعبود: “أوتيت الكتاب أي القرآن ومثله معه،” أي الوحي المتلو أو تأويل الوحي الظاهر وبيانه بتعميم وتخصيص وزيادة ونقص أو أحكاما ومواعظ وأمثالا، تماثل القرآن في وجوب العمل أو في المقدار.

قال البيهقي: هذا الحديث يحتمل وجهين (أحدهما) أنه أوتي من الوحي المتلو مثل ما أوتي من الظاهر المتلو (والثاني) أن معناه أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى وأوتي مثله من البيان، أي أذن له أن يبين ما في الكتاب، فيعم ويخص، وأن يزيد عليه، فيشرع ما ليس في الكتاب له ذكر، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن.

وقوله: (رجل شبعان) هو كناية عن البلادة وسوء الفهم الناشىء عن الشبع، أو عن الحماقة اللازمة للتنعم والغرور بالمال والجاه.

وقوله: (على أريكته) أي سريره المزين بالحلل والأثواب. وأراد بهذه الصفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت، ولم يطلبوا العلم من مظانه، فأحلوه أي اعتقدوه حلالا، فحرموه أي اعتقدوه حراما.”اهـ[140]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه”.[141]

“…فإنهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما، ولا هدي إلا منهما، والعصمة والنجاة لمن تمسك بهما، واعتصم بحبلهما، وهما العرفان الواضح، والبرهان اللائح، بين المحق إذا اقتفاهما، والمبطل إذا تخلى عنهما، فوجوب الرجوع إليهما معلوم من الدين ضرورة، لكن القرآن يحصل العلم القطعي يقينا، وفي السنة تفصيل معروف.”[142]

يستفاد هذا الحديث: الحث على العمل قبل حدوث الفتن، وصعوبة تلك الفتن بحيث لم يتبين وجه الحق فيها، وأن الاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم سبيل النجاة عند كل الملمات.

  • · عرض الفتن على القلوب

ومن تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من الفتن أنه عليه الصلاة والسلام صور كيف أثرت الفتن على قلوب الناس حتى خرج الناس منها وقد انقسموا قسمين. قسم ناج سالم من شرها وأصبح لهم مناعة، وقسم هالك مطموس البصائر كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها.

قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “تعرض[143] الفتن على القلوب  كالحصير عودا عودا[144]، فأي قلب أشربها[145] نكت فيه نكتة[146] سوداء، وأي قلب أنكرها[147] نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين؛ على أبيض مثل الصفا[148] فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا[149] كالكوز مجخيا[150] لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه.”[151]

والفتنة -كما دل عليه معناه اللغوي- هي الاختبار وهو كذلك في الواقع. فإن الفتنة تفرق بين الناجح فيها والفاشل في عراك الحياة.

قال النووي: “قال أهل اللغة أصل الفتنة فى كلام العرب الابتلاء والامتحان والاختبار. قال القاضى: ثم صارت فى عرف الكلام لكل أمر كشفه الاختبار عن سوء. قال أبو زيد: فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع فى الفتنة وتحول من حال حسنة إلى سيئة.”[152]

“ويجيء كلام النبي صلى الله عليه وسلم يبين أمثال الله تعالى التي ضربها للناس، ويوضح أنها مسألة استعداد في بعض القلوب لقبول الافتتان. فمن الناس من جعل الله فيه فطرة صالحة تنكر الفتن، ومنهم من يأبى بعض الهداية فيضله الله. فمن أباها -أي أبى الفتن- ابتداء: أباها انتهاء، ومن رحب بها ابتداء: طبعت في قلبه سوادا يظل يتسع حتى يتم اسوداده مع نهايتها.”[153]

يستفاد من الحديث أن المقصد من الفتن هو امتجان القلوب واختبارها حتى يتميز القلب الطيب من القلب الخبيث، وأن الفتن تتكرر على القلوب حتى تنطبع عليها، وأن القلوب التي تنكر الفتنة تسلم وإذا ثبتت واستمرت على الطريق المستقيم لم تضرها الفتنة إلى يوم القيامة، وأن القلوب التي تستجيب للهوى دائما لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا. وهي التي تقع وتضل عند الفتن.

  • · باب يسد الفتن

ومن الأخبار المحذرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بحصول الفتن المائجة كموج البحر بعد وفاة الفاروق رضي الله عنه وأنه كان رضي الله عنه سدا منيعا أمام أمواج الفتن المتلاطمة.

عن حذيفة قال: بينا نحن جلوس عند عمر إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم  في الفتنة؟

قال: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال: ليس عن هذا أسألك، ولكن التي تموج كموج البحر.

قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابا مغلقا.

قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟

قال: لا، بل يكسر.

قال عمر: إذا، لا يغلق أبدا.

قلت: أجل.

قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟

قال: نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة، وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط.

فهبنا أن نسأله من الباب؟ فأمرنا مسروقا فسأله فقال: من الباب؟

قال: عمر.[154]

قال ابن حجر: والمراد بالفتنة –أي التي في الأهل والمال والولد والجار: ما يعرض للإنسان من غفلة مع من ذكر من البشر أو الالتهاء بهم، أو أن يأتي لأجلهم بما لا يحل له، أو يخل بما يجب عليه.[155]

وقال الزبن بن المنير: الفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن أو عليهن في القسمة والإيثار، حتى في أولادهن، ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن، وبالمال يقع الاشتغال به عن العبادة، أو بحبسه عن إخراج حق الله. والفتنة بالأولاد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد، وإيثاره على كل أحد. والفتنة بالجار تقع بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق وإهمال التعاقد. وهي لا تنحصر في تلك المذكورات.[156]

والضابط أن كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة.[157]

واستشكل كيف يكون الوقوع في المحرمات والإخلال بالواجب يكفر بتلك الأمور المذكورة مع أن الطاعات لا تسقط ولا تقضى بتلك الأمور؟  لم يناسب إطلاق التكفير إن حمل على الوقوع في المكروه والإخلال بالمستحب.

والجواب: أن المراد الوقوع في المحرمات والإخلال بالواجبات، وأن الممتنع من تكفير الحرام والواجب ما كان كبيرة فهي التي فيها النزاع. وأما الصغائر فلا نزاع أنها تكفر. لقوله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)[158] الآية. وقد مضى شيء من البحث في هذا في كتاب الصلاة.[159]

وفي التنصيص أن الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكفر السيئات دلالة على عظم قدر تلك الأمور من من حيث إن قدرها أعظم من قدر السيئات.

والتكفير يكون بنفس الفعل لتلك الأمور ويحتمل أيضا بأن يكون زيادة وزن تلك الأمور ترجح حتى يغلب على السيئات المرتكبة. والأول اظهر. والله أعلم.[160]

والمكفرات لا تختص بما ذكر بل نبه به على ما عداها. فذكر من عبادة الأفعال الصلاة والصيام، ومن عبادة المال الصدقة، ومن عبادة الأقوال الأمر بالمعروف.

أما الفتن التي تموج كموج البحر فهي ليست تلك التي تصيب على مستوى الأفراد. بل هي التي تعصف بالأمة الإسلامية فتضربها وتضطرب بها كالبحر عند هيجانه. وهذه هي التي تهم عمر رضي الله عنه تشغل باله. فسأل عن ذلك.

ولكن عمر رضي الله عنه إنسان من طراز متميز. وكانت مميزاته الشخصية وقوته وشدته في الحق وقفت حاجزا دون تلك الفتن العارمة. فطمأنه حذيفة رضي الله عنه وقال: (إن بينك وبينها بابا مغلقا) أي لا يخرج منها شيء في حياتك. وكأنه مثل الفتن بدار ومثل حياة عمر بباب لها مغلق. ومثّل موته بفتح ذلك الباب. فما دامت حياة عمر قائمة فهي الباب المغلق لا يخرج مما هو داخل تلك الدار شيء. فإذا مات فقد انفتح ذلك الباب. فخرج ما في تلك الدار.

قال ابن بطال: “إنما عدل حذيفة حين سأله عمر عن الإخبار بالفتنة الكبرى إلى الإخبار بالفتنة الخاصة، لئلا يغم ويشتغل باله. ومن ثم قال له: إن بينك وبينها بابا مغلقا. ولم يقل له أنت الباب، وهو يعلم أنه الباب، فعرض له بما فهمه ولم يصرح. وذلك من حسن أدبه.”[161]

وقال النووي: “يحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل، ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل، لأن عمر كان يعلم أنه الباب. فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير التصريح بالقتل.”[162]

لذلك سأل عمر يفتح الباب أو يكسر؟ فأجاب: لا بل يكسر. فقال: ذلك أحرى أن لا يغلق.

قال ابن بطال: إنما قال ذلك لأن العادة أن الغلق إنما يقع في الصحيح، فأما إذا انكسر فلا يتصور غلقه حتى يجبر.

ويحتمل أن يكون كنى عن الموت بالفتح وعن القتل بالكسر.[163] ولكن رواية أخرى تدل على ما رجحان دلالة القتل أو الموت وليس الفتح قدمته فإن فيها (وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت)[164]. وإنما قال عمر ذلك اعتمادا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة.[165]

وقول عمر أنه إذا كسر لم يغلق، أخذه من جهة أن الكسر لا يكون إلا غلبة والغلبة لا تقع إلا في الفتنة. وعلم من الخبر النبوي أن بأس الأمة بينهم وأن الهرج لا يزال إلى يوم القيامة، كما وقع في حديث شداد رفعه: “إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة”[166].[167]

وقد كان عمر رضي الله عنه يعلم ذلك كعلمه أن دون غد الليلة -أي علمه علما ضروريا مثل هذا[168] وأن ليلة غد أقرب إلى اليوم من غد[169]– : أنه هو الباب –كما قال ابن بطال- لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم على حراء وأبو بكر وعثمان فرجف فقال: اثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان.[170] أو فهم ذلك من قول حذيفة “بل يكسر” انتهى.

والذي يظهر أن عمر علم الباب بالنص. فلعل حذيفة حضر ذلك. وهو الذي قال: أنا أعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة. وفيه أنه سمع ذلك معه من النبي صلى الله عليه وسلم  جماعة ماتوا قبله.[171]

نستفيد من الحديث: حرص الصحابة على التعرف على الفتن اتقاء شرها، وأن العبادة مثل الصلاة والزكاة والصيام تكفر سيئات الفتن الصغيرة. وهي أحداث طبيعية، وحدوث الفتن المزلزلة بعد زوال شخص حازم قوي وهو عمر رضي الله عنه. ويمكن أن يستفاد من سيرة الفاروق ومن آراءه وأقواله فقه منع الفتن.

  • · مضاعفة الأجر خمسين مرة أيام الفتن

ومن الأخبار التي تحذر الأمة من الفتن القادمة ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ستكون أيام صعبة ليس لها إلا أن يصبر فيها الإنسان. ومن عدل الله ورحمته أن الله يجازي الصابرين فيها بخمسة أضعاف جزاء الصابرين في أيام عادية. فهذا تحذير وتبشير في نفس الوقت.

عن أبي ثعلبة الخشني[172] رضي الله عنه قال: سألت عنها –أي آية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)[173]– رسول الله صلى الله عليه وسلم،

فقال: بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا، يعملون مثل عمله،

قال: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟

قال: أجر خمسين منكم.[174]

لقد سأل أبو ثعلبة رضي الله عنه عن معنى تلك الآية المذكورة التي قد تفهم فهما خطأ أنها تزهيد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الآية فقط تحدثت عن الحث على أن يهتم كل إنسان بنفسه وعدم التضرر صلال الناس إذا كان الشخص على هدى، ولم تقل الآية: “لا تهتموا إلا بأنفسكم”. فسوء الفهم قد يحرف بقارئ هذه الآية إلى أنها تعنى ذلك. لذلك استدرك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (بل ائتمروا) أي امتثلوا بالمعروف أي ومنه الأمر بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، أي انتهوا واجتنبوا عنه، ومنه الامتناع عن نهيه. أو الائتمار بمعنى (التآمر) بمعنى المشاركة في الأمر كالاختصام بمعنى التخاصم، ويؤيده لفظ التناهي بعده. والمعنى ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف وتنه طائفة منكم طائفة عن المنكر.

ومعنى (شحا مطاعا) أي بخلا مطاعا بأن أطاعته نفسك وطاوعه غيرك. وفي النهاية: هو أشد البخل. وقيل: البخل مع الحرص. وقيل: البخل في أفراد الأمور وآحادها، والشح عام. وقيل: البخل بالمال والشح بالمال والمعروف.[175]

وقوله (وهوى متبعا) بصيغة المفعول، أي وهوى للنفس متبوعا، وعن طريق الهدى مدفوعا.

وقوله (ودنيا مؤثرة) أي مختارة على أمور الدين أو يؤثرها الإنسان على غيره من إخوانه المسلمين. فليس هناك العطاء المتبادل بينهم بل التنافس على أعراض الدنيا التناحر من أجلها يكون الظاهرة السائدة.

وقوله (وإعجاب كل ذي رأي برأيه) أي بدون نظر إلى الكتاب والسنة وإجماع الأمة وترك الاقتداء بالصحابة والتابعين. والإعجاب بكسر الهمزة هو وجدان الشيء حسنا، ورؤيته مستحسنا، بحيث يصير صاحبه به معجبا، وعن قبول كلام الغير مجنبا، وإن كان قبيحا في نفس الأمر. ففي هذه الحالة زيادة على الشح واتباع الهوى والأثرة بالدنيا يبقى من الصعب بل من المستحيل أن تنفع فيها النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إذ كل الناس يتبع هواه ويتحكم فيه الشح والضن بالنفس, وكل الناس يؤثر بالدنيا على الآخرة ويستأثر بها عن غيره فلا يعطي ولا يبذل ابتغاء وجه الله ومع ذلك كل إنسان يرى أنه رأيه هو الصواب الذي لا صواب بعده. فهذه أحوال سيئة يتعذر فيها الإصلاح.

وفي هذه الحالة الصعبة يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتني المؤمن بنفسه لا يبالي بما عليه الناس من الفساد فقال عليه الصلاة والسلام كما في رواية ابن حبان: (فعليك نفسك ودع أمر العوام) أي واترك عامة الناس الخارجين عن طريق الخواص المهتدين بهداية الإسلام. (فإن من ورائكم أي خلفكم أيام الصبر) أي أياما لا طريق لكم فيها إلا الصبر، أو أياما يحمد فيها الصبر.

و(الصبر فيه مثل قبض على الجمر) يعني يلحقه المشقة بالصبر كمشقة الصابر على قبض الجمر بيده.

(للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله) بمعنى أن أجر العمل في هذه الأيام الصعبة خمسون ضعف العمل في غيره من الأيام العادية.

وهذا التفضيل للأجر ليس مطلقا وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه في تفضيل الصحابة قوله عليه الصلاة والسلام: “لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.”[176] ولأن الصحابي أفضل من غيره وقد قال عليه الصلاة والسلام أنهم خير الناس مطلقا.

“وقد تكلم ابن عبد البر[177] في هذه المسألة وقال يمكن أن يجيء بعد الصحابة من هو في درجة بعض منهم أو أفضل وما اختاره العلماء خلافه.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام[178]: ليس هذا على إطلاقه، بل هو مبني على قاعدتين (إحداهما) أن الأعمال تشرف بثمراتها (والثانية) أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوله وبالعكس، لقوله عليه السلام: “بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء من أمتي”[179]، يريد المنفردين عن أهل زمانهم.”[180]

إذا تقرر ذلك فنقول: الإنفاق في أول الإسلام أفضل، لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه: “لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه” أي مد الحنطة. والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها.

وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين وقلة أنصارهم. فكان جهادهم أفضل. ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها. ولذلك قال عليه السلام: “أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.”[181] جعله أفضل الجهاد ليأسه من حياته.

وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام فإن ذلك شاق على المتأخرين لعدم المعين وكثرة المنكر فيهم. كالمنكر على السلطان الجائر. ولذلك قال عليه السلام: (يكون القابض كالقابض على الجمر). لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة. فكذلك المتأخر في حفظ دينه. وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر. فعلى هذا ينزل الحديث.”[182]

ويتلخص مما تقدم أن للمتأخرين أفضلية نسبية من حيث عظم الأجر وقلة الأعوان على الخير مع كثرة المنكرات. فالصبر في هذه الظروف أصعب والأجر فيها أعظم. إلا أن الأفضلية المطلقة تبقى للسابقين الأولين من الصحابة المهاجرين والأنصار. فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق الخيرية لهم. عن عبد الله قال: سئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أي الناس خير؟ قال: “قرني ثم الذين  يلونهم ثم الذين يلونهم”.[183]

ولكن لا يفهم منه أن الخير في هبوط دائم بعد القرون المفضلة كما يفهمه كثير من الناس. ويدل على ذلك حديث حذيفة الآتي ذكره بعد قليل، وظهور المجددين في كل مائة سنة، وظهور المهدي ونزول المسيح. وأعظم من كل ذلك ما تبين سابقا في السنن الإلهية أن الحق يغلب الباطل دائما وأن الباطل في أصله زهوق زائل.

  • · دورة التاريخ

ومن الأخبار التي تحذر المسلمين إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسلمين ستجري عليهم سنة ثابتة وقانون مطرد لكل الأمم وأنهم سيتبعونهم في مسيرتهم. وذلك تنبيه من ألا ينساق المسلم مع التيار الغالب والظاهرة السائدة. بل عليه أن يتمسك بالهدي الأصيل الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي ذلك حديثان، الحديث الأول:

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم.

قلنا: يا رسول الله آليهود والنصارى؟

قال: فمن؟[184]

قال النووي: “السَنَن: بفتح السين والنون وهو الطريق. والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم.

والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر. وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد

وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.”[185]

قال ابن حجر: “قوله (ضب) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة: دويبة معروفة. يقال: خصت بالذكر لأن الضب يقال له قاضي البهائم، والذي يظهر أن التخصيص إنما وقع لجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم وأتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الردىء لتبعوهم.

قوله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن؟ هو استفهام إنكاري. أي ليس المراد غيرهم.”[186]

والحديث الثاني:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، شبرا بشبر، وذراعا بذراع،

فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟

فقال: ومن الناس إلا أولئك؟[187]

وقال ابن حجر: قوله (القرون) جمع قرن، بفتح القاف وسكون الراء: الأمة من الناس.

قوله: (كفارس والروم؟) يعني الأمتين المشهورتين في ذلك الوقت. وهم الفرس في ملكهم كسرى، والروم في ملكهم قيصر.

قوله (ومن الناس إلا أولئك؟) أي فارس والروم، لكونهم كانوا إذ ذاك أكبر ملوك الأرض وأكثرهم رعية وأوسعهم بلادا.[188]

وقال: وقد أخرج الطبراني من حديث المستورد بن شداد[189] رفعه “لا تترك هذه الأمة شيئا من سنن الأولين حتى تأتيه.”[190]

ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح: “لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها”.[191]

وقال الكرماني[192]: حديث أبي هريرة مغاير لحديث أبي سعيد لأن الأول بفارس والروم والثاني باليهود والنصارى. ولكن الروم نصارى وقد كان في الفرس يهود. أو ذكر ذلك على سبيل المثال، لأنه قال في السؤال كفارس والروم.[193]

والظاهر من الحديثين أنه ليس على سبيل المثال، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الأول: فمن؟ وفي الحديث الثاني: فمن الناس إلا أولئك؟ مما يدل على أنه يريد الحصر عليهم لا التمثيل بهم. والله أعلم.

قال ابن حجر بعد أن فند قول الكرماني: “ويحتمل أن يكون الجواب اختلف بحسب المقام. فحيث قال فارس والروم كان هناك قرينة تتعلق بالحكم بين الناس وسياسة الرعية. وحيث قيل اليهود والنصارى كان هناك قرينة تتعلق بأمور الديانات أصولها وفروعها. ومن ثم كان في الجواب عن الأول “ومن الناس إلا أولئك” وأما الجواب في الثاني بالإبهام. فيؤيد الحمل المذكور وأنه كان هناك قرينة تتعلق بما ذكرت.”[194]

إنه القانون الثابت لكل الأمم التي منحها الله الرسالة الإلهية فأكرمهم الله بأنواع النعم فامتحنهم الله بها فهناك من يسلم من هذه الفتنة وهناك من يسقط، وكذلك من أكرمهم الله بالظهور وسيادة الناس فمنهم من استقام على طريق السداد ومنهم من انحرف عن سواء السبيل.

من ذلك وقوع الاختلاف في الدين، التقاتل على الدنيا، اتباع الهوى، ظهور البدع في الدين، كثرة المعاصي، إلخ. إلا أن هذه الأمة خصها الله بأن حفظ الله كتابه وقيض أناسا ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم.

وعلى كل حال فإن سنة الله في الأمم واحدة، فينبغي الحذر من الوقوع فيما وقع فيه الأمم السابقة. فإن الحديث وإن كان يخبر بحدوث ذلك لا محالة، إلا أن السعيد من وعظ بغيره، والشقي لا يفيده الوعظ ولا المشاهدة ولا التجربة. نسأل الله التوفيق.

يستفاد من الحديثين أنه ليست الأمة الإسلامية بدعا من الأمم بحيث لا تجري عليها السنن كما جرت على الأمم السابقة. وأيضا ينبغي الحذر من الوقوع فيما وقع فيه اليهود والنصارى من الانحراف في الدين وما وقع فيه فارس والروم من الفساد والطغيان في الدنيا. وينبغي دراسة تاريخ الأمم والحضارات السابقة على هذا الضوء حتى نعرف كيف سقطت وبماذا نهضت، لأنها كلها تسير على سنة الله الثابة.

  • · تعاقب الخير والشر

ومن الأخبار المنذرة بالفتن حديث حذيفة فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخير والشر في هذه الدنيا في تعاقب مطرد وتداول مستمر.

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما يقول: كان الناس يسألون رسول الله  صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.

فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟

قال: نعم.

قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟

قال: نعم، وفيه دخن.

قلت: وما دخنه؟

قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر.

قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟

قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها.

قلت: يا رسول الله صفهم لنا.

قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.

قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟

قال: الزم جماعة المسلمين وإمامهم.

قلت: فان لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟

قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.[195]

لقد سأل حذيفة رضي الله عنه من شدة حرص على التحرز وقوة تنبهه من الشر عن مجئ الشر بعد الخير الذي كانوا عليه. كما أنهم كانوا على الشر الجاهلي قبل أن جاء ذلك الخير الإسلامي.

فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي شر بعد ذلك الخير العميم والسعد العظيم. فإن الدنيا دار ابتلاء وليست مستقر النعماء.

قال ابن حجر: “والمراد بالشر ما يقع من الفتن من بعد قتل عثمان وهلم جرا، أو ما يترتب على ذلك من عقوبات الآخرة.”[196]

ثم أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن بعد ذلك الشر يأتي الخير فإن الحق باق ومنتصر، والباطل زائل ومندحر. إلا أن هذا الخير الآتي يشوبه دخن ليبقى قدر من الابتلاء.

قال النووي فيما نقله عن أبي عبيد وغيره إن الدَخَن بفتح الدال المهملة والخاء المعجمة؛ أصله أن تكون في لون الدابة كدورة إلى سواد، قالوا: والمراد هنا أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض، ولا يزول خبثها، ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء.[197]

وقال ابن حجر في معنى الدخن أنه هو الحقد. وقيل: الدغل. وقيل: فساد في القلب. ومعنى الثلاثة متقارب، يشير إلى أن الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرا خالصا، بل فيه كدر. وقيل: المراد بالدخن الدخان، ويشير بذلك إلى كدر الحال. وقيل: الدخن كل أمر مكروه. وقال أبو عبيدة: يفسر المراد بهذا الحديث الحديث الآخر “لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه.” وأصله أن يكون في لون الدابة كدورة بالحق. المعنى أن قلوبهم لا يصفو بعضها لبعض.[198]

قال القاضي: قيل المراد بالخير بعد الشر أيام عمر بن عبد العزير رضي الله عنه.[199]

وقوله صلى الله عليه وسلم (قوم يهتدون بغير هديي) الهدى الهيئة والسيرة والطريقة، كأن هذا مظهر من مظاهر الدخن الذي يشوب ذلك الخير الآتي.

وقوله بعده (تعرف منهم وتنكر) أنهم هؤلاء القوم خلطوا المعروف بالمنكر، فتعرف منهم أمورا محمودة وتنكر فيهم أشياء مذمومة.

وجاء عن أم سلمة ثم زوج النبي  صلى الله عليه وسلم عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره  فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا.[200]

فذلك المنكر الحاصل لم يصل إلى مستوى يستدعي تغييره بقوة وعنف ورفع السيف.

ثم أخبر الرسول أن بعد ذلك الخير يأتي شر مرة أخرى. وهذا الشر يتمثل في ظهور أناس يدعون إلى المنكرات المؤدية إلى النار.

قال النووي رحمه الله: وقوله صلى الله عليه وسلم (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب الفتنة.[201]

قال ابن حجر: قوله (على أبواب جهنم) أطلق عليهم ذلك باعتبار ما يؤول إليه حالهم كما يقال لمن أمر بفعل محرم: وقف على شفير جهنم.[202]

ثم وصفهم الرسول صلى الله وسلم هؤلاء القوم الدعاة على أبواب جهنم أنهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.

قال ابن حجر: قوله (هم من جلدتنا) أي من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا. وفيه إشارة إلى أنهم من العرب. وقال الداودي[203]: أي من بني آدم. وقال القابسي[204]: معناه أنهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن محالفون. وجلدة الشيء ظاهره. وهي في الأصل غشاء البدن. قيل: ويؤيد إرادة العرب أن السمرة غالبة عليهم. واللون إنما يظهر في الجلد.[205]

ثم أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم بالتمسك بالوحدة الإسلامية إن كان لهم كيان جامع وجماعة قائمة. وسأتكلم عن هذه النقطة فيما بعد بشيء من التفصيل بإذن الله.

وأرشد في الأخير كيف يتصرف المسلم إذا كان هو وحده ولم يجد جماعة المسلمين يلتزم بهم ولا إمام يقف معه، أن يتمسك بأصل الدين الحق حتى الموت.

قال البيضاوي[206]: المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان. وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة، كقولهم فلان يعض الحجارة من شدة الألم. أو المراد اللزوم، كقوله في الحديث الآخر: “وعضوا عليها بالنواجذ.” ويؤيد الأول قوله في الحديث الآخر “فإن مت وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم.”[207]

قال النووي رحمه الله: وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ووجوب طاعته وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك فتجب طاعته معصية وفيه معجزات لرسول الله  صلى الله عليه وسلم وهي هذه الأمور التي أخبر بها.[208]

***

والذي يظهر عندي، والله أعلم، أن الحديث يتحدث عن النمط الذي تمر على نحوه مراحل تاريخ هذه الأمة من تعاقب الخير والشر وفق سنة التداول. والذي أوّله العلماء كله هو إنما تمثيل في مرحلة معينة من تاريخ المسلمين. وسيتكرر تعاقب الخير والشر على هذا النمط. فكلما وصل المسلمون إلى وضع يسود فيه الخير -طال أو قصر- يعقبه امتحان من الله بظهور الشر-طال أو قصر، ثم يزول هذا الشر ويعقبه خير، إلا أن بقية الشر عالقة وإن كانت قليلة بالنسبة إلى الخير السائد، ثم يأتي زمن الشر مرة أخرى، ثم زمن الخير وفيه بقية الشر وهكذا. ولم يشر صلى الله عليه وسلم أن في زمن الشر بقية خير لأن الخير هو الأصل في الكون، وهو الثابت في كل زمان، إلا أن طغيان الشر له جولة وصولة فترة من الزمن تخفي كثيرا من الخير ولم تزله. كما قال تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)[209].

ولا يلزم أن يكون الخير الأول مثل الخير الثاني والشر الأول مثل الشر الثاني، ولا قوة أصحاب الحق في مرحلة مثل قوتهم في مرحلة أخرى، وكذلك أهل الشر.

يدل على هذا المعنى كله مجموع النصوص التي تدل على أن الله ينصر الحق وأهله، وأنه متم نوره ولو كره الكافرون، وأنه لا يزال طائفة من أمة الإسلام قائمين على أمر الله ظاهرين على الحق منصورين، وبعث الله على كل رأس مائة سنة من يجدد أمر هذا الدين. هذا كله يدل على أن الخير باق في هذه الأمة إلى نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، ثم يبعث الله ريحا تقبض روح كل مسلم، فلم يبق إلا شرار الخلق، فذلك العهد شر محض.

وتاريخ المسلمين يدل على ما ذهبت إليه، فكلما ظهرت الفتنة أطفأها الله، ولكن بقي بعدها بعض آثارها، إلا أن هذا الزمن الثاني خير من الأول. وكلما ظهرت البدع وأهلها بعث من الأمة من يتصدى لها، وكتب الله له الظهور والقبول، وتبعه السواد العظيم من الأمة. وهكذا. وكذلك حكام المسلمين ظهر فترة بعد فترة من يقوم بالعدل، وينشر الخير، وإن تفاوتوا في الخير وقوته. وليس زمن الخير بعد الشر فقط في عهد عمر بن عبد العزيز. فأبو جعفر المنصور وهارون الرشيد أيضا في عهدهما خير كثير، حيث استتب الأمر، وانتشر العلم، وشاع الخير والأمن. وكذلك ظهور أمثال عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبي، ثم ظهور محمد الفاتح في الخلافة العثمانية وهكذا، فالدين يتجدد على أيدي العلماء والأمراء وأفراد الأمة المميزين. وإن كان خيرا دون خير، وشرا دون شر.

وأما ما رواه البخاري في صحيحه عن الزبير بن عدي[210] قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج. فقال: اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.[211] فالظاهر من الحديث أنه يقصد زمن الصحابة وليس كل الأزمنة، كأن هذا يفسر حديث حذيفة “فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.” لذلك قال ابن حجر رحمه الله في هذا الحدبث: ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة، بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك، فيختص بهم، فأما من بعدهم فلم يقصد في الخبر المذكور.[212]

واستدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا.[213]

وأقوى من استدلال ابن حبان حديث حذيفة أيضا لما قال: “فهل بعد هذا الشر من خير؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم.”

وكذلك حديث “بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء.”[214] فإنه يتحدث عن فترة من التاريخ وليس مطردا في كل العصور.

قال العلامة الشيخ يوسف القرضاوي: “والذي أراه أن الحديث يتحدث عن دورات أو (موجات) تأتي وتذهب. وإن الإسلام يعرض له ما يعرض لكل الدعوات والرسالات من القوة والضعف، والامتداد والانكماش، والازدهار والذبول، وفق سنة الله التي لا تتبدل. فهو كغيره خاضع لهذه السنن الإلهية، التي لا تعامل الناس بوجهين، ولا تكيل لهم بكيلين. فما يجري على الأديان والمذاهب يجري على الإسلام. وما يجري على سائر الأمم يجري على أمة الإسلام.”[215]

***

وأما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة، فجاء في الرسالة للإمام الشافعي:

قال: فما معنى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعتهم؟

قلت: لا معنى له إلا واحد.

قال: فكيف لا يحتمل إلا واحدا؟

قلت: إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرقين، وإن وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى لأنه لا يمكن، ولأن الأبدان لا يصنع شيئا، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما.[216]

قال الطبري: اختلف في هذا الأمر وفي الجماعة، فقال قوم: هو السواد الأعظم ثم ساق عن محمد بن سيرين عن أبي مسعود أنه وصى من سأله لما قتل عثمان: “عليك بالجماعة، فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة.” وقال قوم: المراد بالجماعة الصحابة دون من بعدهم. وقال قوم: المراد بهم أهل العلم لأن الله جعلهم حجة على الخلق، والناس تبع لهم في أمر الدين.[217]

وكل تلك الأقوال تتفق في أن المراد بالجماعة هي الإطار العلمي الاعتقادي الذي يجب أن تتفق عليه الأمة من مسائل قطعية ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع واتباع ما كان عليه السلف الصالح من لزوم الحق واتباع السنة ومجانبة البدع والمحدثات. ويقابل الحماعة بهذا المعنى التفرق في الدين. والمخالفون لها هم الفرق الضالة وأهل الأهواء.

قال الطبري: والصواب أن المراد في الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة.[218]

وهذا القول يعني أن الجماعة هي الإطار السياسي الذي يجب أن ينخرط فيه كل أفراد الأمة من خرج عنه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. والجماعة بهذا المعنى تقع في مقابلة البغي والتفرق في الراية، ويسمى المفارق لها باغيا وناكثا وإن كان من أهل السنة.

يدل على المعنى الأول: أحاديث منها: حديث: “إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة.”[219]

ومما يدل على المعنى الثاني أحاديث منها: حديث: “من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية”.[220]

فيتلخص من النصوص وأقوال العلماء أن جميعها يؤول عند التحقيق إلى قولين يكمل الواحد منهما الآخر:

“الأول: أن الجماعة هي جماعة العلماء من أهل السنة أي الاجتماع على الحق الذي تمثله القرون الثلاثة الفاضلة، ويحمل لواءه في كل عصر الثقات العدول من أئمة أهل السنة، وهم يمثلون السواد العام من المسلمين، لأن العامة بالفطرة تبع لهم، وهي بذلك تقع في مقابلة أهل الأهواء والبدع.

الثاني: أن الجماعة هي الأمة في اجتماعها على الإمام ما دام في الجملة مقيما لأحكام الإسلام.

وهكذا تتفق دلالات النصوص، ومآلات أقوال أهل العلم في بيان المقصود بمعنى الجماعة وأنها تتضمن كلا المعنيين السابقين.”[221]

وهذا يعني أن –بناء على على ما سبق من بيان المقصود بالجماعة- أن لزوم الجماعة يتضمن أمرين:

الأول: الجانب العلمي والاعتقادي: ويعني ضرورة اتباعهم فيما كانوا عليه من الاعتقاد والتحليل والتحريم ونحو ذلك مما يؤول إلى هذا الجانب.

الثاني: الجانب السياسي ويعني اتباعهم فيما اتفقوا عليه من تقديم الإمام والطاعة له في غير معصية، وعدم الخروج عليه إلا بالكفر البواح.

والواجب على كل مسلم أن يستجيب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بلزوم الجماعة بكلا معنييها اللذان تمخضت عنهما أقوال أهل العلم (العلمي والسياسي أو الدعوة والدولة.)[222]

“والأصل أن ينشأ الإطار السياسي للجماعة على أساس من إطارها العلمي التزاما به، وحماية له، ودعوة إليه. وهكذا كان الحال أيام الراشدين. فقد كانوا أعلام السنة وخلفاء الأمة.

وأما إذا افترق الإطاران وتجاوز الإطار السياسي للجماعة إطارها العلمي كما كان الحال أيام الإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية نظر؛ فإن كان هذا التجاوز لم يبلغ بعد مبلغ الكفر أو انعدام الشرعية، فإن الواجب وفقا لما انتهى إليه جمهور المحققين من أهل السنة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتزام الطاعة له في غير معصية. فيكون سبيل النجاة يومئذ هو السنة والجماعة.”[223]

وأما إذا بلغ التجاوز بالإطار السياسي مبلغ الكفر البواح أو انعدمت شرعية ولايته لأي سبب من الأسباب، كما هو الحال في واقعنا المعاصر في أغلب بلاد المسلمين. فنحن أمام شغور الزمان عن السلطان، ومن ذلك انعقاد الولاية على أن تكون السيادة العليا أو التشريع المطلق لأحد من دون الله، فإن هذا مما يبطل هذه الولاية، ويعدم وجودها من الناحية الشرعية، والمنعدم شرعا كالمنعدم حسا. ولا بديل من ذلك إلا الاعتزال حتى الموت.

ويتحقق الانتساب إلى الحماعة في إطارها العلمي في هذه الحالة بما يلي:

أ‌-                 الالتزام المجمل بالإسلام، وذلك بالبقاء على الولاء للإسلام والرضا بشريعته ووموالاة دعاته، وعدم استبدال المذاهب الوضعية به.

ب‌-            عدم الالتزام المجمل بفرقة من الفرق الضالة أو بأصل كلي من أصولها الظاهرة، مع ما يقتضيه ذلك من الاتزام المجمل بمنهج أهل السنة وموالاة أصحابه وتبديع من خالفه.

ويتمثل الإطار السياسي للجماعة في حالة خلو الزمان من السلطان في أهل الحل والعقد الذين ينتظم بهم الأمر ويتبعهم سائر الناس، ويفزع إليهم في المهمات والمصالح العامة.

وأهل الحل والعقد هم أهل العلم وأهل القدرة، أو أهل الزعامة الدينية والدنيوية ممن تحقق لديهم الحد الأدنى من الانتساب إلى الجماعة في إطارها العلمي، من الالتزام المجمل بالإسلام وعدم الالتزام المجمل بفرقة من الفرق الضالة، ويشترط فيهم العدالة والكفاية والعلم بمقاصد الإمامة وشرائطها المعتبرة.

يتمثل أهل الحل والعقد في الواقع العملي في قادة الدعوات والجماعات، ومن كتب الله له قبولا عاما من العلماء والدعاة، وإن يكن لم له انتساب محدد إلى تجمع من التجمعات الإسلامية المعاصرة، بالإضافة إلى وجهاء الناس وأولي المكانة والخبرة في الأمة وموضع الثقة من سوادها الأعظم ممن صح انتسابهم إلى الجماعة في إطارها العلمي.[224]

والمقصود بالاعتزال في حديث حذيفة “اعتزل تلك الفرق كلها” هو اعتزال الفرق الضالة المشار إليها في الحديث “دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها.” ولا يصح إطلاق الفرق على تجمعات العمل الإسلامي المعاصر. لأن الجماعة كما قال ابن مسعود: “إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك.”[225] فكيف بأناس تجمعوا على الحق وجاهدوا من أجله؟ فأولى أن يلتزم بهم، ولا يعتزل عنهم.

وكيف يفهم أن الشرع يأمر باعتزال جماعات الخير وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [226]، ووقد حصر الله السلامة من الخسران المحقق على أناس اجتمعوا على الخير والتواصي بالحق والصبر عليه (وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).[227]

والأصل في المسلمين أن يكون لهم كيان منظم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا إسلام الا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة  إلا  بطاعة، فمن سوده قومه على الفقه كان حياة له ولهم، ومن سوده قومه على غير فقه كان هلاكا له ولهم.”[228]

قال ابن تيمية رحمه الله: “يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض. ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم.”[229] رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة. وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم.”[230] فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع. ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة. وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة.”[231]

فالشرع يحث ويأمر بالانضمام إلى تلك التجمعات التي تلتزم بهدي الكتاب والسنة والعمل على إحياء الدين. فإذا لم يتحقق وجود الجماعة على الوجه الكامل فلا أقل من أن يجتمع المسلمون بأقل ما يمكن تحقيقه. والله أعلم.

وخلاصة فوائد ما في الحديث أمور منها:

1-              يجب الحذر من الشر كما يجب الحرص على الخير.

2-              سنة التداول من الخير إلى الشر والعكس جارية على هذه الأمة.

3-              يجب التنبه من الدخن الذي يوجد في زمن الخير.

4-              الثبات على الحق في كلا الزمنين.

5-              وجوب لزوم جماعة المسلمين وإمامهم وعدم التفرق.

6-              اعتزال الفرق الضالة.

  • · فتنة المسيح الدجال

ومن الأخبار التي تحذر الأمة هوالإخبار بمجيء الدجال نزول عيسى المسيح بعده يقتله عليه الصلاو والسلام. وقد في ذلك أحاديث أذكر منها هذا الحديث الآتي:

عن النواس بن سمعان[232] رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع[233]، حتى ظنناه في طائفة النخل. فلما رحنا إليه، عرف ذلك فينا.

فقال: ما شأنكم؟

قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال غداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل.

فقال: غير الدجال أخوفني عليكم[234]، إن يخرج فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم،

إنه شاب قطط[235]، عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزي بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق[236]، فعاث يمينا وعاث شمالا[237]، يا عباد الله! فأثبتوا!

قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟

قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم[238].

قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟[239]

قال: لا اقدروا له قدره.[240]

قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟

قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر،[241]

ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول: لها أخرجي كنوزك! فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل[242]،

ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين[243] رمية الغرض[244]، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك،

فبينما هو كذلك، إذ بعث الله المسيح بن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء[245] شرقي دمشق بين مهرودتين[246]، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ[247]،

فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات،[248] ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد[249] فيقتله،

ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم[250] ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: “إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم[251]، فحرز عبادي إلى الطور.”

ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون،[252] فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء. ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسي[253] كموت نفس واحدة،

ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم[254]، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر[255] فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة،[256]

ثم يقال للأرض: “أنبتي ثمرتك، وردي بركتك.” فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها،[257] ويبارك في الرسل[258] حتى أن اللقحة[259] من الإبل لتكفي الفئام[260] من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ[261] من الناس،

فبينما هم كذلك، إذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم[262]، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر[263]، فعليهم تقوم الساعة.[264]

بهذا تنتهي سلسلة تعاقب الخير والشر ليأتي بعده شر محض تقوم عليه الساعة.

ويظهر من هذا الحديث انتصار أهل الحق ودفاع الله عنهم مهما أوتي أهل الباطل من قوة خارقة.

  • · قيام الساعة على شرار الناس

ومن أحاديث الفتن وأشراط الساعة التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم إخباره صلى الله عليه وسلم أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس.

عبد الرحمن بن شماسة المهري[265] قال: كنت عند مسلمة بن مخلد[266]، وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عبد الله: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم.

فبينما هم على ذلك، أقبل عقبة بن عامر، فقال له مسلمة: يا عقبة, اسمع ما يقول عبد الله.

فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك.

فقال عبد الله: أجل، ثم يبعث الله ريحا كريح المسك مسها مس الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة.[267]

قال ابن مسعود: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء.[268]

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس.[269]

ويستفاد من هذا الحديث أنه لا تقوم الساعة إلا إذا انعدم الخير في الناس، وبقاء الأمة على الحق والخير حتى قيام الساعة إلى أن يقبض الله أرواح المؤمنين فلا يبقى في الناس خير.

المطلب الثاني: المواقف المطلوبة من هذه الأخبار

إن تلك الأخبار التي جاءت عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لم تأت قصصا يتفكه بها في المجالس الفارغة ولا ترفا علميا تحشى بها الكتب وتدبج بها المقالات. بل هي معالم وضعها الله وبينها رسوله أن تتخذ منارات يهتدي بها السالك إلى الله ويستبصر بها الأمة في سيرها الطويل. لذا يجب أن نحدد بعد سماع تلك الأخبار القضايا العملية التي نستفيد من هذه الأخبار التي أتت من لدن العليم الخبير سبحانه وما ينطق صلى الله عليه وسلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

إن الوعي بحقائق المستقبل من أخطر القاضايا لدى كل إنسان. وكشف القرآن والسنة عن أحداث المستقبل يأتي على مستوى خطورة القضية.

التحقق من صحة الأخبار

ويجب التنبيه في هذا الموضوع فإن أكثر الأحاديث في الملاحم وأشراط الساعة ضعيفة أو موضوعة.

قال الخطيب: “… أحاديث الملاحم وما يكون من الحوادث فإن أكثرها موضوع، وجلها مصنوع. وقال: فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة.”[270]

“وقال الامام أحمد: ثلاثة كتب ليس لها أصول: وهي المغازي والتفسير والملاحم. قلت: ينبغي أن يضاف إليها الفضائل فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة إذ كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي[271] وفي التفسير على مثل مقاتل[272] والكلبي[273] وفي الملاحم على الاسرائيليات وأما الفضايل فلا تحصى كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت وعارضهم جهلة أهل السنة بفضائل معاوية بدء وبفضائل الشيخين وقد أغناهما الله وأعلى مرتبتهما عنها.”[274]

لذلك يجب التحقق من صحة الخبر فإن كثيرا من الكتب التي كتب قي أشراط الساعة والفتن والملاحم لم يعتنوا بانتقاء الأحاديث الواردة فيها. ولا يحل لمسلم أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عيله وسلم حديثا وهو يعلم أنه لايثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

روى مسلم في مقدمة صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين.”[275]

فذكر الروايات الضعيفة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بدون بيان ضعفه وإيهام الناس بأنه من كلام الرسول صلى الله عليهوسلم يعتبر كذبا عليه، والكذب على الرسول صلى الله وسلم متوعد عليه بالنار. فقد روى عن عدد من الصحابة أن رسول الله عليه وسلم قال: “إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.”[276]

الإيمان بما صح عن الله ورسوله

وأما ما ثبت الخبر عن الله ورسوله بأسانيد صحيحة فيجب الإيمان به. وكانت تلك الأخبار أعلاما ومعجزات تدل على صدق الرسول وثبوت رسالته صلى الله عليه وسلم.

“وهذه نبوءات تحدث بها السيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تجعلك على مثل الشمس مبصرة، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا ينطق عن الهوى.”[277]

“فليس كلامنا إلا حالة التصديق الكامل من الواقع للنبوءات الثابتة، فليس كلامنا إذن في التوقعات، وليس كلامنا في التكهنات الكهنية التي يكذب الواقع عشرات مثلها، وليس كلامنا في النبوءات المدعاة التي يدعي أنها قيلت قبل وقوع مضمونها والحقيقة أنها قيلت بعده، وليس كلامنا في أمر بُيِّت فتنبأ بقوعها بعض من بيَّت، وليس كلامنا في إنسان تحققت بعض نبوءاته وكذب الواقع بعضها، وليس كلامنا كانت عن رؤيا منام أو يشبه رؤيا منام، وليس كلامنا في نبوءة صدرت عن تابع نبي صديق فكانت كرامة له باتباعه لهذا النبي.

وإنما كلامنا في أخبار عن المستقبل المجهول، عن رجل يقول أنه رسول، ويتحقق هذا المستقبل تحققا تاما، لا يخرم منه شيء. فتلك إذن نبوة لا شك فيها، واتصال بالله عالم الغيب والشهادة، لا شك فيه.”[278]

المبشرات دافعة إلى العمل لا ذريعة للاتكال

إن الأخبار التي تبشر بالخير وأن النصر قادم وأن المستقبل للإسلام كلها يجب أن تدفع المسلم إلى العمل في سبيل تحقيق ذلك. لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أمته بقدوم الخير ومجيء النصر حتى يتكل الناس على الأقدار أو حتى ينزل النصر من السماء بدون بذل الجهد. بل “… إن المسلم مطالب بأن يعمل لدينه منتجا معطاء، حتى تلفظ الحياة آخر أنفاسها، ولا يتوانى في عمارة الأرض لحظة واحدة، وهذا ما علمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها.”[279]

فإذا كان هذا مطلوبا لدنيا المرء فكيف لا يكون مطلوبا لدينه؟ كيف يكون الدين أهون عند الله من الدنيا؟!.

إن المؤمن مطالب أن يعمل لدينه ما استطاع، داعيا إلى الخير, آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر،مجاهدا في سبيل الله، مقاوما للشر والفساد، متعاونا مع إخوانه المؤمنين على البر والتقوى، فإن النصوص التي أمرت بهذا كله، ولم تخصص بزمن، بل هي باقية محكمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.”[280]

إن النصر قادم، والمستقبل للإسلام لا محالة، والسؤال الذي يجب أن يسأله كل مسلم نفسه في هذا: ما دوري في هذا النصر؟ ماذا أسهمت في حصول ذلك النصر؟ ما موقعي من هذا الخير الذي سيأتي ولا بد؟ ولا يكون مثل ذلك الشخص الذي قال الله فيه: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ)[281].

الفتن وروح التحدي

حدوث الفتن وصولة الباطل يجب ألا يقعد بصاحب العزم أن يمضي ويواجه. إن صاحب البصيرة لا يبالي بوجود العوائق وقيام التحديات، لأن المعوقات والتحديات شيء ملازم لكل جهاد وكفاح. وكل الأرباح في الحياة لا تأتي بدون مخاطرة. بل إن عظم الإنجاز لا يكون إلا على قوة التحدي. إن العظماء لا يكونون عظماء إلا بمغالبة التحديات العظيمة. والذي يحيد دائما عن المخاطر سيبقى حقيرا مهمشا أبدا.

فليس الإشكال في حصول الفتن أو وجود الصعوبات، ولكن المسألة في عزيمة الإنسان على مواجهتها، وثباته على الاستقامة عندها. ولا ينجو إلا أولياء الله وأحباؤه. فليرشح كل مسلم نفسه، وليعقد عزمه، ثم ليستعن بربه، وليتوكل عليه، فنعم المولى ونعم الوكيل.


[1] سورة التوبة:32-33

[2] سورة الحديد: 20

[3] أخرجه مسلم (4/2215 رقم 2889)

[4] مسند أحمد (5/366 رقم 23158)

[5] تميم الداري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو رقية تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة اللخمي الفلسطيني   والدار بطن من لخم ولخم فخذ من يعرب بن قحطان. قدم وفد تميم الداري سنة تسع فأسلم فحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر بقصة الجساسة في أمر الدجال. وكان عابدا تلاء لكتاب الله. وروى قرة عن ابن سيرين قال جمع القرآن على عهد رسول الله أبي وعثمان وزيد وتميم الداري. وروى أبو قلابة عن أبي المهلب كان تميم يختم القرآن في سبع.وروى أبو الضحى عن مسروق قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري صلى ليلة حتى أصبح أو كاد يقرأ آية يرددها ويبكي )أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)(الجاثـية: من الآية21) روورد أن رجلا أتى تميما الداري فحدثنا فقلت كم جزؤك قال لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن ثم يصبح فيقول قد قرأت القرآن في هذه الليلة فوالذي نفسي بيده لأن أصلي ثلاث ركعات نافلة أحب إلي من أن أقرأ القرآن في ليلة ثم أصبح فأخبر به فلما أغضبني قلت والله إنكم معاشر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقي منكم لجدير أن تسكتوا فلا تعلموا وأن تعنفوا من سألكم   فلما رآني قد غضبت لان وقال ألا أحدثك يا ابن أخي أرأيت إن كنت أنا مؤمنا قويا وأنت مؤمن ضعيف فتحمل قوتي على ضعفك فلا تستطيع فتنبت أو رأيت إن كنت أنت مؤمنا قويا وأنا مؤمن ضعيف حين أحمل قوتك على ضعفي فلا أستطيع فأنبت ولكن خذ من نفسك لدينك ومن دينك لنفسك حتى يستقيم لك الأمر على عبادة تطيقها. وأخرج ابن ماجه بإسناد ضعيف عن أبي سعيد قال أول من أسرج في المساجد   تميم الداري. مات سنة أربعين (سير أعلام النبلاء 2/442-448)

[6] أخرجه أحمد (4/103) والطبراني في الكبير (2/58 رقم 1280)

[7] المقداد بن الأسود الكندي هو ا بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود البهراني وقيل الحضرمي. قال  بن   الكلبي كان عمرو  بن   ثعلبة أصاب دما في قومه فلحق بحضرموت فحالف كندة فكان يقال له الكندي وتزوج هناك امرأة فولدت له  المقداد   فلما كبر  المقداد   وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي فضرب رجله بالسيف وهرب إلى مكة فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهري وكتب إلى أبيه فقدم عليه فتبنى الأسود المقداد. فصار يقال المقداد بن الأسود. وغلبت عليه واشتهر بذلك فلما نزلت )ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) (الأحزاب: من الآية5) قيل له المقداد  بن عمرو. واشتهرت شهرته بابن  الأسود. وأسلم قديما وتزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد بعدها. اتفقوا على أنه مات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان قيل وهو  بن   سبعين سنة (الإصابة 6/202)

[8] أخرجه أحمد (6/4 رقم 23865) والحاكم (4/476 رقم 8324) واللفظ له

[9] عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي الطائي ولد الجواد المشهور أبو طريف. أسلم في سنة تسع وقيل سنة عشر وكان نصرانيا قبل ذلك وثبت على إسلامه في الردة وأحضر صدقة قومه إلى أبي بكر وشهد فتح العراق ثم سكن الكوفة وشهد صفين مع علي ومات بعد الستين وقد أسن. قال محل بن خليفة عن عدي بن حاتم ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء. وكان جوادا. وجزم خليفة بأنه مات سنة ثمان وستين وفي التاريخ المظفري أنه مات في زمن المختار وهو بن مائة وعشرين (الإصابة 4/469-471)

[10] هو دين بين النصارى والصابئين (النهاية 1/686)

[11] أخرجه أحمد (4/257)

[12] أخرجه مسلم (4/2230 رقم 2907)

[13] تفسير القرآن العظيم (2/350-351)

[14] سورة النور:55

[15] خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن محزوم القرشي المخزومي سيف الله أبو سليمان. كان أحد أشراف قريش في الجاهلية وكان إليه أعنة الخيل في الجاهلية وشهد مع كفار قريش الحروب إلى عمرة الحديبية. لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بسيف الله. لم يهزم في الجاهلية ولا في الإسلام. ولما حضرت خالدا الوفاة أوصى إلى عمر فتولى عمر وصيته. مات   خالد بن الوليد   بمدينة حمص سنة إحدى وعشرين وقيل توفي بالمدينة النبوية (الإصابة  2/251-255)

[16] عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بالتصغير بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي السهمي أمير مصر يكنى أبا عبد الله. أسلم قبل الفتح في صفر سنة ثمان وقيل بين الحديبية وخيبر. مات سنة ثلاث وأربعين على الصحيح (الإصابة 4/650-653)

[17] تقدم تخريجه قريبا انظر ص244

[18] أخرجه مسلم (3/1452 رقم 1821)

[19] سورة الأنفال: 26

[20] سورة الأنفال: 26

[21] سورة الأعراف: 129

[22] سورة القصص: 5

[23] تقدم قريبا راجع ص245

[24] أخرجه أحمد (5/134 رقم 21258) وابن حبان (2/132 رقم 405) و الحاكم في المستدرك (4/436 رقم 7882) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[25] تفسير القرآن العظيم (3/301-303) مختصرا

[26] في ظلال القرآن (4/2529-2530)

[27] سورة المائدة:54

[28] سورة محمد: 38

[29] سورة إبراهيم: 19-20

[30] تفسير القرآن العظيم (2/70)

[31] عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي وكان من فضلاء الصحابة وعبادهم المكثرين في الرواية وأسلم قبل أبيه وكان يلوم أباه على القيام في الفتن وحلف بالله أنه لم يرم في حرب صفين برمح ولا سهم وإنما حضرها لعزم أبيه عليه ولقوله صلى الله عليه وسلم: أطع أباك توفي سنة 65هـ (شذرات الذهب 1/73)

[32] أخرجه أحمد (2/176 رقم 6645) والحاكم (4/468 رقم 8301، 4/553 رقم 8550، 4/598 رقم 8662) وصححه والطبراني في الأوسط (1/195 رقم 623) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/349)

[33] المبشرات بانتصار الإسلام ص33، د. يوسف القرضاوي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1418هـ-1998م

[34] أخرجه مسلم (4/2215 رقم 2889)

[35] الامام العلامة المفيد المحدث الرحال أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي صاحب التصانيف  وصنف شرح البخاري ومعالم السنن وغريب الحديث وشرح الأسماء الحسنى والعزلة وغير ذلك. وكان ثقة متثبتا من أوعية العلم. مات ببست في ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة (طبقات الحفاظ 1/404-405)

[36] عون المعبود (11/217)

[37] المبشرات بانتصار الإسلام ص35

[38] أخرجه مسلم في كتاب الزكاة باب الترغيب في الصدقة (2/701)  وابن حبان (15/93) وأحمد (2/370 رقم 8819)

[39] أخرجه مسلم في كتاب الزكاة باب الترغيب في الصدقة (2/701) والبخاري باب الصدقة قبل الرد  (2/512 رقم 1345)

[40] حارثة بن وهب الخزاعي أمه أم كلثوم بنت جرول بن مالك الخزاعية (الإصابة 1/619)

[41] أخرجه البخاري باب الصدقة قلب الرد (2/512 رقم 1345) ومسلم باب التغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها (2/700 رقم 1011)

[42] أخرجه أحمد (4/273) والبزار (7/224 رقم 2796) قال الهيثمي: رواه أحمد في ترجمة النعمان والبزار أتم منه والطبراني ببعضه في الأوسط ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 5/189)

[43] أخرجه البخاري (3/1316 رقم 3398) ومسلم (4/2293 رقم 2921)

[44] أخرجه مسلم (4/2239 رقم 2922)

[45] المغيرة بن شعبة  بن أبي عامر بن مسعود بن معقب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس الثقفي أبو عيسى أو أبو محمد. أسلم قبل عمرة الحديبية وشهدها وبيعة الرضوان وله فيها ذكر. قال بن سعد كان يقال له مغيرة الرأي وشهد اليمامة وفتوح الشام والعراق وقال الشعبي كان من دهاة العرب. فلما قتل عثمان اعتزل القتال إلى أن حضر مع الحكمين ثم بايع معاوية بعد أن اجتمع الناس عليه ثم ولاه بعد ذلك الكوفة فاستمر على إمرتها حتى مات سنة خمسين عند الأكثر ونقل فيه الخطيب الإجماع وقيل مات قبل بسنة وقيل بعدها بسنة (الإصابة 6/197-198)

[46] أخرجه البخاري (6/2667 رقم 7881) ومسلم (3/1523 رقم 1921،1922) بلفظ: “لن يزال قوم من أمتي”

[47] معاوية بن أبي سفيان، كان من دهاة العرب وحلمائها يضرب به المثل وهو أحد كتبة الوحي. ولى الشام لعمر وعثمان عشرين سنة وتملكها بعد على عشرين إلا شهرا وسار بالرعية سيرة جميلة توفي بدمشق سنة ستين في رجب وله ثمان وسبعون سنة (شذرات الذهب 1/65)

[48] أخرجه البخاري (6/2667 رقم 6882) ومسلم (3/1524 رقم 1037) واللفظ للبخاري.

[49] عقبة بن عامر الجهني من أصحاب الصفة كان عقبة بن عامر يقول خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في الصفة فقال أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان وتوفي بمصر (حلية الأولياء 2/8)

[50] أخرجه مسلم (3/1524رقم 1924)

[51] فتح الباري (13/295) بتصرف

[52] أخرجه أحمد (5/269 رقم 22374) قال الهيثمي : رواه عبدالله -أي ابن أحمد بن حنبل- وجادة عن خط أبيه والطبراني ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/288)

[53] أخرجه أبو داود (4/109 رقم 4291) والحاكم (4/568 رقم 8593) والطبراني في الأوسط (6/324 رقم 6527) وقال العجلوني: رواه ابو داود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه الطبراني في الأوسط عنه أيضا بسند رجاله ثقات وأخرجه الحاكم من حديث ابن وهب وصححه وقد اعتمد الأئمة هذا الحديث (كشف الخفا 1/282).

[54] فتح الباري (13/295)

[55] الشيخ شمس الدين محمد بن العلقمي الشافعي المتوفى سنة 929 له الكوكب المنير شرح فيض القدير (كشف الظنون 1/560)

[56] الحافظ العلامة الشهير أبو بكرأحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير رحل في آخر عمره إلى أصبهان والشام بنشر علمه مات بالرملة سنة اثنتين وتسعين ومائتين (طبقات الحفاظ 1/289)

[57] أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني الجزري صاحب الامام أحمد روى عنه وعن أبيه عبد الحميد وجماعة  وعنه النسائي ووثقه أبو حاتم وآخرون مات سنة أربع وسبعين ومائتين (طبقات الحفاظ 1/267)

[58] عون المعبود (11/260) مختصرا

[59] أخرجه البخاري (2/774، رقم 2109، 2/875 رقم 2344) ومسلم (1/135 رقم 155).

[60] أخرجه مسلم (1/137)

[61] أخرجه ابن ماجه (2/1340 رقم 4039) قال الذهبي: اخرجه ابن ماجه عن يونس فوافقناه وهو خبر منكر تفرد به يونس ابن عبد الاعلى الصدفي أحد الثقات ولكنه ما احسبه سمعه من الشافعي بل أخبره به مخبر مجهول ليس بمعتمد. (سير أعلام النبلاء 10/67)

[62] أبو عبد الله محمد بن يزيد الربعي مولاهم القزويني الحافظ صاحب كتاب السنن والتفسير، قال الخليلي ثقة كبير متفق عليه محتج به له معرفة بالحديث وحفظ ومصنفات في السنن والتفسير والتاريخ وكان عارفا بهذا الشأن مات سنة ثلاث وثمانين ومائتين (طبقات الحفاظ 1/282)

[63] يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري. روى عن ابن عيينة والشافعي وابن وهب وخلق. وعنه مسلم والنسائي وابن ماجه وأبو زرعة وأبو حاتم وخلق (طبقات الحفاظ 1/234)

[64] وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح روى عنه الشافعي. قال الأزدي: منكر الحديث. أبو عبد الله الحاكم: مجهول.  قلت: حديثه لا مهدي إلا عيسى بن مريم، وهو خبر منكر، أخرجه ابن ماجه، ووقع لنا موافقة من حديث يونس بن عبد الأعلى، وهو ثقة تفرد به عن الشافعي. فقال في روايتنا عنه هكذا بلفظ عن الشافعي. وقال في جزء عتيق بمرة عندي من حديث يونس بن عبد الأعلى قال: حدثت عن الشافعي. فهو على هذا منقطع. على أن جماعة رووه عن يونس. قال: حدثنا الشافعي. والصحيح أنه لم يسمعه منه. وأبان بن صالح صدوق وما علمت به بأسا. لكن قيل إنه لم يسمع من الحسن. ذكره ابن الصلاح في أماليه. ثم قال: محمد بن خالد شيخ مجهول. قلت: قد وثقه يحيى بن معين. والله أعلم. وروى عنه ثلاثة رجال سوى الشافعي. وللحديث علة أخرى؛ قال البيهقي: أخبرنا الحاكم حدثني عبدالرحمن بن عبدالله بن يزداد المذكر من كتابه حدثنا عبدالرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بمصر حدثنا المفضل بن محمد الجندي حدثنا صامت بن معاذ قال: عدلت إلى الجند فدخلت على محدث لهم فوجدت عنده عن محمد بن خالد الجندي عن أبان عن أبي عياش عن الحسن عن النبي  صلى الله عليه وسلم قلت فانكشف ووهى. (ميزان الاعتدال 6/133)

[65] أبان بن صالح  بن عمير القرشي روى عن مجاهد وعطاء روى عنه بن جريج وابن عجلان وابن إسحاق وثقه أبو زرعة وابن معين (الجرح والتعديل 2/297)

[66] الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري البغدادي المحدث الثقة الضابط صاحب التصانيف والسنة كان حنبليا وقيل شافعيا وبه جزم الأسنوي وابن الأهدل. صنف كثيرا جاور بمكة وتوفي بها قيل إنه لما دخلها فأعجبته قال اللهم ارزقني الإقامة بها سنة فهتف به هاتف بل ثلاثين سنة فعاش بها ثلاثين سنة ثم مات بها في أول المحرم والآجري بضم الجيم نسبة إلى قرية من قرى بغداد (شذرات الذهب 2/35)

[67] الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي صاحب التصانيف   ولد سنة أربع وثمانين ثلاثمائة في شعبان ولزم الحاكم وتخرج به وأكثر عنه جدا. كتب الحديث وحفظه من صباه وبرع وأخذ في الأصول وانفرد بالإتقان والضبط والحفظ ورحل. وعمل كتبا لم يسبق إليها كالسنن الكبرى والصغرى وشعب الإيمان والأسماء والصفات ودلائل النبوة والبعث والآداب والدعوات والمدخل والمعرفة والترغيب والترهيب والخلافيات والزهد والمعتقد وغير ذلك مما يقارب ألف جزء   وبورك له في علمه لحسن قصده وقوة وفهمه وحفظه وكان على سيرة العلماء قانعا باليسير مات في عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة بنيسابور (طبقات الحفاظ 1/432)

[68] الحافظ الكبير إمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن عبد الله محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري   يعرف بابن البيع صاحب المستدرك والتاريخ وعلوم الحديث والمدخل والإكليل ومناقب الشافعي وغير ذلك   ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة في ربيع الأول.   وكان إمام عصره في الحديث العارف به حق معرفته صالحا ثقة يميل إلى التشيع   وعنه شربت ماء زمزم وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف. وقال ابن طاهر قلت لسعد بن علي الزنجاني الحافظ أربعة من الحفاظ تعاصروا أيهم أحفظ قال من قلت الدارقطني ببغداد وعبد الغني بمصر وابن منده بأصبهان والحاكم بنيسابور فسكت فألححت عليه فقال أما الدارقطني فأعلمهم بالعلل وعبد الغني أعلمهم بالأنساب وأما ابن منده فأكثرهم حديثا مع معرفة تامة وأما   الحاكم   فأحسنهم تصنيفا. توفي في صفر سنة خمس وأربعمائة (طبقات الحفاظ 1/411)

[69] قال ابن حجر: أبان بن أبي عياش فيروز البصري أبو إسماعيل العبدي متروك من الخامسة مات في حدود الأربعين (تقريب التهذيب 1/87)

[70] المنار المنيف ص141، لابن القيم، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة الثانية، 1403هـ، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة

[71] أخرجه أبو داود (4/106 رقم 4282) والترمذي (4/505 رقم 2231) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

[72] أخرجه أبو داود (4/108 رقم 4290)

[73] أخرجه أبو داود (4/107 رقم 4285)

[74] أخرجه أحمد (6/316 رقم 62831) أبو داود (4/107 رقم 4286) وقال ابن القيم: والحديث حسن ومثله مما يجوز أن يقال فيه صحيح (المنار المنيف ص145)

[75] عبد الله بن الحارث بن جزء بن عبد الله بن معد يكرب بن عمرو بن عسم بمهملتين وقيل بالصاد بدل السين بن عمرو بن عويج بن عمرو بن زبيد الزبيدي حليف أبي وداعة السهمي. قال بن يونس مات سنة ست وثمانين بعد أن عمي وقيل سنة خمس وقيل سبع وقيل ثمان وكانت وفاته بسفط القدور بمصر (الإصابة 4/46)

[76] أخرجه ابن ماجه (2/1368 رقم 4088)

[77] أخرجه أبو داود (4/107 رقم 4284) وفي إسناده زياد بن بيان وثقة ابن حبان وقال ابن معين ليس به بأس وقال البخاري في إسناد حديثه نظر (المنار المنيف ص146) وعلله أيضا ابن الجوزي بعلي بن نفيل وزياد بن بيان وضعف رفعه (العلل المتناهية 2/860)

[78] أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/257 رقم 1031) وأحمد (3/345 رقم 14762) واللفظ له.

[79] أخرجه ابن حبان (15/236 رقم 6823)

[80] أبو قتادة الأنصاري السلمي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد أحدا والحديبية وله عدة أحاديث اسمه الحارث بن ربعي على الصحيح وقيل اسمه النعمان وقيل عمرو. روى إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال   خير فرساننا   أبو قتادة   وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع. قال   أبو قتادة   إني لأغسل رأسي قد غسلت أحد شقيه إذ سمعت فرسي جروة تصهل وتبحث بحافرها فقلت هذه حرب قد حضرت   فقمت ولم أغسل شق رأسي الآخر فركبت وعلي بردة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح الفزع الفزع   قال فأدرك المقداد فسايرته ساعة ثم تقدمه فرسي وكان أجود من فرسه وأخبرني المقداد بقتل مسعدة محرزا يعني ابن نضلة فقلت للمقداد إما أن أموت أو أقتل قاتل محرز   فضرب فرسه فلحقه   أبو قتادة   فوقف له مسعدة فنزل أبو قتادة فقتله وجنب فرسه معه   قال فلما مر الناس تلاحقوا ونظروا إلى بردي فعرفوها وقالوا: أبو قتادة. قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ولكنه قتيل أبي قتادة عليه برده فخلوا بينه وبين سلبه وفرسه.  قال فلما أدركني قال اللهم بارك له في شعره وبشره أفلح وجهك قتلت مسعدة قلت نعم قال فما هذا الذي بوجهك قلت سهم رميت به قال فادن مني فبصق عليه فما ضرب علي قط ولا قاح. فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة وكأنه ابن خمس عشرة سنة. مات   أبو قتادة   سنة أربع وخمسين (سير أعلام النبلاء 2/452)

[81] أخرجه ابن حبان (15/239 رقم 6827)

[82] أخرجه الحاكم (4/510 رقم 8432) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

[83] أخرجه الحاكم (4/547 رقم 8531) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

[84] أخرجه الترمذي (4/505 رقم 2230) وقال حسن صحيح.

[85] أخرجه الترمذي (4/505 رقم 2231) وقال: حسن صحيح

[86] أخرجه مسلم (4/2253 رقم 2937)

[87] أخرجه مسلم (1/137 رقم 155)

[88] أخرجه البخاري (2/774، رقم 2109، 2/875 رقم 2344) ومسلم (1/135 رقم 155).

[89] أخرجه أحمد (5/277 رقم 22441) وفي إسناده: علي بن زيد قد روى له مسلم متابعة ولكن هوضعيف، وله مناكير تفرد بها فلا يحتج بما ينفرد به (المنار المنيف ص149)

[90] قال صاحب مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه الحاكم في المستدرك من طريق الحسين بن حفص عن سفيان به وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (مصباح الزجاجة 4/204)

[91] أخرجه ابن ماجه (2/1367 رقم 4082) وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو سيء الحفظ اختلط في آخر عمره وكان يقلد الفلوس (المنار المنيف ص150)

[92] أخرجه أبوداود (4/200 رقم 4607) وابن ماجه (1/15 رقم 42) والحاكم (1/174 رقم 329، 1/177 رقم 333)

[93] أخرجه الطبراني في الأوسط (2/15 رقم 1075)

[94] أخرجه ابن ماجه (2/1361 رقم 4077)

[95] أخرجه الطبري في تفسيره (3/290) بدون ذكر المهدي.

[96] هو محمد بن تومرت الأفراق بفتح الهمزة عند الأكثرين وضبطه بعضهم بكسرها وقال الأفراق موضع من أعمال المدينة   أفران بفتح الهمزة وسكون الفاء وراء وألف ونون قرية من قرى نخشب. مدعي المهدية مات سنة 524هـ (معجم البلدان 1/227، سير أعلام النبلاء 20/368)

[97] السلطان الكبير الملك الناصر صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني ثم التكريتي المولد ولد في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة توفي سنة 589هـ (شذرات الذهب 2/298)

[98] المنار المنيف ص150-155 بتصرف يسير.

[99] أخرجه البخاري (2/664 رقم 1779، 2/871 رقم 2335، 3/13173402) ومسلم (4/2211 رقم 2885) كلاهما عن أسامة بن زيد وروى البخاري عن أم سلمة (6/2589 رقم 6651) في كتاب الفتن بلفظ: كوقع القطر.

[100] شرح النووي على صحيح مسلم (18/7-8)

[101] شرح النووي على صحيح مسلم (18/7-8)

[102] شارح الصحيح أبو الحسن علي بن خلف بن بطال القرطبي توفي في صفر سنة 449هـ (سير أعلام النبلا ء 18/63، شذرات الذهب 2/283)

[103] أخرجه الحاكم (4/486 رقم 8357)

[104] فتح الباري (13/12-13)

[105] أخرجه البخاري (3/1221 رقم 3168، 3/1317 رقم 3403، 6/2689 رقم 6650، 6/2609 رقم 6716) ومسلم (4/2207 رقم 2880)

[106] انظر شرح النووي (18/2-4)

[107] المصدر السابق

[108] قتح الباري (13/106)

[109] سورة الأنفال: من الآية33

[110] قتح الباري (13/106-109) مختصرا

[111] أخرجه البخاري (6/2602 رقم 6691) ومسلم (4/2206 رقم 2879)

[112] أخرجه ابن حبان (1/540 رقم 305) أبو داود (4/122 رقم 4338) والترمذي (4/467 رقم 2168) والنسائي في الكبرى (6/338 رقم 1157) وابن ماجه (2/1327 رقم 4005) وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.

[113] أخرجه مسلم (4/2210 رقم 2884)

[114] أخرجه مسلم (4/2208 رقم 2882)

[115] راجع الكلام عن سنة ربط صلاح الجماعة بصلاح الأفراد ص230

[116] سورة القصص: 59

[117] سورة الأنفال:33

[118] سورة النساء: 140

[119] فتح الباري (13/61)

[120] المصدر السابق

[121] المصدر السابق

[122] المصدر السابق

[123] أخرجه مسلم (4/2167 رقم 2813)

[124] سورة هود: 7

[125] فيض القدير (2/408-409) مختصرا

[126] أخرجه مسلم (1/110 رقم 118)

[127] شرح النووي (2/133) بتصرف يسير.

[128] عون المعبود (11/226-227)

[129] عون المعبود (11/226-227)

[130] تحفة الأحوذي (6/364)

[131] سورة المائدة:15-16

[132] سورة الجـن: 1-2

[133] أخرجه الترمذي (5/172 رقم 2906) والدارمي (2/526 رقم 3331) والبزار (3/72 رقم 836)

[134] سورة الجـن: 1

[135] أخرجه الطبراني في الكبير (20/84 رقم 160)

[136] سورة الحشر: 7

[137] سورة النساء: 59

[138] المقدام بن معديكرب الكندي ويكنى أبا يحيى توفي بالشام سنة سبع وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان وهو بن إحدى وتسعين سنة (الطبقات الكبرى 7/415)

[139] أخرجه أبو داود (4/200 رقم 4604) وأحمد (4/130) قال ابن حجر: حسنه الترمذي، وصححه الحاكم والبيهقي (لسان الميزان 1/3)

[140] عون المعبود (12/321) مختصرا

[141] أخرجه الإمام مالك (2/899 رقم 1594) الحاكم (1/127 رقم 319) قال ابن عبد البر: وهذا أيضا محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد. (التمهيد 24/331)

[142] شرح الزرقاني (4/307-308)

[143] ومعنى تعرض: أنها تلصق بعرض القلوب، أي جانبها، كما يلصق الحصير بجنب النائم، ويؤثر فيه شدة التصاقها به. (شرح النووي 2/171)

[144] ومعنى (عودا عودا) أى تعاد وتكرر شيئا بعد شىء. وقال الاستاذ أبو عبد الله بن سليمان: معناه تظهر على القلوب أى تظهر لها فتنة بعد أخرى (شرح النووي 2/1719)

[145] معنى أشربها دخلت فيه دخولا تاما، وألزمها وحلت منه محل الشراب. ومنه قوله تعالى (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) أى حب العجل. ومنه قولهم: ثوب مشرب بحمرة أى خالطته الحمرة مخالطة لا انفكاك لها (شرح النووي 2/171)

[146] ومعنى (نكت نكتة): نقط نقطة. وهى بالتاء المثناة فى آخره. قال ابن دريد وغيره: كل نقطة فى شىء بخلاف لونه فهو نكت (شرح النووي 2/172)

[147] ومعنى (أنكرها) ردها (شرح النووي 2/172)

[148] قال القاضي عياض رحمه الله: ليس تشبيهه بالصفا بيانا لبياضه لكن صفة أخرى لشدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه، كالصفا وهو الحجر الأملس الذى لا يعلق به شىء (شرح النووي 2/172)

[149] وأما قوله (مِربادًّا) فكذا هو فى روايتنا وأصول بلادنا وهو نصب على الحال. وذكر القاضى عياض رحمه الله خلافا فى ضبطه وأن منهم من ضبطه كما ذكرناه، ومنهم من رواه مربئد بهمزة مكسورة بعد الباء. قال القاضى: وهذه رواية أكثر شيوخنا، وأصله أن لا يهمز ويكون مربد مثل مسود ومحمر. وكذا ذكره أبو عبيد[149] والهروي[149] وصححه بعض شيوخنا عن أبى مروان بن سراج[149]، لأنه من اربد إلا على لغة من قال احمار بهمزة بعد الميم لالتقاء الساكنين، فيقال اربأد ومربئد، والدال مشددة على القولين. قال: أرى إن صوابه شبه البياض فى سواد، وذلك أن شدة البياض فى سواد لا يسمى ربدة، وإنما يقال لها: بلق، إذا كان فى الجسم، وحورا إذا كان فى العين، والربدة إنما هو شىء من بياض يسير كلون أكثر النعام، ومنه قيل: للنعامة ربداء، فصوابه شبه البياض، لا شدة البياض. قال أبو عبيد عن أبى عمرو وغيره: الربدة لون بين السواد والغبرة. وقال ابن دريد: الربدة لون أكدر. وقال غيره: هى أن يختلط السواد بكدرة. وقال الحربى: لون النعام بعضه أسود وبعضه أبيض. ومنه اربد لونه اذا تغير ودخله سواد. وقال نفطويه: المربد الملمع بسواد وبياض. ومنه تربد لونه أى تلون. والله أعلم. (شرح النووي 2/172-174)

[150] وأما قوله (مُجَخِّياً) فهو بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم خاء معجمة مكسورة معناه مائلا. كذا قاله الهروى وغيره. وفسره الراوى فى الكتاب بقوله (منكوسا)، وهو قريب من معنى المائل. قال القاضى عياض: قال لى ابن سراج: ليس قوله كالكوز مجخيا تشبيها لما تقدم من سواده، بل هو وصف آخر من أوصافه بأنه قلب نكس حتى لا يعلق به خير ولا حكمة. ومثله بالكوز المجخى. وبينه بقوله (لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا). قال القاضى رحمه الله: شبه القلب الذى لا يعى خيرا بالكوز المنحرف الذى لا يثبت الماء فيه. وقال صاحب التحرير: معنى الحديث أن الرجل إذا تبع هواه وارتكب المعاصى دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة، وإذا صار كذلك افتتن وزال عنه نور الاسلام. والقلب مثل الكوز فاذا انكب انصب ما فيه، ولم يدخله شىء بعد ذلك (شرح النووي 2/173)

[151] أخرجه مسلم (1/128 رقم 144)

[152] شرح النووي (2/171)

[153] العوائق، محمد أحمد الراشد، ص31، مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1420هـ-1999م

[154] أخرجه البخاري (2/520 رقم 1368، 3/1314 رقم 3393، 6/2299 رقم 6683) ومسلم (4/2218 رقم 144) واللفظ للبخاري.

[155] فتح الباري (6/605)

[156] المصدر السابق

[157] انظر فتح الباري (6/606)

[158] سورة النساء: 31

[159] انظر فتح الباري (6/605-607)

[160] انظر فتح الباري (6/606)

[161] فتح الباري (13/50)

[162] شرح النووي (2/175)

[163] فتح الباري (6/605-607)

[164] أخرجه مسلم (1/129 رقم 144)

[165] فتح الباري (6/605-607)

[166] أخرجه ابن حبان (16/221 رقم 7238) وأحمد (5/284 رقم 22505) وأبو داود (4/97 رقم 4252) والترمذي (4/490 رقم 2202) والحاكم (4/496 رقم 8390)

[167] فتح الباري (13/50) بتصرف يسير.

[168] فتح الباري (13/50) بتصرف.

[169] فتح الباري (6/607)

[170] أخرجه البخاري (3/1344 رقم 3472، 3/1353 رقم 3496)

[171] فتح الباري (6/607)

[172] أبو ثعلبة الخشني صحابي مشهور معروف بكنيته واختلف في اسمه اختلافا كثيرا وكذا في اسم أبيه فقيل جرهم بضم الجيم والهاء بينهما راء ساكنة قاله أحمد ومسلم وابن زنجويه وهارون الحمال وابن سعد عن أصحابه وقيل جرثم مثله لكن بدل الهاء مثلثة وقيل جرهوم كالأول لكن بزيادة واو وقيل جرثوم كالثاني بزيادة واو أيضا وقيل جرثومة. قدم أبو ثعلبة على رسول الله وهو يتجهز إلى خيبر فأسلم وخرج معه فشهدها ثم قدم بعد ذلك سبعة نفر من قومه فأسلموا ونزلوا عليه. وعاش بعد النبي ولم يقاتل بصفين مع أحد الفريقين ومات في أول خلافة معاوية (الإصابة 7/57)

[173] سورة المائدة: 105

[174] أخرجه ابن حبان في صحيحه (2/108-109 رقم 385) أبو داود (4/123 رقم 4341) وابن ماجه (2/1330 رقم 4014) والترمذي (5/257 رقم 3058) وحسنه (7/127 رقم 9731) والحاكم في المستدرك (4/358 رقم 3912) قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[175] النهاية (1/846)

[176] أخرجه البخاري (3/1343 رقم 3470) ومسلم (4/1967 رقم 2540)

[177] العلامة العلم الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي أحد الأعلام وصاحب التصانيف توفي سنة463هـ في سلخ ربيع الآخر وله خمس وتسعون سنة وخمسة أيام وليس لأهل المغرب أحفظ منه مع   الثقة والدين والنزاهة والتبحر في الفقه والعربية والأخبار قاله في العبر. ودأب في طلب العلم وتفنن فيه وبرع براعة فاق فيها من تقدمه من رجال الأندلس وألف في الموطأ كتبا مفيدة منها كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ورتب أسماء شيوخ مالك على حروف المعجم وهو كتاب لم يتقدمه أحد إلى مثله وهو سبعون جزءا قال أبو محمد بن حزم لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه ثم وضع كتاب الأستذكار لمذاب علماء الامصار فيما تضمنه الموطأ من المعاني والآثار شرح فيه الموطأ على وجهه ونسق أبوابه وجمع في أسماء الصحابة به كتابا جليلا مفيدا سماه الاستيعاب وله كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله و كتاب الدرر في اختصار المغازي والسير و كتاب العقل والعقلاء وما جاء في أوصافهم وكتاب صغير في القبائل العرب وأنسابهم وغير ذلك وكان موفقا في التأليف معانا عليه ونفع الله به وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره في الفقه ومعاني الحديث له بسطة كبيرة في علم النسب (شذرات الذهب 2/314-315)

[178] عزالدين شيخ الإسلام أبو محمد عبد العزيزبن عبد السلام بن أبي القسم بن الحسن الإمام العلامة وحيد عصره سلطان العلماء السلمي الدمشقي ثم المصري الشافعي ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة. هذا مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلابة في  الدين   وقد ولي الخطابة بدمشق فأزال كثيرا من بدع الخطباء ولم يلبس سوادا ولا سجع خطبته كان يقولها مترسلا واجتنب الثناء على الملوك بل كان يدعو لهم وأبطل صلاة الرغائب والنصف فوقع بينه وبين ابن الصلاح بسبب ذلك ولما سلم الصالح إسمعيل قلعة الشقيف وصفد للفرنج نال منه الشيخ على المنبر ولم يدع له فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه ثم أطلقه فتوجه إلى مصر فتلقاه صاحب مصر الصالح أيوب وأكرمه وفوض إليه قضاء مصر دون القاهرة والوجه القبلي مع خطابة جامع مصر فأقام بالمنصب أتم قيام وتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم عزل نفسه من القضاء وعزله السلطان من الخطابة فلزم بيته يشغل الناس ويدرس وأخذ في التفسير في دروسه وهو أول من أخذه في الدروس توفي بمصر في جمادى الأولى من السنة وحضر جنازته الخاص والعام السلطان فمن دونه ودفن بالقرافة في آخرها ولما بلغ السلطان خبر موته قال لم يستقر ملكي إلا الساعة لأنه لو أمر الناس في بما أراد لبادروا إلى امتثال أمره (شذرات الذهب 3/301)

[179] أخرجه مسلم (1/130 رقم 145) بدون “من أمتي”

[180] تحفة الأحوذي (8/337-338) بتصرف يسير

[181] أخرجه النسائي في المجتبى (7/161 رقم 4209) وابن ماجه (2/1330 رقم 4012) والحاكم(4/551 رقم 8543)

[182] عون المعبود (11/332-333) وذكره أيضا المباركفوري في تحفة الأحوذي (8/337-338)

[183] أخرجه البخاري (6/24 52 رقم 6317)

[184] أخرجه البخاري (3/1274 رقم 3269، 6/2669 رقم 6889) ومسلم (4/2054 رقم 2669)

[185] شرح النووي (16/219-220)

[186] فتح الباري (6/498)

[187] أخرجه الخاري (6/2669 رقم 6888) وأحمد (2/325 رقم 8291، 2/336 رقم 8414، 2/367 رقم 8791) وأبو يعلى في مسنده (11/82 رقم 6292) واللفظ للبخاري.

[188] فتح الباري (13/300-301) مختصرا

[189] المستورد بن شداد بن عمرو بن حسل بن الأحب بن حبيب بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر القرشي الفهري المكي نزيل الكوفة له وأبيه صحبة. توفي بالإسكندرية سنة خمس وأربعين من الهجرة (الإصابة 6/90)

[190] أخرجه الطبراني في الأوسط (1/101 رقم 313) قال الهيثمي: ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/261)

[191] وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/479 رقم 37377)

[192] العلامة شمس الدين محمد بن يوسف بن علي الكرماني المتوفى سنة 786 له الكواكب الداراري شرح صحيح البخاري وهو شرح وسط مشهور بالقول جامع لفرائد الفوائد وزوائد الفرائد (كشف الظنون 1/546)

[193] فتح الباري (13/301)

[194] فتح الباري (13/301)

[195] أخرجه البخاري (3/1319 رقم 4311، 6/2595 رقم 6673) ومسلم (3/1475 رقم 1847)

[196] فتح الباري (13/35)

[197] شرح النووي (12/236)

[198] فتح الباري (13/35)

[199] شرح النووي (12/238)

[200] أخرجه مسلم (3/1481 رقم 1854)

[201] شرح النووي (12/236-238)

[202] فتح الباري (13/36)

[203] أبو جعفر أحمد بن سعيد الداودي وهو ممن ينقل عنه بن التين في شرحه للبخاري (كشف الظنون 1/545)

[204] أبو الحسن القابسي علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني الفقيه شيخ المالكية أخذ عن ابن مسرور الدباغ وفي الرحلة عن حمزة الكتاني وطائفة وصنف تصانيف فائقة في الأصول والفروع وكان مع تقدمه في العلوم حافظا صالحا تقيا ورعا حافظا للحديث وعلله منقطع القرين وكان ضريرا توفي سنة 403هـ (شذرات الذهب 2/168)

[205] فتح الباري (13/36)

[206] القاضي ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي قاضي القضاة البيضاوي بفتح الباء إلى البيضاء من بلاد فارس الشافعي. قال السبكي كان إماما مبرزا نظارا خيرا صالحا متعبدا. توفي بمدينة تبريز سنة إحدى وتسعين وستمائة (شذرات الذهب 3/391)

[207] فتح الباري (13/35-37) مختصرا

[208] شرح النووي (12/236-238)

[209] سورة الرعد: 17

[210] الزبير بن عدي العلامة الثقة أبو عدي الهمداني اليامي الكوفي قاضي الري وثقه أحمد وكان فاضلا صاحب سنة قال العجلي ثقة ثبت من أصحاب إبراهيم كان مع قتيبة الباهلي فقال له إبراهيم اتق الله لا تقتل مع قتيبة يقال مات سنة إحدى وثلاثين ومئة (شذرات الذهب 6/157)

[211] صحيح البخاري (6/2591 رقم 6657)

[212] فتح الباري (13/21)

[213] فتح الباري (13/21)

[214] أخرجه مسلم (1/130 رقم 145)

[215] المبشرات ص123

[216] الرسالة : 475

[217] فتح الباري (13/37)

[218] فتح الباري (13/37)

[219] أخرجه أحمد (4/102)  والحاكم (1/218 رقم 443)

[220] أخرجه مسلم (3/1477 رقم 1849)

[221] جماعة المسلمين: مفهومها وكيفية لزومها في واقعنا المعاصر، د. صلاح الصاوي ص21، دار الصفوة، القاهرة، سنة 1412هـ

[222] جماعة المسلمين ص23

[223] جماعة المسلمين ص120

[224] جماعة المسلمين ص120-122

[225] اعتقاد أهل السنة، هبة الله اللالكائي، 1/109، دار طيبة، الرياض، 1402هـ

[226] سورة التوبة:119

[227] سورة العصر:1-3

[228] أخرجه الدارمي في سننه (1/91 رقم 251)

[229] أخرجه أبو داود (3/36 رقم 2608، 2609) وأخرجه ابن خزيمة عن عمر (4/141 رقم 2541) والحاكم (1/611 رقم 1623) وصححه.

[230] أخرجه أحمد (2/176 رقم 6647)

[231] السياسة الشرعية، لابن تيمية ص136-137

[232] النواس بن سمعان بن خالد بن عمرو بن قرط بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب العامري الكلابي له ولأبيه صحبة وحديثه عند مسلم في صحيحه (الإصابة 6/478)

[233] قال النووي: قوله (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفّض فيه ورفّع حتى ظنناه فى طائفة النخل) هو بتشديد الفاء فيهما، وفي معناه قولان (أحدهما) أن خفض بمعنى حقر وقوله (رفع) أى عظمه وفخمه. فمن تحقيره وهو أن الله تعالى عوّره، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم “و أهون على الله من ذلك”، وأنه لايقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل، ثم يعجز عنه, وأنه يضمحل أمره، ويقتل بعد ذلك هو وأتباعه. ومن تفخيمه وتعظيم فتنته والمحنة به هذه الأمور الخارقة للعادة، وأنه ما من نبى إلا وقد أنذره قومه. (والوجه الثانى) أنه خفض من صوته فى حال الكثرة، فيما تكلم فيه، فخفض بعد طول الكلام، والتعب ليستريح، ثم رفع ليبلغ صوته كل أحد(شرح النووي 18/63).

[234] قال النووي نقلا عن شيخه أبي عبد الله بن مالك رحمه الله: وأما معنى الحديث ففيه أوجه: (أظهرها) أنه من أفعل التفضيل: (الدجال) أخوف مخوفاتى عليكم ثم أضيف إلى الياء، ومنه “أخوف ما أخاف على أمتى الأئمة المضلون.” معناه: أن الأشياء التى أخافها على أمتى أحقها بأن تخاف الأئمة المضلون. (والثانى) بأن يكون أخوف من أخاف بمعنى خوف الدجال أشد موجبات خوفى عليكم. (والثالث) أن يكون من باب وصف المعانى بما يوصف به الأعيان على سبيل المبالغة كقولهم فى الشعر الفصيح: شعر شاعر. وخوف فلان أخوف من خوفك وتقديره الدجال أخوف خوفى عليكم ثم الأول ثم الثانى هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله. ثم قال النووي: ولأفعل التفضيل أيضا شبه بالفعل، وخصوصا بفعل التعجب، فجاز أن تلحقه النون المذكورة فى الحديث، كما لحقت فى الأبيات المذكورة. هذا هو الأظهر فى هذه النون هنا. ويحتمل أن يكون معناه أخوف لى فأبدلت النون من اللام، ككما أبدلت فى لعن وعن بمعنى لعل وعل (شرح النووي 18/64)

[235] قوله صلى الله عليه وسلم (إنه شاب قطط) هو بفتح القاف والطاء: أى شديد جعودة الشعر، مباعدة للجعودة المحبوبة (شرح النووي 18/64)

[236] قوله صلى الله عليه وسلم (أنه خارج خلة بين الشام والعراق) هكذا فى نسخ بلادنا: خَلَّة بفتح الخاء المعجمة واللام وتنوين الهاء. وقال القاضى: المشهور فيه حلة بالحاء المهملة ونصب التاء منونة. قيل: معناه سمت ذلك وقبالته. وفى كتاب العين الحلة موضع حزن وصخور. قال: ورواه بعضهم حُله بضم اللام، وبها الضمير، أى نزوله وحلوله. قال: وكذا ذكره الحميدى فى الجمع بين الصحيحين. قال: وذكره الهروى خلّة بالخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحتين، وفسره بأنه ما بين البلدين. هذا آخر ماذكره القاضى.

وهذا الذى ذكره عن الهروى هو الموجود فى نسخ بلادنا، وفى الجمع بين الصحيحين أيضا ببلادنا، وهو الذى رجحه صاحب نهاية الغريب، وفسره بالطريق بينهما (شرح النووي 18/64)

[237] قوله (فعاث يمينا وعاث شمالا) هو بعين مهملة وثاء مثلثة مفتوحة: وهو فعل ماض والعيث: الفساد أو أشد الفساد، والإسراع فيه، يقال: منه عاث يعيث. وحكى القاضى أنه رواه بعضهم: فعاثٍ بكسر الثاء منونة اسم فاعل، وهو بمعنى الأول.(شرح النووي 18/64-65)

[238] قوله صلى الله عليه وسلم (يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم) قال العلماء: هذا الحديث على ظاهره، وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القدر المذكور فى الحديث، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم “وسائر أيامه كأيامكم.” (شرح النووي 18/65)

[239] وأما قولهم (يا رسول الله فذلك اليوم الذى كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا اقدروا له قدره) فقال القاضى وغيره: هذا حكم مخصوص بذلك اليوم، شرعه لنا صاحب الشرع. قالوا: ولولا هذا الحديث ووكلنا إلى اجتهادنا لاقتصرنا فيه على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة فى غيره من الأيام (شرح النووي 18/65)

[240] ومعنى (اقدروا له قدره) أنه اذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر، ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر، واذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب، وكذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا، حتى ينقضى ذلك اليوم، وقد وقع فيه صلوات سنة فرائض كلها مؤداة فى وقتها. وأما الثانى الذى كشهر، والثالث الذى كجمعة فقياس اليوم الأول أن يقدر لهما كاليوم الأول على ما ذكرناه. والله أعلم (شرح النووي 18/65)

[241] قوله صلى الله عليه وسلم (فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر) أما (تروح) فمعناه ترجع آخر النهار، و(السارحة) هى الماشية التى تسرح أى تذهب أول النهار إلى المرعى. وأما (الذُرَى) فبضم الذال المعجمة وهى الأعالى والأسمنة، جمع ذُِروة بضم الذال وكسرها وقوله (وأسبغه) بالسين المهملة والغين المعجمة أى أطوله، لكثرة اللبن. وكذا (أمده) خواصر لكثرة امتلائها من الشبع (شرح النووي 18/65)

[242] قوله صلى الله عليه وسلم (فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل) هى ذكور النحل. هكذا فسره ابن قتيبة وآخرون. قال القاضى: المراد جماعة النحل لا ذكورها خاصة، لكنه كذا عن الجماعة باليعسوب وهو أميرها، لأنه متى طار تبعته جماعته. والله أعلم (شرح النووي 18/65)

[243] قوله صلى الله عليه وسلم (فيقطعه جزلتين رمية الغرض) بفتح الجيم على المشهور، وحكى ابن دريد كسرها، أى قطعتين (شرح النووي 18/66)

[244] ومعنى (رمية الغرض) أنه يجعل بين الجزلتين مقدار رميته. هذا هو الظاهر المشهور. وحكى القاضى هذا، ثم قال: وعندى أن فيه تقديما وتأخيرا، وتقديره فيصيبه إصابة رمية الغرض فيقطعه جزلتين. والصحيح الأول (شرح النووي 18/66)

[245] قوله (فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين) أما المنارة فبفتح الميم. وهذه المنارة قائمة اليوم (شرقى دمشق) ودمشق بكسر الدال وفتح الميم، وهذا هو المشهور. وحكى صاحب المطالع كسر الميم. وهذا الحديث من فضائل دمشق وفى (عند) ثلاث لغات كسر العين وضمها وفتحها والمشهور الكسر (شرح النووي 18/66)

[246] وأما (المهروذتان) فروى بالدال المهملة والذال المعجمة. والمهملة أكثر. والوجهان مشهوران للمتقدمين والمتأخرين من أهل اللغة والغريب وغيرهم. وأكثر ما يقع فى النسخ بالمهملة، كما هو المشهور. ومعناه: لابس مهروذتين أى ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران، وقيل: هما شقتان والشقة نصف الملاءة (شرح النووي 18/66)

[247] قوله صلى الله عليه وسلم (تحدر منه جُمَان كاللؤلؤ) الجمان بضم الجيم وتخفيف الميم هى حبات من الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار. والمراد يتحدر منه الماء على هيئة اللولؤ فى صفاته فسمى الماء جمانا لشبهه به فى الصفاء (شرح النووي 18/66)

[248] قوله صلى الله عليه وسلم (فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات) هكذا الرواية “فلا يحِل” بكسر الحاء و(نفَسه) بفتح الفاء ومعنى لا يحل لا يمكن ولا يقع. وقال القاضى: معناه عندى حق وواجب. قال: ورواه بعضهم بضم الحاء وهو وهم وغلط (شرح النووي 18/66)

[249] قوله صلى الله عليه وسلم (يدركه بباب لُدّ) هو بضم اللام وتشديد الدال مصروف، وهو بلدة المساجد من بيت المقدس (شرح النووي 18/66)

[250] قوله صلى الله عليه وسلم (ثم يأتى عيسى صلى الله عليه وسلم قوما قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم) قال القاضى: يحتمل أن هذا المسح حقيقة على ظاهره، فيمسح على وجوههم تبركا وبرا، ويحتمل أنه إشارة إلى كشف ما هم فيه من الشدة والخوف (شرح النووي 18/66-67)

[251] قوله تعالى (أخرجت عبادا لى لايدان لأحد بقتالهم فحرز عبادى إلى الطور) فقوله لا يدان بكسر النون تثنية يد. قال العلماء: معناه لا قدرة ولا طاقة. يقال: مالى بهذا الأمر يد، ومالى به يدان، لأن المباشرة والدفع إنما يكون باليد، وكان يديه معدومتان، لعجزه عن دفعه. ومعنى حرزهم إلى الطور أى ضمهم واجعله لهم حرزا. يقال: أحرزت الشىء أحرزه إحزازا اذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ. ووقع فى بعض النسخ حزب بالحاء والزاى والباء أى أجمعهم. قال القاضى: وروى حوز بالواو والزاى، ومعناه نحهم وأزلهم عن طريقهم إلى الطور (شرح النووي 18/67)

[252] قوله (وهم من كل حدب ينسلون) الحدب: النشز، وينسلون: يمشون مسرعين (شرح النووي 18/67)

[253] قوله صلى الله عليه وسلم (فيرسل الله تعالى عليهم النغف فى رقابهم فيصبحون فرسى) النغف بنون وغين معجمة مفتوحتين ثم فاء، وهو دود يكون فى أنوف الإبل والغنم، الواحدة نغفة. والفرسى بفتح الفاء مقصور أى قتلى، واحدهم فريس (شرح النووي 18/67)

[254] قوله (ملأه زهمهم ونتنهم) هو بفتح الهاء أى دسمهم ورائحتهم الكريهة (شرح النووي 18/67)

[255] قوله صلى الله عليه وسلم (لا يكن منه بيت مدر) أى لا يمنع من نزول الماء (بيت المدر) بفتح الميم والدال، وهو الطين الصلب (شرح النووي 18/67)

[256] قوله صلى الله عليه وسلم (فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة) روى بفتح الزاى واللام والقاف، وروى الزُلفة بضم الزاى واسكان اللام وبالفاء، وروى الزَلَفة بفتح الزاى واللام وبالفاء. وقال القاضى: روى بالفاء والقاف وبفتح اللام وباسكانها، وكلها صحيحة. قال فى المشارق: والزاى مفتوحة. واختلفوا فى معناه. فقال ثعلب وأبو زيد وآخرون معناه: كالمرآة. وحكى صاحب المشارق هذا عن ابن عباس أيضا، شبهها بالمرآة فى صفائها ونظافتها. وقيل: كمصانع الماء أى إن الماء يستنقع فيها، حتى تصير كالمصنع الذى يجتمع فيه الماء. وقال أبو عبيد: معناه كالإجانة الخضراء. وقيل: كالصفحة. وقيل: كالروضة (شرح النووي 18/67)

[257] قوله صلى الله عليه وسلم (تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها) العصابة الجماعة. وقحفها بكسر القاف هو مقعر قشرها، شبهها بقحف الرأس وهو الذى فوق الدماغ. وقيل: ما انفلق من جمجمته وانفصل (شرح النووي 18/68)

[258] الرِسل بكسر الراء وإسكان السين: هو اللبن (شرح النووي 18/68)

[259] و(اللَِقحة) بكسر اللام وفتحها لغتان مشهورتان، والكسر أشهر، وهى القريبة العهد بالولادة، وجمعها لقح بكسر اللام وفتح القاف، كبركة وبرك. واللقوح ذات اللبن وجمعها لقاح (شرح النووي 18/68)

[260] و(الفئام) بكسر الفاء وبعدها همزة ممدودة، وهى الجماعة الكثيرة. هذا هو المشهور والمعروف فى اللغة وكتب الغريب. ورواية الحديث أنه بكسر الفاء وبالهمز. قال القاضى: ومنهم من لا يجيز الهمز بل يقوله بالياء. وقال فى المشارق: وحكاه الخليل بفتح الفاء، وهى رواية القابسى. قال: وذكره صاحب مهموز فأدخله فى حرف الياء وحكى الخطابى أن بعضهم ذكره بفتح الفاء وتشديد الياء وهو غلط فاحش (شرح النووي 18/68)

[261] قوله صلى الله عليه وسلم (لتكفى الفخذ من الناس) قال أهل اللغة الفخذ: الجماعة من الأقارب، وهم دون البطن. والبطن دون القبيلة. قال القاضى: قال ابن فارس: الفخذ هنا بإسكان الخاء فلا يقال إلا بإسكانها، بخلاف الفخذ التى هى العضو، فإنها تكسر و تسكن (شرح النووي 18/68)

[262] قوله صلى الله عليه وسلم (فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم) هكذا هو فى جميع نسخ مسلم “وكل مسلم” بالواو (شرح النووي 18/68)

[263] قوله صلى الله عليه وسلم (يتهارجون تهارج الحمير) أى يجامع الرجال النساء بحضرة الناس، كما يفعل الحمير. ولا يكترثون لذلك. والهرج بإسكان الراء الجماع. يقال: هرج زوجته أي جامعها، يهرجها، بفتح الراء وضمها وكسرها (شرح النووي 18/68)

[264] أخرجه مسلم (4/2251-2254رقم 2937)

[265] عبد الرحمن بن شماسة المهري من ثقات المصريين كان قد صحب زيد بن ثابت زمانا (مشاهير علماء الأمصار 1/119)

[266] مسلمة بن مخلد بن الصامت بن نيار بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الخزرجي ويقال زرقي يكنى أبا سعيد ذكره بن السكن وأبو نعيم وغيرهما في الصحابة قال بن السكن روى عن النبي أحاديث لا يذكر في شيء منها سماعا كذا قال وقد أخرج أبو نعيم من طريق بن عون عن مكحول قال ركب عقبة بن عامر إلى مسلمة وهو أمير على مصر وهو أول من جمعت له مصر والمغرب وذلك في خلافة معاوية وصدر من خلافة يزيد بن معاوية وتوفي بمصر سنة اثنتين وستين (الإصابة 6/116)

[267] تقدم تخريجه انظر ص255

[268] أخرجه البخاري (6/2590 رقم 6656)

[269] أخرجه مسلم (4/2268 رقم 2949)

[270] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1/159)

[271] قاضي بغداد أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلمي المدني العلامة أحد أوعية العلم روى عن ثور بن يزيد وابن جريج وطبقتهما وكان يقول حفظي أكثر من كتبي وقد تحول مرة فكانت كتبه مائة وعشرين حملا ضعفه الجماعة كلهم. وقال الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي صاحب التصانيف مجمع على تركه وقال ابن عدي يروي أحاديث غير محفوظة والبلاء منه وقال النسائي كان يضع الحديث (شذرات الذهب 1/18)

[272] أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي مولاهم الخراساني المفسر وقال في المغني مقاتل بن سليمان البلخي هالك كذبة وكيع النسائي انتهى وقال ابن الأهدل كان نبيلا واتهم في الرواية قال مرة سلوني عمادون العرش فقيل له من حلق رأس آدم لما حج وقال له آخر الذرة أو النملة معاؤها في مقدمها أو مؤخرها فلم يدرك ما يقول وقال ليس هذا من علمكم لكن بليت به لعجبي بنفسي مات سنة 150هـ (شذرات الذهب 1/227)

[273] العلامة الإخباري النسابة الأوحد أبو المنذر هشام بن الإخباري الباهر محمد بن السائب بن الكوفي الشيعي أحد المتروكين كأبيه. روى عن أبيه كثيرا وعن مجالد وأبي مخنف الفاء وطائفة  حدث عنه ابنه العباس ومحمد بن سعد وخليفة بن خياط وابن ابي السري العسقلاني وأحمد بن المقدام العجلي قال احمد بن حنبل إنما كان صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحد يحدث عنه وقال الدارقطني وغيره متروك الحديث. وقال ابن عساكر رافضي ليس بثقة. وقد اتهم في قوله حفظت القرآن في ثلاثة أيام وكذا قوله نسيت ما لم ينس أحد فقبضت على لحيتي والمرآة بيدي لأقص ما فضل عن القبض فنسيت وقصيت من فوق القبضة. مات على الصحيح سنة أربع ومئتين وقيل بعد ذلك بقليل (سير أعلام النبلاء 10/101-103)

[274] لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (1/12) مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1406هـ-1986م

[275] صحيح مسلم (1/18) وابن حبان (1/211 رقم 29)

[276] أخرجه البخاري (1/52 رقم 107-109) ومسلم (1/10 رقم 2-4) واللفظ لمسلم في رواية المغيرة.

[277] الرسول، سعيد حوى ص344، مكتبة وهبة، القاهرة، بدون سنة الطبع.

[278] الرسول ص343

[279] نقدم تخريجه انظر ص62

[280] من أجل صحوة راشدة، د. يوسف القرضاوي، ص18-19، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1422هـ-2001م

[281] سورة العنكبوت: 10

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: